بحضور جماهيري مهيب: آلاف السوريين يشاركون في تشييع اللواء محمد فارس في الشمال

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي»: وسط حشود جماهيرية، شيّع آلاف السوريين في مدينة إعزاز الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، الإثنين، جثمان رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس إلى مثواه الأخير، بحضور شخصيات عسكرية وسياسية ومنظمات إنسانية ومدنية.
اللواء فارس من مواليد حلب عام 1951 هو طيار عسكري على متن الطائرة “ميغ 21″ ورائد فضاء، انشق عن النظام السوري وشارك في المظاهرات المناهضة له.
وتوفي في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، يوم الجمعة، بعد وعكة صحية دامت أسابيع، ثم نقل جثمانه الإثنين، عبر معبر باب السلامة إلى مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي.
مثّل سوريا في رحلة إلى الفضاء الخارجي مع رائدين روسيين، وكان بذلك أول سوري وثاني عربي يدخل الفضاء في عام 1987 ضمن برنامج تعاون بين سوريا والاتحاد السوفيتي.
وقدم اللواء محمد فارس 13 تجربة علمية وفي وقت قياسي منها 7 تجارب في الطب، ومنها تأثير الفضاء الخارجي على عمل القلب في الراحة والنشاط الجسدي، وتأثير الفضاء على ردود أفعال الإنسان، وتأثير الفضاء على العينينِ والرؤية وحاسة البصر، كما أنه حمل معه جهاز مونيتور لمراقبة القلب لمدة 48 ساعة.
إضافة إلى “تجربة بصري” لدراسة الغلاف الأيوني على ارتفاع 300 كم من الأرض، ودراسة التفاعلات الغازية الموجودة في هذا الغلاف، واستخدم لهذا الغرض جهازاً علمياً صُنع في سوريا وحمله معه خلال رحلته إلى المركبة الفضائية “مير”.
و”تجربة قاسيون”، حيث خلط اللواء محمد الحديد والألمنيوم بعد صهرهما للحصول على سبيكة بمواصفات جديدة، وكذلك خلط مادة الغاليوم والانتيموان بعد صهرهما أيضاً للحصول على موصلات إلكترونية يمكن الاستفادة منها في الصناعات التقنية، بالإضافة إلى خلط مادة الهيدروكسيد أباتيت مع نسب مختلفة من الماء والأملاح للحصول على مادة تفيد في صناعة المنظفات وبدائل الأسنان.
كما عمل على تصوير فضائي للأرض وتحديداً لسوريا وتضاريسها من الأعلى، ودراسة التلوث المائي والجوي، ودراسة حوض مسكنة وما فيه من ملوحة، ودراسة الانهدام العربي الأفريقي الممتد من شمال سوريا إلى حوض البحر الأحمر جنوباً.
وبينما همشه النظام السوري، أعلن الائتلاف الوطني المعارض وناشطون وسياسيون وفاة فارس الجمعة عن عمر ناهز 73 عاماً، كما قدّمت الولايات المتحدة عبر سفارتها في سوريا، تعازيها لعائلة وأصدقاء محمد فارس، ونشرت عبر حسابتها الرسمية بياناً جاء فيه: “نعزي عائلة وأصدقاء رائد الفضاء السوري محمد فارس، بوصفه أول سوري يسافر إلى الفضاء”.
وأضافت عبر منصتي “إكس” و”فيسبوك” مساء الإثنين: “قدم فارس نموذجًا لتفانيه في التميز ودعا أيضاً إلى الحرية للشعب السوري. وفاته خسارة كبيرة للسوريين والعالم أجمع”.
السفارة السورية في دولة قطر أعلنت عبر حساباتها الرسمية إقامة مجلس عزاء، وجاء في بيان رسمي، الثلاثاء: “أقامت السفارة السورية في دولة قطر مجلس عزاء بفقيد الثورة، رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس، وذلك مساء الإثنين، في مقر السفارة، في العاصمة الدوحة، بحضور عدد من الشخصيات السياسية والثورية، وحشد من أبناء الجالية السورية المقيمين في دولة قطر، وذلك لتأدية واجب العزاء بالفقيد”.
وأضاف البيان: “عبّر الحضور خلال كلمات ألقوها عن مكانة الفقيد في قلوب السوريين، وسيرته الطيبة، ووقوفه إلى جانب شعبه في وجه الظلم والطغيان منذ صيحات الثورة الأولى”.
المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، قدّم من جانبه عبر منصة “إكس” التعازي وقال: “نشارككم الحداد على فقدان محمد فارس، الرائد والمدافع القوي عن الحرية والديمقراطية”.
وأضاف شنيك أن إسهامات محمد فارس العلمية ودعمه الشجاع للانتفاضة السورية السلمية بصمة لا تمحى في قلوب الكثيرين، وأن إرثه سيستمر في إلهام الأجيال القادمة بجميع أنحاء سوريا والعالم العربي.
كما رثاه الباحث في الشؤون الدولية أنور مالك، وكتب: “وفاة رائد الفضاء السوري وفخر السوريين والعرب الصديق العزيز اللواء محمد فارس، رحمه الله. هذه القامة السورية التي لم تغرها مغريات، ولا وقفت في وجهها عقبات، وتحدت النظام بكل الإمكانيات، وانحازت لثورة الشعب”.
وأضاف: “وبهذا المصاب، نتقدم بأحر التعازي للشعب السوري عموماً ولعائلته الكريمة، ونتضرع لله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم ذويه الصبر والسلوان”. وتفاعل السوريون مع وفاة وتشييع الرائد الفضائي، حيث كتب الناشط عادل حلاق حول تهميش فارس بعد اندلاع الثورة السورية، وقال: “أحزنتني وفاة اللواء محمد فارس رحمه الله وطيب ثراه، ثلاث مرات: الأولى على فقدانه ولأنه لم يأخذ مكانه، والثانية على حزنكم جميعاً عليه ونسيانكم له ونفاق البعض في كل مرة نفقد فيها شخصاً قادراً على حمل عبء الثورة، والثالثة لأنها لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في كل مره نودع فيها أمثال محمد فارس سنعود لـ “الأكشنة” على مواقع التواصل وبعضهم سعيد جداً لأن قامة قد ارتاح منها ممكن أن تنافسه على عرشه”. وتساءل: “ماذا لو طرح اسم محمد فارس للانتهاء من مرحلة الركود ولإزاحة مرتزقة الدول وأذرعها كالائتلاف والمؤقتة والإنقاذ وغيرها؟”.
وأضاف: “الآن وقبل أن نعود مرة أخرى لنفس النقطة، ماذا لو عرضت هذه الأسماء كم عميلاً سيسقطهم، ألا تجدون بينهم من هو قادر وتقفون وراءه، الكلام للشعب؟ أما الفصائل فأغلبهم مرتزق وذراع للدول، إلا من رحم ربي”. وطرح حلاق يقول: “أنا أرى في رياض حجاب رجل مرحلة من دون تقديس ولا تأليه ولا صنع طاغية، يمكننا اختيار رجل للخلاص”. وبعد وصول جثمان رائد الفضاء اللواء محمد فارس إلى مدينة اعزاز ودفنه فيها بناء على وصيته، كتب أحمد مطر: “مثل هذا الرجل كان يجب أن يتصدر المشهد بالثورة، ولكنهم تجاهلوه وهمشوه وحاربوه حتى آخر لحظة. وعندما مات بدأوا يتباكون عليه ويذرفون دموع التماسيح…؟!”.
ورثا الكاتب الصحافي أمير رضوان، الفارس مركزاً على بعض المفارقات التي برزت خلال مراسم التشييع، يقول: “في تشييع اللواء محمد فارس، لم يخرج كل أولئك رغماً عنهم، كما فعلوا خائفين أو مرغمين عند موت حافظ الأسد، أو متملقين عند موت ابنه باسل صاحب الألقاب الكثيرة، والذي لم نعرف عنه سوى ركوبه الخيل، ومنها قصته الشهيرة بالخسارة أمام فارس الخيل عدنان قصار، الذي لم ير النور منذ أن سبق خيل باسل”.
إلى ذلك، كتب المعارض ‏زكوان كوكة‏ في تشييع اللواء محمد فارس: “رائد الفضاء الذي همشه نظام الأسد لسنوات، حمله السوريون اليوم في قلوبهم وعلى أكتافهم، ولم ينسوا موقفه النبيل. شعب فيه كل مظاهر الفرقة، اجتمع خلف جثمان طاهر لرجل مشهود له بنقاء السيرة والسريرة، شعب الثورة لا يجمعه حتى اليوم إلا الموت (…) على أمل أن يجمعنا شيء آخر سواه (…) أقل ألماً”.
ينما كان للمعارض السوري محمد أمين الحمود رأي آخر، فرثاه قائلاً: “رحمه الله وغفر له بعمله، فالعمل لا يعرفه إلا الله. اللواء محمد فارس رجل كباقي الرجال. لم يقدم شيئاً للثورة والثوار، لا بالعلم العسكري ولا المال ولا الأبناء. وهو متقاعد من عمله ولم ينشق. وإذا كان الانشقاق ميزة، جميعنا انشققنا عن عملنا. وهذه ميزة تحسب له عن بعض من شيعه من قادات وضباط. فما زالوا يجنون أموالاً طائلة من دمائنا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية