الغارديان: عنف أسري متزايد ضد اللبنانيات والسوريات الهاربات من الحرب الأهلية

ابراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعدته ليزي ديفيس تناولت فيه وضع النساء السوريات اللاتي هربن من الحرب ليواجهن عنف الأزواج وقدمت في تقرير آخر حالات عن عنف وقتل أزواج لبنانيين لزوجاتهم.

وقالت ديفيس إن هناك حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، 9 من كل 10 لاجئين يعيشون في ظروف فقر مدقع، وفي هذه الظروف تكون النساء عرضة للعنف من الذكور.

هناك حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، 9 من كل 10 لاجئين يعيشون في ظروف فقر مدقع، وفي هذه الظروف تكون النساء عرضة للعنف من الذكور

وقدمت ديفيس قصة ريما التي كانت في عمر الـ18، وهذا ليس اسمها الحقيقي، تدرس في الجامعة عندما رتبت عائلتها زواجها لرجل يكبرها بعدد من السنين. وقالت إن الإشارات التحذيرية كانت واضحة، حيث تسترجع ما حدث، “من اللحظة التي تزوجنا فيها، سيطر علي” و”في الحقيقة وافقت على الزواج منه لأنني أردت الهروب من عنف والدي. وأخبرني أخي لاحقا: ستهربين من عنف والدك إلى عنف أسوأ، لو كنت ناضجة أكثر لما تزوجت. ولكنني كنت 18 عاما”، كانت ريما جالسة على أرضية شقة باردة وهي تحتضن ابنها نصف ضاحكة ونصف باكية. وبعد فترة قصيرة من زاوجها، دخلت سوريا في حرب أهلية، وهربت عائلة ريما مثل مئات الآلاف من العائلات إلى لبنان القريب.

ولم يمض وقت قصير حتى بدأت المشاكل بينها وزوجها تشتد ووصلت إلى ذروتها العام الماضي عندما كاد زوجها أن يقتلها في هجوم وحشي عليها أمام أطفالها. وقالت “لقد هاجمني وحاول خنقي، وشاهدت السواد” و”كان يضربني على ظهري وكتفي، وحاول خنقي لدرجة أن الدم نزف من رقبتي، وشعرت أنني سأموت”. وكان سبب الهجوم هو تهديد ريما لزوجها أنها ستخبر مسؤولي الأمم المتحدة بأنه يخبئ البطاقة النقدية التي تعتمد عليها معظم العائلات لشراء المواد الأساسية، ولطلبه من ابنه منحه كل ما يحصل عليه من مال. وكان الرجل قد سئم من عمليات البحث عن عمل نظرا للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ عام 2019 ، وكان حانقا لأنه أصبح متكلا على المال الذي يحضره ابنه وزوجته ريما التي بدأت بالعمل أيضا.

وتقول ريما “توقف عن العمل وأخبرني: مهما أعمل فلن تكون النقود كافية”. وعندها تقول “فقد أعصابه” وشهد الهجوم كل أولاده بمن فيهم الصغير الذي يبلغ من العمر 3 أعوام. ولولا مسارعة ابنه لإخبار الجيران لكانت ريما ميتة لا محالة.

ورغم فظاعة الهجوم فقد خافت ريما من إبلاغ الشرطة عنه “لأنني لاجئة سوريا ولا أتوقع ماذا سيحدث، أعيش في فقاعة”.

وبعد الهجوم مباشرة، قام زوجها الغاضب بالاتصال مع الجارة التي هربت زوجته إليها مع أولادها، قائلا: “أخبري ريما بأن تعود وإن لم تعد مع الأولاد فسأقتلها.. سأذهب لبيتك وأقتلها”. وعندما اكتشف أنها لن تستجيب، غادر إلى سوريا وقبل ذلك فتش البيت عن الأشياء التي يريد أخذها معه. وهي تعيش الآن مع أولادها في شقة على أطراف بلدة لبنانية، وهي قلقة جدا عليهم وفرصهم في الحياة وأثر العنف الذي مارسه والدهم عليهم “أشعر أنني جلبتهم إلى هذه الحياة ليعانوا”.

ولا تزال ريما خائفة لأن زوجها غادر لبنان بدون أن يطلقها، وهي بحاجة إلى موافقته، وأخبر جارا بأنه سيتركها معلقة ولن يمنحها أبدا الطلاق، وهي تحلم بمغادرة لبنان والسفر وبناء حياة لها ولأولادها بعيدا عن ظله. وفي الوقت الحالي ستواصل الحياة في خوف مستمر من أنه قد يعود يوما ويقتلها ويأخذ أولادها، وربما يأخذهم جميعا، “دائما ما أخاف من دق على الباب.. أن يكون هوعندما أفتحه”، تقول ريما.

وفي تقرير آخر عن العنف الذي تتعرض له اللبنانيات تحدثت ديفيس، عن هناء خضر التي أحرقها زوجها وهي حامل حيث ماتت مع الجنين في مستشفى بطرابلس. وقال الدكتور غبريال صبيح، مؤسس مستشفى السلام في طرابلس: “لقد أصيبت بحروق بنسبة 100%”، بما في ذلك في الجهاز التنفسي. وأضاف “منذ البداية كنا نرى أن حالتها ميؤوسة منها لكننا اعتنينا بها كما لو كانت لديها فرصة للعيش، بينما كنا نعلم أن شفاءها يحتاج معجزة”. وتضيف الصحيفة أن عائلة هناء لا تزال وبعد ستة أشهر على الحادث في حيرة من أمرها. فزوجها، وهو سائق سيارة أجرة، في السجن في انتظار محاكمته بتهمة القتل، وهو ما ينفيه.

وعلى الرغم من وجود عقوبة الإعدام من الناحية النظرية، فإن لبنان لم يعدم أي شخص منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.

ويقول والد الضحية خضر: “لم تكن هذه جريمة عادية. لقد كانت جريمة مروعة. أدفع وزني ذهبا لآخذه إلى قبرها وأحرقه أمامه وأقول لها: لقد فعلت به ما فعله بك”.

ووفقا لقوى الأمن الداخلي، قتلت تسع نساء في جرائم عنف أسري بين كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، و18 في عام 2021. ويعتقد أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، مع تزايد العنف المنزلي.

يقول محمد منصور، نائب مدير منظمة “أبعاد”، وهي منظمة غير حكومية معنية بالمساواة بين الجنسين، “نعلم أنه لا يتم الإبلاغ عن جميع الحالات”.

على الرغم من أن الدستور يعتبر “كل اللبنانيين سواسية أمام القانون”، إلا أن عدم المساواة بين الجنسين تنسج في نسيج الأمة من خلال مزيج من القيم الأبوية والتشريعات غير المتكافئة وإرث “الذكورية العسكرية” من الصراع الماضي، كما يقول النشطاء والمحامون والأكاديميون.

يتفاقم العنف الأسري في لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية القاسية، مع الفقر، والفساد المستشري، والخلل المؤسسي، والشلل السياسي، وهي كلها عوامل تعزز من ضعف تماسك المجتمع على الأقل

ويتفاقم هذا بسبب الأزمة الاقتصادية القاسية في البلاد، مع تفاقم الفقر، والفساد المستشري، والخلل المؤسسي والشلل السياسي وهي كلها عوامل تعزز من ضعف تماسك المجتمع على الأقل.

وعندما يحدث ذلك، تعيش عائلة الضحية مع التداعيات، إذ يقول محمد كنجو، الذي قتلت ابنته زينة على يد زوجها إبراهيم غزال، في كانون الثاني/ يناير 2021، “لو كان لدي أي فكرة أن هذا سيحدث لها، لما تركتها معه. إنك تفقد جزءا من جسدك، جزءا لا يمكن استبداله”. ونشأت زينة كنجو في منطقة شمال عكار، غير بعيدة عن الحدود مع سوريا، وهي واحدة من أكثر مناطق لبنان حرمانا، وحلمت بحياة مختلفة.

ومن بين أخواتها الست كانت الأكثر طموحا، وسافرت إلى بيروت، على الرغم من أنها تركت المدرسة الثانوية بعد عام واحد فقط، إلا أنها كانت بارعة في التكنولوجيا وجذابة، وأسست تواجدا على انستغرام وخططت لافتتاح صالون تجميل. ثم، في عام 2020، مثلت بلدها في مسابقة جمال في مصر باسم “ملكة جمال لبنان الأنيق”، ويبدو أنها التقت هناك بالشخص الذي سيصبح زوجها. في الآونة الأخيرة، وفقا لوالدتها، فاطمة، قررت إنشاء أسرة “وإنجاب الأطفال ومنحهم حياة أفضل من حياة إخوتها”.

ومع ذلك، لم يكن كل شيء على ما يرام في الزواج – لم تخبر زينة والديها. قبل عدة أيام من وفاتها، جلست المرأة البالغة من العمر 33 عاما في مكاتب المحامي البارز أشرف الموسوي في بيروت، وأخبرته أنها تريد مقاضاة زوجها بتهمة الاحتيال. يقول الموسوي: “شعرنا بصدمة كاملة عندما علمنا بوفاتها لأننا لم نتوقع بأي شكل من الأشكال أنه سيقتلها. لم نتوقع أن تصل الأمور إلى هذا المستوى من العنف”.

وجد خبراء الطب الشرعي أن زينة، التي عثر على جثتها في الشقة التي كانت تعيش فيها مع غزال، قد خُنقت.

وبعد ساعات من وفاتها، هرب غزال إلى تركيا. وتمكن من الإفلات من الاعتقال حتى كانون الأول/ ديسمبر، عندما احتجز في ستوكهولم بموجب إخطار أحمر من الإنتربول، وفقا لموسوي، وهو الآن محامي عائلة كنجو. ما سيحدث بعد ذلك غير واضح: لن تسلم السويد المشتبه به إلا إذا تلقت تأكيدات بأنه لن يواجه عقوبة الإعدام. وامتنعت الشرطة السويدية عن التعليق.

وتتساءل الصحيفة: ما هي فرصة عائلة كنجو للعدالة؟ يقول الموسوي: “إنهم يعتمدون علي وللأسف ليس النظام القضائي”. وبالنسبة لأولئك الذين يعملون على خفض معدل العنف في لبنان ضد المرأة، يمكن أن يشعروا وكأنها معركة يائسة، يزاحمون باستمرار على فرصة لإسماع صوتهم وسط سلسلة من الأزمات في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية