تداعيات حرب تغيّر تركيبة ومستقبل النظام العالمي!

مر عام على حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير المبررة على أوكرانيا، والتي غيّرت وجه ومستقبل النظام العالمي، وخريطة أوروبا بالقوة، وتسببت بأزمات سياسية وعسكرية وإنسانية وطاقة وغذاء، ومأساة لاجئين هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. صدمت الأوكرانيين والأوروبيين والعالم.
تشكل حرب روسيا على أوكرانيا مثالا صارخا لتفرد القرار في نظام شمولي بلا رقابة وكوابح على قرارات مصيرية للزعيم الحاكم بلا قيود من مؤسسات دستورية تراقب وتحاسب، ولا معارضة سياسية تفضح وتعري، ولا إعلام وصحافة حرة ومستقلة تطرح أسئلة وتنهي المغامرة المكلفة التي تكبد روسيا نزفاً وخسائر بشرية وعسكرية، وتفاقم الكارثة والخسائر والدمار في أوكرانيا بكلفة كبيرة بشرياً واقتصادياً ودمارا للبنية التحتية.
الصادم في الحرب في عامها الثاني هو انسداد أفق الحل الدبلوماسي لحرب استنزاف برغم بقاء الخطوط الحمراء. بعد توسع الحرب، لكن لم تتحول لحرب إقليمية بانضمام دول لأتون الحرب سواء من حلفاء روسيا كروسيا البيضاء التابعة والمجاورة! ولم يتجرأ بوتين الاعتداء على دول الناتو في البلطيق وبولندا! والأهم بقاء الصين على الحياد بعدم تزويد روسيا بالسلاح والامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة روسيا أو المشاركة بفرض عقوبات على روسيا. بل عشية الذكرى الأولى للحرب قدمت الصين مبادرة من 12 بنداً أثارت جدلاً، مشكلتها تساوي بين الضحية والجلاد. وأعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي عزمه الاجتماع مع الرئيس الصيني.
فيما تعهد الرئيس الأوكراني ومعه الرئيس بايدن الذي قام بزيارة تاريخية غير معلنة لأوكرانيا وخصص المزيد من الأموال لتمويل صفقات عسكرية وإنسانية لأوكرانيا بأن روسيا لن تنتصر في الحرب، ولن تقدم أوكرانيا تنازلات لإنهاء الحرب. بينما بدأت دول أوروبية، وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بالضغط على أوكرانيا لبدء مفاوضات مع روسيا، حيث يدعم ثلثا الألمان المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا. بينما تصر أوكرانيا على رفض تقديم أي تنازلات لا تتضمن الانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة كاملة بما فيها شبه جزيرة القرم التي احتلتها القوات الروسية عام 2014 والأقاليم الأربعة لوهانسك ودونيتسك وزبروجيا وخيرسون، حيث ألحق بوتين تلك الأقاليم بروسيا بعد استفتاء صوري في الصيف الماضي. وكانت القوات الروسية في انتكاسة، أُجبرت على الانسحاب من خيرسون في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. الصادم في حرب روسيا على أوكرانيا ليس فقط غياب الحل الدبلوماسي لإنهاء الحرب في نهاية العام الأول، بل حمّل الرئيس الروسي استفزازات الغرب مسؤولية اندلاع الحرب، وتزويد أوكرانيا بأسلحة متقدمة، وأن روسيا تواجه الغرب المصمم على محاربة روسيا وإضعافها.

بعد عام من الحرب تراجع الدعم والتضامن الشعبي الأمريكي بتقديم السلاح والعتاد والمساعدات الإنسانية لأوكرانيا

موقف بوتين الرافض لأي مقاربة لحل دبلوماسي بالتصعيد والمزيد من المواجهة وحتى التلويح بالسلاح النووي التكتيكي في الخريف الماضي قبل تراجعه، وتنظيمه تعبئة جزئية للاحتياط باستدعاء 300 ألف عسكري والعمل على زيادة عديد القوات الروسية إلى مليون ونصف عسكري، بهدف القضاء على «النازية الجديدة» في أوكرانيا ووقف مؤامرة الغرب المصمم على إضعاف روسيا.
إلا أن جزءا من انسداد الأفق في نهاية العام الأول من الحرب يبدو في طريقه لخرق الخطوط الحمراء عام 2023 بتلويح أمريكي عن احتمال تزويد الصين روسيا بالسلاح، وتنسيق عسكري أكبر بين روسيا وإيران التي تزود روسيا بالمسيّرات الانتحارية التي تدمر البنى التحتية في أوكرانيا بشكل فعال مقابل تزويد روسيا إيران بأسلحة متطورة وخاصة مقاتلات ومروحيات! ما سيغير توازن القوى في الشرق الأوسط والخليج!
سيكون التحدي الأكبر عام 2023 هو هل سيقود ارتفاع كلفة الاستنزاف للطرفين الروسي والأوكراني، لكسب بوتين رهانه بأن إطالة أمد الحرب ستدفع الى تصدع وتفكك موقف الغرب المتماسك باستنزاف قدراته المالية والعسكرية ويتراجع دعم أوكرانيا؟! هذا فيما يستمر الرئيس الأوكراني بالمطالبة بالمزيد من الدعم وزيادته!
هناك خشية في السنة الثانية من الحرب من تنامي تحول دعم الغرب لأوكرانيا الى عبء مالي وإشغال الغرب عن قضايا مهمة متعلقة بالصراع مع روسيا حول الاتفاقيات النووية والعسكرية ومواجهة الصين والإرهاب وقضايا الشرق الأوسط وغيرها. كما بدأ الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي بعد استعادة الأغلبية، بالتحذير ووضع سقف للدعم المالي والعسكري المفتوح لأوكرانيا. وبدأ الإعلام الأمريكي بتسليط الضوء على مقارنات بين مليارات الدولارات التي أنفقت من دافعي الضرائب لدعم أوكرانيا وتزويدها بالسلاح عام 2022 بالانفاق على وكالات فيدرالية أمريكية.
خصصت إدارة بايدن مع الكونغرس منذ بدء الحرب 75 مليار دولار قدمت منها 55 مليار دولار كحزم مساعدات تشمل مساعدات مالية وإنسانية واقتصادية، أغلبها عسكرية لمواجهة القوات الروسية وأبرزها أنظمة دفاعية وصاروخية ودفاعية وصولاً إلى مطالبات بتزويد أوكرانيا بدبابات ومقاتلات.
بعد عام على الحرب تراجع الدعم والتضامن الشعبي الأمريكي بتقديم السلاح والعتاد والمساعدات الإنسانية لأوكرانيا، من 60 ٪ مؤيدين إلى 48٪ في نهاية عام 2022، مع نهاية العام الأول من الحرب. كما أن الحرب في أوكرانيا تسببت بارتفاع قياسي للتضخم هو الأعلى منذ 40 عاماً وارتفعت أسعار السلع وعلى رأسها الوقود الذي تجاوز في الصيف الماضي 5 دولارات لغالون البنزين وأزمة سلاسل التوريد.
وقد تراجع الدعم والتعاطف الدولي مع أوكرانيا «حسب مقال صحيفة نيويورك تايمز» ذلك أن كثيرا من الدول التي أدانت غزو روسيا بدأت تراجع مواقفها. كما فشل التحالف الغربي بإقناع بقية دول العالم بعزل روسيا، بينما ترى دول بقاء حرب روسيا على أوكرانيا أزمة أوروبية.
كما أنه غير واقعي انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك لعدم استفزاز روسيا، خاصة أن الرئيس بوتين يستخدمه كشاهد على مؤامرة الغرب على روسيا ومبرر لشن حربه التي يصر على وصفها «عملية عسكرية خاصة»! حصاد حرب نظام يفتقر للديمقراطية والرقابة والمحاسبة.

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تيسير خرما:

    انهار الإتحاد السوفياتي فتخلى العالم الحر عن حذره وانطلقت العولمة وأكبر مستفيد شعوب روسيا والصين وتركهم الغرب يسرحون بدوله وفتح أسواقه وجامعاته لهم ونقل لهم رساميل وتقنية وصناعة متطورة لدمجهم بنظام عالمي بمظلة قانون دولي واحترام سيادة الدول ولكن لم يمر عقدين ليدرك العالم الحر أن شعوب روسيا والصين لن يسمح لها إنتاج أنظمة حكم تندمج بنظام عالمي فعادت روسيا والصين لتجاهل قانون دولي وانتهاك سيادة دول مجاورة وثرواتها والسعي لحكم الكوكب فعادت أوروبا وشرق آسيا تحت حماية أمريكا وعادت لمحاصرة روسيا والصين

  2. يقول محي الدين احمد علي رزق:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وقف الغرب وامريكا وقفت رجل واحد ولا أتكلم عن الحكومات فقط وأيضا الشعوب لمساعدة الشعب الاوكراني في حرب بوتين الظالمة على الشعب الاوكراني ولا يجب علينا نسيان حجم التفرقة العنصرية والتفريق بين الأبيض والاسمر في ركوب الاتوبيس للهروب من جحيم الحرب وأيضا لا يجب علينا ننساه زعماء الغرب ب التصريحات البغيضة ضد اللاجئ الأسمر الى الجحيم ولكن الأبيض أبو عيون خضراء وزرقاء يجب العالم كله يقدم المساعدة له, انا شخصين اكره الظلم والعنف من الأشياء المرفوضة ولكن لماذا نتعاطف مع من قتلونا ويقتلوننا لا أقول نتمناه لهم الشر والخراب والدمار ابدا على الاطلاق ولكن سؤالي لماذا نحن العرب او العالم الإسلامي بصفة مستمرة يعبد التنازل عن حقوقه ويتعاطف مع جلاده وبوتين قاتل وقتل وخرب في المنطقة العربية وقتل من المسلمين بغير ذنب ماذا فعل الشعب السوري و المسلمون ضد بوتين لا شيء ماذا ماذا فعلا المسلمون ضد أوكرانيا او ماذا فعلا الشعب الفلسطيني ضد أوكرانيا لا شيء لكي يهلل هذا الممثل الاوكراني للاحتلال عندما يقتل في الشعب الفلسطيني ( 1 )

  3. يقول محي الدين احمد علي رزق:

    ويهدم المنازل وتشريده ويبارك هذا القتل نحن مؤمنين بعدالة السماء من نفس الكئاس سيشرب الظالم سبحان الله وسوس الشيطان الى بوتين انه يغزو أوكرانيا وفي نفس الوقت وسوس أولاد الشيطان واتباعه في اذن هذا الممثل. العالم كله معك وابتداء الغرب وامريكا ارسال الزبانية الى أوكرانيا ماكرون والناتو وامريكا نحن معك وسنهزم بوتين شر هزيمة نحن معك وسيتم حصاره اقتصادين وسنجعله ينتحر مثل هتلر لا تخف نحن معك وعندما وقعت الفأس في الراس وتم تشريد اكثر من 10 مليون والان الله واعلم كم تعداد المهاجرين في أوروبا ودخل الغرب بأسلحة من بعيد وبوتين يدمر في أوكرانيا ويستغيث الممثل الاوكراني بإسرائيل انها ترسل له السلاح ولكن إسرائيل تكره القتل والتدمير والعنف وتخريب الدول وهدم المنازل وطلبت منه ان امكن ارسال النسوان والبنات للعمل في الدعارة عندنا نقص في هذا التخصص رغم الكل عندنا شغالين و يشتغلون ليلا نهارا, واولاد الشياطين يقلون له المسلمون يقولون الصبر مفتاح الفرج يا عم اصبر. المهم العالم من قبل حرب روسيا دخل في أكبر مؤامرة على الكرة الأرضية اسمها كورونا والله ( 2 )

  4. يقول محي الدين احمد علي رزق:

    وحده العالم بحجم هذه المؤمرة، ومش كفاية خراب كورونا فورا أمريكا فتحت المجال لتخريب العالم وتجويعه بحرب أوكرانيا وهي تعلم جيدا 33 % من سلة الطعام في العالم من أوكرانيا وروسيا. ولا أحد يعلم هل هذه الحرب ممكن وقفها او يتم صلح بين الغرب وامريكا وروسيا وعلى أي أساس هل بوتين سيقبل مبدا دفع التعويض لكورانيا هل العالم سيتحمل هذا التضخم والغلاء اذا امتدت هذه الحرب لسنة واحدة فقط وللعلم شعوب الغرب ابتدأت على استيحاء رفض فاتورة مساعدة أوكرانيا اليوم , غدا ستخرج المظهرات في أوروبا ضد مساعدة أوكرانيا وستكون مأساة الشعب الاوكراني مثل الشعب السوري والان يوجد شعوب معرضة للمجاعة وحتى متى ستتحمل هذه الشعوب الجوع وهي من قبل كورونا في جوع مستمر واذا قامت ثورة جياع في دول افريقية وعربية ستكون مدمرة. وكفاية على كده الحمد لله على حسن الختام. وشكرا ( 3 )

  5. يقول מחאמיד עבד אלחלים:

    حسب رايي تغيير وجه ومستقبل النظام العالمي سوف ينعكس ايجابا على العالم العربي الذي سوف يراوغ بما يخص مستقبله ومصلحته ولن يكون تحت سيطرة اي قوة عالمية منفردة

    1. يقول قلم حر في زمن مر:

      ههه أضحكتني والله، يا من كتبت اسمك بالعبرية، فهذامن اضغاث االأحلام ومن تاسع المستحيلات ????

  6. يقول حدفاة حسن:

    كي نقرر أن الحرب مبررة أو غير مبررة يجب رؤية الصورة في شموليتها. وبدون تلك الصورة وما يجعل أن تلك الحرب بالنسبة لبوتين كانت مصيرية هو أن أكرانيا تحدت روسيا عسكريا. ولو تعذر عليه ذلك بعد 5 سنوات ماذا كان سيحصل لروسيا؟.

إشترك في قائمتنا البريدية