العراق في خضم تداعيات العام الجديد

منذ أن بدأت الحرب على مدينة غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، شعر الكثيرون بأن شيئا ما قد حدث، وبأن هذه الحرب سوف لا تتوقف ويسدل الستار على فصولها، كما كانت تنتهي الأمور في السابق. فتفاقم أحداثها الأليمة واحتمالات ازدياد خطورتها باتساع رقعتها على شعوب بلدان عالمنا العربي والإسلامي، قد يصبح في حكم الواقع، على الرغم من الدعوات الدولية الخجولة لوقف إطلاق النار واحترام قرارات الشرعية الدولية في بداية العام الجديد، الذي اعتاد قدومه الكثيرون بأمنيات قد لا تتحقق. وهي كثيرة تلك الأمنيات التي نتمناها للعالم العربي وللعراق بصوره خاصة، بمسلميه ومسيحييه وأطيافه المتعددة، في إشراقة العام الجديد، تضمن لهم الاستقرار والسلام، وتلتئم جراح طال نزيفها، التي يبدو الوصول إلى تحقيقها أصبح أكثر صعوبة على المدى القريب.

خبراء السياسة العسكرية

وفي الوقت الذي لا يزال الكثير من توقعات خبراء السياسة العسكرية، من احتمال توسع هذه الحرب لتشمل العراق واليمن والجنوب اللبناني، على الرغم من حجم الضبابية في الرؤى والتحليلات في موقف حسن نصر الله المبهم، غداة عملية صالح العاروري نتيجة لحجم الاختيار الصعب الذي ينتظره، بين ما تمليه عليه استراتيجية إيران، وما يتمناه اللبنانيون لمستقبل وطنهم، إذا ما تطورت الحرب على هذه الجبهة، التي لم تدخل سريعاً في دوامة العنف، وتتعدى فصولها المقبلة العمليات العسكرية الانتقامية المتبادلة المحدودة. ففي اليمن كثفت المجاميع المسلحة هجماتها باستخدام الطائرات المسيرة عند مدخل البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم وأعلنوا مسؤوليتهم في الهجوم على السفن التجارية في البحر الأحمر.

القواعد الأمريكية

وفي العراق يستمر الهجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة على القواعد الأمريكية في بغـداد وأربيل، بدعم من إيران، ما دعا الجيش الأمريكي إلى تنفيذ ضربات جوية انتقامية ضد كتائب حزب الله في العراق، ما قد ينذر بدخول العديد من دول المنطقة بصورة عامة والعراق المغلوب على أمره والتائه في استراتيجيات وأجندات الآخرين بصورة خاصة، في خضم الصراع والحرب، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار خطورة الموقف الأمريكي ـ الإسرائيلي، من دور الأذرع الإيرانية في العراق وبقية الدول، والتي قد تعطي لهم المبررات، وتُكثر من احتمالات اتساع رقعة حرب متعددة الجبهات، تشمل العراق والمواقع التي تنشط فيها المجاميع المدعومة من إيران.
وقد تكون عملية مقتل رضى موسوي القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني في سوريا، واغتيال صالح العاروري الإشارة الواضحة لاتساع شرارة الحرب، بعد أن ساهمت إيران وحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب وعملا كل ما في وسعهم لجر منطقة الشرق الأوسط في حرب شاملة، بداية من استراتيجية طهران التوسعية المبنية على أسس مذهبية لنشر الثورة الإسلامية، وتمسكها المستمر ببرنامجها النووي، الذي ترفضه أمريكا والعالم الغربي بأكمله، ونهاية بموقف اليمين المتطرف الإسرائيلي الرافض للقبول بحل الدولتين وحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المشروعة.

اتساع شرارة الحرب

وهنا لا بد من الإشارة في أن احتمالات اتساع رقعة الصراع لتشمل العراق والدول الأخرى، التي تنشط فيها الأذرع الإيرانية، قد يكون التحصيل الحاصل لردة فعل الاستراتيجية الأمريكية في هذه الفترة، التي تعمل على دفع حالة من الهيجان المُفتعل، للوصول إلى توسيع رقعة الصراع وخروجها من حدود الحرب على غزة، حيث يأتي هذا الدفع المتعمد من قبل الإدارة الأمريكية في فترة التوقيع على انضمام إيران في الأول من يناير/ كانون الثاني 2024 إلى “مجموعة البريكس”، وهي المجموعة السياسية الاقتصادية المكونة من روسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، والتي من خلالها سوف يستمد الإيرانيون دفعة اقتصادية وعسكرية جديدة في العلاقات بين موسكو وطهران، تضمن لها الخروج من دائرة العقوبات الاقتصادية، وبالتالي استمرار العمل بالمشروع النووي، الذي تعتمد عليه استراتيجية طهران التوسعية في العراق وباقي دول المنطقة.
وعلى الرغم من إدراك الجميع حجم المخاطر الناتجة من اتساع ساحة المواجهة، بيد أن واشنطن قد ترغب بساحة استنزاف جديدة بالتوازي مع الحرب في أوكرانيا، بعد احتضان روسيا لإيران في مجموعة “البريكس” ما سيؤدي إلى اندفاع الولايات المتحدة نحو توسيع رقعة المواجهة لتشمل، الفصائل العراقية وهذا ما يفسر فحوى التصريحات الإسرائيلية بالاحتمالات الكبيرة باتساع رقعة الحرب لتشمل إيران والعراق والمواقع التي تنشط فيها المجاميع المدعومة من إيران.
وهذا ما قد يدفع إلى إضعاف النظام السياسي في العراق، نظرا لطبيعة العلاقة الحيوية التي تربط البلدين. ولكي لا يبقى مفهوم السر سراً، فقد تكون هناك مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، في تغيير طبيعة النظام السياسي، أو إعادة ترتيبه، أو تقسيم البلد في حالة انهياره بشكله ومقوماته الحالية، نظرا للإشكالية الطائفية والقومية التي تضمنها الدستور والألغام التي تضمنتها بنوده، إذا ما استطاعت الولايات المتحدة من إبعاد حلفاء طهران من حكم هذا البلد.
وهذا ما يفسر مخاوف الحكومة العراقية من اتساع رقعة الحرب إقليمياً لتشمل العراق، نتيجة لقيام الفصائل العراقية المسلحة بشن هجمات على القواعد الأمريكية توافقا مع ما يسمى بمحور المقاومة، الذي تقوده إيران في صراعها ضد الولايات المتحدة.
وهذا ما يفسر أيضا أسباب تفاؤل بعض القوى المعارضة التي ترى أن «النظام السياسي في العراق على موعد مع تغيير مقبل نتيجة لمخطط دولي» وربطه بما يحدث منذ بداية الحرب على غزة. في الوقت الذي يتساءل كل من له بصيرة وطنية عن ما قد سيطرأ على البلد في الفترة المقبلة، إذا ما اتسعت الحرب لتشمل تراب العراق ووحدته، إذا أخذنا بعين الاهتمام إشكالية نظامه السياسي الطائفي وألغام دستوره القومي والإثني القابلة للانفجار.

كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية