الهدر‭ ‬الوجودي‭ ‬للشباب‭ ‬العربي‭ ‬

حجم الخط
0

مؤلم‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ترتيب‭ ‬وطني‭ ‬سوريا‭ ‬يحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أنها‭ ‬الدولة‭ ‬الأكثر‭ ‬فقراً،‭ ‬ومؤلم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الهند‭ ‬التي‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬ونصف‭ ‬المليار‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخامسة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والسبب‭ ‬يعود‭ ‬أن‭ ‬72‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬تحت‭ ‬عمر‭ ‬الثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬نسبة‭ ‬الشباب‭ ‬تتجاوز‭ ‬السبعين‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي؟
‭ ‬كيف‭ ‬تُهدر‭ ‬طاقة‭ ‬الشباب‭ ‬العربي؟‭ ‬سؤال‭ ‬يحتاج‭ ‬لدراسة‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬والأطباء‭ ‬النفسانيين‭. ‬لكنني‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أضيء‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬الشباب‭ (‬والشابات‭) ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لأنني‭ ‬على‭ ‬إطلاع‭ ‬كبير‭ ‬بحالهم‭ . ‬
أولاً‭: ‬انعدام‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬لدور‭ ‬المدارس‭ (‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭) ‬،‭ ‬صفوف‭ ‬البكالوريا‭ (‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭) ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬معظمهم‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬المعاهد‭ ‬الخاصة‭ ‬أو‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬التي‭ ‬تكلف‭ ‬الملايين‭ ‬،‭ ‬أصبحت‭ ‬مهنة‭ ‬الأساتذة‭ ‬الخصوصيين‭ ‬مُربحة‭ ‬جداً‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬إلا‭ ‬الطلاب‭ ‬ميسورو‭ ‬الحال‭ ‬أخذ‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية،‭ ‬أو‭ ‬طلاب‭ ‬يضطر‭ ‬أهلهم‭ ‬لبيع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُمكن‭ ‬بيعه‭ ‬من‭ ‬أثاث‭ ‬أو‭ ‬سجاد‭ ‬أو‭ ‬أخذ‭ ‬قروض‭ ‬مصرفية‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬أجور‭ ‬الأساتذة‭ ‬الخصوصيين‭.‬

وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي

‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬مستمر‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬ولم‭ ‬تبال‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬ولا‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬بتقديم‭ ‬حلول‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬المُزري‭.‬
‭ ‬المشكلة‭ ‬الأخطر‭ ‬أن‭ ‬الطلاب‭ ‬خاصة‭ ‬طلاب‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يهمهم‭ ‬سوى‭ ‬إحراز‭ ‬مجموع‭ ‬عالي‭ ‬يُمكنهم‭ ‬من‭ ‬إختيار‭ ‬دراستهم‭ ‬الجامعية،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬المواد‭ ‬نجد‭ ‬كُتيبات‭ ‬أعدها‭ ‬المدرسون‭ ‬الخصوصيون‭ ‬للأسئلة‭ ‬المُحتملة‭ ‬والتي‭ ‬تتكرر‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭ ‬،‭ ‬أصبح‭ ‬الطالب‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يُفكر‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬مسائل‭ ‬الفيزياء‭ ‬والرياضيات‭ ‬والكيمياء‭ ‬،‭ ‬يحفظ‭ ‬تلك‭ ‬المسائل‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب،‭ ‬أي‭ ‬طاقته‭ ‬الفكرية‭ ‬تُهدر‭ ‬في‭ ‬الحفظ‭ ‬فالغاية‭ ‬هي‭ ‬المجموع‭ ‬العام‭ .‬
‭ ‬وأصبح‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬جامعات‭ ‬الدولة‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الطالب‭ ‬مجموعاً‭ ‬عالياً‭ ‬جداً،‭ ‬وإن‭ ‬نقصت‭ ‬الطالب‭ ‬مجرد‭ ‬علامة‭ ‬فهو‭ ‬يُحرم‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمه‭ ‬بالدخول‭ ‬إلى‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬أو‭ ‬الصيدلة‭ ‬أو‭ ‬الهندسة‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬القهر‭ ‬الذي‭ ‬سيترك‭ ‬ندبة‭ ‬قهر‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬أو‭ ‬الالتحاق‭ ‬بجامعات‭ ‬خاصة‭ ‬تتكاثر‭ ‬كبذور‭ ‬البقلة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وأقساطها‭ ‬السنوية‭ ‬بالملايين‭ ‬ولا‭ ‬يتمكن‭ ‬إلا‭ ‬الطلاب‭ ‬الأثرياء‭ ‬من‭ ‬الالتحاق‭ ‬بتلك‭ ‬الجامعات‭ ‬التي‭ ‬يشك‭ ‬الكثيرون‭ ‬بمستواها‭ ‬العلمي‭ . ‬أي‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬تمييز‭ ‬طبقي‭ ‬بين‭ ‬الطلاب‭. ‬والتعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬المدراس‭ ( ‬أي‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬خاصة‭ ) ‬إذ‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الحفظ‭ ‬والأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الإعتبار‭ ‬المحاضرات‭ ‬التي‭ ‬يُلقيها‭ ‬الأساتذة‭ ‬،‭ ‬فلكل‭ ‬أستاذ‭ ‬طريقته‭ ‬وأولوياته‭ .‬
‭ ‬كنت‭ ‬أسمع‭ ‬الطلاب‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬مثلاً‭ ‬–‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬محاضرات‭ ‬الأستاذ‭ ‬الفلاني‭ ‬في‭ ‬الجراحة‭ ‬العامة‭ ‬وعن‭ ‬محاضرات‭ ‬أستاذ‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬الجراحة‭ ‬العامة‭ ‬وعن‭ ‬محاضرات‭ ‬أستاذ‭ ‬ثالث،‭ ‬عليهم‭ ‬الإلتزام‭ ‬تماماً‭ ‬بمحاضرات‭ ‬كل‭ ‬أستاذ‭ ‬وأن‭ ‬يجيبوا‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭ ‬بما‭ ‬يُرضي‭ ‬الأستاذ‭ ‬إياه،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مادة‭ ‬الجراحة‭ ‬العامة‭ ( ‬أخذتها‭ ‬كمثال‭ ) ‬مجال‭ ‬بحث‭ ‬حر‭ ‬للطالب‭ ‬ونادراً‭ ‬ما‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬مراجع‭ ‬عالمية‭ ‬أو‭ ‬بحث‭ ‬علمي،‭ ‬تُصبح‭ ‬غاية‭ ‬الطالب‭ ‬الجامعي‭ ‬تحقيق‭ ‬أعلى‭ ‬علامة‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬أستاذ،‭ ‬هذا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬التفكير‭ ‬البحثي‭ ‬العلمي‭ ‬لدى‭ ‬الطلاب‭. ‬والحال‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الإختصاصات‭ ‬الجامعية‭ ‬أي‭ ‬إرضاء‭ ‬الأستاذ‭ ‬وطريقته‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬وإعطاء‭ ‬المعلومات‭ ‬والتي‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬أستاذ‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬منافسة‭ ‬بين‭ ‬الأساتذة‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬يُريد‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬أنه‭ ‬الأفضل‭. ‬لكن‭ ‬للأمانه‭ ‬ثمة‭ ‬طلابا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بفكر‭ ‬حر‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬ويلجأون‭ ‬إلى‭ ‬مراجع‭ ‬خارج‭ ‬المنهاج‭ ‬الجامعي‭ ‬المُقرر‭ ‬،‭ ‬هؤلاء‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يُكرموا‭ ‬ويُقدروا‭ ‬وتفسح‭ ‬أمامهم‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬التشجيع‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬تضيع‭ ‬جهودهم‭ ‬هباء‭ ‬أو‭ ‬يحلموا‭ ‬بالسفر‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬تُقدر‭ ‬تفوقهم‭ ‬وتميزهم‭ . ‬
ثانياً‭: ‬إنعدام‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬للثقافة‭ ‬،‭ ‬مثلاً‭ ‬مادة‭ ‬القومية‭ ‬تُدرس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الفروع‭ ‬الجامعية‭ ‬وهي‭ ‬مادة‭ ‬مُرسبة،‭ ‬بينما‭ ‬مثلاً‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ (‬ودول‭ ‬متطورة‭ ) ‬تُدرس‭ ‬مادة‭ ‬الفلسفة‭ ‬طوال‭ ‬مدة‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬–‭ ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬إختيار‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬يدرسون‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬والجامعات‭ ‬مادة‭ ‬القومية‭ ‬التي‭ ‬تكرر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ( ‬وحدة‭ ‬–‭ ‬حرية‭ ‬–‭ ‬إشتراكية‭ ) ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬نشاطات‭ ‬ثقافية‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬السورية‭ ‬،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يُقدم‭ ‬أحد‭ ‬المحاضرين‭ ‬السياسيين،‭ ‬والقادم‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬محاضرات‭ ‬سياسية‭ ‬عن‭ ‬خطر‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬أو‭ ‬محاضرات‭ ‬من‭ ‬نوع‭: ‬كيف‭ ‬نقول‭ ‬لا‭ ‬لأمريكا‭.‬
‭ ‬هذه‭ ‬المحاضرات‭ ‬في‭ ‬المراكز‭ ‬الثقافية‭ ‬وفروع‭ ‬إتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬مثل‭ ‬محاضرة‭ ‬بعنوان‭ (‬دور‭ ‬الأدب‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الليبرالية‭ ‬الحديثة‭) ‬أو‭ ‬محاضرة‭ ‬بعنوان‭ (‬ثقافة‭ ‬الإذعان‭) ‬أو‭ ‬محاضرة‭ ‬بعنوان‭ ( ‬دور‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬تصويب‭ ‬مسار‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ).‬
‭ ‬وفي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬احتلت‭ ‬محاضرات‭ ‬ونشاطات‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬لسفارة‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المحاضرات‭ ‬منفردة‭ ‬أو‭ ‬مشاركة‭ ‬مع‭ ‬نشاطات‭ ‬إتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬مثل‭ (‬ندوة‭ ‬فكرية‭ ‬أدبية‭ ‬تزامنا‭ ‬لرحيل‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭ ‬قدس‭ ‬الله‭ ‬سره‭: ‬منارة‭ ‬الثائرين‭ ‬ونبراس‭ ‬العارفين‭)‬‭ ‬أو‭ ‬محاضرة‭ ‬بعنوان‭ (‬توهم‭ ‬معاني‭ ‬الألفاظ‭ ‬وأثره‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭) ‬ومحاضرة‭ ‬بعنوان‭ (‬إسرائيل‭ ‬والعرب‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬التطبيع‭ ‬والتطويع‭) . ‬يُمكنني‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬عشرات‭ ‬عناوين‭ ‬لمحاضرات‭ ‬في‭ ‬المراكز‭ ‬الثقافية‭ ‬السورية‭ ‬وفي‭ ‬فروع‭ ‬إتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬للثقافة‭ ‬بصلة،‭ ‬وهي‭ ‬بعيدة‭ ‬كلياً‭ ‬عن‭ ‬مأساة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬85‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فقرا‭ ‬مدقعا‭ ‬وإنعدام‭ ‬الكهرباء‭ ‬وشح‭ ‬الماء‭ ‬وإنعدام‭ ‬الرأي‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬بصاحبه‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬بتهمة‭ ‬الجريمة‭ ‬الإلكترونية‭. ‬

تشويه‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة

وكان‭ ‬الحدث‭ ‬الهام‭ ‬هو‭ ‬إطلاق‭ ‬جائزة‭ ‬سليماني‭ ‬العالمية‭ ‬للأدب‭ ‬المقاوم‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الرواية‭ ‬والقصيدة‭ ‬العمودية‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬وسيناريو‭ ‬الفيلم‭ ‬القصير،‭ ‬وقد‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬الجائزة‭ ‬جمعية‭ ‬أسفار‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والإعلام‭. ‬ثمة‭ ‬حالة‭ ‬انفصام‭ ‬حادة‭ ‬وخطيرة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المُحاضرات‭ ‬وحال‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬وظروفه‭ ‬بالغة‭ ‬القسوة،‭ ‬وأيضاً‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المحاضرات‭ ‬السياسية‭ ‬والتي‭ ‬تُدرج‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬محاضرات‭ ‬ثقافية‭ ‬وبين‭ ‬الثقافة‭ ‬كمفهوم‭ ‬ينير‭ ‬العقول‭ ‬ويفتح‭ ‬آفاق‭ ‬الفكر‭ ‬الحر‭ ‬والإبداع،‭ ‬وإلقاء‭ ‬محاضرات‭ ‬عن‭ ‬فلاسفة‭ ‬وأدباء‭ ‬مهمين،‭ ‬وفتح‭ ‬باب‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬أعمال‭ ‬هؤلاء‭ ‬المبدعين‭ ‬سوريين‭ ‬أو‭ ‬عرباً‭ ‬أو‭ ‬أجانب‭.‬
‭ ‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬المثقفين‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬قاسم‭ ‬أمين‭ ‬يذكرون‭ ‬كم‭ ‬كانت‭ ‬المحاضرات‭ ‬قيمة‭ ‬ورائعة‭ ‬وكم‭ ‬كان‭ ‬النقاش‭ ‬حراً‭ ‬وغنياً‭. ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬مهم‭ ‬عن‭ ‬نيتشة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لا‭ ‬ينسون‭ ‬المحاضرات‭ ‬القيمة‭ ‬الإبداعية‭ ‬عن‭ ‬نيتشه‭.‬‭ ‬تشويه‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬خطير‭ ‬جداً‭ ‬على‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬المراهقين‭ ‬والشباب‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬قحطاً‭ ‬ثقافياً‭ ‬مُرعباً،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الأنترنيت‭ ‬يسمح‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الشبان‭ ‬قراءة‭ ‬روايات‭ ‬رائعة‭ ‬ومقالات‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬هي‭ ‬محظورة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لكنهم‭ ‬يتمكنون‭ ‬من‭ ‬إلغاء‭ ‬الحظر‭ ‬بطرق‭ ‬عديدة‭. ‬أيضاً‭ ‬إنعدام‭ ‬السينما‭ ‬عدا‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬يوافق‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬وهي‭ ‬لمخرجين‭ ‬يُعدون‭ ‬على‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة‭. ‬ربما‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظ‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬هو‭ ‬قرصنة‭ ‬الأفلام‭ ‬العالمية‭ ‬إذ‭ ‬يتمكنون‭ ‬من‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬وبسعر‭ ‬زهيد‭. ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للثقافة‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬جيل‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬والشباب‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬والفكر‭ ‬الحر‭ ‬والإبداع‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬ثقافة‭ ‬بل‭ ‬تضليلاً‭. ‬حال‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يشبه‭ ‬وضع‭ ‬العصي‭ ‬بين‭ ‬دواليب‭ ‬الإبداع‭ ‬والفكر‭ ‬الحر‭. ‬هم‭ ‬–‭ ‬للأسف‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عطالة‭ ‬أو‭ ‬يأس‭ ‬قاتل‭ ‬يدفع‭ ‬الآلاف‭ ‬منهم‭ ‬للهروب‭ ‬بأي‭ ‬طريقة‭ ‬وهم‭ ‬يعرفون‭ ‬مخاطر‭ ‬الهروب‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬مهربين‭ ‬لصوص‭ ‬والبعض‭ ‬يصل‭ ‬به‭ ‬اليأس‭ ‬إلى‭ ‬الإنتحار‭ ‬أو‭ ‬الإدمان‭ . ‬
حين‭ ‬يخسر‭ ‬الوطن‭ ‬طاقة‭ ‬شبابه‭ ‬فلا‭ ‬أمل‭ ‬بمستقبل‭ ‬مشرق‭ ‬وحياة‭ ‬كريمة‭ ‬وكرامة‭ ‬وحرية‭ ‬وإبداع‭. ‬
الشباب‭ ‬ثروة‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المطران‭ ‬الفيلسوف‭ ‬جورج‭ ‬خضر‭. ‬وشباب‭ ‬سوريا‭ ‬وعالمنا‭ ‬العربي‭ ‬بحاجة‭ ‬للإنقاذ‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬ثقافية‭ ‬خُلبية‭ ‬تُحبطهم‭ ‬وتُضللهم‭ ‬ولا‭ ‬تشعر‭ ‬بمعاناتهم‭. ‬

كاتبة‭ ‬سورية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية