ثــورات مــهمشة!!..

حجم الخط
0

عندما نتحدث عن الثورات ونقيس حقيقتها ومدى واقعيتها فانه يتوجب علينا أن ننظر إلى الشعوب ونضعها هي المعيار والحاكم بغض النظر عن انتماءاتها الدينية أو الطائفية، وألا ننظر إلى مصالحنا مهما كانت، ونبتعد كل البعد عن المحاباة ونرفض القتل بكل صوره وأشكاله، وان ندين الظلم بغض النظر عن الطرف الذي وقع عليه هذا الظلم ومذهبه وطائفته أو اتجاهاته وميوله، أو الطرف الذي صدر عنه.
ما نراه اليوم هو إن الشعوب العربية تنظر إلى ثورات بعض أقطارها بمنظار قوى خارجية مهيمنة تملك القوة التي تحرك حكام هذه الشعوب أو نخبها السياسية أو الدينية كيفما تشاء، ونجدهم في غاية الإذعان لتنفيذ ما يملى عليهم، فرأينا الحكام والفقهاء يهللون لثورة بعينها فهللت الشعوب بكل أطيافها وقدمت دعما شعبيا منقطع النظير، كما رأينا أيضا تهميشا لثورة أو لثورات بعينها مع إنها ثورات حقيقية وقامت ضد واقع مؤلم.
لو نظرنا إلى دول الربيع العربي، وراجعنا مواقف الشعوب العربية جملة تجاه بعض الثورات التي قامت وانطلق صداها سلميا، ابتداء من ثورة «الجنوب اليمني» التي قوبلت بالرفض من قبل الدولة المركزية نفسها، وتم التعامل معها بكل وسائل البطش والتنكيل، بالإضافة إلى التهميش واللا مبالاة من كافة وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية ولم تعط حقها من الإنصاف منذ انفجارها سلميا إلى اليوم.
منذ قيام الوحدة بين شطري اليمن تعاملت قوى الهيمنة في الشمال مع الجنوب على انه فرع، ومع الجنويين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ولم يجدوا حقهم العادل من المشاركة في الدولة التي توحدت، ومن حينها تمت تصفية قادتهم إما جسديا أو تغييبهم بالإخفاء القسري، بالإضافة إلى ما لقي الجنوب من احتلال فعلي، تمثل في الاستيلاء على الأراضي والمقار الحكومية وخصخصة المصانع او تدميرها، وتشريد آلاف الموظفين اضافة إلى ايقاف عمل المنتسبين إلى جهاز الدولة السياسي والعسكري والإداري، وأصبحوا بين ليلة وضحاها، بدون مصدر رزق لهم ولأولادهم، كما تم نهب ثروات البحر والصحراء والجبل، فلم يعد هناك اي شيء إلا وامتلكوه سواء بقوة القبيلة أو الجيش الذي سهل لهم الكثير من خطوات الاستحواذ والاستيلاء على كافة مصادر الثروة في الجنوب. ولم يقفوا عند ذلك بل استولوا على منازل المسؤولين الجنوبيين وحتى منازل المواطنين العاديين الذين هربوا إلى الأرياف خوفا من الحرب التي كانت تحمل أبعادا همجية وقذرة، كل هذا حصل وما زال ولم تحرك الأطراف الشعبية أو الرسمية أو الإقليمية أو الدولية ساكنا لانتقاد الوضع.
بقي الاحتقان الشعبي والجماهيري في الجنوب وانتقل الى الشمال ولكنه هذه المرة حمل أبعادا أيديولوجية وفكرية، حيث انطلقت ثورة الحوثيين في شمال الشمال، وتم التعامل معها حسب الهدف والطموح السياسي لكل فرقة وجماعة ودولة وبما يلبي تطلعاتهم، مستغلين كافة الأبعاد الممكنة لتحقيق مصالح وقتية ودائمة إن أمكن، فالحكومة اليمنية هي التي دعمت الحوثيين في بداية تكوينهم وقدمت لهم كل التسهيلات ليشكلوا حركة بالقوة التي تجعلها قادرة على مواجهة المد السني السلفي في صعدة، كما جعلتها فيما بعد – حركة الحوثي – مصدر استرزاق من الجارة أو «الأخت الكبرى» واستغلتها أيما استغلال ثم قاتلتهم واتهمتهم بالخروج عن الملة والدين يساندها حملة «الفكر السني» بمعية «الأخت الكبرى» التي قاتلتهم هي أيضا في حرب غير متكافئة وصبت عليهم جام غضبها ولكنها لـم تفلح.
عند انطلاق ثورة شباط/فبراير كان الثوار من «المؤدلجين» في ساحات التغيير يزعمون أن الجنوبيين والحوثيين على حق، وإنهم مظلومون، وان الجنوب وصعدة وقعا تحت الظلم والتهميش كثيرا، وكانوا يشيدون برقي ومدنية الجنوبيين، كما كانوا يشيدون بالأمن والاستقرار الذي أرسته وثبتت دعائمه جماعة الحوثي في صعدة بعد الحرب السادسة، – آخر حرب بين الحوثيين والجيش- بعد إتمام سيطرتهم على المحافظة وبعض المناطق المجاورة لها، وقدم كبير مشايخهم الاعتذار، وعلى الهواء مباشرة لهؤلاء الجماعة في إحدى أشهر قنوات الأخبار العربية.
اليوم وبعد إن رحل صالح عن السلطة – المتهم الرئيس في دمار اليمن ككل والجنوب وصعدة على وجه الخصوص – عن الحكم، وبعد إن بدأ يلوح في الأفق بريق الدولة المدنية الحديثة التي يتطلع لها اليمنيون، نشبت الحرب وبدأ الاقتتال مرة أخرى، هذه المرة ليس قتالا عسكريا من قبل الدولة وإنما حربا قبلية بين القبيلة وجماعة الحوثي، طائفية دينية بحتة بين الرافضة كما يسمونهم وأهل السنة، حرب نادى بها شيخ القبيلة وقادة التنظيمات السياسية المتأسلمة وتحت تأثير فتاوى مشايخهم، جاعلين من أنفسهم أوصياء على الدين.
لقد أصبحنا في حيرة من أمرنا، ندور في متاهة دينية مغلقة فأنت لست مسلما إذا ناصرت هؤلاء كما انك مسلم إسلام حق إذا دعمتهم! وكدنا لا نعلم ما الدين والإسلام في الأرض ومن هم الذين يمثلونه اصدق تمثيل، هل هم أنصار الشريعة «القاعدة مصغر» في أبين وشبوة، أم هم الحوثيون في صعدة وما جاورها، هل هم الذين يقاتلون الحوثيين من سلفيين وسنة وغيرهم، أم جماعة الإخوان المسلمين – الإسلام المعتدل- المكون السياسي تحت اسم «الإصــلاح».
أخيراً..لا احد يبرر الظلم مهما كان مصدره وأينما كان موقعه، فالظلم ظلمات ولا احد يستطيع أن يحدد مَن مِن هذه الشعوب مظلومة من عدمه غير الشعوب نفسها.

عــلاء الشعبـي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية