السفير الفلسطيني مهند العكلوك: لا بد من تحرك عربي ودولي لكسر الحصار عن الشعب الفلسطيني.. والأمن القومي العربي مهدد ـ فيديو

حاوره سليمان حاج إبراهيم:
حجم الخط
0

كشف السفير مهند العكلوك، مندوب دولة فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية، عن توجه الدول العربية لاتخاذ عدد من الخطوات الرامية للضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي، واعتماد قرارات لمقاطعة كيانات وشركات تابعة لإسرائيل أو التي تتعامل معها، في مسعى يعزز من عزلة إسرائيل في المحافل الدولية.
واعتبر أن الخطوات الحالية لا تتوافق وحجم العدوان الإسرائيلي على سكان عزة، داعياً إلى سعي جدي لكسر الحصار المفروض على القطاع، وإنقاذ سكانه من شبح المجاعة.
كما كشف في الحوار الذي خص به «القدس العربي» عن اتصالات بهدف التوصل إلى وفاق فلسطيني لتشكيل حكومة تكنوقراط تباشر عملها في الأراضي الفلسطينية تشمل الجميع، وليس وفق الدعوات الإسرائيلية أو النظرة الغربية. وأكد السفير الفلسطيني أن الأمن القومي العربي مهدد بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة.
وهذا نص الحوار:

■ في البداية، نفضل الحديث عن أبرز مخرجات أعمال الدورة العادية الـ 53 للجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، التي استضافتها قطر؟

□ نعم، عقدنا الدورة 53 للجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، هذه اللجنة ترفع توصياتها لوزراء الخارجية العرب، وقريباً تنعقد الدورة الـ 161 لاجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، ومجلس الجامعة في 6 مارس/ آذار المقبل. لذا، هذه التوصيات التي تبنتها اللجنة، سترفع إلى وزراء الخارجية خلال أسابيع قليلة مقبلة.
من أبرز ما تناولناه في هذه اللجنة، أننا أردنا من خلال وفد دولة فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية، وتشاورنا مع بعض المندوبين قبل أن نأتي إلى هنا، في ضوء اجتماعين سابقين لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين في دورات غير عادية، السعي لتحميل وتسليح جامعة الدول العربية بإجراءات عملية.

■ ما هي أبرز هذه الإجراءات؟

□ هناك إجراءات ذات طابع اقتصادي وقانوني وسياسي ودبلوماسي، من شأن هذه الإجراءات لو اتخذت، أن تساهم في وقف العدوان الإسرائيلي وجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل والمستمرة لليوم الـ 135 على التوالي. لذا، عقدنا أو أنهينا عمل لجنة منبثقة عن مجلس الجامعة، سميت بلجنة المندوبين الدائمين المؤقتة، برئاسة المندوب الدائم لدولة الكويت. وهذه اللجنة تبنت 19 إجراء في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والدبلوماسية. كما سعينا لوضع بعض هذه الإجراءات ضمن توصيات اللجنة العربية الدائمة لمجلس حقوق الإنسان.

■ كيف يمكن لهذه الإجراءات أن تترجم على أرض الواقع؛ فدائماً نسمع عن إجراءات. وعملياً، كيف يمكن تنفيذ مثل تلك الإجراءات لفرض قرار عربي موحد؟

□ سؤال جميل، سأطلعك على تلك الإجراءات التي تم تبنيها، والآلية المتوقع أن تُنفذ بها:
أولاً، كانت هناك توصية لوزراء الخارجية العرب لاعتماد قائمة من 60 منظمة يهودية متطرفة، وإعلانها كمنظمات إرهابية على القوائم الوطنية العربية للإرهاب. هذه قائمة أرفقناها، أرفقنا 60 منظمة، وسبق لـ «القدس العربي» أن نشرت هذه القائمة. وأنا أنصح بإعادة نشرها بعد تبنيها أيضاً من لجنة حقوق الإنسان العربية. هذه المنظمات «الإرهابية الإسرائيلية المتطرفة» تقوم بخطوات لاقتحام المسجد الأقصى المبارك، وبعضها يسعى لهدم المسجد الأقصى المبارك، وهناك أيضاً منظمات إرهابية تحرق ممتلكات المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقتل المواطنين. فقائمة من 60 منظمة، إذا ما تم وضعها مثلاً على قائمة الإرهاب لدولة عربية، مثل المملكة العربية السعودية أو قطر أو الجزائر، أو أي دولة عربية، فهي قائمة ستعتمد. وهو أمر سيؤدي بحد ذاته إلى فرض عقوبات على هذه الكيانات، أو الحركات، أو المجموعات الإرهابية المتطرفة، وعلى من يتعامل معها. لذا، نكون هنا قد انتقلنا من مرحلة الإدانة والشجب والمطالبة والبقاء في حيز الدعوات، واللغة التي لم يعد يفهمها العالم ولم تعد مؤثرة ولا تحسب لها إسرائيل أي وزن- إلى مرحلة الفعل؛ وهذا من بين الأشياء التي تم تبنيها، ونأمل الآن أن يتم اعتماد هذه التوصيات من قبل وزراء الخارجية.

تحدث عن اتصالات لتشكيل حكومة تكنوقراط تشمل الجميع وتتولى المسؤولية على كل الأراضي الفلسطينية ووفق إطار للحل السياسي

■ هل أنتم متفائلون؟

□ نحن متفائلون بأنه سيتم اعتماد هذا الأمر، لأن مجلس الجامعة بالفعل دعا، على مستوى المندوبين الدائمين هذا الشهر قبل أيام قليلة، الدول العربية لوضع هذه المنظمات الستين والحركات والمنظمات والكيانات الإسرائيلية، على قوائم الإرهاب العربية. لذلك، نتوقع أن يتم وضعها من خلال وزراء الخارجية. بهذا نكون قد خطونا خطوة إضافية في اتجاه عمل نوعي ذي أثر عملي.

■ هل هذا القرار معني بالدول المطبعة أو التي لها علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي؟ لأن هناك دولاً غير مطبعة ولا علاقات لها معه، وثمة شركات ومؤسسات وهيئات ليست معنية بالتعامل معها؟

□ نعم، لكن أخي العزيز، تعلم بأن هذه الحركات والمنظمات الإرهابية المتطرفة لديها أيضاً امتدادات في دول أخرى، ولديها امتداد في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الاتحاد الأوروبي، وفي دول أخرى حول العالم، ولديها من يتعامل معها. لذا، إذا وضعتُ منظمة إرهابية إسرائيلية على قائمة الإرهاب، فإن العقوبات قد تطال من يتعامل معها، وقد تطال من يمولها، فنحن نعلم أن هناك الكثير من الصهاينة حول العالم، من أصحاب رؤوس الأموال، يمولون عمل هذه المنظمات. وعليه، فالأمر يشمل كل الدول العربية، وليس فقط الدول المطبعة. هناك أمر آخر من بين الإجراءات العملية التي يمكن أن نقول إنها خطوة إضافية؛ فمجلس حقوق الإنسان كان قد اعتمد قائمة من 97 شركة من الشركات ومؤسسات الأعمال الدولية والإسرائيلية، التي تعمل في المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية غير القانونية. وأوصت اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان برفع هذه القائمة جملة واحدة، أي 97 شركة، ومقاطعتها من قبل الدول العربية كاملة. وهنا يكون الأمر أوضح وذا أثر أو بعد اقتصادي. نتحدث عن 97 شركة لديها شركات فرعية، ولديها مقرات في دول أوروبية وفي دول غير عربية، فإذا جرى مقاطعتها وجرى مقاطعة شركاتها الفرعية، سنكون قد انتقلنا بعمل جامعة الدول العربية خطوة في الإطار العملي. وثمة موضوع آخر، ذو أثر قانوني أيضاً؛ فقد اعتمدنا توصية لوزراء الخارجية العرب لـ 22 شخصية إسرائيلية تبنت خطاب الإبادة الجماعية والتحريض على الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، من ضمنها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرف نتنياهو، وسموتريتش وبن غفير، وأيضاً أركان حكومة الحرب العدوانية الإسرائيلية، ووزير التراث الإسرائيلي الذي طالب بإلقاء قنبلة نووية على الشعب الفلسطيني.

■ كيف يكون التحرك ضد هذه الشخصيات؟

□ تم تبني قائمة الـ 22 شخصية تمهيداً، وكلفنا الأمانة العامة أن تعمل اللازم في اتجاه فرض أيضاً ولا أقول عقوبات فحسب، لأن الجامعة العربية حتى الآن لا تملك نظام فرض عقوبات، ولكن تمهيداً لاتخاذ إجراءات قانونية ضد هذه الشخصيات. نعلم بأن لدى جميع الدول العربية نقابات محامين ومنظمات حقوقية ومؤسسات عمل أهلي تستطيع أن ترفع قضايا على هذه الشخصيات، سواء في المحاكم الدولية أو في المحاكم المحلية ذات الاختصاص العالمي. لذا، هي أيضاً من بين الخطوات العملية التي تم تبنيها، والتي نأمل أن يتم اعتمادها بشكل نهائي من قبل وزراء الخارجية العرب، في دورتهم الـ 161 المقبلة.

■ ما الإجراءات الأخرى؟

□ نعمل في جامعة الدول العربية من خلال دولة فلسطين وبعض الدول العربية، نعمل لاعتماد يوم من كل سنة ليكون يوم الإبادة الجماعية في فلسطين، هذا اليوم نريد أن نعرفّه، وأن نضع إطاراً قانونياً له، لأن هذه الإبادة الجماعية لم يرتكب مثيل لها تقريباً في التاريخ الحديث. وحينئذ، نلاحق إسرائيل بوصمة العار هذه التي بالتأكيد سيكون لها آثار قانونية. مثل هذا اليوم قد يتم تمييزه واعتماده كـ «يوم الإبادة الجماعية في فلسطين» لملاحقة إسرائيل من خلال هذه الذكرى، واستذكار هذه الذكرى الأليمة. لا أقول إحياؤها، بل استذكارها كل عام. نحن نعلم بأن الإسرائيليين ابتزوا العالم بذكريات مماثلة، بإبادة جماعية مماثلة كالهولوكوست. لهذا، فإن أهمية ما قامت به محكمة العدل الدولية، جراء جهد شجاع جريء قوي فعال قامت به جمهورية جنوب إفريقيا، هو أن الذي يدعي أنه الضحية، ضحية الهولوكوست، ها هو اليوم يرتكب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ويجب أن يلاحق قانونياً واقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً في هذا الإطار. ومن بين التوصيات التي تم اعتمادها، جملة من التكليفات للمجموعة العربية في نيويورك وفي مجلس حقوق الإنسان، من أجل ملاحقات المستوطنين الإرهابيين، خاصة ونحن نتحدث عن عشرات آلاف البندقيات التي وزعت على المستوطنين الإسرائيليين لارتكاب جرائم في الضفة الغربية أيضاً.

نسعى لتسليح جامعة الدول العربية بإجراءات عملية

■ هل تعتبرون أن القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا كان لها تأثير إيجابي؟

□ رغم أن هذا الأمر كان تحولاً قانونياً وتاريخياً، فإن إسرائيل ضربت به عرض الحائط، واستمرت بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية؛ فعلى مدى الـ 24 يوماً منذ صدور هذا الأمر من محكمة العدل الدولية، ارتكبت إسرائيل ما يقارب الـ 350 مجزرة بحق الشعب الفلسطيني، وراح ضحيتها ما يقارب الـ 3000 شهيد، ونحو 8000 جريح. إذن، إسرائيل لم تلتفت إلى أمر محكمة العدل الدولية. ونحن اليوم على بعد أيام قليلة من التقرير الذي يفترض أن تسلمه إسرائيل بأن التزامها بالتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة لوقف قتل المدنيين، ولوقف إيذائهم جسدياً أو عقلياً، أو لوقف الإجراءات الإسرائيلية لمنع الولادات، ونتحدث هنا عن 60 ألف امرأة فلسطينية حامل في قطاع غزة معرضات للموت قبل أو بعد أو أثناء الولادة. ومن بين التدابير المؤقتة أيضاً السماح بدخول أو تدفق المساعدات، لذا كل هذه التدابير اخترقتها إسرائيل بالنهاية، وانتهكتها باستمرارها في جريمة الإبادة الجماعية.

■ طرحتم توصيات معتبرة.. ألا ترون أن الكثير من الدول العربية ليست ملتزمة إلى حد كبير بمتابعة ومحاسبة إسرائيل؛ أي أنه لا يوجد توافق شامل؟

□ نعم، نرى ذلك مع الأسف. ونرى بأن الدول العربية لديها إمكانات اقتصادية هائلة، وإمكانات وأدوات قانونية فعالة، ولديها أيضاً أدوات سياسية ودبلوماسية يمكن تفعيلها. لذلك، ما وضعناه هو 19 إجراء، تمثل بنكاً من الإجراءات التي يمكن للدول العربية أن تقوم بها؛ لأننا اليوم نتحدث عن الـ 135 يوماً من الإبادة الجماعية، وكل هذه الاتصالات التي قامت بها الدول العربية وكل هذه الدعوات والاستنكارات والشجب والإدانة، تقودنا لنسأل: هل استطاعت أن توقف جريمة الإبادة الجماعية؟ الجواب لا، هل استطاعت أن توقف التهجير القسري؟ الجواب، إن التهجير القسري لمليون ونصف إنسان فلسطيني موجودين مباشرة على الحدود بين فلسطين ومصر، أو في أقصى جنوب قطاع غزة، باتوا اليوم معرضين لتهجير قسري وشيك، ما يشكل ضرراً استراتيجياً بشأن تصفية القضية الفلسطينية، ثم ضرراً استراتيجياً على الأمن القومي العربي. لهذا نعم، مع الأسف، إن الدول العربية استسهلت موضوع المطالبة والاتصالات الدبلوماسية. ونحن نقدّر أن هناك لجنة عربية برئاسة المملكة العربية السعودية، انبثقت عن القمة العربية الإسلامية، ذهبت لحوالي عشر وجهات حول العالم، من بينها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولكن في نفس اليوم الذي زارت فيه واشنطن، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار. وعندما خرجت هذه اللجنة من لندن، أرسلت بريطانيا طائرات تجسس للاشتراك في العملية العسكرية الإسرائيلية فوق قطاع غزة. لذا، نحن نقدر كل هذه الجهود الدبلوماسية الكبيرة المخلصة، لكن نقول إن علينا أن نسأل أنفسنا: هل هذه الطريقة الوحيدة المجدية؟ مع الأسف، هذا العالم الذي اعتمد رؤية عنصرية ارتهنت إلى الرؤية الصهيونية، واعتمد معايير مزدوجة للنظر بين قضية وأخرى، لم يعد يلتفت للدعوة أو المناشدة.

60 ألف امرأة فلسطينية حامل في قطاع غزة معرضات للموت قبل أو بعد أو أثناء الولادة

■ كيف تقيّمون التحركات العربية الحالية؟

□ هناك تحركات عملية، وهي تحركات لمصلحة القضية الفلسطينية، ولكن أيضاً للأمن القومي العربي. يجب على الدول العربية وعلى جامعة الدول العربية، إذا ما أرادت أن تكون أكثر فعالية وتحمي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وإذا ما أرادت أن تمنع تصفية القضية الفلسطينية، يجب أن تتحرك في إطار مغاير لما تحركت به حتى الآن. ونقول ونؤكد بأن لجنة المندوبين الدائمين وممثلي الدول أصدرت تقريرها وعممته على جميع الدول العربية، ونشرناه بصفتنا مندوبية فلسطين في جامعة الدول العربية. يجب أن يتم اتخاذ هذه الإجراءات ضمنه.

■ ما هي تلك الإجراءات؟

□ من بينها وقف أو تجميد أو تعليق كل العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، كما ذكرت للدول التي لديها مثل هذه العلاقات، بما يشمل وقف الاستيراد والتصدير، وإغلاق المجال الجوي العربي. ونحن نعلم بأن هناك ست دول عربية تفتح المجال الجوي للطيران المدني الإسرائيلي. هذه ضمن الإجراءات التي اقترحنا أن يتم اتخاذها. وبالنهاية، الدول العربية ذات سيادة، تستطيع أن تتخذ ما تراه مناسباً.

■ هل هناك دعوة وجهتموها لوقف مسار تطبيع الدول العربية مع إسرائيل؟

□ بالتأكيد، مسار التطبيع في زمن الإبادة الجماعية لا يمكن أن يسير، وسأقول لكَ أكثر من ذلك: الدول العربية لديها مسؤولية دولية اليوم بعد أمر محكمة العدل الدولية، التي رأت أن هناك أسساً معقولة لدعوى جنوب إفريقيا بارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية، ونحن نرى بأن من واجب جميع الدول، كل المجتمع الدولي، أن يتخذ إجراءات مؤقتة أو تدابير مؤقتة، من بينها قطع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، ومعاقبته اقتصادياً. هذه ليست مسؤولية قومية فقط، بل مسؤولية دولية أيضاً. اليوم، قالت محكمة العدل الدولية إن هناك أساساً معقولاً جداً لإثبات أن إسرائيل ترتكب الإبادة الجماعية، وأمرت بتدابير احترازية مؤقتة. من باب أولى أن تتخذ الدول العربية والمجتمع الدولي تدابير مؤقتة ضد إسرائيل، حتى توقف هذه الرغبة الجامحة بسفك دماء الفلسطينيين. بعد الـ 135 يوماً، هناك ما يقرب من 30 ألف شهيد فلسطيني، و70 ألف جريح، وما يفوق المائة ألف من الضحايا. وهناك 375 ألف بيت تم تدميرها جزئياً أو كلياً في قطع غزة، إلى جانب مئات المساجد والمدارس والجامعات والمراكز والمستشفيات. لا أقول أحياء فقط، بل مدن تم محوها من الخريطة. فماذا ننتظر؟ نعتقد بوجوب ما هو أكثر من التحرك الموجود حالياً.

■ ماذا عن مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية في ظل دعوات كثيرة للتدخل في غزة وفرض نمط حكم ما؟ وكيف تنظرون فلسطينياً لهذه التحركات؟

□ نعم، نحن الآن نبذل كل جهودنا. كما ترى، كانت هناك مرافعة قانونية قامت بها دولة فلسطين في محكمة العدل الدولية بشأن الرأي الاستشاري الذي يتعلق بعدم قانونية الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لفلسطين. ونركز جهودنا الدبلوماسية والقانونية في اتجاه وقف شلال الدم، ووقف الإبادة الجماعية، وإغاثة الشعب الفلسطيني. لكن بالتأكيد، المصالحة الوطنية الفلسطينية عنصر استراتيجي دائم على الأجندة الوطنية المجروحة في فلسطين، وثمة اتصالات ووساطات تقوم بها بعض الدول العربية لاستئناف هذا المسار، وهناك اتفاق أو وفاق وطني من أجل حكومة تكنقراط فلسطينية تستطيع أن تحكم كل الأرض الفلسطينية المحتلة، بل أن تكون حكومة واحدة، وحكومة تكنقراط، أو حكومة وفاق وطني. هناك مساع جدية بهذا الاتجاه.

■ بما فيها غزة؟

□ بالتأكيد بما فيها غزة، ولكن ليس بالطريقة التي تريدها إسرائيل، وليس بالطريقة التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى بعض الدول التي انبرت للحديث عن اليوم التالي للعدوان الإسرائيلي على غزة. نريد أن نقوم بذلك انطلاقاً من أجندة وطنية فلسطينية، وانطلاقاً من الحفاظ على المصالح الوطنية العليا، والحفاظ على الشعب الفلسطيني. يجب أن نمضي قدماً في إطار المساعي لتشكيل حكومة فلسطينية واحدة، سواء حكومة وفاق وطني، أو حكومة تكنوقراط. ولكن يجب أن تقوم هذه الحكومة بدور فعال.

■ هل تقصد حكومة تمثل كل الفصائل؟

□ هناك فرق بين حكومة الوحدة الوطنية وحكومة التكنقراط، نحن نتحدث عن كفاءات وطنية فلسطينية، مع ذلك يبقى هذا الحديث مبكراً. لكن إجابة على سؤالك، فهو أمر ماثل أمامنا، وهناك اتصالات في اتجاهه، ولكن هذه الحكومة يجب أن تتولى كل المسؤولية عن كل الأرض الفلسطينية، لكن لننتبه: وفق إطار للحل السياسي؛ أي لا يمكن أن نقبل بعد كل هذا الدمار، بتشكيل حكومة، ثم تبدأ الحكومة بإعادة الإعمار، دون أفق سياسي. إعادة الإعمار وتولي المسؤولية في غزة والضفة الغربية على حد سواء، يحتاجان إلى أفق سياسي. نحن نسمع اليوم أن هناك دولاً تعيد مراجعة لموقفها من الاعتراف بدولة فلسطين، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، نحن قبل أن نرحب بهذا التوجه، ندعو هذه الدول للسير بمسار عملي نحو الاعتراف بدولة فلسطين، لأن هذه الدول تقول إنها تعترف بحل الدولتين، إذن أنت تعترف بإسرائيل؟ فما هي الدولة الثانية؟ اعترف بفلسطين، فهذا رافعة للسلام. هذه مسؤوليات يجب أن تأتي ضمن إطار سياسي، وضمن إطار حل سياسي، أو على الأقل ضمن رؤية مبدئية لحل سياسي.

نعمل في الجامعة العربية لاعتماد يوم من كل سنة ليكون يوم الإبادة الجماعية في فلسطين

■ كيف ترى أفق الخروج من هذا المأزق؟ لاحظنا وجود وساطة لوقف إطلاق النار قبل العودة إلى نقطة الصفر.. هل سيتكرر هذا؟

□ مع الأسف، الهدنة لا تفي بالغرض، ويجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار باللغة الدولية، لوقف هذه الإبادة الجماعية، وهذا من الأولويات. ومجلس الأمن المسؤول عن حفظ الأمن الدولي، يرى على الهواء ارتكاب جريمة إبادة جماعية بعد قرار محكمة العدل الدولية، بمعدل 123 شهيداً كل يوم؛ واضرب هذا الرقم في ثلاثة ـ وهم عدد الجرحى يومياً. فإذا كان مجلس الأمن تعرقله الولايات المتحدة الأمريكية، العضو الدائم في مجلس الأمن. فقد دعونا نحن بجامعة الدول العربية الولايات المتحدة الأمريكية في قرار سابق، لأن تنسجم مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وأن تمرر القرار العربي الذي سيطرح خلال الأيام القادمة للتصويت لوقف إطلاق النار الفوري وإدخال المساعدات. لذا، هناك حاجة لتدخل دولي في اتجاه وقف إطلاق النار، والمسؤول عن هذا التدخل هو مجلس الأمن.

■ لكن إذا تحدثنا عن إدخال المساعدات، فهناك مثلاً دولة عربية، هي مصر، يمكنها المساهمة في إدخال المساعدات، علماً أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد أن مصر بإمكانها إدخال المساعدات إلى غزة؟

□ في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة، وكان البند الثالث من أوضح القرارات التي اتخذت في هذه القمة، بند تحدث عن كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، ولكن استمر منع الماء والكهرباء والغذاء والدواء والوقود، وكل أسباب الحياة، وهذا تجويع.
هناك تقرير صدر عن منظمة (الفاو) وبرنامج الغذاء العالمي، يقول إنه في 7 فبراير/ شباط الحالي، وصل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى انهيار كامل للأمن الغذائي، وسكان غزة يعانون من المجاعة. والخبز الفاسد في غزة لا يرمى، بل يؤكل. لذا، بات كسر الحصار واجباً، واجب على كل الدول العربية، وواجب على كل المجتمع الدولي. هناك قرار من مجلس الأمن، القرار الأخير الذي اعتمد ينص على تسهيل دخول المساعدات، بل تم تعيين كبيرة منسقي الأمم المتحدة لإدخال المساعدات. يجب أن يتم تحرك عربي ودولي تقوده الدول العربية، وتقوده الجامعة العربية؛ لكسر الحصار على الشعب الفلسطيني، براً وبحراً وجواً. لا نملك فقط معبر رفح، بل يمكننا العمل أيضاً مع المنظمات الدولية لإرسال السفن لكسر الحصار، وأيضاً لإرسال طائرات لكسر الحصار على قطاع غزة. فلا تتحمل دولة واحدة عبء كسر الحصار، بل يتحمله بالأساس المجتمع الدولي. ولكن أيضاً هناك 22 دولة عربية.

■ هل من الممكن أن يكون هناك توافق لإدخال أو كسر الحصار؟

□ السؤال لماذا لا يكون ذلك ممكناً؟ خصوصاً إذا ما قررت القمة العربية والإسلامية المشتركة، التي مثلت 57 دولة وحضرها الملوك والرؤساء والأمراء، كسر الحصار بالتعاون مع المنظمات الدولية ذات الصلة.. لماذا؟ هذا سؤال بصراحة يطرح.

■ لكن القرار ظل حبراً على ورق؟

□ القرار يطرح على الدول العربية. إلى هذا الحد لا يجد قرار قمة تنفيذاً له؟ لماذا؟ هل نحتاج أن نستأذن من يرتكب إبادة جماعية لإدخال لقمة خبز إلى غزة؟ هذه مسؤولية عربية، وأنا أقول تاريخية، وأقول سيسجلها التاريخ، وسيسجلها الرأي العام العربي، وستسجلها الضمائر الإنسانية؛ أنه في وسط الوطن العربي وفي وسط 400 مليون عربي، وفي وسط 22 دولة عربية، يتم قتل وإبادة وتجويع وتعطيش أكثر من مليوني إنسان عربي فلسطيني. أعتقد أنه لا يجب أن تستأذن إسرائيل بكسر الحصار، أعتقد أن الدول العربية إذا ما نفذت الفقرة الثالثة من قرار القمة العربية الإسلامية المشتركة، وبالتعاون مع الأمم المتحدة وبالتعاون مع الصليب الأحمر ومع وكالة الأونروا، وبالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي ومع منظمة الأغذية العالمية ومع الهلال الأحمر، سواء في مصر أو في فلسطين أو في الدول العربية… أعتقد أن الأمر يستحق هذه المحاولة الجادة لكسر الحصار على الشعب الفلسطيني.

■ سؤال أخير: هل يمكن القول إن تحركات الدول العربية حتى الآن ليست فعالة؟

□ الدول العربية تجري اتصالات دبلوماسية، واتصالات سياسية، ومواءمات سياسية، لكنها غير فعالة حتى الآن، والنتيجة الحاصلة حتى اللحظة أن الإبادة الجماعية مستمرة، والنتيجة أن التهجير القسري وشيك، والنتيجة الأخرى أن الأمن القومي العربي يتعرض لضربة استراتيجية، والنتيجة أيضاً أن القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية معرضة للتصفية. لهذا نعم، فالتحركات العربية غير فعالة حتى الآن، ونحاول وضع بنك من الإجراءات التي يمكن القيام بها، وننتظر أن تقوم الدول العربية بهذه الإجراءات، وعليكم مراجعة تقرير المندوبين الدائمين.
وأقول، لا عن سذاجة إنما عن واقعية، إنه لو تم تنفيذ الإجراءات التسعة عشر، فسيأخذ العالم الدول العربية على محمل أكبر من الجد، وسيلتفت بجدية أكبر. لكن لماذا لم تنفذ؟ يعني، هذا حديث يطول ولكن على الأقل يمكن تنفيذ بعضه. نحن اليوم في اللجنة العربية لحقوق الإنسان اعتمدنا بعض التوصيات، ونعتقد أنه أول الغيث، ونأمل أن ينهمر الغيث فتتوقف الإبادة الجماعية، وبالتأكيد ينال الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير، وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، أو تجسيد استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية