تونس: العنف عند الشباب والمراهقين يستهدف الممتلكات العامة

روعة قاسم
حجم الخط
0

تونس ـ «القدس العربي»: تؤكد عديد الدراسات النفسية والاجتماعية أن العنف لدى المراهقين بات مشكلة إنسانية يتزايد خطرها في العالم في الأعوام الأخيرة خاصة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 عاما وهو يتكون من عنف لفظي وعنف جسدي وعنف نحو الممتلكات. وتلعب البيئة الأسرية دورا هاما في تشكيل مسببات هذا العنف لاعتبار أن الأسرة هي الجماعة الإنسانية التنظيمية المكلفة بوظيفة استقرار وتطور المجتمع. وتكاد مرحلة المراهقة تكون الأصعب ومن المراحل الهامة التي تفقد أحيانا الأسرة السيطرة خلالها على المراهقين. وهي مرتبطة بأسباب عديدة منها التقدم العمراني وتعقد أوجه ومتطلبات الحياة وتراكم الأزمات وهدا ما يجعل الأطفال الأكثر تأثرا بالتغييرات الطارئة على نمط الحياة اليومية.

ويعرّف علم النفس العنف بأنه سلوك مشوب بالقسوة والقهر والإكراه وبعيد عن التحضر والتمدن كالضرب وقتل الآخرين والتكسير وتدمير الممتلكات ويمكن ان يكون فرديا أو جماعيا.

أسباب وأنماط عديدة

والعنف هو كغيره من الظواهر له أشكال وأنماط متعددة وله أسباب عديدة ويشكل خللا في بنية المجتمع. فالعنف اليوم لدى فئة المراهقين مرتبط بالإحباط أي بالإعاقة عن تحقيق الهدف وحسب عديد الخبراء في مجال علم النفس والاجتماع فإن السلوك العدواني يترجم في تونس بمظاهر عديدة من بينها الاعتداء على الممتلكات العامة.
فمن الظواهر اللافتة التي تثير قلق وانزعاج طيف واسع من المجتمع التونسي هي ظاهرة الاعتداء المراهقين والشباب على الأملاك العامة وتهشيم وتشويه كل ما يقع عليه البصر من وسائل نقل ومحطات وأعمدة إنارة وملاعب وحدائق عامة ومنتزهات ومبان إدارية وغيرها. وقد عاد هذا الموضوع إلى الواجهة مع تهشيم كراسي ما يعرف بـ«لود قرقنة» أي العبَارة التي تربط يوميا بين مدينة صفاقس عاصمة الجنوب التونسي وأرخبيل جزر قرقنة، وهو همزة الوصل الوحيدة لسكان الأرخبيل مع باقي الأراضي التونسية.

صور صادمة

لقد اقتنت الدولة التونسية مؤخرا عبارة جديدة متطورة وحديثة الصنع، بها كل المرافق التي يحتاجها المسافر بحرا وذلك لمزيد تسهيل الحياة على سكان جزر قرقنة، أو «كيرانيس» حسب التسمية التاريخية لهذا الأرخبيل الذي أنجب مشاهير كثر في تاريخ تونس. وابتهج سكان قرقنة بهذا المكسب الجديد الذي يتسع لعدد هام من السيارات ومن البشر، وتم إطلاق إسم «المحيط» على هذه العبارة نسبة إلى النادي الرياضي للأرخبيل وهو نادي محيط قرقنة الذي نشط سابقا في الدوري التونسي الممتاز قبل أن يتدحرج إلى الأقسام السفلى.
لكن ما راع التونسيين هو انتشار صور في مواقع التواصل الاجتماعي لمقاعد للجلوس تم تهشيمها في تلك العبارة الجميلة التي من شأنها لا فقط المساهمة مع عبارات أخرى في تسهيل حياة مواطني قرقنة وإنما أيضا في تحريك عجلة السياحة والتنمية في ذلك الأرخبيل التونسي الجميل. لقد بدا الأمر صادما للكثيرين ممن ابتهجوا بهذا المكسب الجديد وبدا وكأننا في ملاعب كرة القدم التونسية حيث أصبحت مسألة اقتلاع الكراسي وتهشيمها خلال اشتباك الجماهير مع عناصر الأمن أو فيما بينها أمرا مألوفا. لقد حصل الأمر ذاته منذ أشهر مع قطار الأحواز السريع، الذي تم إنشاء أحد خطوطه حديثا واعتبر مكسبا هاما للتونسيين في انتظار إتمام باقي الخطوط، حيث تم استهداف إحدى عرباته مثلما استُهدفت سابقا عربات القطار العادي وميترو مدينة تونس وحافلات النقل العمومي والخاص أيضا إما بالتهشيم أو بالتخريب أو بالكتابات المسيئة التي تشوه جمالية وسائل النقل. وبالتالي يذهب البعض إلى اعتبار أن الخراب الذي طال أسطول النقل العمومي في تونس في السنوات الأخيرة يتحمل المواطن قسطا هاما من المسؤولية فيه وذلك نتيجة للاستهتار اللافت بالملك العمومي الذي يطلق عليه البعض تسمية «رزق البيليك» أي رزق «الباي» وهو ملك تونس الأسبق الذي كان التونسيون في زمن حكمه مجرد رعايا وليسوا مواطنين، وكان كل شيء يعتبر ضمنيا ملكا له.

انتقام من الحاكم

أما عن الفوانيس الكهربائية وأعمدة الإنارة في الحدائق العامة والشوارع فحدث ولا حرج حيث تطالها باستمرار حجارة المخربين من الأطفال والمراهقين فيتم إغراق هذه الأنهج والحدائق في الظلام، ويتم اقتلاع الكراسي والنبات والأزهار وغيره من مكونات الحدائق. وما يزيد الطين بلة أن البلديات لا يقوم أغلبها بدوره على أكمل وجه في النظافة والعناية بجمالية البيئة والمحيط فتحصل الكارثة وتتحول بعض هذه الحدائق إلى أماكن متروكة تكثر فيها الكلاب السائبة والقطط وتنتشر فيها المزابل ويأوي إليها بعض المنحرفين بعيدا عن دائرة الضوء.
وبالتالي يبدو أن موروث الحقب السابقة، وخصوصا موروث العهد الملكي، ما زال راسخا في أذهان بعض التونسيين الذين يعتقدون أن الملك العام بمختلف مكوناته هو لحاكم البلاد أيا كان شكل النظام وليس ملكية تعود لجميع المواطنين، فيتم الانتقام من الحاكم الذي لم يوفّر مقومات العيش الكريم لمواطنيه من خلال ما يُعتقد أنه ملكه، أي الملك العام أو بعبارة أدق «رزق البيليك». لذلك يرى البعض أن كثيرا من الأسر التونسية وكذلك المؤسسات التعليمية، خاصة في المستوى الإبتدائي والمتوسط، ووسائل الإعلام على اختلافها، مقصرة تقصيرا لافتا في توعية الناشئة بأهمية الملك العام وبأنه ملك لجميع التونسيين وليس «رزقا للبيليك» مثلما رسخ في الأذهان منذ قرون طويلة.
كما يرى البعض أن الردع ضروري للقضاء على هذه المعضلة وذلك من خلال سن تشريعات صارمة يتم فيها التوسع في الأفعال المجرمة والتشدد في العقاب مع الحرص على تتبع المفسدين والمخربين قضائيا كلما ثبت بالدليل والبرهان أنهم قاموا بتخريب الملك العام. ويتم الإثبات بوسائل عديدة لعل أفضلها على الإطلاق، وبالنظر إلى التجارب المقارنة، تصوير المخرب وهو متلبس بالجرم، وبالتالي لا بد من الحرص على تركيز كاميرات مراقبة في كل مكان وإجبار من يتم رصده وهو بصدد إتلاف الممتلكات العامة على إصلاح ما تم إتلافه على نفقته الخاصة أو نفقة ولي أمره إذا كان قاصرا، كل ذلك مع العقاب الذي أقره القانون.

تقصير مزدوج

وفي هذا الإطار يقوب الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي هشام الحاجي لـ«القدس العربي» إن ما حصل ويحصل من استهداف للملك العام و«لود قرقنة» أمر مؤسف حقا ويبعث على الحيرة من تواصل مثل هكذا ممارسات حتى بعد الإطاحة بالنظام الملكي سنة 1957 وانتهاء سلطة الباي. لقد انتهى حكم العائلة الملكية الحسينية لكن مقولة «رزق البليك» ما زالت مجسدة على أرض الواقع، حسب الحاجي، وما زال عددا هاما من التونسيين، الميالون بطبعهم إلى التمرد على السلطة مثلما يؤكد التاريخ، لم يستوعبوا بعد أن البلد بلدهم وأن الملك ملكهم وحدهم.
لقد رحل كل من حكم تونس في القرن العشرين وفي بداية الألفية الثانية، سواء العائلة الملكية الحسينية أو الرؤساء الذين حكموا بعدها في ظل النظام الجمهوري من الرئيس الحبيب بورقيبة إلى الرئيس بالنيابة محمد الناصر الذي خلف مؤقتا الراحل قائد السبسي إلى حين إجراء الانتخابات، رحلوا عن سدة الحكم وبقيت الأملاك العمومية للشعب التونسي ولأجياله المتعاقبة. ولكن برأي الحاجي فإن عديد المواطنين خاصة من فئة المراهقين والشباب لم يغيروا نظرتهم للملك العام ولم يكف بعضهم عن إتلافه رغم أن دولة الاستقلال وفرت لهم التعليم الراقي والمتميز وانتشلتهم من براثن الجهل والتخلف ونشرت الوعي في صفوفهم.
وقال :»برأيي هناك مشكلة في البرامج التعليمية حيث يتم التركيز على المواد العلمية واللغات ويتم إهمال الإنسانيات من تاريخ وتربية مدنية وغيرها وهو ما يجعل التلميذ لا يقبل عليها باهتمام باعتبار أن نجاحه رهين مواد أخرى. كما أن كثيرا من العائلات لا تقوم بدورها كما يجب في توعية أبنائها وخصوصا في الأحياء الفقيرة حيث يكون عادة مستوى الوعي في الحضيض فينشأ الطفل في غربة عن دولته وبوعي مواطني ضعيف جدا لا يؤهله ليكون مواطنا صالحا محبا لبلده ومدافعا شرسا على مكتسباته».
لذلك فإن الحل – بحسب الباحث في علم الاجتماع – يكمن بالتعليم وبترسيخ الوعي بأهمية احترام ممتلكات الدولة باعتبارها ملكا لعموم المواطنين من جهة. ومن جهة أخرى العمل على تعزيز دور أندية الرياضة والشباب التي تشكل داعما أساسيا للمراهقين من أجل الابتعاد عن مظاهر العنف بكل تجلياته الخطيرة على المجتمع. وقال إن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها تونس خلال الفترة الأخيرة كل ذلك ساهم في إهمال أندية الشباب والرياضة والثقافة والتي كانت توّفر متنفسا لهذه الفئة العمرية الهامة لتفجير طاقاتها واكتشاف مواهبها الخفية وتوفير نوع من الاستقرار النفسي لهذه الفئة في هذه الفترة الحساسة والصعبة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية