تجربة فنية فريدة قدّمها مسرح المدينة للاجئين والنازحين

حجم الخط
0

تجربة فنية فريدة قدّمها مسرح المدينة للاجئين والنازحين

مسرحية ضحك تحت القصف قدّمت لـ056 شخصا فيما الطائرات الاسرائيلية تقصف بيروت:تجربة فنية فريدة قدّمها مسرح المدينة للاجئين والنازحينبيروت ـ القدس العربي من زهرة مرعي: أبواب مسرح المدينة المعروف لدي المثقفين ومحبي المسرح في بيروت بعروضه المختارة كانت مفتوحة خلال العدوان الصهيوني علي لبنان. لم تفتح تلك الأبواب للفرجة علي عرض تونسي مهم، ولا علي عرض لبناني تجريبي، بل فتحت لاستقبال العائلات النازحة من الضاحية الجنوبية والتي شغلت أروقته في الطوابق السفلية، في حين كانت عائلات أخري تشغل مكاتب المبني الذي يقع فيه المسرح وهو المعروف بمبني السارولا. بعد أربعة أيام من النزوح تحول المسرح الي ورشة قائمة بذاتها بحيث تطوعت مؤسسة الجني لتنظيم نشاطات هادفة للأطفال النازحين الي المبني والمباني المحيطة به بحيث بلغ عدد الأطفال والفتيان المشاركين في هذا النشاط حوالي الـ200 تتراوح أعمارهم بين 3 و18 سنة. وبعد أسبوعين علي بداية النشاط الهادف مع هؤلاء الأطفال قدموا مسرحية عرضت ليومين متتالين بعنوان ضحك تحت القصف أعدها المخرج شريف عبد النور الذي كان يمضي مع هؤلاء الأطفال ساعات طويلة تبدأ في العاشرة صباحاً وتنتهي في السادسة مساء. المخرج المسرحي عبد النور تحدث للقدس العربي عن كيفية بدء هذا النشاط وقال: وجود الأطفال النازحين مع عائلاتهم في المسرح شكل حافزاً للانطلاق معهم في ورشات علاج درامي يمزج بين علم النفس والمسرح. الطفل الذي يعيش التهجير، أو شاهد بأم العين أحد أفراد عائلاته يستشهد، أو نجا من الموت المحتم وترك بيته مهدماً يستحيل التوجه اليه بأسلوب مباشر، فهو حينها سيعود ليعيش أزمته. لكنه حين يقتبس شخصية من خلال المسرح يتمكن من افراغ شحناته الداخلية. ويقول عبد النور أن النتائج الايجابية ظهرت سريعاً علي بعض الأطفال: خمسة منهم لم يكونوا قادرين علي النطق نتيجة الصدمة. طفلة من هؤلاء شاهدت والدتها تستشهد أمامها، ومنهم من شاهد استشهاد أخيه أو جدته أو جده. عندما أنطلقت الورشة كان هؤلاء الأطفال الخمسة يمسكون معاً بطرف ملابسي. ولم يكن بامكاني النظر حتي بطرف وجوههم لأنهم حينها كانوا يهربون. بحمدالله استطعنا مساعدة هؤلاء في تخطي بعض مصاعبهم النفسية. صاروا يشاركون، يلعبون، ويتكلمون. لكن احداهن وهي في عمر الثلاث سنوات تلزمها عناية خاصة جداً، وما زلت الي حينه أحملها لبعض الوقت خلال ورشة العمل فهي فقدت والدتها أمام ناظريها. ورشات العمل متعددة في مسرح المدينة، لكن المخرج شريف عبد النور يتولي ورشة المسرح، وأنطلق مؤخراً في ورشة سيرك. يقول: بعد مجزرة الشياح تضاعف عدد الأطفال الذين يأتون الي مسرح المدينة، كما أن الأزمات لديهم ازدادت. حين حدثت تلك المجزرة أتينا ليلاً لتفقد العائلات المقيمة هنا. الجميع كان في حال من الارباك الشديد لأن بعضهم لديه أقارب وأصدقاء يسكنون في الشياح. ثمرة هذه الورشة كانت مسرحية ضحك تحت القصف عرضت علي مدي يومين وقد فاق الحضور الـ 650 في كل عرض، في حين أن القاعة تتسع فقط لـ500 شخص. والعرض تم في حين كانت الطائرات تغير علي الضاحية الجنوبية. ويذكر عبد النور أن الأطفال كانوا يلعبون السيرك في الباحة الخارجية لمسرح المدينة حين قصف العدو هوائي الاذاعة اللبنانية في منطقة قريطم، ولأن الكبار لم يرتبكوا أمامهم توقفوا للحظات ومن ثم تابعوا نشاطهم وكأن أمراً لم يحدث.عبد النور كان في عمر الـ5 سنوات عندما اجتاح العدو الصهيوني لبنان سنة 1982 وعاش الحصار الذي عانته بيروت لثلاثة أشهر متواصلة. هذه الحقبة واضحة تماما في ذاكرته فقد كنت خلالها ألعب في الشوارع مع الفدائيين، أو أتنقل بين المستشفيات لتفقد الجرحي مع عائلتي ولهذا أشعر بكل عمق بمعاناة هؤلاء الأطفال . * هادية الشامي تركت بيتها في الضاحية الجنوبية الي مسرح المدينة وفي اعتقادها أنها ستعود اليه في اليوم التالي، لكن الاقامة طالت، والعائلات بدأت تزداد الي أن بلغ عدد المقيمين في المبني وفي صالات مسرح المدينة حوالي الـ200 شخص اي ما يساوي 55 عائلة. ولأن هادية صارت من سكان المسرح تطوعت للعمل في خدمة العائلات والأطفال بشكل خاص. تقول هادية بأن مؤسسة صامدون عملت في البداية لتأمين وجبة الغذاء للمقيمين في المسرح والمبني، ولاحقاً تولت هذه المهمة مؤسسة الشهيد الرئيس رفيق الحريري. وتشرح هادية كيف بدأ النشاط مع الأطفال الذين يسكنون المسرح والمبني القائم فيه، وهؤلاء الأطفال كان يتراوح عددهم بين الـ50 والـ70 طفلاً. ولاحقاً انضم اليهم كافة الأطفال من النازحين الي المحيط، وفي مرحلة أخري عملت كشافة الرسالة الاسلامية علي نقل مجموعة من الأطفال الي المسرح من أماكن بعيدة بحيث يصل عدد الأطفال في مرحلة قبل الظهر ما يزيد الي اكثر من الـ150 طفلا. والمفرح أن هؤلاء الأطفال تبدلوا كلياً بين المرحلة التي سبقت النشاطات والآن وعلي كافة الصعد.ـ لوسين فرحان من مركز الجني تقول: مركزنا هو المسؤول عن تنظيم النشاطات الخاصة بالأطفال والفتيان في مسرح المدينة. بدوري أتولي مساعدة الأطفال علي كتابة القصة بهدف اتاحة الفرصة أمامهم للتعبير الذاتي. ومن مهماتي أن أقدم لهم المفتاح من خلال كلمة كمثل أُحب أو أكره. في كتابة هؤلاء الأطفال لفتت نظري احدي الفتيات التي وصلت قبل وقف اطلاق النار بأيام من عيتا الشعب حيث كتبت بأنها تكره الفنان والشاحنات. وعندما سألتها عن السبب قالت لأن الطيران يستهدفهما. وطفلة أخري كتبت بأنها تحب مدينة صور وتكره بيروت لأنها وصلت اليها نازحة.عمل هؤلاء الأطفال لن يذهب هباء، فمن شأن بعضهم أن يطوره ليصبح قصة قصيرة، أو شعراً. كما من شأن الفريق الذي يدربهم أن يطوره بالتعاون معهم ليصبح حركة معبرة علي خشبة المسرح كما قالت فرحان.وتشرح فرحان أن الفتيات اليافعات اكتفين بالمراقبة في بداية مشاركتهن في هذا النشاط كان من الصعب اختراق جدار صمتهن وادماجهن من خلال التعبير. فكان الحل بوجود الدفتر الذي جعلهن يعبرن كما ولو كنّ في حال من البوح الذاتي. وفي وقت لاحق تطورت العلاقة بين المجموعة وبات الكل يسمع الكل في تعبير شفهي يلي الكتابة. كما ويتضمن البرنامج شك الخرز والنشاط الحركي.ہ الفتي محمد حدرج 14 سنة من هونين لكنه نزح في الأيام الأولي للعدوان من حارة حريك ويسكن مبني السارولا. يقول محمد: شاركت في مسرحية ضحك تحت القصف وكان دوري مساعد مخرج والحمد لله نجحت المسرحية. المسرحية تروي كيف كنا نجلس في أحد المقاهي تحت القصف، وكيف يتفاعل الناس مع القصف فبعضهم يهتز لأن أعصابه لم تعد تحتمله، والبعض الآخر يتأتيء. شريف عبد النور ساعدنا كثيراً في تقديم عمل ناجح ومهما تحدثنا عن شريف سيبقي قليلاً في حقه. وعندما تنتهي الحرب سوف أنضم الي فريق مسرح العرب الذي يديره شريف.انتهي العدوان وبدأ النازحون يعودون الي منازلهم في الضاحية أو في الجنوب لكن ستبقي أيام النزوح الطويلة ماثلة في أذهان الجميع. وسيتذكر الصغار منهم أن مسرح المدينة والمتطوعين فيه بذلوا جهوداً كبيرة بهدف تأمين حياة مريحة لهم قدر الامكان.2

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية