الفيتو الأمريكي الرابع لمنع وقف المجازر… ماذا بعد؟

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو للمرة الرابعة للإطاحة هذه المرة بمشروع القرار الذي قدمته الجزائر مساء 29 كانون الثاني/ يناير الماضي بعد اعتماد محكمة العدل الدولية مجموعة من الإجراءات الاحترزاية المستعجلة حول الوضع في غزة الذي يشير إلى جريمة الإبادة الجماعية، وتشمل وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتوسيعها ومنع التهجير القسري. وقد صوتت لصالح مشروع القرار 13 دولة بينما اختارت مملكة الدهاء والخداع والظلم وأم المصائب جميعها، بريطانيا، التي كانت عظمى وانتهت لأن تكون ذيلا للولايات المتحدة، بالتصويت بـ «امتناع».
وقد أثيرت مسألة أعداد الفيتو المتعلقة بمشاريع القرارات حول غزة، فمنهم من قال إن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو ثلاث مرات فقط. وهؤلاء قد نسوا أو تناسوا استخدام الفيتو يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر ضد تعديل تقدمت به روسيا لإضافة بند يدعو لوقف إطلاق النار على مشروع القرار البرازيلي. أطاح الفيتو الأمريكي بالتعديل. ثم طرح مشروع القرار بدون تعديل ويدعو فقط إلى «وقفات إنسانية» وصوت لصالحة 12 دولة إلا أن مندوبة الولايات المتحدة استخدمت الفيتو للمرة الثانية بحجة عدم إدانة حماس.
وكانت الولايات المتحدة قد حشدت أنصارها ضد مشروع قرار روسي يوم 16 تشرين الأول / أكتوبر يدعو لوقف إطلاق النار ولم يحصل مشروع القرار إلا على خمسة أصوات، فسقط تلقائيا.
صوتت الولايات المتحدة ضد قرارين مهمين كذلك في الجمعية العامة يدعوان لوقف إطلاق النار واحد يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وقد حصل على 120 صوتا إيجابيا، وصوتت ضد مشروع قرار آخر يوم 12 كانون الأول / ديسمبر وقد تم اعتماد القرار بغالبية 153 دولة ولم تجد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من يقف معهما إلا حفنة من ثماني دول.
إذن يجب أن نكون واضحين تماما في أن الذي يحمي الكيان ويسهل استمرار حرب الإبادة إنما هي الولايات المتحدة الأمريكية.
وتلعب هذه الدولة دور المظلة السياسية والدبلوماسية لتعطي الكيان فرصة أطول للولوغ في دماء الفلسطينيين أكثر وأكثر. هذه دولة تتبنى الخطاب الصهيوني الحالي تماما. فالحرب بدأتها حركة حماس يوم 7 أكتوبر، وهي حرب بين إسرائيل وحماس، التي تصنفها «حركة إرهابية» والهدف استرجاع الرهائن وهزيمة حماس وقتل عشرات الألوف ليس مقصودا لأن حماس تستخدمهم دروعا بشرية وهي التي قتلت الأطفال واغتصبت النساء، وأن ما يجري في غزة ليس إبادة جماعية. وعندما اتهم الكيان 12 موظفا من الأونروا (تم تخفيض العدد لستة) فورا قامت الولايات المتحدة بقطع التمويل على المنظمة الإنسانية الأكبر نشاطا في غزة وقدمت 152 شهيدا، كلهم من الفلسطينيين. ثم لحقت بها القافلة الأوروبية بدون تمحيص أو انتظار نتائج التحقيق، ما يدل على أن التباكي على الضحايا من المدنيين إنما هي دموع تماسيح.

الولايات المتحدة لم تكن وسيطا محايدا ولن تكون، والحديث عن حل الدولتين ما هو إلا لكسب الوقت وإنقاذ الكيان الإسرائيلي من ورطته الحالية

ويجب أن نكون حذرين دائما من الخداع الأمريكي عندما يرون الكيان في أزمة خانقة فهي تستعمل لغة ناعمة تتحدث عن ضرورة تجنب قتل المدنيين بينما يقتل المئات يوميا، وتتحدث عن ضرورة مراعاة القانون الدولي الإنساني وفي نفس الوقت ينتهك الكيان كل القوانين الدولية والإنسانية وقوانين حقوق الإنسان. ويتحدثون عن إدانة عنف المستوطنين الذي اكتشفوه فجأة فقط بعد 7 أكتوبر. ويتحدثون عن حق الفلسطينيين في الحرية والكرامة وهم يرون أن الفلسطينيين يذبحون بالآلاف. ويعدون بدعم حل الدولتين بعد نهاية الحرب وكأن 22 سنة من اعتماد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن خريطة الطريق التي تتحدث عن حل الدوليتن عام 2002 لم تكن كافية لتحويل الخريطة من خطة على الورق إلى كيان حقيقي مستقل على الأرض. في كل مرة يذهب بلينكين إلى المنطقة يقوم بزيارة مجاملة لسلطة رام الله متحدثا عن دور أكبر للسلطة بعد نهاية حرب الإبادة بعد إصلاحها، ما يساهم في توسيع البون بين قيادات المقاومة وقيادة أوسلو التي لم تعد مقنعة للفلسطينيين بشكل عام.
في الوقت الذي يرتكب فيه الكيان جريمة الإبادة الجماعية تقوم الولايات المتحدة بمنحه 14 مليار دولار، وكأن كل شخص في الولايات المتحدة يدفع من جيبه 85 دولارا لتمويل الحرب. أضف إلى ذلك الكميات الضخمة من الأسلحة والذخائر والآليات التي تدفقت على الكيان منذ 7 أكتوبر إلى الآن والتي لولاها لما صمد جيش الكيان ولانهارت معنوياته قبل أن تنهار صفوفه. حاملات الطائرات والغواصات والقطع البحرية انتشرت في المنطقة لحماية الكيان ومنعه من الانهيار وتأمين سلامته إذا ما اتسعت الحرب وشملت لبنان والعراق واليمن. يهرع كل قادة الإدارة الأمريكية لزيارة الكيان وتطمينه وشد أزره وتقديم الضمانات الأمنية له من الرئيس إلى وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي وصولا إلى مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية. بايدن يؤكد أنه صهيوني بالخيار وليس بالعقيدة وبلينكين يقدم يهوديته على أمريكيته، شيء لم يحدث من قبل ربما في العصور الحديثة.
يصوت الكونغرس بغالبية أقرب إلى الإجماع بدعم الكيان وحقه في الدفاع عن النفس وإدانة حماس ولحقت الإدانة للأونروا وعملية تجميد كافة أموال دعم الوكالة قيد المداولات الآن. المرشحون الجمهوريون للانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني، يتنافسون على من هو أكثر تطرفا في المطالبة بسحق الفلسطينيين وتدميرهم وإعادة غزة إلى العصر الحجري وتحويل الناس إلى رماد ودخان. وكان آخر الداعين إلى الإبادة العضو الجمهوري في الكونغرس، آندي أوغلز، الذي رد على سؤال يتعلق بمسؤولية الولايات المتحدة عن استشهاد عشرات الآلاف من الأطفال والمدنيين في غزة فقال: «يجب قتلهم جميعاً». هذا التوحش صادم وغير مسبوق. تحولت النخب السياسية الأمريكية إلى صورة طبق الأصل أو أكثر همجية عن نظيراتها في الكيان الصهيوني حيث يصنف الفلسطينيون كأنهم حيوانات بشرية ويجب إبادتهم حتى ولو أدى ذلك إلى استخدام القنبلة النووية.
إن المواقف التي اتخذتها الولايات المتحدة لحماية الكيان الصهيوني ليست جديدة واستخدام الفيتو لقتل أي محاولة جادة لإدانة الكيان وممارساته الفاشية ضد الشعب الفلسطيني ليس جديدا بل زادات استخدامات الفيتو لحماية الكيان نحو 46 مرة. إذن على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية والصديقة وأنصار الحرية والعدالة أن يستخلصوا النتائج التالية:
– ما كان لحرب الإبادة هذه التي يشنها الكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر أن تستمر لولا الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي والمالي والاستخباراتي والإعلامي الذي تؤمنه الولايات المتحدة للكيان مدعومة بحاضنة أوروبية إضافة إلى كندا واستراليا.
– الولايات المتحدة لم تكن وسيطا محايدا ولن تكون. والحديث عن حل الدولتين ما هو إلا لكسب الوقت وإنقاذ الكيان من ورطته الحالية وتقديم ورقة يستخدمها الحكام العرب أمام شعوبهم من أجل امتصاص النقمة العارمة ضد الولايات المتحدة.
– ما كان للاحتلال الصهيوني أن يستمر طيلة هذه السنين إلا بدعم من الولايات المتحدة والجوقة الأوروبية المنافقة، وما كان للاستيطان أن يتمدد ويلتهم أكثر من 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية لولا الدعم الأمريكي وما كان للتعطيل الدائم لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم لولا الموقف الأمريكي.
– إن وجود أنظمة عربية خانعة ومطبعة أو سائرة في طريق التطبيع تتعامل مع الكيان سرا ثم سرا وعلنا، من بين الترتيبات الأمريكية للشرق الأوسط حيث يكون الكيان المركز الأقوى لا يقترب من قوته أحد. فالتطبيع العربي برنامج أمريكي، وتهميش القضية الفلسطينية برنامج أمريكي. السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ترسم في تل أبيب وينفذها صهاينة مغالون في صهيونيتهم في واشنطن. فمثلا صفقة القرن التي طرحها الرئيس السابق ترامب، كتبت بأيدي ثلاثة صهاينة: صهر الرئيس كوشنر، ومستشاره للشرق الأوسط غرينبلات، وسفيره في تل أبيب ديفيد فريدمان. والزبانية التي تلتف حول بايدن، قد تتكلم بطريقة أنعم، لكنها تحمل نفس المواصفات.
– يجب أن يخرج الفلسطينيون من وهم إقامة دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس، فدون ذلك خرط القتاد. وليس أمام الفلسطينيين إلا الوحدة الوطنية الحقيقية القائمة على برنامج واحد هدفه إنهاء الاحتلال أولا بأساليب متعددة من بينها المقاومة وحركة المقاطعة والتحالف مع الشعوب العربية والإسلامية والدول الصديقة وأحرار العالم وشرفائه والمناضلين من أجل الحرية والعدالة . يجب ألا ننشغل بحل الدولتين القادم من الولايات المتحدة لأنه لن يأتي أبداً.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز في ولاية نيوجرسي الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية