السوريون ينتفضون مجددا ويطالبون برحيل الأسد

حسام محمد
حجم الخط
0

تشهد سوريا موجة ثورية جديدة، يحمل المتظاهرون فيها ذات الشعارات والمطالب التي رفعها السوريون ربيع عام 2011 ويعتبرون رئيس النظام بشار الأسد هو المسؤول عن كل ما جرى ويجري في البلاد، وأن رحيله مع نظامه هو البوابة للانتقال نحو الضفة الأخرى، فلا استقرار ولا حياة ولا اقتصاد ولا حريات بوجود النظام الحالي الذي يسعى لتحصيل بعض المكاسب وبقايا من الشرعية عبر بوابة الجامعة العربية والدول التي دعمته بشكل أو بآخر في قمع السوريين طيلة السنوات السابقة، إلا أن الاحتجاجات والأصوات العالية والمطالب الثابتة في السويداء ودرعا والعديد من المناطق في سوريا بما فيها تلك الأصوات المناهضة للأسد من مسقط رأسه في الساحل، أكدت أن الأسد هو المشكلة ورحيله هو أولى مراحل التعافي.
المناطق الحاضنة لثوار 2011 سارعت من جانبها في دعم الموجة الثورية الحالية، وأكدت على دعمها لمطالب السويداء ودرعا، وأن الصوت واحد والمطالب واحدة، وأن الجيش الروسي بقوته، وإيران بميليشياتها وتخلي الدول العربية بسوادها الأعظم عن الشعب السوري لم تثن الشعب عن ثورته، رغم النكبات والأزمات التي حلت بهم، وصدحت الحناجر ورفعت الأعلام في الساحات رفضا للأسد والمطالبة برحيله.
الحراك في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وخاصة في درعا والسويداء شهد تطورات كبيرة ومستمرة، من اعتصامات للآلاف في الساحات، وإغلاق للطرقات الرئيسية، ورفع أعلام الثورة السورية، وإحراق صور بشار الأسد، وحناجر تصدح مطالبة برحيله، وعبارات على الجدران تؤكد أن الثورة لم ولن تموت.

مواقف محلية وردود أفعال

أكد الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ موفق طريف دعمه للاحتجاجات في محافظة السويداء وتضامنه مع مطالب أهل المدينة، واعتبرها حفظاً لكرامتهم وحقوقهم الأساسية في العيش الكريم وحقهم الطبيعي بالوجود في الجبل ضمن الدولة السورية- على حد تعبيره.
ونوّه الشيخ طريف في بيان له بأن هناك سلسلة اتصالات دولية مع جهات عاملة في سوريا، لقمع النضال الشعبي السلمي لأهالي الجبل.
من جانبه، قال قائد تجمع أحرار جبل العرب سليمان عبد الباقي: «لا بدنا اجتماعات ولا بدنا تواصل، مطلب أهالي السويداء رأس بشار الأسد».
أما على الصعيد الدولي، فقد وصل صوت الاحتجاجات السورية إلى أعلى المستويات، وقالت مندوبة واشنطن بمجلس الأمن: نشهد احتجاجات سلمية بدرعا والسويداء تدعو لتغييرات سياسية والالتزام بالقرار 2254.
في حين اعتبرت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم غير ممكنة في الوقت الحالي، والسوريون لن يعودوا ما داموا معرضين لخطر إلحاقهم بالخدمة العسكرية، واعتقالهم تعسفيا أو تعذيبهم أو إخفائهم قسريا.
المبعوث الألماني إلى سوريا ستيفان شنيك، أشاد من جانبه بشجاعة أهالي درعا والسويداء المطالبين بالحرية والمواطنة، وقال: «نقف مع المطالبين بالحوار السلمي وإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق تطلعاتهم المشروعة. يستحق كل مواطن أن يكون له صوت والحق في العيش بكرامة. ندعو النظام السوري إلى الامتناع عن ممارسة العنف ضد الاحتجاجات السلمية».
على الصعيد الأممي، رأى غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أن التحرك على مسار تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 هو السبيل الوحيد الكفيل لحل الأزمات في البلاد.

النظام يعود لفكرة المؤامرة

غابت احتجاجات الجنوب السوري عن إعلام النظام الرسمي، فيما نقلت وسائل إعلام موالية له عن محافظ السويداء قوله: إن «طلبات المواطنين والأهالي في محافظة السويداء تلقى اهتمام القيادة وبقدر عالٍ من الجدية» وأوضح المحافظ أن اللقاءات التي أجراها مؤخراً كانت على قدر من المسؤولية والشفافية والإيجابية».
إلا أن عضو مجلس الشعب السوري خالد العبود وصف المحتجين في السويداء جنوبي سوريا بالمرتزقة والرعاع، معتبرا ما حصل في درعا، ومنذ مطلع عام 2011 لا يختلف أبداً عمّا حصل ويحصل في السويداء منذ فترة ليست بالقليلة، وهو اشتغال استخباراتي أمني عميق، ليست له علاقة أبداً بقرارات الحكومة الأخيرة.

موجة ثورية جديدة

مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أكد على أحقية الحراك السلمي المناهض للنظام ضمن مسار الحرية والتعبير عنها، وأن المحتجين يعبرون عن آرائهم بأداء النظام وحكومته والأوضاع الكارثية التي أوصلهم إليها الأسد، فالدولة دولة الشعب لا دولة الأسد وزمرته، وبالتالي كل مورد من موارد الدولة هو من حق السوريين وليس منحا يقدمها النظام للشعب، كما كان يشيع سابقا.
والنظام وفق المتحدث يدير الدولة بما فيها من مؤسسات وموارد بشكل كارثي، وهو ما جعل سوريا في الدرك الأسفل وفق المؤشرات العالمية على كل الأصعدة من السياسية والاقتصادية والحقوقية وحتى القانونية، وبالتالي الاحتجاجات محقة ولا تحتاج إلى إذن من سلطات الأسد أو حكومته.
عبد الغني أكد خلال تصريحات أدلى بها لـ «القدس العربي» أن المظاهرات تشير تماما إلى هوية المتسبب الأساسي الذي أوصل سوريا إلى هذه الحالة وهو النظام ابتداء من بشار الأسد، وأن وزراء حكومة النظام لا قيمة لهم، فأي عنصر استخبارات يستطيع عزل أكبر وزير في سوريا، وبالتالي نرى المظاهرات تستهدف الأسد مباشرة كونه المسؤول الأول عن كل ما يجري في البلاد.
والاحتجاجات التي تشهدها سوريا اليوم هي جزء من ثورة 2011 وليست منفصلة عنها، بل هي موجة جديدة. في حراك 2011 كان البعد الاقتصادي حاضرا بقوة بسبب نهب آل الأسد لثروات البلاد من النفط إلى الثروات الباطنية، إضافة إلى انتشار الفساد وسيطرته على مفاصل الدولة، وتدخل أجهزة مخابراته بأصغر تفاصيل الحياة والعمل، وبالتالي فالمظاهرات الحالية تعيد الآمال من جديد، والشعب السوري لا يزال مقاوما لسلطة الأسد وهمجيته، ولن تستقر الأمور كما يريدها رأس النظام.
لم تكن السويداء غائبة عن المشاركة في الثورة منذ البداية، واختارت بعد ان كشر النظام عن أنيابه مواجهته بالطرق السلمية معبرة عن رفضها لسياساته والامتناع عن الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيشه. واتبع النظام أسلوب تعامل مع المدينة يهدف إلى استنزافها، فعمل على إحداث الفتنة الطائفية والاجتماعية من خلال عمليات الخطف والخطف المتبادل بينها وبين درعا بواسطة أشخاص محسوبين على أجهزته الأمنية، كما عمل على تكثيف وجوده العسكري فيها، وهدد المدينة بفسح المجال لتقدم داعش كما حصل في يوم الأربعاء الأسود منتصف عام 2018 وراح ضحيتها ما يقارب 200 شخص من أبناء المحافظة.
كل تلك التراكمات يضاف لها وفق الباحث رشيد الحوراني، الضيق الاقتصادي الذي انعكس على حياة الناس والوعود الانشائية من النظام ومحاولاته تقوية عصاباته أدى إلى انفجار الاحتجاجات بسقف يوازي الذي أعلنته الثورة التي انطلقت مطلع العام 2011 وأن الحل هو سقوط النظام وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالحل السياسي في سوريا.

هل بدأ الأسد يفقد طائفته؟

واكب مسار الاحتجاجات في الجنوب وشمالي البلاد، العديد من الأصوات في الساحل السوري التي انتقدت سياسات النظام وطالبت بعض الأصوات الفردية برحيل بشار الأسد.
التطورات في الساحل السوري، رأى فيها الباحث عبد الوهاب عاصي، أن النظام يواجه أكبر تهديد له منذ عام 2011؛ ليس لأن المظاهرات تتسع في السويداء وتعود لدرعا بل لتحوّل الاستياء وسط حاضنته من الطائفة العلوية إلى نشاط معارض، ورغم أنّه ما زال غير منسّق لكنّه بات ظاهراً ويُشجّع شرائح مختلفة على الانضمام له، وينظر للنظام كعائق أمام هذه الحاضنة.
كما حاول النظام وفق ما قاله الحوراني، منذ ما يقارب أربعة أشهر تجييش أبناء حاضنته الذين تململوا من الوضع الاقتصادي بالتحضير للهجوم على إدلب وأشاع بينهم أن من يشارك يفتح له باب التعفيش من تلك المناطق التي سيتم السيطرة عليها، لكن لم يلق أذنا صاغية بين أبناء الحاضنة التي استنزفت من دون نتائج على حساب بقاء الأسد ورفاهيته.
لكن ممكن أن يتطور موقف الطائفة بالقياس على تطور وارتفاع واستمرار الاحتجاجات في مناطق أخرى.

ما هي تداعيات تحرك السويداء؟

يمكن الوقوف على ثلاث نواحي كتداعيات لحراك السويداء، اجتماعيا حيث تآكلت دعاية النظام في حماية الأقلّيات وحرمانه من استخدامها في سياقات داخلية وخارجية في الوقت الذي ما يزال يتمسّك بها للحفاظ على السلطة واستعادة السيطرة على كامل البلاد؛ باعتبار أن السويداء ذات أغلبية درزية.
سياسيا من خلال إعادة الدول العربية التي بدأت التطبيع مع النظام إلى المربع الأول قبل بَدْء المسار، حيث تُظهر الاحتجاجات في السويداء، وفق الحوراني أنّ الاستقرار فيها وهمي ومبني على استخدام القوة، وهذا ينطبق على بقية مناطق سيطرة النظام.
إضافة إلى فشل التعويل العربي -وبشكل خاص الأردن- على النظام بما يتعلق بتحقيق أي نتائج من الاجتماعات معه، كونه لم يستجب إلى المطالب الأمنية المتعلّقة بالمخدرات والأمن المائي وغيرها، ويدفع باتجاه المماطلة والتعطيل عبر الإشغال بالتفاصيل.
وأمنيا من خلال تشجيع العديد من السكّان في مناطق النظام على الالتحاق بموجة الاحتجاجات وهو ما شاهدنا من خروج للمظاهرات في أحياء في مدينة حلب شمالي سوريا، لا سيما المحافظات الهشّة أمنياً مثل درعا وريف دمشق وريف حمص الشمالي، أو توسيع الاستياء الشعبي في الساحل وتحويله إلى مظاهر احتجاج عبر الإضراب أو العصيان والاعتصام وغيره، خصوصاً مع عدم قدرة النظام على تجاوُز الأزمة الاقتصادية والسياسية.
ويتضح أن الاحتجاجات الأخيرة في مدن وقرى الجنوب السوري وبعض التظاهرات الخاطفة في كل من حلب وريف دمشق جاءت وفق ما قاله الناشط السياسي السوري درويش خليفة لـ«القدس العربي» بعد الاحباطات التي أصابت السوريين في مناطق سيطرة النظام جراء سياساته الاقتصادية، وتعنته في السير باتجاه الحل السياسي الذي فرضته الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن 2254. ورغم التفاف النظام على القرارات والدعوات الدولية بتطبيق الحل السياسي، إلا أنه لم يقدم شيئا للسوريين سوى شعارات مزيفة اعتادوا عليها طيلة خمسة عقود مضت.
حتى أن الطرح العربي والموسوم بخطة «خطوة بخطوة» لم يلق له بالاً، معتبرا إياه تنازلاً واعتذارا عربيا على مقاطعتهم للنظام خلال العقد الماضي ودعم بعض البلدان العربية للمعارضة في السنوات الأولى للثورة.
أما فيما يخص الأصوات التي تخرج بين الحين والآخر من الساحل السوري معقل النظام، فإنها لم تحرك ساكنا بالرأي العام هناك، ونجد الناس في الساحات تنادي لتحسين الظروف المعيشية وتطبيق القرارات الدولية لرفع العقوبات، بل اقتصرت على الغاضبين فقط من الأفراد.
حراك السويداء، وفق خليفة، ربما يفضي لشكل إداري جديد فيما لو تواصل وارتفعت وتيرة الغضب عند جموع المتظاهرين وكان هناك تأييدا إقليميا ودولياً له. لكن حتى اللحظة وحدهم أهالي السويداء من يتحمل مسؤولية هذا التصعيد ضد النظام وأجهزته الأمنية. لذا هناك تحفظ من قبل النظام أعتقد بتوصية من حليفه الروسي كي لا تتوسع دائرة الاحتجاجات كما حصل في الشهور الأولى للثورة السورية 2011.
لا يمكن الحكم على المآلات في ظل المتغيرات الإقليمية ولا سيما الانفتاح العربي على النظام، ففي عام 2011 العرب هم من نقلوا القضية إلى مجلس الأمن، أما اليوم فمن سينقل معاناة ومأساة الناس داخل سوريا وخارجها، بعد تغير الظروف وظهور فواعل أثرت على مسيرة الثورة الأولى، ما جعل الدول تتابع وتتفاعل مع الحالة السورية بحذر شديد وبما لا يؤثر على أمنها واستقرارها؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية