الهيئات الثقافية في غيبوبة والدولة منحته جائزتها في حشرجة الموت: ثلاث سنوات على رحيل رائد النقد المسرحي الحديث فاروق عبد القادر

حجم الخط
0

القاهرة ـ ‘القدس العربي’: ثلاثة أعوام تمر الآن على رحيل الناقد والمناضل فاروق عبد القادر. ليس ثمة ما يشير الى أن في مصر وزارة للثقافة تعمل على إعادة الاعتبار لكل هذه الرموز التي رحلت عن دنيانا في السنوات الأخيرة. فقد رحل كل من : عبد الرحمن بدوي، عبد العظيم أنيس، عفيفي مطر، محمد مستجاب، محمود أمين العالم، مختار العطار، وآخرون من رموز الثقافة والفكر في مصر دون أن تتحرك جهة واحدة لتخليد ذكراهم وبعث أثرهم في الأجيال اللاحقة عبر إعادة طبع أعمالهم. وليس أدل على ذلك من حصول الراحل على جائزة التفوق، وهي أقل بكثير من قامته، بينما كان يفصله عن الموت عدة ساعات.
ويعتبر الناقد فاروق عبد القادر، الذي بدأ حياته في صفوف اليسار المصري واستمر واحدا من أهم نقاد ومترجمي المسرح العالمي وخاصة الحديث منه، واحدا من طليعة المثقفين الذين قوموا الفساد السياسي والثقافي في مصر طيلة سني عمره المديد، لذلك ظل خارج حسابات الدولة، وظل مطرودا ومطاردا، ولم يشفع له إنجازه المؤثر حتي الساعات الأخيرة من حياته . ولد عبد القادر في مدينة بني سويف جنوب القاهرة بحوالى مائة كيلو متر عام 1938، وكان عاشقاً للقرآن، يرتله في الفجر وقبل الغروب وكان حسن الصوت سليم النطق. التحق بقسم الدراسات الاجتماعية والنفسية واختار علم النفس، وتخرج من الجامعة في مايو عام 1958 (ليسانس علوم نفسية) بتقدير جيد. في 1962 صدر أول كتاب له. عمل سكرتيراً لتحرير مجلة (المسرح) ثم مجلة (المسرح والسينما) حتى نهاية 1970، ثم عمل محرراً مسؤولاً عن ملحق الأدب والفن الذي كانت تصدره مجلة (الطليعة). وفي صيف 1974 تقرر إيقاف مجلة (الكاتب) ضمن قرارات السادات بإغلاق المجلات الثقافية، ثم أوقفت مجلة (الطليعة) في مارس 1977وصدر بدلاً منها مجلة الطبيعة والمستقبل. وكانت الجائزة الأهم في حياة فاروق عبد القادر هي جائزة سلطان العويس.
أصدر الكاتب الراحل عددا من الكتب المهمة منها : ازدهار وسقوط المسرح المصري، مساحة للضوء، مساحة للظلال، من أوراق الرفض والفنون، أوراق من الرماد والجمر، أوراق أخرى من الرماد والحجر، رؤى الواقع وهموم الثورة المحاصرة، ونافذة على مسرح الغرب.كما ترجم الراحل عددا من المسرحيات المهمة من بينها : فترة التوافق تنيسي وليامز. لعبة البنج بونج أرتور أداموف. المساحة الفارقة. النقطة المتحولة بيتر بروك. يو . أس بيتر بروك. وقد رحل عبد القادر عن عالمنا في شهر يونيو عام 2010، عن عمر ناهز الثانية والسبعين .
ومن بين الكتب الجديرة بالتوقف كتاب فاروق عبد القادر ‘في المسرح المصري، تجريب وتخريب’ وهو الكتاب الذي صدر قبل وفاته بوقت قليل عن دارالعروبة للدرسات والأبحاث. وحسبما يشير عبد القادر في مقدمته فقد بدأت علاقته بالمسرح في خمسينيات القرن الماضي، منذ أن كان طالباً يدرس الآداب في الجامعة حيث دأب على متابعة تحولات الواقع السياسي والثقافي عبر المسرح فكان مسرح الأزبكية وهنا يشير عبد القادر الى الدور الأهم الذي لعبه المسرح القومي حيث قدم الأعمال المؤلفة والمترجمة ثم كانت مجلات المسرح والكاتب والفنون الشعبية وتراث الانسانية وعالم الكتاب. وقد عمل فاروق عبد القادر الى جانب صلاح عبد الصبور في مجلة المسرح ويقول انهما استطاعا تقديم مجلة ثقافية مسرحية على مستوي رفيع، وكان صلاح ـ بتحضره وسماحته واتساع افقه ـ قادراً على الانفتاح على كل الاتجاهات، واستطعنا أن نجمع حول المجلة أهم الأسماء التي كانت تنشغل بالمسرح آنذاك ويعترف عبد القادر بأنه استفاد بشكل خاص من العمل بالمجلة لا سيما في متابعة الحركة المسرحية خارج القاهرة وهي التجربة التي رصدها في كتابه مساحة للضوء، مساحة للظلال الصادر عام 1986. ويشير عبد القادر الى أن هذه النهضة المسرحية التي شهدتها القاهرة وعواصم الأقاليم لم تدم طويلاً، فسرعان ما سقطت لأسباب مختلفة على رأسها هزيمة 1967 بالاضافة الى الرقابة ودورالمسرحيين أنفسهم، ثم يأتي الدور الأعظم لسيادة المسرح التجاري الذي يمالئ السلطة وينتزع جماهير المسرح الجاد بغير رجعة.
وفي أربع مقالات متصلة يتناول الكاتب والناقد فاروق عبد القادر حالة مهرجان المسرح التجريبي ويبدأ هذه المقالات بـ مشاهد مسرحية في ليل القاهرة يتناول فيها مسرحية جواد الأسدي النورس والمرفأ التي شاركت في دورة العام 1988 وكذلك المسرحية الفرنسية أدب وتاريخ وكذلك عرض لمسرحيات انكليزية وروسية وتونسية ويوغسلافية ولكنه وسط ذلك لا ينسي أن يعبر عن سخطه بسبب الفوضي العارمة التي تنتاب المهرجان وهو ما يعبر في نظره عن سوء التخطيط المستمر حتي تلك اللحظة، كما ينتقد تقديم العروض المختلفة في أماكن متباعدة بين صحراء الهرم ومنطقة القلعة في مصر القديمة. ويشير عبد القادر الى افتقاد المهرجان لمفهوم واضح لمعنى التجريب يتم على أساسه اختيار العروض وينقل عن كتالوج المهرجان أن ادارته لن تشأ أن تتوقف عند تعريف محدد للتجريب.. لهذا تركت للدول المشاركة أن تختار هي ما ترى انه تجريبي وطليعي ويضيف عبد القادر معقباً: وهكذا رأينا عروضاً لا يأتيها التجريب من اي مكان، انها ليست تقليدية فقط ولكن بعضها تعليمي كذلك ويتناول عبد القادر أيضاً هزال المطبوعات وفقر الندوات وقلة عدد المشاركين فيها حتي ان بعض الندوات لم يحضرها أكثر من أفراد.
أما المقالة الثانية التي تتناول المسرح التجريبي فهي التي جاءت تحت عنوان يا اهل المسرح: فضوها سيرة وفي هذه المقالة يعترف عبد القادرأنه شاهد من مهرجان المسرح التجريبي ما يكفي للحكم عليه عبر أربع دورات ويعيد السؤال مرة ثانية: هل حقاً هو مهرجان المسرح التجريبي وهل يلبي احتياجاً قائماً في واقعنا الثقافي والمسرحي؟ وهل ما انفق عليه يعادل العائد الذي تحقق من اقامته؟ ويجيب عبد القادر بأنه لا علاقة بين عروض المهرجان ولافتة التجريب فالعروض التي يتم تقديمها تتفاوت تفاوتاً واسعاً من حيث تقليديتها ورغم ذلك فانه لا تخلو دورة من دورات المهرجان من أحاديث ونقاشات وندوات عن التجريب في صيغ مختلفة ويستنكر عبد القادر الأموال الباهظة التي تنفق على المهرجان والتي يرى أن العائد منها لا يساوي الكثير وان العروض الجيدة التي يسفر عنها المهرجان تظل قليلة ومحدودة القيمة.
أما المقال الثالث حول هذا المهرجان فجاء تحت عنوان مهرجان التجريب العشوائي ويتناول فيه نفس اشكاليات المهرجان، والمقال الرابع جاء تحت عنوان أما آن لهذا العبث أن ينتهي . وهو أيضاً يأتي في نفس سياق الانتقادات الموجهة للمهرجان بل يزيد عليها ان العروض المقدمة تسوء عاماً بعد عام ولا من مجيب.
بعد ذلك يتناول فاروق عبد القادر العرض الذي قدمه المخرج احمد عبد الحليم لمسرحية الملك لير على المسرح القومي عام 2002 عن النص الذي ترجمته فاطمة موسي عام 1969 وينتقد عبد القادر تعامل المخرج مع نص شكسبير ويصفه بالخفة واللامبالاة حيث قام بحذف ما اعتقد انه لا يطورالحدث. ويرصد عبد القادر المشاهد المختلفة والمتعددة التي حذفها التي يراها وقد أخلت بالنص وان كان يعترف في الوقت نفسه أنه ليس هناك قداسة مطلقة لأي نص. الى جانب ذلك يتناول عبد القادر عدداً من العروض المسرحية التي تم تقديمها في شكل جديد مثل حلاق بغداد وفي عز الظهر لأسامة انور عكاشة.
وقد كان من أعنف وأهم مقالات الكتاب المقال الذي حمل عنوان رجعة ضرورية ومفيدة لتاريخ قديم.. رشاد رشدي: هل كان مظلوماً؟ والمقال في جملته رد قاس على مقال للدكتور عبد العزيز حمودة نشر بجريدة الأهرام بمناسبة حصوله على جائزة الدولة التقديرية وهي المقالة التي اعتبر فيها ان الجائزة كان يجب أن تذهب الى المسرحي والكاتب الراحل الدكتور رشاد رشدي أستاذ الأدب الانكليزي بكلية الآداب في جامعة القاهرة الذي ظلم حياً وميتاً حسب حديث الدكتور حمودة. ويبدو ان الجملة ـ التي بالفعل تأتي في غير محلها ـ كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير وهو ما دعا عبد القادر الى تناول تاريخ رشاد رشدي منذ بدايته المشبوهة مع عدد من الأساتذة الانكليز من جماعة اخوان الحرية، محطة الشرق الأدني، شركة شل، نادي خريجي قسم اللغة الانكليزية ويقول عبد القادر ان رشدي لم يكن بعيداً عن هذه الدوائر وكان يقوده أستاذه رجل المخابرات البريطانية كريستوفر سكيف رئيس قسم اللغة الانكليزية آنذاك، هذا الرجل الذي وصفه محمود شاكر بأنه كان جاسوساً محترفاً في وزارة الاستعمارالبريطانية وهو ما ينقله عبد القادر عن كتاب شاكر أباطيل وأسمار وهــــو أيضا ما يؤكده الكاتب المسرحي نعمان عاشور في وصفه للرجل. وينفي عبد القادر أن يكون رشاد رشدي أول مصري يتولى رئاسة قسم اللغة الانكليزية بكلية الآداب وذلك رداً على حديث حمــودة وتقـــريره بذلك، ويشير الى أن رشدي انتزع رئاسة القسم من الدكتور محمد ياسين العيوطي الذي سبقه في الحصول على الدكتوراه ويستند أيضاً الى مقال للدكتور لويس عوض يقول فيه الدكتور رشاد رشدي لم يكن أول رئيس مصري لقسم اللغة الانكليزية وآدابها.
يستعرض فاروق عبد القادر أعمال رشاد رشدي المسرحية ويصفها بأنها أعمال تدير ظهرها لقضايا الواقع الجديد وترتبط بالتعبير عن هموم الارستقراطية القديمة وأبنائها من الشرائح الكبيرة في الطبقة المتوسطة، ويشير الى انه ما من مسرحية كتبها رشاد رشدي الا وعرضت على الفور بل احياناً كان يشهد الموسم الواحد أكثر من عرض له، وكان مدعوماً في ذلك من الدكتور عبد القادرحاتم وزير الثقافة والاعلام في ذلك الوقت وراعي رشاد رشدي وسنده القوي في السلطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية