برامج النميمة .. والمشروع الإسلامي الذي لا يُرى بالعين المجردة!

حجم الخط
4

الذين يتابعون هذه الزاوية بدون مبرر موضوعي، سيتذكرون أنني حملت على برامج التلفزيون المصري قبل الثورة، التي كانت تستضيف من يسلخون الإخوان المسلمين بألسنة حداد، وفي غيبة منهم، وأطلقت على هذه البرامج ‘جلسات النميمة التلفزيونية’.
القوم في تلفزيون الريادة الإعلامية، كانوا يبررون عدم استضافة ضيوف من الإخوان للرد، بأن القوم ينتمون إلى جماعة محظورة قانوناً، ولا يجوز منحهم شرعية الظهور في تلفزيون رسمي، يمثل ‘ختم النسر’، وهو ختم الدولة المصرية، حتى وان كان هذا التلفزيون لا يشاهده أحد، وحتى لو كان الحكم كله فاقداً للشرعية والمشروعية!
ذات مرة استشعر مقدم أحد البرامج الحرج، فاستضاف منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية، ليقوم بدور الإخواني في الحلقة، وهي تعامل بالشبه، ولكونه ملتحيا. ومنتصر ليس من الإخوان، وعندما كان منظماً، فانه كان عضواً في تنظيم يقول في الإخوان ما يقول مالك في الخمر، وكان هذا بطبيعة الحال قبل الثورة، أما بعدها فقد صار الإخواني للآخرين في التنظيمات الدينية هو ‘الأخ الأكبر’، وذات مرة دخلت في حوار مع قيادي في الجماعة الإسلامية، وقد طالبته بألا يكونوا في علاقتهم بالجماعة كالتابعين من غير أولي الإربة، وقال الرجل إن الداعين لذلك يستهدفون في الأصل إحداث هزيمة بالمشروع الإسلامي؟.. وسألته مندهشاً: وأين هو المشروع الإسلامي، الذي بت اعتقد انه لا يُرى بالعين المجردة؟!
لا بأس، فالبأس الشديد أنني تذكرت جهادي التاريخي ضد عملية الإقصاء التي كان يقوم بها التلفزيون المصري، والتي تقوم على قواعد غير مهنية، بل وتمثل خروجاً سافراً على القيم المنظمة للممارسات الإعلامية، وكان تذكري لهذا عندما علمت أن جيهان منصور، مذيعة قناة ‘دريم’، قررت في حلقة واحدة أن تؤسس لبرامج ‘النميمة’ فتستضيف ثلاثة من خصوم الإخوان في غيبة الرأي الآخر.. الأول هو احمد طه النقر، والثاني هو جابر نصار، أما الضيف الثالث فجيهان منصور نفسها، وبعض مقدمي البرامج في بلادنا يقومون بدور الضيوف في برامجهم، فيسألون ويجيبون؟!
في الواقع أن جيهان منصور لا تمثل استثناء لقاعدة، فتصرفها هو القاعدة الشائعة في الإعلام المصري هذه الأيام، ولدينا ندرة في البرامج التي تحرص على تمثيل الرأي والرأي الآخر، وكثير من مقدمي البرامج تحولوا إلى مفكرين، وبعض الضيوف يضبطون إيقاعهم على العزف المنفرد لصاحب الدعوة ومقدم البرنامج، وهناك من مقدمي البرامج من يدفعون الضيوف دفعاً في اتجاه يريدونه ومنهم من يفعل هذا بذكاء لا تشعر به، ويعد خالد عبد الله على قناة ‘الناس’ نموذجاً للصنف الأخير، وفي كل مرة أذهب إليه فإنني احتشد للمقاومة، إلى أن ييأس من سحبي على أرضيته، ومن المشاهدين من يقولون أنهم يشعرون بتقدير الرجل لي، وربما يعز عليه أن يراني لست متحمساً للمشروع الإسلامي الذي يقوم عليه الدكتور محمد مرسي، وعدم الحماس مرده إلى أنني لا أجد أثراً على الأرض لهذا المشروع.. و’العتب على النظر’، وانك لا تهدي من أحببت.

نجم ودينا عبد الرحمن

البعض يميل مع المضيف كل الميل، من باب المجاملة أحياناً، وعدم إصابته بخيبة الأمل، وقد شاهدت الشاعر الكبير احمد فؤاد نجم يفعل هذا مؤخراً مع دينا عبد الرحمن!
لمن لم يتابعوا مرحلة ‘النشأة والتكوين’ لدينا عبد الرحمن نقول إن المذكورة كانت مشروع مذيعة مهنية، وفشل المشروع، فقد كنت متابعاً لها منذ برنامجها الصباحي على ‘دريم’، وكتبت أشيد بها هنا، في هذه الزاوية الطيبة المباركة، التي تستمد طيبتها من أنني أحد كتابها.
أحياناً كان يتملكني إحساس جارف بأن أحداً غيري لا يشاهدها باعتباري عاطلا عن العمل، وكنت اكتب عنها حتى يقال عني يوماً أنني مكتشف النجوم، ألم اكتشف جمانة نمور من قبل؟!
كنت اعتقد أن دينا لو منحت الفرصة في برنامج يتمتع بمشاهدة الجماهير، فسوف تنهي أسطورة منى الشاذلي، لكن منى انتهت بالتحلل الطبيعي، للأجسام المضادة للأكسدة، ولم تحتل عبد الرحمن مكانتها.
لا تنشغلوا كثيراً بتشبيهاتي العلمية، ففي الواقع أنا لا اعرف معناها، وعندما قررت التشبه بجمانة نمور، وهي الحاصلة على دراسات عليا في الانثربولوجيا، كانت المادة التي أخرجتني عن وقاري العلمي هي ‘الانثربولوجيا الطبيعية’، وهي تتحدث عن الجماجم، وكرات الدم، وصفائح حامض ثاني أكسيد الكربون!
لا بأس، فبحسب ثقافتي غير العلمية، فان منى الشاذلي تحللت كما تتحل ‘الزبدة الفلاحي’ بمجرد أن تتعرض لضوء الشمس، ولم يكن هذا بعد انتقالها إلى ‘ام بي سي مصر’ التي تحللت هي بدورها فلم تعد تلفت انتباه أحد، مشكلة المال السعودي، انه لم يعد قادراً على بعث إعلامي ناجح، فقد وقف وراء قناة ‘العربية’ لمنافسة ‘الجزيرة’ فتراجعت ‘الجزيرة’ ولم تتقدم ‘العربية’.
التحلل أصاب منى الشاذلي منذ قيام الثورة، وهي تقدم ‘العاشرة مساء’ على ‘دريم’، ولهذا فان صاحب ‘دريم’ لم يتمسك بها عندما قالت: ‘إني راحلة’.
لقد انتقلت دينا عبد الرحمن إلى قناة ‘سي بي سي’، وكونها محطة فلولية بامتياز، لا يمنعنا من القول إنها المحطة التلفزيونية الأولى في مصر، من حيث الذيوع والتأثير، وهناك من يقول إن المال السعودي يقف وراءها، بيد أن هذا النجاح لا يجعلني اصدق ما يتردد.. فما أكثر الشائعات في بلدي هذه الأيام، فالمال السعودي ليس مؤهلا لان يُنجح إعلاماً، ضعف الطالب والمطلوب.
مستوى دينا تراجع، لأنها لم تعد متواضعة، بعد أن استقر في يقينها أنها مفكرة وصاحبة رأي وصاحبة رؤية، وهي تختار ضيوفها بعناية، فتغني ليردوا عليها، وهي بما أنها مفكرة، وبما أنها تعمل في ‘سي بي سي’ فلابد أن تكون ضد الإخوان، حكماً وتنظيماً.

مع الإخوان

قبل أيام كانت دينا تستضيف أحمد فؤاد نجم فسألته: أنت كنت مسجوناً مع الإخوان؟.. فأجابها: ‘حبايبي’، وقد كنت مسجوناً معهم في فترة الستينيات.. وظنت أنها ستندهش حتماً لأن يكون مثله سجيناً في هذه المرحلة، وربما تطلب منه أن يروي ما كان يجري في السجون من فظائع.. وان كان من الطبيعي أن تتجاهل هذا، حتى لا تتهم بالإساءة لعهد عبد الناصر، مما يجعلها عرضة لمن لا يطيقون كلمة سلبية عن هذا العهد.
الأمر الثاني الذي فهمته من السؤال وما قالت به الإجابة أن الحديث سينصب عن ذكريات احمد فؤاد نجم مع شخصيات اخوانية بعينها وبعد كلمة ‘حبايبي’، لكن المذيعة المفكرة سحبته إلى سكتها، وهي الهجوم على الإخوان.
لقد تراجع أداء دينا عبد الرحمن لأنها ظنت أنها انتقلت من كونها مقدمة برنامج إلى طور المفكرة الكبيرة، فافتعلت لها ‘لازمة’ تعرف بها، وهي عبارة عن ‘ الاء.. آء..آء’ تقليداً للرئيس السادات.. فاتها أن الافتعال يؤدي إلى توتر المشاهد، وهذا ليس موضوعنا!
فقيام جيهان منصور باستضافة ثلاثة في حلقة واحدة يمثلون رأياً واحداً مع اختفاء الرأي الآخر، صار هو ما يميز كثير من البرامج التلفزيونية في مصر، على نحو ذكرنا بتلفزيون الريادة في العهد البائد، والذي لم تكن برامجها أكثر من ‘ جلسات نميمة’ في غيبة الطرف الذي يتم أكله لحمه ميتاً.
إن ما يحدث هو نتاج الفوضى الإعلامية التي تعيشها المحروسة، والتي انتقلت بسببها جيهان منصور من مذيعة إلى زعيمة، ودينا عبد الرحمن من مقدمة برنامج واعدة، إلى مفكرة.

أرض جو
تشرفت جائزة الصحافة العربية، باختيار الإعلامي المرموق حمدي قنديل رجل العام، الرجل الذي تم تكريمه في دبي، واستمر تهميشه في مصر، فلا يزال برنامجه ‘رئيس التحرير’ ممنوعاً إلى الآن، وهو البرنامج الذي كان يبثه التلفزيون الرسمي وأوقفه أهل الحكم في مصر قبل الثورة. أزمة قنديل أنه قامة، والحكم القائم في مصر لا يحتفي إلا بأصحاب القامات المنخفضة.. ولهذا من الطبيعي أن يظل برنامجه ممنوعاً، وكأن حسني مبارك هو من يحكم، وكأن صفوت الشريف هو وزير الإعلام.
أخيراً تخلى المستشار سعيد العشماوي عن حذره، وشاهدته مع لميس الحديدي في الأسبوع الماضي على ‘سي بي سي’، هذا الحذر الذي حال دون أن يكون مفكراً في حجمه، وقاضياً محترماً، متصدراً المشهد، وهو من كان عنوان العدالة عندما كان قاضياً، فحاكم تنظيمات يختلف معها فكريا وبعضها كان يضعه على قوائم الاغتيالات وانتصر للقانون وقضى ببراءتها، وهو كاتب له كتابات رصينة قد تختلف معها وقد تتفق لكن لا يمكنك ان تسفهها.. الرجل حذر بشكل مبالغ فيه من التعامل مع وسائل الإعلام، وقد رفض دعوات كثيرة للظهور التلفزيوني، وهو لديه حساسية إلى درجة التطرف من المال السعودي.
منذ سنوات لم ألتقيه، وقد شاهدته مع لميس عجوزاً وان ظل حريصاً على أناقته، وكانت مشكلته في المحاورة التي لا اعتقد أنها قرأت له كتاباً، فجاءت أسئلتها ضعيفة ومهزوزة، وكان ينبغي أن يكون قبوله بالظهور التلفزيوني مناسبة لحوار رصين وجاد، ولو قرأت فقط كتابه ‘الخلافة الإسلامية’ لكنا أمام حوار مثير، لكن ليست إثارة لطم الخدود التي تجيدها لميس.
برنامج ‘حيلهم بينهم’ الذي تقوم فكرته على ‘ المقالب’ مع ضيوفه من الفنانين، فقد مبرر استمراره بعد مرحلة ‘عمرو مدكور’، فانجي علي التي تقوم بتقديم السلسلة الجديدة منه، ليست مؤهلة لهذا النوع من البرامج
من ملاك قناة ‘الغد العربي’؟.. سؤال لا يزال يبحث عن إجابة، قرأت مؤخراً لمن يقول إن الفريق احمد شفيق، ومحمد دحلان، يقفان خلفها، ودحلان كان له مشروع فضائية بالشراكة مع نجيب ساويرس قبل الثورة، وقد نفى الأخير ذلك، ولا أعرف لماذا يتردد اسم دحلان في الفضاء الإعلامي المصري كثيراً؟ .. كما لا أعرف سبباً موضوعياً لعدم إعلان صاحب ‘الغد العربي’ عن نفسه، وكأنه يعيش في أيام الجاهلية الأولي وقد ‘بشر بأنثى’.. إظهر وبان عليك الأمان.
لم يكن هناك ما يستدعي أن ينهي باسل عادل برنامج ‘ساعة مصرية’ على روتانا، قبل موعده بثلث ساعة، وان كان زميلنا إبراهيم الدراوي قد أشعل النيران، ودفع ثمن ذلك بعدم استضافته مرة أخرى، فان المذيع المحترم كان يمكنه ان يطفئ النار المشتعلة بسهولة شريطة ان يتخلى عن انحيازاته وعلم طبيعة دوره الجديد.. وللعلم فان المذكور قد حدث له حالة من الترقي الوظيفي غير مسبوقة في تاريخ الإعلام العربي.. فهو ضيف البرنامج الذي تحول إلى مذيع لبعض حلقاته، مستقبلاً سيتحول إلى مخرج البرنامج.
صحافي من مصر
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نزار-تونس:

    جوابا على سؤال : وأين هو المشروع الإسلامي،أقول ذاك سؤال طالب الطب او الهندسة او الصيدلة طوال سنوات دراسته لاولى
    الخلاصة: الغايات النبيلة تتطلب تحضيرا لسنوات

  2. يقول علي التعامره:

    صباح الجمال على الجميل (مجازاً) عزوز:
    من الطبيعي ألا ترى المشروع الإسلامي، وذلك ببساطة لأنه يُعاش……قبل أن يُرى. فمن عاش المشروع الإسلامي في وجدانه، حتماً سيتلمس نموَّه. أقول هو ليس من أولويات مَن تخصص في مراقبة نمّور (هزار).

    هل قولك أن القدير حمدي قنديل ممنوع من الظهور على الشاشة الحكومية، أم الخاصة؟ وهل ذلك بأمر حبايب نجم؟ وإذا كان منعه من أهل الحكم، فما بالك بمن كسر طبق البيض في كاميرا التصوير؟

    رجاء حار، قد يكون أشد حرارة من تشوقك لمعرفة أين “إللي بالي بالك” هل قولك عن حمدي قنديل…..معلومة، أم أنه الرأي والهوى؟
    وشكراً لك

  3. يقول ربيع ياسين:

    لا عتب على النظر بل العتب على الفكر يا استاد عزوز …الدول المتقدمه لم تبني تقدمها وتطورها بين يوم وليله بل اخد عقودا من الجد والجهد والاباع والتعاون لا كيد المدل بماله وعيالهمصر تحتاجهد ابنائها كلهم ولا تحتاج للمكايدة السياسية المدفوعة الثمن والمدعومه من الخارج المعادي لتهضة مصر

  4. يقول عربي فلسطيني:

    طالب الطب او الهندسة هو طالب يذهب اليالجامعة و يذاكر دروسه و عندما تتحدث اليه يعطيك الانطباع بانه يعلم عما يتكلم، و كل يوم تلاحظ تقدمه و اتساع معرفته. و طبعا صادق في تعامله و في قوله. الامم استغرقت سنوات لكي تتقدم، صحيح. لكن خلال هذه السنوات كان هناك انتاج ادبي و فكري و صناعي و غيره. مش لف و دوران و شحته من ممن لايسوي(الغرب) و الي عمره نا حيسوي اهل النفط.كفايه كذب علي انفسنا، المشروع هو التمكين و باي ثمن.مصر تستحق اكثر من هؤلاء بكثير.

إشترك في قائمتنا البريدية