الفنانة التشكيلية اللبنانية الكندية جميلة حسن: الافتقار إلى سوق تجارية للأعمال الفنية يشكل تحديًا كبيرا إذا كان الفنان مثيرا للجدل

خالد الحمادي
حجم الخط
0

أوتاو ـ «القدس العربي»: احتفت الجالية اللبنانية في كندا مؤخرا بعشرة من الرواد المهاجرين اللبنانيين الذين أثروا الساحة الكندية بأعمالهم الإبداعية وإسهاماتهم العملية في مختلف مناحي الحياة، وكان في مقدمة الذين تم الاحتفاء بهم الفنانة التشكيلية اللبنانية الكندية جميلة حسن.
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي منحت جامعة “ويسترن” الفنانة التشكيلية جميلة حسن شهادة فخرية، وذلك نظير حضورها الفني القوي واعترافًا بأعمالها الفنية الإبداعية وتقديرا لمساهماتها المستمرة في إثراء الساحة الكندية بإنتاجها من الأعمال الفنية.
وكان للفنانة جميلة حسن إسهاما فنيا منقطع النظير في كندا ـ مقارنة ببقية فناني الجالية العربية – خلال العقود الماضية، وسجّلت أعمالها حضورا قويا في مختلف المعارض والمتاحف والمؤسسات في كبرى المدن الكندية، وتجاوزت الحدود الجغرافية لكندا إلى ما وراء البحار ليسجل حضورا دوليا، عبر المساهمة بأعمالها الفنية في العديد من دول العالم.
جميلة حسن هي فنانة تشكيلية، وقيّمة فنية مستقلة، وناشطة، ومحاضرة، وكاتبة، مقيمة منذ السبعينيات في لندن، أونتاريو، كندا. عُرضت أعمالها الفنية على نطاق واسع في كندا وعلى المستوى الدولي. وفي عام 1993 حصلت على وسام “كندا 125” لخدمة المجتمع المتميزة، وفي عام 2001 حصلت على جائزة “الحاكم العام” لكندا في الفنون البصرية والإعلامية تقديراً لإنجازاتها الفنية.
أعمال جميلة حسن معروضة في العديد من المعارض العامة، أبرزها المعرض الوطني الكندي، ومعرض الفنون في مقاطعة أونتاريو «AGO » كندا، والمتحف الجديد، نيويورك؛ الولايات المتحدة، ومعرض ومتحف “ماكينتوش” بجامعة “ويسترن” في لندن، أونتاريو. وهي واحدة من مؤسسي معرضين يديرهما الفنانون في لندن، أونتاريو، وهما “فورست سيتي غاليري” و”بيت السفارة الثقافي”. وقامت أيضًا برعاية العديد من المشاريع الفنية في كندا وعلى المستوى الدولي وعملت في اللجان الاستشارية لـ «AGO »ومجلس مقاطعة أونتاريو للفنون والمجلس الكندي للفنون.
في هذا اللقاء الخاص لـ”القدس العربي” تحدثنا جميلة حسن عن مسيرتها الفنية الابداعية:
■ كيف كانت بداياتك الفنية في مجال الفنون التشكيلية؟
■ لقد كان من حسن حظي أني حظيت بالتشجيع لتنمية مواهبي في مجال الفنون التشكيلية منذ سن مبكرة، حيث تمكنت من حضور التعليم في الفن التشكيلي في سنوات مراهقتي والالتقاء بفنانين محترفين في مدينة لندن، مقاطعة أونتاريو، بكندا، وأدركت حينها أنه يمكن للمرء أن يختار الفنون كوسيلة لتكوين حياة كفنان محترف. كما حظيت بدعم والدي وإخوتي وأخواتي الذين شجعوني. ولقد منحني والداي فرصة السفر في سن مبكرة لمواصلة دراستي الفنية في أكاديميات الفنون في روما وبيروت.
■ ما هي الصعوبات والعقبات التي واجهتك في بداياتك الفنية؟
■ ربما كانت أكبر عقبة واجهتها هي كوني امرأة في بيئة الفنون البصرية التي كان يهيمن عليها الذكور في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي. حيث كان هناك موقف سائد مفاده أنه يتعين على المرأة الاختيار بين أن تكون أُمًّا أو أن تكون فنانة. إضافة إلى أن عملي السياسي كان في كثير من الأحيان عائقا وعاملاً في عدم حصولي على الدعم، حيث تمثل القضايا المالية دائمًا مصدر قلق كبير للفنانين المستقلين. وبطبيعة الحال ان العديد من الفنانين العاملين لحسابهم الخاص لا يحصلون على مصدر دخل مناسب للعيش الكريم من أعمالهم الفنية ويشكل الافتقار إلى سوق تجاري للأعمال الفنية تحديًا إضافيًا، خاصة إذا كان الفنان مثيرًا للجدل.
■ ما هي أبرز العوامل التي ساعدتك في التغلب على هذه الصعوبات وتحقيق الأهداف المرجوة لتحقيق النجاح؟
■ كان العمل بشكل جماعي مع الفنانين والمنظمات الفنية الأخرى هو المفتاح بالنسبة لي لتجاوز المعوقات وتحدي المشكلات التي واجهتها في السنوات الأولى لمسيرتي الفنية. ولقد اشتريت أنا وشريكي الفنان رون بينر مبنى قديما في عام 1986 وأنقذنا هذا المبنى من بعض عمليات الهدم، حيث تم هدم العديد من المباني القديمة هناك. ولقد منحَنا امتلاكنا لمبنى خاص بنا الاستقرار الذي نحتاجه للحصول على مكان للعيش والعمل في مدينتنا لندن، أونتاريو.
■ هل كانت هناك “نقاط تحوّل” ساهمت في انطلاقتك الفنية؟
■ نعم، لقد كانت فرص السفر أهم الجوانب في مسيرتي العملية، كما كانت قضايا حقوق الإنسان هي الموضوع الثابت الذي أتناوله في أعمالي الفنية.
■ من هم أبرز الداعمين لك ومن هم الذين شجعوك وساعدوك على مواصلة مسيرتك الفنية؟
■ أكبر الداعمين لي هم شريكي الفنان رون بينر وابني طارق، بالإضافة إلى أفراد آخرين في عائلتي. كما ساعدتني علاقاتي مع فنانين آخرين ومسؤولي معارض وكتّاب، يشاركونني التزاماتي، في إجراء حوارات حول الفن المعاصر والأحداث التي تحدث في العالم.
■ ما هي أهم المحطات الفنية في حياة الفنانة التشكيلية جميلة حسن؟
■ قمت بتنفيذ مشروع إبداعي تكويني عام 1988 والذي أصبح نموذجًا لعملي في الأماكن العامة في كندا. ومن بين التكليفات التي أنجزتها لوحة جدارية خزفية لعيادة مرضى السرطان في مركز العلوم الصحية بلندن، مقاطعة أونتاريو، حيث تحمل اللوحة الجدارية عنوان “أربعة أنهار من الحياة” وهي مستوحاة من تصميم السجادة الإسلامية. وفي عام 2001 حصلت على جائزة الحاكم العام لكندا في الفنون البصرية والإعلامية. وتعد هذه الجائزة مرموقة جدا في كندا في مجال الفنون. وفي عام 2014 شاركت في معرض أقيم في مدينة شيان بالصين حيث أكملت لوحةً فنية بعنوان “نور” في مكتبة المسجد الكبير في مدينة شيان. وهذه علاقة دائمة من خلال أعمالي الفنية.
■ إلى أي مدى أثْرت مساهماتك الفنية في الفنون التشكيلية في كندا وخارجها؟
■ شمل عملي العديد من المشاريع الدولية التي جمعت المجتمعات المختلفة في حوار. أعمل أيضًا كناشط من أجل العدالة الاجتماعية والسلام وفي مجال حرية التعبير وحقوق الإنسان، حيث أتحدث ضد الظلم وأقدم الدعم لأولئك الذين يتعرضون للقمع من قبل سلطات الدولة.
■ حصلت على العديد من الجوائز والشهادات تقديراً لأعمالك الفنية، هل يمكنك تسليط الضوء على هذه الجوائز؟
■ حصلت في حزيران/يونيو عام 2018 على شهادة فخرية من كلية “أونتاريو” للفنون والتصميم بجامعة “تورنتو” وفي تشرين الأول/أكتوبر عام 2023 حصلت على شهادة فخرية من جامعة “ويسترن” في لندن، أونتاريو.
■ ما هي أبرز المعارض الفنية التي شاركت بها والمتاحف التي عرضت لوحاتك؟
■ عام 2007 قمت برعاية مشروع دولي بعنوان “الاستشراق والزوال” والذي تم عرضه في صالات العرض والجامعات في كندا، حيث تناول هذا المعرض أفكار الناقد الثقافي إدوارد سعيد (1935-2003) وتأثير كتاباته على أعمالي الفنية وأعمال الفنانين الآخرين. وفي عام 2009 تم تنظيم معرض استقصائي كبير بعنوان “جميلة حسن: على الحافة البعيدة للكلمات” من قبل متحف لندن، أونتاريو، بالشراكة مع معرض “موريس وهيلين بلكين” للفنون، بجامعة كولومبيا البريطانية بمدينة فانكوفر الكندية، حيث قام هذا المعرض الاستقصائي بجولة وطنية على مدى خمس سنوات، وكانت محطته الأخيرة في معرض الفنون بجامعة “كارلتون” في العاصمة الكندية أوتاوا، وحصل هذا المعرض الفني على جائزة “معرض العام” من معرض “أونتاريو” للفنون لعام 2009.
■ لقد عاصرت مراحل عديدة من الفنون التشكيلية تمتد لنحو خمسة عقود تقريبًا، كيف تقيّمين وضع الفنون الجميلة بين الماضي والحاضر؟
■ حاليا يتم التركيز بشكل أكبر على المبادرات المجتمعية والتراثية في ثقافتنا اليوم. ففي الآونة الأخيرة، وتحديدا في عام 2023 تم تصنيف مبنى المنزل والاستوديو الخاص بنا كموقع تراثي في مدينتنا، لندن، أونتاريو. ويمكن للفنون، مثل جميع قطاعات المجتمع، أن تكون تنافسية للغاية ولكن أعتقد أننا نشهد زيادة في الشراكات والتعاون.
■ إلى أي مدى تعتقدين أن التطور الرقمي السريع يساعد في تعزيز مهارات وقدرات الفنانين التشكيليين؟
■ في البداية، كنت متشككة للغاية ولم أرغب في التركيز على العالم الرقمي. ولكن منذ انتشار جائحة كوفيد-19 تغيّر موقفي حيث كان من الضروري بذل الكثير من العمل للبقاء على اتصال، وكان هذا هو الطريق للمضي قدمًا لفريقنا في “بيت السفارة الثقافي” الذي شاركت في تأسيسه. وأعتقد أيضًا أن الناس لديهم وعي أكبر بقيمة الثقافة وكيف تجعل حياتنا أفضل، ولقد شهدنا هذا خاصة أثناء فترة الإغلاق عند جائحة كوفيد-19.
■ هل تعتقدين أن الذائقة الفنية للفنانين التشكيليين والجمهور تغيرت وتطورت مع مرور الوقت بتعاقب الأجيال؟
■ نعم، بالتأكيد والتغيير أمر جيد ولكن علينا أيضًا أن نتذكر أهمية النظر إلى الوراء ونحن نمضي قدمًا. وإن الاعتراف بمن تم إهمالهم في الماضي هو جزء من هذا التغيير، حيث تحظى العديد من المجتمعات الآن بالاهتمام الذي تستحقه، مثل العمل الرائع الذي يقوم به فنانون من السكان الأصليين في كندا والمتنوعين ثقافيًا. إن بناء التحالفات عبر المجتمعات الثقافية هو في صميم ما نقوم به كمجموعة فنية مع “بيت السفارة الثقافي”.
■ ما الرسالة التي تودين توجيهها للفنانين التشكيليين، وخاصة للجيل الجديد؟
■ اهتم بنفسك، لأن العالم يحتاج إلى روحك الإبداعية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية