بعد ملحمة الكأس… هل يتحول تين هاغ إلى كلوب اليونايتد؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: في واحدة من أجمل المباريات في تاريخ كرة القدم الإنكليزية، تمكن مانشستر يونايتد من إقصاء العدو الشمالي ليفربول من الدور ربع النهائي لبطولة كأس الاتحاد الإنكليزي، في ملحمة عطلة نهاية الأسبوع الماضي التي جمعتهما على ملعب «أولد ترافورد»، وانتهت بفوز صاحب الأرض بأربعة أهداف مقابل ثلاثة، ليضرب فريق الشياطين الحمر عصفورين بحجر واحد. الأول رد اعتباره بعد فضيحة مارس/ آذار الماضي، حين انحنى الهولندي إيريك تين هاغ ورجاله بسباعية مذلة هناك في «الآنفيلد» في الجولة الـ26 للنسخة الأخيرة للبريميرليغ، والثاني لا يُقدر بثمن بالنسبة للمشجعين، بالتشفي في الغريم الأزلي ومدربه الألماني يورغن كلوب، الذي كان يحلم بنهاية لا مثيل لها في الجزء الأحمر لمدينة نهر الميرسيسايد، بتحقيق الرباعية في موسم الوداع، ما ساهم بشكل أو آخر في زيادة جرعة السعادة في محيط «مسرح الأحلام» على مدار الأيام والساعات القليلة الماضية، قبل أن تأتي اللحظة التي ينتظرها الجميع في مدينة مانشستر وكل خصوم الريدز، بمغادرة مؤسس نهضة ليفربول الحديثة في نهاية الموسم.

ويأتي ذلك في الوقت الذي ما زال يبحث فيه اليونايتد وعشاقه عن مدرب «كاريزماتي» بتأثير مماثل لكلوب، قفز بفريقه خطوات عملاقة إلى الأمام، وفي رواية أخرى «أعاد ليفربول المهول»، الذي كان يخشاه العمالقة قبل الصغار في ثمانينات القرن الماضي، وسط تباين في آراء النقاد والمتابعين المحسوبين على معسكر الشياطين الحمر، ما بين فئة تحذر السير جيم راتكليف من عواقب الإبقاء على المدرب الحالي أو حتى منحه فرصة الاستمرار لموسم ثالث، وأخرى ترى أن أزمة النادي منذ اعتزال شيخ المدربين سير أليكس فيرغسون، لا تكمن فقط في اختيار المدربين الذين تعاقبوا على تدريب الفريق على مدار العشرية الأخيرة، بل في أشياء أخرى يفتقرها الكيان، وبدون العمل عليها بأثر فوري، سيبقى الوضع الحالي المتذبذب كما هو عليه حتى إشعار آخر، وبالتبعية سيكون من رابع المستحيلات الحصول على كلوب «الشياطين الحمر»، والسؤال الذي يفرض نفسه كيف تحول المان يونايتد إلى ما هو أشبه بالعملاق المترنح في مدينة مضطهدة؟ وكما تساءلنا في العنوان: هل سينجح تين هاغ في استغلال انتصار الأحد الماضي التاريخي ويتحول من منبوذ الجماهير إلى الرجل المخلص الذي أعاد الفريق إلى القوة الغاشمة التي كان عليها في عصر السير «فيرغي تايم» مثل ثورة كلوب مع الريدز؟ هذا ما سنناقشه معا في موضوعنا الأسبوعي.

بداية الترنح

يروى الصحافي البريطاني ريتشارد مارتن، عن صاحب كتاب «Bring The Noise»، وهو الكاتب والإعلامي الألماني رفايل هونيغستاين، أن التاريخ كان من الممكن أن يأخذ منحى آخر لو استمع يورغن كلوب لعرض الرئيس التنفيذي السابق لمانشستر يونايتد إد ودوورد، من أجل الإشراف على مشروع طويل الأجل مع زعيم إنكلترا على المستوى المحلي، وذلك في العام 2014، حيث كانت الإدارة تعض أصابع الندم على اختيار الاسكتلندي ديفيد مويز لخلافة مواطنه الأسطوري في سُدّة القيادة الفنية، وذلك في الوقت الذي كان يُصنف فيه كلوب، كواحد من أكثر المدربين إثارة للإعجاب في العالم، بعد إنجازه الكبير مع بوروسيا دورتموند للفوز بلقب البوندسليغا مرتين على التوالي، بخلاف الوصول لنهائي دوري أبطال أوروبا، الذي خسره أمام الزعيم البافاري بايرن ميونيخ عام 2013، لكن وفقا للكتاب، باءت رحلة إد ودوورد إلى ألمانيا بالفشل، لعدم اقناع المدرب لا بالمشروع ولا الفكرة برمتها، لدرجة أنه ادعى أن كلوب تهكم على المسؤول التنفيذي لليونايتد، بوصف «مسرح الأحلام» بـ«ديزني لاند» للبالغين، لينتقل بعدها بعام إلى ليفربول بعد موسم للنسيان مع أصحاب «سيغنال ايدونا بارك»، لقناعته الشخصية، بأن قصة الريدز لا تختلف كثيرا عن بدايته مع البوروسيا، كعملاق يتمتع بقاعدة جماهيرية تحرك الصخر، لكنه يعيش على أطلال الماضي الجميل ويبحث عن استعادة مجده القديم، فيما كان يونايتد في مستهل رحلة الترنح وتحويل منصب المدرب إلى حقل تجارب بعد تقاعد فيرغسون في أعقاب التتويج بلقب البريميرليغ الحادي والعشرين والأخير الذي فاز به الفريق عام 2013، وكانت البداية كما أشرنا أعلاه، بالاستيقاظ على كابوس ديفيد مويز، الذي كان يُعتقد أنه سيكون البديل الإستراتيجي لمواطنه فيرغي، لاسيما بعد صموده مع التوفيز لعقد من الزمن، في فترة كان ينظر إليه على أنه ثالث أقدم مدرب في الدوري الإنكليزي الممتاز بعد السير والأستاذ آرسين فينغر مع آرسنال، لكن على أرض الواقع، سرعان ما تبين أنه يفتقر إلى السلطة والهالة والمرونة التكتيكية وباقي المميزات التي كان يتمتع بها السير، هذا إلى جانب ما تردد على نطاق واسع وقتها، بأن القادة ونجوم الصف الأول في غرفة خلع الملابس، عانوا من التأقلم مع أسلوب مويز، الذي لم يكن مقنعا بالنسبة للمشجعين، والأسوأ على الإطلاق، النتائج الكارثية التي تسببت في احتلال حامل اللقب للمركز السابع في جدول ترتيب أندية البريميرليغ في نهاية الموسم، وفي نفس الوقت، كانت كاشفة للحقيقة المزعجة التي تركها السير، بتوريط خليفته مع فريق أغلب قوامه الرئيسي من لاعبين كبار السن، منهم من تجاوز بالفعل سنوات الذروة في مسيرته الاحترافية، ومنهم من كان على مشارف الاعتزال أو عائد منه، من نوعية الأسطورة ريان غيغز والفتى المدلل بول سكولز، دليلا على أن الفريق كان في أمس الحاجة لإصلاح شامل، وأن مويز لم يكن الاختيار المناسب لهذه المرحلة، كواحد من أسوأ خطط الخلافة في تاريخ اللعبة، وتبعه القرار الذي حكم على المشجعين، بمشاهدة النسخة الأكثر مللا لليونايتد في العصر الحديث على مدار موسمين تحت قيادة الهولندي لويس فان خال، الذي كان يبدو ظاهريا، وكأنه خيارا مختلفا جذريا عن القلب الشجاع المنبوذ، لما يملك في سجله من إنجازات وألقاب في رحلته المهنية الطويلة في وطنه في الأراضي المنخفضة في وإسبانيا وألمانيا، لكن كانت هناك مخاوف من فكرة ابتعاده أو عدم تمرسه على الإنجازات منذ فترة طويلة، كون أغلب نجاحاته على مستوى الأندية كانت قبل فترة طويلة من توليه القيادة الفنية للمان يونايتد، وبالفعل حدث آخر وأسوأ سيناريو كان ينتظره عشاق النادي، بظهور الفريق بنسخة صادمة للطامحين في استعادة زمن فيرغي تايم الجميل، تاركا ذاك الانطباع العام، بأنه مجرد فريق يكتفي بتمرير الكرة بشكل جانبي، ولعل البعض يتذكر صور الأطفال والمشجعين الذين كان يغلبهم النوم في مباريات اليونايتد في نهاية حقبة فان خال، ناهيك عن صدمة انخفاض نسبة الحضور في الملعب والتراجع غير المسبوق في طلبات تجديد التذاكر الموسمية، وأيضا شخصية المدرب الصدامية، التي أدت إلى نفور بعض اللاعبين، أبرزهم مواطنه ممفيس ديباي والأعسر الأرجنتيني أنخيل دي ماريا، رغم أنهما كبدا الخزينة ما يلامس أو يزيد قليلا على الـ100 مليون جنيه إسترليني، ليواجه نفس مصير مويز، لكن بعد نهاية موسمه الثاني وقبل أن يستكمل موسمه الثالث والأخير في عقده.

ومضات مسكنة

حاول الرئيس التنفيذي السابق لليونايتد، مصالحة الجماهير بعد سوء الاختيار في أول تجربتين بعد السير، من خلال التوقيع مع صائد الألقاب جوزيه مورينيو، بعد عام واحد من قيادة تشلسي للفوز بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز، لكن إد ودوورد، تجاهل عثرات «سبيشال وان» في موسمه الأخير في ولايته الثانية في «ستامفورد بريدج»، ذاك الموسم الكارثي الذي لا يختلف كثيرا عن وضع البلوز في الوقت الراهن، حيث كان الفريق على شفا المثلث المظلم في جدول الترتيب العام، وكما كان متوقعا، رفع المدرب البرتغالي شعاره المفضل «الحافلة فوق الجميع» في أغلب فترات مع العملاق الأحمر، معتمدا على نفس أفكاره الدفاعية، التي لا تتماشى مع طموح وأهداف الجماهير، لكن ما ساعده على تأمين وظيفته لأطول فترة ممكنة، ما فعله في موسمه الأول، حين خطف كأس الرابطة ثم اليوروبا ليغ على حساب أياكس أمستردام، ثم ما اعتبره أعظم إنجاز في مسيرته، بإنهاء موسمه الثاني في المركز الثاني في جدول البريميرليغ خلف البطل مانشستر سيتي في بداية هيمنة بيب غوارديولا على الألقاب المحلية في وطن كرة القدم، بجانب الوصول إلى المباراة النهائية لكأس الاتحاد الإنكليزي التي خسرها أمام فريقه القديم تشلسي في آخر ظهور لأنطونيو كونتي مع الأسود اللندنية، لكن هذه الانتصارات والومضات الخجولة، طغت عليها سلسلة من الهزائم المحطمة لآمال المشجعين، وأيضا كانت كاشفة لما كان يُعرف بالفقر الفني وغياب الطموح وبصمة المدرب على المنظومة الجماعية، إلى أن جاءت اللحظة الفارقة التي كشف فيها المو عن الجانب السيئ من شخصيته، حين تهكم على إرث النادي وشخصيته على الصعيد الأوروبي، بعد هزيمة صادمة أمام إشبيلية في قلب «أولد ترافورد» في دوري أبطال أوروبا، ومع الوقت ثبت بالدليل والتجارب العملية، أن قرار التوقيع مع المدرب البرتغالي لم يكن في محله، خاصة بعد تكرار تجربته مع البلوز بالكربون، بأخذ الفريق إلى دوامة هبوطية منذ بداية موسمه الثالث والأخير، لينتهي به المطاف بالطرد من منصبه بعد تدني المستوى الجماعي والفردي للاعبين، نتيجة كثرة صداماته مع اللاعبين في غرفة خلع الملابس.
وقبل هذا وذاك، ترك الفريق وهو في منتصف جدول الترتيب العام وفي حالة أقل ما يقال عنها «سيئة للغاية»، وهو ما شجع الإدارة على التفكير خارج الصندوق، بالتوجه إلى إستراتيجية أخرى في اختيار المدرب، بالبحث عن أحد أبناء النادي أو أساطيره الجائعين لكتابة المجد من مقاعد البدلاء، على أمل إحياء فكرة الفيلسوف بيب غوارديولا مع برشلونة في 2008 والعراّب زين الدين زيدان مع ريال مدريد في ولايته الأولى عام 2016، بعد إخفاق أصحاب الباع والسمعة الكبيرة في عالم التدريب والطرق المختصرة للألقاب، وهو ما بدا وكأنه في طريقه للتحول من مجرد أفكار وأحلام إلى حقيقة وواقع على أرض الملعب، بعد البداية النارية لصاحب الوجه الطفولي أولي غونار سولشاير، التي أسفرت عن تحقيق الفوز في 10 مباريات من أصل 11، وتبعها ما وُصفت بمعجزة «حديقة الأمراء»، حين نجح في قلب هزيمته في ذهاب دور الـ16 أمام باريس سان جيرمان بثنائية نظيفة في الجزء الأحمر لعاصمة الشمال في إنكلترا، إلى انتصار لا يُصدق في إياب عاصمة الموضة والنور بثلاثية مقابل هدف، في آخر ظهور لحارس القرن جيجي بوفون في أعلى مستوى تنافسي في عالم المركولة المجنونة، لكن ما حدث بعد ذلك، أثار حالة من الجدل والتشكيك في كفاءة سولشاير وجودته كمدرب على مدار أكثر من عامين، في ما اعتبرت بضريبة الانجراف وراء نشوة البداية الإيجابية للمدرب المؤقت، بمنحه عقدا دائما، رغم افتقاره للخبرة التدريبية رفعية المستوى، كما وضح خلال وقته مع اليونايتد، الذي كان مليئا باللحظات السيئة والصادمة، وتجلى ذلك في عجز المدرب على تطوير أسلوب الفريق وأخذ خطوة ما بعد ضمان التواجد ضمن المراكز الأربعة الأولى المؤهلة لدوري أبطال أوروبا، وتكمن في حل لغز سنوات العجاف والابتعاد عن الألقاب الجماعية، إلى جانب تأخره الملموس بسنين ضوئية عن نظرائه المنافسين الحقيقيين على البريميرليغ وباقي الألقاب المحلية، والمقصد فارق الخبرة والممارسة والاحتكاك في هكذا مستوى بينه وبين يورغن كلوب مع ليفربول أو غوارديولا مع المان سيتي، لكن ما يُحسب له وما زال عالقا في أذهان المشجعين، هو نجاحه في إنشاء رابطا حقيقيا مع الأغلبية الكاسحة للمشجعين، بأجواء «النوستالجيا» التي كانت تحرك مشاعر الجماهير، وتذكرهم بإرث صاحب هدف التعديل في مباراة القرن الماضي أمام بايرن ميونيخ في الوقت المحتسب بدل الضائع لنهائي الكأس ذات الأذنين عام 1999، وليس بمهاراته أو لقدرته على تحفيز اللاعبين على تحقيق ما هو أفضل من المراكز الأربعة الأولى، باستثناء الانتصارات المسكنة، التي كانت تأتي عادة في شكل هدايا عيد الكريسماس من قبل اللاعبين، لمساعدة مدربهم على البقاء في منصبه لفترة أطول، إلى أن توقف اللاعبون عن تقديم الدعم في نهاية ولايته، حتى بديله المؤقت رالف رانغنيك، تضررت سمعته كمدرب ثوري وساحر من الناحية الخططية أكثر من أي وقت مضى، بسبب ما وُصفت بالتعويذة غير الملهمة في قيادة الفريق، التي جعلت اليونايتد يتحول إلى فريق بلا قلب أو روح أو قادة، أو كما قال القائد التاريخي روي كين بعد الانكسار بالأربعة أمام ليفربول في مثل هذه الأيام في العام قبل الماضي: «هناك فوضى في النادي من القمة إلى القاع. إنهم بحاجة إلى مدرب جديد، يحتاجون إلى لاعبين جدد والاستغناء عن البعض. من المحزن مشاهدة الفريق في هذه الحالة. ليس هذا النادي الذي لعبت من أجله»، والأكثر قسوة، كان اعتراف الأب الروحي للمدربين الألمان بعد سقوطه أمام مواطنه كلوب، بأن ليفربول يتقدم على مانشستر يونايتد بست سنوات، قائلا بالنص: «إنه أمر محرج ومحبط وربما مهين. علينا أن نقبل أنهم (ليفربول) يتقدمون علينا بـ6 سنوات الآن، الفريق بحاجة إلى إعادة بناء، بالنسبة لي من الواضح أنه سيكون هناك 6 أو 7 أو 8 وربما 10 لاعبين جدد».

صعود وهبوط

كان الاعتقاد السائد، أن النادي وجد ضالته بعد وصول الهولندي إيريك تين هاغ في صيف 2022، بثوب المدرب الثوري الذي أبهر العالم ببصمته مع أياكس أمستردام، وإنجازه الكبير بإعادة جزء كبير من هيبة عملاق الإيرديفيسي، بعد انتصاراته المدوية على الكبيرين ريال مدريد ويوفنتوس في مراحل خروج المغلوب عام 2019، مع ذلك سرعان ما تبدلت أحلام وتوقعات المشجعين، بسبب تذبذب المستوى والنتائج من فترة لأخرى، باستثناء نجاحه النسبي في الموسم الأول، بإعادة الفريق إلى منصات التتويج للمرة الأولى منذ 6 سنوات، بتتويجه بكأس الرابطة بجانب الإشراف على عودة الفريق إلى دوري أبطال أوروبا مرة أخرى، لكن موسمه الثاني، يبدو في مجمله حتى هذه اللحظة مخيبا لآمال المشجعين، تارة لتجدد أزماته مع اللاعبين، آخرهم ماركوس راشفورد والهارب من الجحيم جادون سانشو، وقبلهما عجل برحيل كريستيانو رونالدو وتصادم مع حارس العقد الماضي ديفيد دي خيا، وحتى وقت قريب، لم تكن هناك علامات أو مؤشرات لتطور الأسلوب الجماعي للفريق، باتباع نهج جوزيه مورينيو وسولشاير، بالمبالغة في الاعتماد على الهجمات المرتدة، لكن بهشاشة دفاعية جعلت الشباك تستقبل ثاني أكبر عدد من الأهداف في البريميرليغ هذا الموسم، إلى أن ظهر الضوء في نهاية النفق، بعد استحواذ الملياردير البريطاني السير جيم راتكليف على 25% من أسهم النادي، بهدف إعادة مانشستر يونايتد كما كان في حقبة فيرغسون، كعملاق ومرشح مفضل دائما للفوز بالبريميرليغ والبطولات المحلية والقارية، ومن حسن حظ تين هاغ، أن كبير المساهمين والمسؤول الأول عن ملف فريق كرة القدم، من الفئة التي تؤمن بأن أزمة اليونايتد لا تكمن في المدربين الذين تعاقبوا على شغل المنصب المرموق في «أولد ترافورد» على مدار العقد الماضي، وهذا ما أشار إليه في حديثه مع الصحافيين الشهر الماضي، حين سئل عن رأيه في أسباب فشل المدربين منذ اعتزال فيرغسون، وأجاب نصا: «إذا نظرت إلى الأعوام الـ11 التي مرت منذ تنحي ديفيد جيل والسير أليكس، فقد كانت هناك سلسلة كاملة من المدربين، بعضهم كان جيدا جدا، لكن لم ينجح أي منهم في الحفاظ على منصبه لفترة طويلة، وبالنسبة لي. لا يمكنني إلقاء اللوم على كل المدربين. والاستنتاج الوحيد الذي يمكنك استخلاصه هو أن البيئة التي كانوا يعملون فيها لم تكن تعمل. وكان إيريك في تلك البيئة. أنا أتحدث عن المنظومة والأشخاص في الهيكل الإداري والأجواء في النادي، لذلك لا أصب كل تركيزي على المدرب، بل أركز على القيام بعمل الأشياء بشكل صحيح».
وهو ما بدأ بالفعل في تنفيذه على أرض الواقع، بخطف عمر برادة من مانشستر سيتي، وتعيينه رئيسا تنفيذيا لليونايتد، وفي الطريق المدير الرياضي لنيوكاسل يونايتد دان أشورت، دليلا على أنه يتبع المدرسة الفكرية، التي تركز على فواتير الأجور والهيكل الإداري أكثر من عمل المدرب، على اعتبار أنه لن يحدث فرقا كبيرا في الفريق بدون البيئة التي تساعده على تحقيق أهداف المؤسسة، وهي تقريبا نفس سياسة ليفربول مع كلوب، بدعمه بهيكل إداري يتمناه أي مدربفي العالم حوله، وضع حجر أساسه المدير الرياضي السابق مايكل إدواردز، الذي عاد مؤخرا إلى قلعة «الآنفيلد»، في مهمة طارئة لرسم المسار الصحيح في فترة ما بعد تنحي كلوب هذا الصيف، وفي المقابل، كان اليونايتد يفتقد هذا الهيكل الإداري في السابق، والآن يقوم السير جيم راتكليف ببنائه، ما يعني أن المحظوظ بالقيادة الفنية الموسم المقبل سيحظى بدعم أكبر من أسلافه، بدون استبعاد سيناريو الإبقاء على المدرب الحالي، إذا نجح في فرض نفسه على المسؤولين في نهاية الموسم، وهذا لن يتحقق إلا بالحفاظ على حالة الزخم والنشوة الكبيرة بعد الانتصار على ليفربول لنهاية الموسم، خاصة بعد إدارته المقنعة للمباراة، والتي ظهرت منذ الدقائق الأولى، بطوفان من الهجمات والمحاولات على شباك الضيوف، بحثا عن أخذ زمام المبادرة، وهو ما تحقق في أول 10 دقائق عن طريق الاسكتلندي سكوت مكتومني، ورغم عودة الفريق إلى الفصول الباردة في نهاية الشوط الأول، باستقبال هدفين في دقيقتين، منهما هدف بهدية مجانية من القائد المترنح برونو فرنانديز، ومع ذلك، لم تتوقف غارات الشياطين الحمر على شباك حامي عرين الضيوف، حتى مع بدء العد التنازلي لإطلاق صافرة النهاية، كان واضحا أن هدف التعادل الثاني يطبخ على نار هادئة، ولولا رعونة ماركوس راشفورد، لما ذهبت المباراة إلى الأشواط الإضافية، التي سيطر عليها رجال تين هاغ بطول الملعب وعرضه، بعد نفاد المخزون البدني لفريق يورغن كلوب، الذي غامر بلاعبيه الأساسيين في نزهة اليوروبا ليغ مساء الخميس قبل الماضي، وفي مقدمتهم محمد صلاح، الذي أشركه لمدة 90 دقيقة في المباراة الأوروبية، ثم اضطر لاستبداله في آخر ربع ساعة أمام اليونايتد، حفاظا على سلامته ولياقته البدنية، ومعها انقلبت المواجهة رأسا على عقب، بعد وضوح علامات التحرر والانطلاق على مدافعي مانشستر، وفي مقدمتهم البديل هاري ماغواير، الذي أزعج فيرجيل فان دايك وجو غوميز وباقي المدافعين، بدوره في الثلث الأخير من الملعب، كلاعب يتحول إلى محطة فضائية في مواقف الضغط ولحظات حصار المنافس بالكرات الطولية، وغيرها من النقاط الإيجابية التي أظهرت تحضير تين هاغ الجيد وتفوقه على كلوب في القمة قبل الأخيرة بين العملاقين، فهل يا ترى ستكون منعرج طريق في مستقبل المدرب الهولندي مع المان يونايتد ومفتاح استمراره لفترة طويلة مثل كلوب مع ليفربول؟ أم أنه سيجبر النادي على البحث عن شخص آخر يتمتع بنفس سمات كلوب على أمل أن ينتشل عملاق البريميرليغ من براثن الضياع ويعيده إلى مكانته الطبيعية كما عاد منافس الشمال إلى الحياة بعد 30 عاما من المعاناة تحت قيادة آينشتاين الألمان؟ هذا ما سنعرفه في الأسابيع القليلة المقبلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية