الكثافة الدرامية وملل الإعلانات: مشاكل موسمية تؤرق الجمهور

مع بداية الموسم الدرامي الرمضاني وحتى نهايته تظل هناك مُشكلات تقليدية تواجه الجمهور، وتحول دون متابعته للأعمال التي يرى فيها تميزاً ويرغب في مشاهدتها، وهذه المُشكلات رغم تكرارها وتأثيرها القوي على تقييم الأعمال الإبداعية، إلا أنها لا تزال تُمثل مُعضلة أساسية وتتسبب في فقدان الأعمال الجيدة للكثير من نقاط الصعود في دوري المسابقات الرئيسي، الذي تترتب عليه نتائج النجاح الجماهيري، أو الفشل طوال العام، بشكل غير دقيق يعتمد فيه المُراقبون على ما تم تسجيله من نسب المُشاهدة والمُتابعة، وتخرج بموجبه التقارير الدالة على المستوى بغير إنصاف في مُعظم الأحيان.
وكالعادة تعود الأسباب إلى مجموعة من المعوقات تتمثل في مواقيت عرض المُسلسلات وتعارضها، فضلاً عن التكثيف الشديد والمُبالغة في إحداث حالة من الحراك الفني، والتركيز على العدد الكمي للأعمال، بلا تمييز حقيقي بين ما يستحق المشاركة في الماراثون الكبير، وما هو أقل من مستوى المنافسة، حيث تتم عملية المُتاجرة وفق مقاييس تعادلية خاصة بمُتطلبات السوق، واحتياج الجمهور بناءً على أسماء الأبطال والنجوم وليس على قيمة العمل الدرامي نفسه، وبالتالي تستحوذ الأسماء الكُبرى من أصحاب الأعمال على الفرص الجيدة، بوضعها في الصدارة بغض النظر عن استحقاقها الكامل لهذه الفرص.
ولأن توزيع الخريطة الدرامية لا يخضع لمنطق القيمة والأهمية الإبداعية، تتراجع عادة النوعيات الأخرى، التي من الممكن أن تحتوي مضامينها على قيمة درامية فارقة ومفيدة، نظراً لتغليب عنصر التأثير النفسي للنجم أو النجمة على المُشاهد الذي يُمثل الهدف الرئيسي في عملية الترويج، ومن ثم الربحية المضمونة، حسب مقاييس السوق. وعلى هذا الأساس تأتي حسبة الإعلانات كمقوم ضروري في مسوغات التسويق والتوزيع، فكلما تخللت الفواصل الإعلانية عملاً يشارك فيه أكبر حشد من النجوم، كانت العملية التسويقية مضمونه بامتياز، وهنا تبرز شروط المُعلن وقيوده التي تفرض نمطاً خاصاً في عملية الترويج للسلعة، بالكيفية التي يراها هو مناسبة وعليه يكون الخصم من الزمن الدرامي للمُسلسل واجباً حتمياً، لأن الإلحاح الإعلاني هو سيد الموقف، ولا يهم انصراف المُشاهدين عن مُتابعة الأحداث من عدمه طالما تحققت الغاية الأهم وهي التأثير الإعلاني!
وما بين القيود الإعلانية وشروط المُستثمرين واكتظاظ الخريطة الدرامية بالجيد والرديء من المُصنفات والنوعيات، تتبدد محاولات التميز وتضيع الفرص، ويبقى الأثر فقط مقروناً بالصدفة والمُتابعة العابرة، فمن يسعده الحظ ويصادف مشهداً يُعجبه في مسلسل ما، يبدأ في مراقبة مواعيد عرضه ويتغلب على لحظات الملل والانتظار الطويل لحين انتهاء الوصلات الإعلانية المُتتالية، ثم يكون له الخيار في استكمال متابعة الأحداث أو البحث عن مسلسل آخر. وفي إطار التطبيق العشوائي للخريطة الدرامية، لا يُمكن تحقيق التوازن في عملية المشاهدة وتوزيع الوقت بالتساوي على الأعمال المعروضة، لذلك يكون من الضروري اتخاذ إجراءات معينة لإنقاذ بعض المُسلسلات المهمة من ضياع فرصتها في المُتابعة، وعادة ما يتم هذا الإجراء بتخصيص مواسم إضافية للعرض بعد رمضان، لتعويض الفاقد في نسب المُشاهدة المُستهدفة، حيث يستفيد الجمهور والأبطال والعمل ذاته من فرصة العرض الثاني، قبل أن يُصبح المُسلسل أرشيفياً بمضي المدة.
من النوعيات التي تحتاج لعرض ثان وثالث في هذا الموسم مسلسل «قلع الحجر» بطولة عبد العزيز مخيون وسوسن بدر ومحمد رياض ورانيا فريد شوقي وسميرة عبد العزيز، فهو نوعية مُختلفة من الدراما الجنوبية استوحى الكاتب أحمد وفدي أحداثها من وقائع حقيقية، وبذل المخرج حسني صالح جهداً في بلورة الفكرة الرئيسية لها، وهي البحث عن بدائل للعنف في الميراث الصعيدي بضرورة إعمال العقل والرُشد في التغلب على المشكلات التقليدية. كذلك مسلسل «صلة رحم» بطولة إياد نصار وأسماء أبو زيد وتأليف محمد هشام عبيه، وإخراج تامر نادي، هذا المُسلسل تدور أحداثة في إطار اجتماعي حول المُشكلات الأسرية وتأثيراتها السلبية جراء الخلافات الزوجية المُستمرة، التي يدفع ثمنها الأبناء بلا ذنب أو جريرة، ولأن الأحداث تسير بشكل منطقي وتلامس المُشكلات بموضوعية وهدوء، فإن المسلسل لم يأخذ حقه من المُتابعة بما هو مُستحق له موضوعياً وإبداعياً، لذا يستوجب عرضه مره أخرى لإعادة اكتشافه في موسم لاحق.
«عتبات البهجة» أيضاً من المُسلسلات التي يبرز فيها الأداء الإنساني الراقي للفنان يحيى الفخراني الذي يركز كثيراً على مضمون ما يقدمه باعتباره مسؤولاً عن الرسالة الكلية للعمل، الذي يهتم بتفاصيل الحياة العائلية بعد سن الشيخوخة، ويؤكد على قيمة العلاقة بين الجد والأحفاد، وهي ذاتها الرؤية المأخوذة عن العمل الأدبي للكاتب إبراهيم عبد المجيد بالتفاصيل الجوهرية المهمة نفسها.
تبقى أعمال أخرى كثيرة لا يسعف وقت المُشاهد لرؤيتها كاملة كمسلسل «محارب» للمخرجة شيرين عادل وبطولة حسن الرداد وتأليف محمد سيد بشير ومسلسل «المعلم» لمصطفى شعبان وأحمد بدير وهاجر أحمد وانتصار و»حق عرب» لأحمد العوضي بوصفه أول فرصة حقيقية له في البطولة المُطلقة.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية