الجاليات العربية في كندا حضور فاعل يصنع أجواء رمضانية مميزة رغم الغربة والبعد عن الديار

خالد الحمادي
حجم الخط
0

أوتاوا ـ «القدس العربي»: «المغترب يجب أن يصنع من بلاد الغُربة وطناً» بهذه العبارة اختزل أحد أبناء الجالية العربية في كندا أجواء الاستقرار النفسي في بلاد المهجر وبالذات في الغرب، حتى يستطيع العيش بسلام داخلي وخارجي، ومن بين ذلك محاولة صناعة «أجواء رمضانية» تحاكي أو تتماشى مع الأجواء التي كان يعيشها في بلاده الأم، سواء في العالم العربي أو الإسلامي.

ومع تزايد أعداد المهاجرين العرب والمسلمين في كندا خلال العقود الأخيرة، أصبحت العادات والتقاليد العربية والإسلامية مألوفة ومنتشرة في كل مكان، ومتقبّلة من المجتمعات المحلية، وأصبحت جزءا أصيلا من مكونات المجتمع الكندي، الذي يحظى بأكبر تنوع ديموغرافي وثقافي على المستوى العالمي.
ونتيجة لذلك يعيش العرب والمسلمون في كندا أجواء رمضانية كاملة بكل تفاصيلها، الروحانية والغذائية، ويتفانون في خلق هذه الأجواء وتوفير البيئة المناسبة لها، رغم ظروف المكان غير المواتية أو غير المهيئة سلفا لمثل ذلك، وعاما عن عام يزداد الاهتمام والتفاعل العربي في صناعة هذه الأجواء الرمضانية في محاولة منهم للعيش بكامل الشعور الرمضاني كما لو كانوا في البلدان العربية أو الإسلامية.

حضور عربي وإسلامي

وفقا لوكالة الإحصاء الكندية، تجاوز عدد السكان في كندا نهاية العام 2023 عتبة الـ 40 مليون نسمة، يتركز 40 في المئة منهم تقريباً في مقاطعة أونتاريو، شرقي البلاد، التي تقع فيها العاصمة السياسية لكندا مدينة أوتاوا.
ومن بين ذلك تبلغ نسبة عدد المسلمين في كندا حوالي 5 في المئة، فيما تبلغ نسبة العرب نحو 2 في المئة من إجمالي عدد السكان، وتتمركز النسبة الأكبر من عدد المسلمين في منطقة تورنتو الكبرى، عاصمة مقاطعة أونتاريو، حيث يتجاوز عدد المسلمين فيها 10 في المئة من اجمالي عدد سكان هذه المنطقة، التي تعد أكثر المناطق الكندية كثافة سكانية، وتأتي بعدها منطقة مونتريال الكبرى في مقاطعة كيبيك المتحدثة بالفرنسية، حيث تبلغ نسبة المسلمين فيها نحو 8.7 في المئة من اجمالي عدد سكان المنطقة.
وتنحدر الغالبية العظمى من المسلمين في كندا من خلفيات مهاجرة، تتكون من مجموعات عرقية متنوعة وفي مقدمتهم العرب. ويعيش المسلمون في كندا منذ السنوات الأولى لنشوئها وتحديدا منذ العام 1871 فيما تم إنشاء أول مسجد في كندا في مدينة إدمونتون، عاصمة مقاطعة ألبرتا عام 1938 من خلال مبادرات مجتمعية للجالية العربية بقيادة الكندية اللبنانية الأصل حلوة حمدون.
ومع اتساع دائرة الحضور العربي والإسلامي في كندا، أنشأت الجاليات العربية أكبر مؤسسة للمسلمين في عموم كندا، وهي «جمعية المسلمين الكنديين» واختصارا يطلق عليها اسم MAC والتي تدير الكثير من المساجد والمدارس الإسلامية في العديد من المدن الكبيرة في كندا، وتنظم مؤتمرا سنويا يحضره آلاف المسلمين من مختلف الأعمار، بغرض تعميق أواصر العلاقات والتواصل الاجتماعي وخلق فرص للتبادل الثقافي والمعرفي بين الأجيال، بالإضافة إلى وجود العديد من المنظمات والمدارس الإسلامية الأخرى في بعض المدن الكندية.

رمضان في بيئة كندية

مصطفى لطفي، من أبناء الجالية المصرية بمدينة أوتاوا وصف الأجواء الرمضانية للجاليات العربية والمسلمة في كندا بقوله عادةً بأنها أجواء مليئة بالترابط الاجتماعي والتضامن، حيث يجتمع الناس لتناول الإفطار والسحور معًا، وتتزين بعض المنازل والشوارع الفرعية بالزينة الرمضانية وتنعم بأجواء هادئة وروحانية. غير أنه أوضح أنه لم يصل البعض إلى مستوى يعيشون فيه الأجواء الرمضانية بكل تفاصيلها مثلما يفعلون في بلدانهم الأصلية، لكن هناك محاولات جادة للمحافظة على تقاليد الشهر الفضيل وتجسيدها في بيئة كندية.
وذكر أنه من أبرز المظاهر الرمضانية في كندا هي تنظيم الموائد الرمضانية الجماعية في المساجد والمراكز الثقافية ومراكز الجاليات، وتنظيم الفعاليات الدينية والأنشطة الروحانية، بالإضافة إلى الفعاليات الترفيهية والثقافية التي تنظم خلال شهر رمضان.
وأشار إلى أن المعوقات التي قد تحول دون قضاء شهر رمضان بكندا بالشكل الذي يتناسب وطبيعته الروحانية هي البعد عن الأهل والأصدقاء، وازدحام الجدول الزمني بمتطلبات العمل والحياة، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالصيام في فصل الصيف حيث تكون ساعات الصيام طويلة جدا.
من جانبه يرى توفيق المغربي، من أبناء الجالية الليبية في تورونتو، أن رمضان في كندا لم يعد يختلف كثيرا عما هو في بلداننا العربية، فالمساجد موجودة بكثرة ولله الحمد وكذلك أسواق البقالة الحلال العربية والأسيوية وتوفر المواد المطلوبة لشهر رمضان المبارك.
مشيرا إلى أنه من المظاهر الرمضانية في كندا إحياء عادات موائد الرحمن الرمضانية بإقامة بعض المساجد والجاليات موائد إفطار يومية وبعضها في أيام نهاية الأسبوع، كما تكتظ الأسواق بالمشترين خلال ساعات النهار وتزدحم المساجد بالمصلين خلال صلاة العشاء والقيام، لذلك عليك الذهاب مبكرا لتضمن موقفا للسيارة ومكان قريب للصلاة.
مؤكدا أنه لا يعتقد ان هناك معوقات أمام خلق أجواء رمضانية في كندا باستثناء دوام العمل الذي يتغير مثل ما يحدث في بلادنا العربية.

البحث عن الروح الرمضانية

من جانبه قال عبدالإله الخازندار، رئيس الجالية اليمنية في كيبيك، إن أكثر ما يشتاق إليه المهاجرون المسلمون في كندا هي الروح الرمضانية، لذلك تجد معظم المهاجرين يبحثون عن تجربتهم الخاصة، لأن الصوم هنا أمر شخصي، بعيدًا ربما عن المجتمع إلا ما ندر عند البعض. ومن أبرز المظاهر الرمضانية في كندا برأيه الاحتفالات الصغيرة للأسر والتجمعات الإسلامية التي تحاول خلق نموذج يحاكي الأوطان في الاستمتاع بشهر رمضان المبارك، كما تقوم العائلات المسلمة بالتسارع إلى تزيين بيوتها بالزينة والأضواء والكتابات الجميلة على الأبواب مثل أهلاً رمضان حتى ينشؤون أطفالهم على قدسية شهر رمضان، كما تنشط حفلات الإفطار الجماعي بين الأسر والأصدقاء لأكثر من مرة في الأسبوع.
مشيرا إلى أن الأجواء الرمضانية التي يفتقدها المهاجر العربي في كندا هي الروحانية والتآلف والترابط بين الناس على موائد الرحمن المنتشرة في غالبية الشوارع في مختلف البلاد العربية والتي تعطي نكهة غير عادية لهذا الشهر، حيث تختلف الأجواء الرمضانية كثيرا هنا، ومع ذلك يظل رمضان هو شهر الروحانية حتى في كندا رغم كل هذه المعوقات.
وذكر ان هناك الكثير من الأسر تحاول ان تعيش الجو الرمضاني بكل تفاصيله فتنشط عزومات الإفطار الجماعي بين الأسر والأصدقاء خلال شهر رمضان، فنجد مثلا الأسر اليمنية تشارك نظيرتها العراقية والمصرية والسورية والمغاربية وجبات الإفطار لخلق أجواء رمضانية تشابه إلى حد ما الأجواء في البلدان العربية، حيث تجتمع بعض العائلات العربية خلال إجازة الأسبوع ويتم تبادل أطباق الطعام وصناعة المآدب الرمضانية ويتم التزاور فيما بينها، أضف إلى ذلك أن بعض المساجد في كندا تقدم وجبات إفطار جماعية مجانية خلال شهر رمضان، وهذه المبادرات لا تساعد فقط في توفير الطعام للمحتاجين والطلاب والمهاجرين الجدد، بل تعزز أيضاً من روح التكافل الاجتماعي بين أبناء الجالية العربية والإسلامية.
وأوضح أنه على الرغم من ذلك هناك معوقات عديدة تحول دون قضاء شهر رمضان في كندا بالشكل الروحاني المطلوب، ومن أبرز هذه المعوقات ساعات العمل الطويلة، التي تضطر البعض إلى تغيير دوام عمله إلى فترة الدوام الليلي، حيث يواجهون صعوبة وتحديات في ممارسة عباداتهم، بالإضافة إلى عدم توفر الأماكن المناسبة لأداء الصلوات أو الوقت الكافي للاستراحة خلال فترة النهار وقلة المساجد وغيرها من المعوقات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية