«المخفي» في قصة «ضبع كورونا» الأردني

يصلح ما حصل مع الطبيبين الأردنيين عدنان اسحاق وعبد الرزاق الخشمان كمثال حيوي وإضافي على الارتجال والعشوائية.
ويصلح ما حصل أيضا نموذجا ودرسا له علاقة بتأكيد قواعد اللعبة القديمة حيث الإعلام محرقة وسلاح ذو حدين وحيث المبالغة في التصريح والبحث عن الأضواء سلوكيات لا تناسب أصحاب الخبرة والمهنة بالضرورة.
المجتمع الحيوي والحقيقي هو الذي لا يفترض من طبيب إداري وناجح وبارز مهنيا التمتع بطلاقة لسان وقدرة على مراوغة إعلامي مراوغ أصلا.
والطبيب الناجح بدوره يفترض أن يتألق في غرف العمليات والتمريض وداخل المستشفيات وليس بالضرورة تحوله إلى لاعب سياسي أو مدمن ظهور إعلامي.
الأردنيون لديهم فائض كبير جدا من منتحلي صفة السياسي ومن الذين يزعمون بأنهم إعلاميون وصحافيون وقادرون على التحريك الاجتماعي.
لا حاجة لنا بفائض من هؤلاء.
وحاجتنا أساسية وضرورية لأصحاب الخبرة والمهنة الذين يبدعون في مجالاتهم دون أن يفترض المجتمع أنه يستطيع إجبارهم على تحسين مهاراتهم اللغوية أو قدراتهم في التعاطي مع الميكروفون والكاميرا.. تلك أقرب وصفة للفشل في الاتجاهين الظهور العام والمهنة.
نقول ذلك ونحن نحاول فهم مشروع الحكومة ووزير الصحة في إقصاء طبيبين بارعين فجأة ثم الايحاء بأن مشكلة الوطن مع الفايروس كورونا في موجته الثانية هي فقط بتعدد مرجعيات التصريح والظهور الإعلامي المكثف لأطباء وظيفتهم بالأصل خلف الستارة والكاميرا.
قرار إبعاد طبيبين اختبرهما الأردنيون إداري وداخلي بامتياز لو كان خالصا لوجه الله والوطن والملك والمصلحة.
وهو قرار روتيني وعادي يتخذ مثله المئات يوميا في كل المؤسسات والوزارات لكنه يصبح أشبه بأهزوجة غامضة لا معنى لها من حيث الشكل والتوقيت ويصبح لغزا عندما يتخذ على شكل «مقصلة «توحي بأن مشكلة أزمة كورونا في الأردن هي طبيب ما هنا أو هناك أكثر من الظهور الإعلامي.
وتصبح المشكلة أكبر عندما يقرر وزير ما أو خلية وزارية أو رئيس وزراء ما تقديم بعض الموظفين على عتبة أكباش الفداء للإيحاء بأن الحكومة متميزة فقط بشيء واحد وهو قدرتها على الاعتراف بالأخطاء ثم تصويبها.
هذا تنميط مضلل بامتياز فمشكلات التعاطي مع أزمة الفايروس كورونا في موجته الثانية لها علاقة بعمق أزمة الأدوات الوطنية ولها علاقة بإبعاد المؤسسات السيادية لصالح أداء حكومي مرتجف ومتردد ويكثر من العشوائية والارتجال والتجريب ويعتمد على رموز صدفة الله وحده فقط يعلم كيف ولماذا تتشكل.
الأزمة لها علاقة بوزراء كبار يميلون إلى الاستعراض وبتكلس الإجراءات والقرارات في خلايا الأزمة الوزارية وبتعدد المرجعيات.

الأزمة لها علاقة عميقة وجذرية بنفس منظومة الاستراتيجية التي بنيت لمواجهة كورونا والتداعيات التي بدأت تطرق رأس كل مواطن

الأزمة أيضا ـ وهذا الأهم ـ لها علاقة عميقة وجذرية بنفس منظومة الاستراتيجية التي بنيت لمواجهة كورونا والتداعيات التي بدأت تطرق رأس كل مواطن حيث لجنة وباء وطنية أحادية يسيطر عليها الوزير والأمين العام وقطاع الموظفين الرسمي ويسعى القرار السياسي فعلا الى تحويلها الى فرقة انشاد ليس أكثر.
لم ينتج أزمة في الأردن عن تصريح الطبيب الفاضل الدكتور عدنان اسحق عندما استعار مقولة الضبع في المنزل لإبلاغ وإفهام البسطاء.
لم تنتج أزمة بسبب كثرة تصريحات المدير العام للمستشفى الذي يستقبل الحالات والذي قام مشكورا بجهد عملاق طوال أشهر كان يضطر فيها للتعامل مع أخطاء كل الوزراء وهو الدكتور عبد الرزاق الخشمان.
لو وجد الخشمان من يتحدث باسم مؤسسته بعدما تسلطت أضواء العالم على مستشفاه لبقي مع رفاقه في غرف العناية الحثيثة ولسهر حتى الفجر مع أطباء وممرضين رواتبهم لا تكاد تذكر والمطلوب منهم الانتصار في معركة العدو فيها شرس جدا.
ولو شرح المستوى السياسي للشعب الأردني ما يجري لبقي الدكتور اسحاق يتجول بين المراكز الطبية للقيام بواجبه ولانشغل بالمنحنيات الرقمية بدلا من الظهور على الشاشات وبصورة مكررة.
نأسف مرتين وبصدق لما حصل مع الطبيبين الفاضلين. نأسف لأن المستوى السياسي في الحكومة حاول الإيحاء بأن طبيبا أو اثنين أو خمسة وراء أزمة الارتجال وتعدد التصريحات.
ونأسف على مجتمع التواصل الأردني الهوسي الذي ينتمي للمدرسة الكلبية في الفلسفة ويحترف تهميش انجازات الآخرين مركزا على قصص صغيرة مثل الضبع وخلافه.
كبار الأطباء الذين خاضوا المعركة يستحقون التكريم من الشعب قبل الحكومة والإساءة لهم والتنمر عليهم ومحاولة الصاق التقصير بهم تبدو بائسة وارتجالية ولا معنى لها وتظهر هشاشة منظومة المسؤولية الأدبية في الحكومة برمتها.
التقصير الأكبر والخلل الأهم تحدثت عنه الحكومة للأسف بلغة الصم والبكم وهي تشير لخلل وتقصير على الحدود والمعابر دون الحديث عن مقصرين ودون أدنى تحقيق.
يحتاج الأردن وبائيا الآن لمقاربة وطنية أكثر اشتباكا بعيدا عن الارتجال أهم خطوة فيها استقلالية تامة للجنة الوباء الوطني وتشكيل لجنتين اضافيتين للوباء الأولى احصائية وعلمية تقرأ المنحنيات. والثانية تتولى العلاج والمتابعة للإصابات داخل المراكز الطبية.. لا نخترع العجلة هنا.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو رامي:

    هل من المفترض ان يكون الطبيب ببراعة سيبويه لغويا او بحنكة ابراهيم عيسى اعلاميا ؟ طبعا لا فمجاله الطب ولا يفترض اقالة اسحاق لان التعبير خانه او ضرب تشبيها غير واقعي في مقابله تلفزيونيه متجاهلين كل اعماله وخبراته وانجازاته فهذا هو الظلم والتجبر بعينه ولا نلوم السلطه فقط بل الشعب الذي قام بحمله سخريه مره منه في وسائط التواصل الاجتماعي وحط من قيمته بكل الطرق فلولا هذه الحمله لمر الامر مرور الكرام ولكن تم صلبه بناءا على طلب الشعب .

  2. يقول سامح //الأردن:

    *أخ بسام حياك الله والجميع.
    انت تتكلم وكأن الطبيبين طردا من عملهم..؟؟ ؟
    الذي اعرفه انه تم نقلهما لمواقع أخرى..
    *الأهم من ذلك يا حكومتنا الرشيدة
    ويا وزارة الصحة.. ما دام فايروس (كورونا)
    انتشر في المجتمع فما حاجتكم لإغلاق
    (المساجد والمطاعم والمقاهي)؟؟؟!!!
    حمى الله الجميع من شر الامراض كلها.

  3. يقول غازي جابر:

    أنا أتفق فعلا أن هؤلاء الدكاتره كانوا من المخلصين خلال هذه الجائحه وكذالك كل الهيئه التمريضيه خلال هذه الأزمه بذلوا جهد لا يقدر بثمن ,وكل دول العالم تشهد بذالك.
    وأذا خان التعبير الدكاتره من خلال المقابلات التلفزيونيه ,لا يعني ذالك أن أعفيهم من منصبهم أو النقل ,ولكن يجب علينا ان نكرم جميع رجال الدوله الذين سهروا على راحة المواطنين خلال هذه الجائحه.
    ولا ننسى الضغط اليومي الذي يتعرضون له يوميا وعلاوة على ذالك الخطوره من انتقال العدوى .
    نرجوا من وزارة الصحه مشكوره بجهودها أن تقوم رد الاعتبار للدكاتره لأنهم فعلا تعرضوا لحمله من الظلم من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الفتره الأخيره عليهم وهذا حتما انعكس على عائلاتهم.

  4. يقول فرفش:

    يارجل شر البلية مايضحك..والشعب حاب يضحك من كثر ماهو مضغوط؟!! كبروها ابتكبر وزغرها ابتزغر؟!
    الله يكثر من قصص الضبع خلي هالناس اتفرفش مع انتشار عارم الوباء اشي أفقي واشي عامودي

  5. يقول حمود عليمات:

    هذا مقال في الصميم وعميق وأكثر من رائع. احسنتم استاذ بسام.

  6. يقول د0عطوة0 سيناء ارض الشهداء:

    الفلونزة العادية كانت تدوم شهر او شهرين بالأكثر تصيب من تصيب وتترك من له مناعة وكرونا لها قريب السنة وحامت الكرة الارضية فهل يعقل انها تركت احد مناعته ضعيفة ؟؟؟؟؟ كل الاجراءات سياسية وافقت تحرك الشارع للأمة العربية والاسلامية محاولة فاشلة لقيام مارد الاسلام العادل ضد الفساد والظلم لامبراطورية المال 0 روتشلد + روكفلر 0 الصهاينة

  7. يقول د0عطوة0 سيناء ارض الشهداء:

    كرونا لا لون ولا طعم ولا رائحة عدم التجمع لبس كمامة غسل ايدي بالصابون هذا عمل دول العالم ومن خالف نعاقبه يتحدثون عنها وتفهم من العلماء الاطباء النخب انهم انفسهم لا يعلمون عن ما يتحدثون فيه كفى اونطة ودجل القصد عدم التظاهر على فساد أولي الامر ابناء النبي

  8. يقول صابر الهزايمه:

    مقالةٌ منصفةٌ تضع الحدثَ في سياقاته الطبيعية ثم تكشفه بالضوء… كل التقدير

إشترك في قائمتنا البريدية