الصين والهند تغردان وحدهما خارج السرب الاقتصادي الكئيب للعالم

إبراهيم نوار
حجم الخط
0

في مراجعته الأخيرة لتوقعات النمو العالمي، قال صندوق النقد الدولي إن الصين والهند وحدهما ستسهمان بنصف معدل النمو في العالم أجمع، وأن إطلاق حركة الاقتصاد الصيني من قيود جائحة كورونا هو أهم أسباب رفع توقعات معدل النمو العالمي إلى 2.9 في المئة من التقدير السابق في تشرين الأول/أكتوبر الماضي الذي كان 2.7 في المئة. حسب توقعات الصندوق فإن الهند ستحقق هذا العام نموا بمعدل 6.8 في المئة وستحافظ على هذا المعدل في العام المقبل. أما الصين فيتوقع الصندوق ارتفاع معدل النمو في العام الحالي إلى 5.2 في المئة، وهو ما يفوق المعدل المتحفظ الذي أعلنته الحكومة الصينية الذي يبلغ 4.8 في المئة. وطبقا للصندوق سيكون معدل النمو في العام المقبل في حدود 4.5 في المئة. أحد المحركات الرئيسية للنمو في الهند يتمثل في استقرار الامدادات وانخفاض تكلفة استيراد الطاقة من روسيا. الصين أيضا تستفيد من انخفاض تكلفة النفط والغاز المستورد من روسيا، لكن أهم محركات النمو في العام الحالي والأعوام الخمسة التالية تتمثل في زيادة الاستثمار، وتوسيع نطاق الاستهلاك المحلي، وتطوير النظام المصرفي وقطاع الخدمات المالية.
من المفاجآت الواردة في توقعات الصندوق أن بريطانيا ستكون الدولة الوحيدة من بين الدول الصناعية الكبرى التي ستتعرض لانكماش اقتصادي في العام الحالي، حيث سينخفض حجم الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة عن العام الماضي، ولكنها ستستأنف النمو في العام المقبل بنسبة 0.9 في المئة. المثير للدهشة في ذلك أن الحكومة البريطانية تبرر ضعف الأداء الاقتصادي بتأثير حرب أوكرانيا، في حين أن روسيا التي تخوض حربا ضد أوكرانيا وأسلحة ومساعدات حلف شمال الأطلنطي «الناتو» ستحقق في العام الحالي نموا إيجابيا بنسبة 0.3 في المئة، يرتفع في العام المقبل إلى 2.1 في المئة، أي ما يزيد عن ضعف معدل النمو في بريطانيا الذي قدره الصندوق بأقل من واحد في المئة. الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم ستحقق في العام الحالي نموا يقل عن متوسط النمو العالمي بنسبة 1.4 في المئة، ينخفض إلى 1 في المئة فقط في العام المقبل. منطقة اليورو ستنمو بمعدل 0.7 في المئة في العام الحالي، لكنها ستتمكن من مضاعفة هذا النمو في العام المقبل إلى 1.6 في المئة.
على الصعيد الاقتصادي العربي، ستحقق منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى نموا بنسبة 3.2 في المئة في العام الحالي و 3.7 في المئة في العام المقبل، وهو أعلى من المتوسط العالمي للنمو، لكنه أقل من متوسط النمو للدول المتوسطة الدخل سريعة النمو الذي قدره الصندوق بنسبة 4 في المئة في العام الحالي، يرتفع هامشيا إلى 4.1 في العام المقبل. السعودية التي احتلت صدارة المنطقة في النمو خلال العام الماضي، حيث حققت نموا بنسبة 8.7 في المئة، ستشهد انخفاضا لمعدل النمو إلى 2.6 في المئة فقط، وهو ما يقل عن متوسط معدل النمو العالمي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع معدل النمو في العام المقبل إلى 3.4 في المئة.

تحرير الاقتصاد الصيني
من قيود كورونا

فتح أبواب الأنشطة الاقتصادية وحرية التنقل في الصين لأول مرة بعد فترة جائحة كورونا من المتوقع أن يؤدي إلى آثار ارتدادية إيجابية سريعة. يقول خبراء مؤسسة غولدمان ساكس المالية إنها يمكن أن تؤدي إلى قفزة في النشاط الاقتصادي بنسبة 7.2 في المئة (إبتداء من الربع الأخير من عام 2022 إلى الربع الأخير من عام 2023). هذه القفزة في النشاط الاقتصادي ستشمل مراكز الإنتاج والتمويل داخل الصين، والمناطق الريفية على حد سواء، كما إن آثارها الانتشارية ستصل إلى أسواق المناطق والدول المجاورة، مثل هونغ كونغ وتايلاند ولاوس وفيتنام. بمعنى آخر فإن الصين ستقوم بدور محرك رئيسي للنمو في منطقة جنوب شرقي آسيا ككل التي ستحقق نموا بنسبة 5.3 في المئة. أما الدول التي تنخرط ضمن برنامج الحرب الاقتصادية والتكنولوجية ضد الصين، فإنها ستفقد مزايا الاستفادة من وفورات محركات النمو في الصين. ومع أن تقرير غولدمان ساكس يتوقع أن تزيد الضغوط التضخمية بسبب الزيادة السريعة والمفاجئة للنشاط الاقتصادي في الصين، بما في ذلك حركة السفر، لكن البنك المركزي للصين لن يتخذ الطريق نفسه الذي سار فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ويعود ذلك أساسا إلى أن بنك الصين لديه هامش واسع للمناورة، والقدرة على ابتكار أدوات فعالة للحد من التضخم غير تلك التي يعتمد عليها النظام النقدي الأمريكي. ومع ذلك فإن تعافي الاقتصاد الصيني يتعرض حتى الآن لتهديد خطير ناتج عن ضعف الأداء في قطاع التشييد والأنشطة العقارية بشكل عام. وطبقا لوكالة بلومبرغ فإن البيانات المتوفرة عن المبيعات لدى أكبر 100 مطور عقاري في الصين تشير إلى هبوط حاد في المبيعات خلال الشهر الأول من كانون الثاني/يناير الماضي بنسبة 32.5 في المئة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. كما أن الطلب على معدات الحفر والتشييد سجل هبوطا بنسبة 45 في المئة. هذه المؤشرات تعكس خللا هيكليا في سوق العقارات، يمكن أن تترك أثرا سلبيا على قوة النمو.
وبعد تباطؤ النمو الصناعي في الصين ومنطقة جنوب شرق آسيا خلال العامين الماضيين، فإن خبراء غولدمان ساكس يتوقعون خروج الصين والاقتصادات الإقليمية المرتبطة بها من دائرة ضعف معدلات نمو الصناعة التحويلية في النصف الثاني من العام الحالي. كذلك فإن التوقعات بأن يتوقف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن إعلان زيادات جديدة في أسعار الفائدة على الدولار في النصف الثاني من العام الحالي، من شأنه أن يخفف الضغوط على العملات الأخرى في منطقة جنوب شرق آسيا مثل كوريا وإندونيسيا والهند، وربما أيضا في اليابان، ما يعزز فرص تخفيض أسعار الفائدة قبل نهاية العام الحالي في هذه المنطقة ككل.

21 من 26 مقاطعة في الصين

أقاليم الصين بشكل عام وضعت خططها للعام الحالي باستهداف معدل للنمو يتراوح بين 5 إلى 6.5 في المئة. ويعكس هذا المعدل المستهدف حالة من التفاؤل في الأسواق وفي أوساط صانعي السياسة الاقتصادية والأكاديميين، بعد قرارات فتح الاقتصاد وتوقعت حدوث توازن في معدلات النمو والتشغيل والأسعار. وطبقا للتقارير الصادرة عن الحزب الشيوعي الصيني، فإن ثلاثة محركات اقتصادية ستلعب الدور الأكبر في دفع معدل النمو بقوة، تتمثل في زيادة الطلب الاستهلاكي المحلي، وزيادة الاستثمار في الصناعات التحويلية، ورفع نسبة التشغيل واستيعاب العمالة في القطاعات الاقتصادية المختلفة.

التضخم

يقول صندوق النقد الدولي إن تحرير الاقتصاد الصيني من قيود جائحة كورونا، وتخلي الحكومة الصينية عن تحقيق هدف «صفر كورونا» وإن كان يحمل معه احتمالات قوية للنمو في الصين والعالم، إلا أنه يحمل معه أيضا مخاطر تضخمية قوية، وهو ما يضع مسؤولية كبيرة على عاتق البنوك المركزية في العالم تتمثل في اتباع سياسة نقدية توازن بين احتياجات مكافحة التضخم، وبين متطلبات تحقيق النمو. ومن المتوقع أن يهدأ معدل التضخم خلال النصف الأول من العام الحالي إلى ما يعادل 6 في المئة في المتوسط في كل منطقة جنوب شرق آسيا، وحوالي 6.7 في المئة في الصين. لكن ذلك سوف يتوقف على مدى تأثير تسارع الطلب على الوقود والمواد الخام على الأسعار. وقد أعلنت الصين تثبيت أسعار الحديد الخام لمصانع الحديد والصلب هذا العام، وهو ما يعني أن تلك الصناعة الأساسية، لن تتأثر بصعود أسعار المواد الخام عالميا، ما يساعد قدرتها على المنافسة في السوق المحلي والأسواق العالمية.
وجدير بالذكر أن الصين تتبع سياسة سعرية تقليدية تقوم على بناء مخزون ضخم لكفاية الطلب المحلي في أوقات انخفاض الأسعار، وتقليل المشتريات من الخامات والمواد الأساسية والوقود خلال فترات ارتفاع الأسعار. وتسمح هذه السياسة للصناعات التحويلية الصينية التمتع بمزايا كبيرة مقارنة بالصناعات المنافسة على مستوى العالم ككل. وعلى أساس هذه السياسة السعرية المتبعة منذ بداية الانفتاح الاقتصادي حتى الآن، فليس من المتوقع أن تشهد الصين ارتفاعا كبيرا للتضخم خارج نطاق السيطرة، لأنها تتحكم تقريبا في أسعار الوقود والمواد الخام والسلع الأساسية التي يتم تخزينها بكميات وفيرة تجنبا لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية. وقد بلغ التضخم في عام 3 في المئة فقط في عام 2022.
استئناف حركة السفر بين الأقاليم في الصين، وزيادة تدفق المغتربين لزيارة أهاليهم بعد نحو ثلاث سنوات من الانقطاع، من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة استهلاك النفط بما يتراوح بين 1.5 إلى 2 مليون برميل يوميا. لكن هذه الزيادة في استهلاك الصين من الوقود، مع بقاء حالة الركود في الدول الصناعية والطلب المنخفض على النفط الخام والمشتريات ليس من المتوقع أن تترك أثرا كبيرا على الأسعار في السوق العالمية. أسعار النفط والوقود سوف ترتفع نعم، لكن تأثير ارتفاعها على معدل التضخم في الصين سيظل محدودا. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض معدل التضخم العالمي في العام الحالي إلى 6.6 في المئة، ويواصل الانخفاض في العام المقبل إلى 4.3 في المئة مقارنة بـ 8.8 في المئة في العام الماضي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية