بعد مكالمة مع نظيره الفرنسي تناولت الوضع في فلسطين.. تحديد موعد جديد لزيارة الرئيس الجزائري إلى باريس

حجم الخط
0

الجزائر- “القدس العربي”:

عاد الحديث عن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس، والتي كانت محل تساؤل طيلة السنة الماضية بسبب التأجيلات المتكررة لها، والتي لم تخل من أسباب لها علاقة بالطبيعة المتوترة للعلاقات وارتباطها الدائم بالتاريخ الاستعماري الأليم.

وتحدث تبون وماكرون في مكالمة هاتفية، وفق ما نشرته الرئاسة الجزائرية، عن هذه الزيارة التي ستكون وفق ما اتفقا عليه مع نهاية شهر سبتمبر وبداية أكتوبر، على أن يحدد تاريخها الرسمي لاحقًا. وحسب ذات المصدر، تطرق الرئيسان في المكالمة إلى العلاقات الثنائية والمسائل ذات البعد الجهوي والدولي. وقد عبّر تبون في هذا السياق، عن بالغ قلقه إزاء تطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة، لا سيما في غزة. كما تحدث الرئيسان عن الآفاق الاقتصادية المشتركة التي تعود بالمنفعة على البلدين، ولاسيما الفلاحة الطاقة والأتربة النادرة وصناعة السكك الحديدية.

ويمثل الإعلان عن الزيارة أهم حدث في المكالمة الهاتفية، خاصة أن التوقيت المقترح للزيارة يأتي في سياق انتخابي في الجزائر، حيث ستجرى الرئاسيات كما هو مقرر نهاية العام (شهر ديسمبر المقبل)، ويكون استدعاء الهيئة الناخبة ثلاثة أشهر من قبل، ما يجعل هذه الزيارة مثيرة للانتباه من حيث أنها تأتي في نهاية عهدة أولى للرئيس تبون شهدت الكثير من التوترات مع فرنسا والعديد من الخطوات الثنائية أيضا في مجال الذاكرة أبرزها إنشاء لجنة المؤرخين المشتركة، وهو ما قد يسمح بتقييم أكثر موضوعية لحالة العلاقات الثنائية وتحديد آفاقها المستقبلية.

عبّر تبون لماكرون عن بالغ قلقه إزاء تطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة، لا سيما في غزة

وكانت في الأشهر الأخيرة، عدة حواجز قد حالت دون الاتفاق على موعد نهائي للزيارة. ومما قاله وزير الخارجية أحمد عطاف، في تصريحات سابقة، أن بعض التفاصيل كانت وراء عدم الاتفاق، من بينها أن الجزائر طلبت من فرنسا تسليمها سيف وبُرنس الأمير عبد القادر في سياق الرمزيات المتعلقة بالزيارة، خاصة أن البرنامج المقترح على الرئيس عبد المجيد تبون كان يتضمن زيارة إلى قصر “أمبواز” وهو قصر سُجن فيه الأمير عبد القادر وعائلته ودفن فيه أيضا البعض منهم”.

غير أن ذلك قوبل، وفق عطاف، برفض الجانب الفرنسي الذي تعلّل بضرورة صدور قانون خاص بتسليم هذه المقتنيات.

ولاحقا، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، عن مسؤولين فرنسيين، أن إعادة ممتلكات الأمير عبد القادر “أشبه بمعضلة”، فالسيف والبرنس اللذان تطالب بهما الجزائر يملكهما حسبها متحف الجيش الفرنسي الذي أكد أنه “حصل عليهما بطريقة قانونية، موضحا أن الأمير نفسه سلم سيفه عام 1847، وأن ابنه قدّم البرنس”. وكتب جان لوك مارتينيز، المدير السابق لمتحف اللوفر، وفق الوكالة، في تقرير عام 2021 أن “الأملاك المعنية (البرنس والسيف…) حصلت عليها الدولة الفرنسية بصورة قانونية من خلال هبة من عائلة عبد القادر”.

وأدى تقرير مارتينيز إلى إصدار قانونين إطارين سمحا بالخروج عن قاعدة “عدم جواز التصرف” بالمجموعات العامة، من أجل إعادة أملاك نهبها النازيون ورفات بشرية، حسب نفس المصدر. ومن أجل الاستجابة لطلب الجزائر، أكدّت الوكالة أن فرنسا ينبغي لها أن تقر قانونا ثالثا يجيز إعادة أملاك ثقافية. وفي نهاية كانون الثاني/جانفي، أكدت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي أنه سيكون من دواعي “اعتزازها” أن تقدم هذا القانون، من دون الإعلان عن أي جدول زمني لذلك. ويبقى التساؤل هنا، إن كان الاتفاق على الزيارة، جاء بعد تلقي الجزائر ضمانات بحل الإشكال القانوني من أجل استعادة هذه المقتنيات الثمينة؟.

وعدا ذلك، لا تزال الكثير من المقتنيات الجزائرية المنهوبة خلال الفترة الاستعمارية موجودة في فرنسا. وفي هذه النقطة، أكد محمد لحسن زغيدي، الذي يرأس الجانب الجزائري من لجنة المؤرخين المشتركة، أن الاجتماع الأخير مع الطرف الفرنسي، في 25 فبراير الماضي، تم فيه جرد كل ما نهبه المستعمر الفرنسي من 1830 الى 1962 من تراث مادي.

وقال زغيدي في تصريحات أخيرة إن اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة التي تضم 5 أعضاء “أصبح لديها كل المعلومات الكافية والوافية عن التراث المادي الذي نهبه المستعمر الفرنسي طيلة تواجده بالجزائر وذلك بعد زيارتها لمختلف المراكز والمؤسسات الارشيفية المدنية والعسكرية المتخصصة بباريس وضواحيها”.

التوقيت المقترح للزيارة في نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر، مثير للانتباه، حيث  سيأتي في سياق الانتخابات الرئاسية في الجزائر المقررة  في ديسمبر المقبل

وذكر أنه بعد الاطلاع على جميع الادوات المنهوبة من أسلحة وعتاد وألبسة وكتابات ومخطوطات خاصة ما يتعلق منها بالأمير عبد القادر “تم الاتفاق على أن تكون هذه الارصدة في البداية مرقمنة ثم المطالبة باسترجاعها ورقيا”. كما أكّد أن الطرفين اتفقا على استرجاع مليوني (2) وثيقة إضافة الى كل الارشيف المرتبط بالفترة العثمانية ما قبل 1830. وذكر زغيدي بأن أولى المنهوبات كان “كنز الجزائر” ليتم بعدها وفي 15 جويلية 1830 نهب 2000 مدفع جزائري ما زال البعض منها متواجدا بالمتحف العسكري بباريس وهو معروض بمدخله ومكتوب عليه باللغة العربية “صنع بالجزائر”. كما طالبت اللجنة حسب زغيدي بخريطة مقابر الجزائريين المنفيين والسجناء الذين توفوا بفرنسا خلال القرن الـ19 مع رقمنتها وإمكانية الاطلاع عليها من طرف الأحفاد.

وإلى جانب الذاكرة، تعتبر القضايا السياسية والاستراتيجية محل نقاش مستمر بين البلدين. وفي العام الماضي، بعد تأجيل زيارة تبون مرتين، شهر أيار/مايو ثم حزيران/يونيو، كان واضحا الانزعاج الجزائري من تحويل الجزائر لمادة للنقاش السياسي الداخلي في فرنسا بعد الدعوات المتكررة من اليمين لإلغاء اتفاقية التنقل بين البلدين لسنة 1968 ثم الهجوم الفرنسي على النشيد الوطني الجزائري بعد مرسوم جديد يوسع استخدامه بشكل كامل في المناسبات الرسمية بما في ذلك المقطع الذي يتوعد فرنسا بالحساب.

وتريد الجزائر من جانب آخر، تطوير العلاقات مع فرنسا فيما يعود بالنفع على الاقتصاد الجزائري. وذكر الرئيس تبون في حديث سابق أنه يرفض أن يجري زيارة سياحية لباريس ويطوف بالشانزلزيه دون أن يعود بالملموس. وتبحث الجزائر الرفع من قيمة الاستثمارات المنتجة لفرنسا على أراضيها ومنح تسهيلات في مسائل التنقل وغيرها من المسائل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية