«الخطاب السياسي في السينما المصرية»… من اشتراكية مزعومة إلى انفتاح موصوم

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: الكثير من الدراسات والأبحاث والمؤلفات ـ على تباين قيمتها وأهدافها ـ تعرّضت إلى علاقة الفن السينمائي بالسياسة، نظراً لما لطبيعة هذا الفن من جماهيرية وتفاعل مع قطاعات وفئات مختلفة، وبالتالي فالسينما هي الأكثر تأثيراً من فنون أخرى، كالموسيقى والفن التشكيلي والأدب، خاصة إن كانت الأمية متفشية في بلد ما، فلا وجهة إلا السينما تستقي منها الغالبية العظمى ثقافتها ورؤيتها، ومنه بث الخطاب السياسي، المؤيد للنظام في أغلبه، أو المعارض له من خلال فن الفيلم.
ويأتي كتاب «الخطاب السياسي في السينما المصرية» للباحثة مريم وحيد، الصادر ضمن سلسلة آفاق السينما، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة 2024. ويبدو أن الكتاب هو رسالتها للدكتوراه، وقد تخيّرت الفترة ما بين 1961و1981 لبحث مسألة العدالة الاجتماعية من وجهة النظر السياسية والسينمائية. وبخلاف مقدمة التمهيد التنظيرية للبحث، سنستعرض أهم النقاط التي ناقشتها الباحثة وتخيّرت لها أفلاماً مُعبّرة عن تلك الفترة من وجهة نظرها.

عدالة عبد الناصر

بعد مقدمة نظرية أثقلت الكتاب، الذي لم ينج من كونه بحثاً عن إعادة تحريره ليصدر في كتاب. وبخلاف الحكايات المعهودة، كموقف عبد الناصر من فيلم «شيء من الخوف» والسماح بعرضه بعد اعتراض الرقابة، أو مدى حُب السادات للسينما وحرصه على مشاهدة الأفلام، نقترب أكثر من تناول السينما لفكرة (العدالة الاجتماعية) التي تجلت في بعض الأفلام ـ حتى قبل انقلاب يوليو/تموز 1952 ـ ومنها.. «لاشين، العزيمة، ابن الحداد، السوق السوداء، زينب، والأسطى حسن» ـ كل من فيلمي «لاشين» و«السوق السوداء» لهما وضع خاص، فهما ثوريان في الأساس على النظام السياسي نفسه، دون الاكتفاء بمناقشة العدالة الاجتماعية، بل العدالة السياسية ـ ونأتي لمرحلة عبد الناصر ـ التي كانت السينما في خدمته وخدمة نظامه ـ فتمثلت الأفلام في الصراع ضد الطبقات الأرستقراطية، وعلى رأسها فيلمي «رد قلبي» و«الأيدي الناعمة» وتذكر الباحثة هذه العبارة نصاً.. «وقد عكست السينما في هذه المرحلة توجهات الرئيس عبد الناصر بضرورة العمل على إحلال السِلم الاجتماعي، من خلال القضاء على الإقطاع». ومن عندنا نضيف أن السينما المصرية دائماً تابعة وخادمة للنظام السياسي في مُجملها، بخلاف بعض التجارب.
ثم تأتي هزيمة 1967، ليبدأ السينمائيون في نقد النظام الاجتماعي، دون السياسي، أو على الأقل الاقتراب منه كتنفيس مسموح به عن حالة الغضب، كما في أفلام.. «ميرامار» «ثرثرة فوق النيل» و«يوميات نائب في الأرياف» ـ تتناسى الكاتبة إصرار الرقابة وإجبار مخرج الفيلم توفيق صالح على أن يكتب أن هذه الأحداث كانت في العهد الملكي، أو (البائد) كما كان يسميه رجال يوليو وأبواقهم.

عدالة السادات

وجه العديد من الأفلام انتقاداته إلى سياسة الانفتاح التي انتهجها نظام السادات، وجسدت خطورة التفاوت الطبقي وصعود فئة جديدة ستكون في يدها مقاليد الأمور، ومنها أفلام.. «أهل القمة» و«على مَن نطلق الرصاص» على سيبل المثال. ثم تتطرق الباحثة إلى شكل من الأفلام ركّز على فساد جهاز الدولة، وتسببه في الظلم الاجتماعي، وذكرت أفلاماً مثل.. «المذنبون» «حافية على جسر الذهب» «طائر الليل الحزين» «إحنا بتوع الأتوبيس» و«الكرنك» لكن هذه الأفلام لم تتعرض للنظام الذي تم إنتاجها خلاله، بل للنظام السابق ـ عبد الناصر وعهده ـ فالأمر أشبه بتصفية الحسابات ليس أكثر ـ بخلاف «المذنبون» الأكثرهم حِرفية وجرأة ـ إلا أن جميع هذه الأفلام كانت تستعرض موبقات عصر يوليو لحساب عصر السادات، وإلا لما كانت سترى النور.

من فيلم أهل القمة

الأفلام

تناولت الباحثة عدة أفلام منتقاة لتوضيح وجهة نظرها، وهي على الترتيب «اللص والكلاب، الحرام، القاهرة 30، المتمردون، القضية 68، الأرض، شكاوى الفلاح الفصيح، على مَن نطلق الرصاص، لا شيء يهم، المذنبون، عودة الابن الضال، شفيقة ومتولي، انتبهوا أيها السادة، وأهل القمة». وهنا بعض النقاط المتعلقة بالعناصر التقنية لهذه الأفلام، كما أشارت الباحثة، التي أدرجت مناقشتها تحت عناوين كبيرة، مثل.. الرمز البصري، الديكور والملابس، زوايا التصوير، شريط الصوت، المكان والزمان، والمونتاج. والمُلاحَظ على هذه العناصر أنها تمت مناقشتها بطريقة مدرسية إلى حدٍ كبير، على سبيل.. «في فيلم الأرض نجح يوسف شاهين في استخدام المونتاج لنقل الفكرة… وفي فيلم الحرام يتبدى أسلوب بركات في التعامل مع الأدب، الذي يتميز بإجادة السرد والعرض، فقد لجأ بطبيعته للقطات الواسعة لإظهار جغرافيا المكان وحركة الكاميرا هنا تكون أقرب للمسرح، وقد لجأ إلى التوليف بين الأصوات الحقيقية في المكان والديكورات والجماهير… وزمن اللقطات هي لقطة طويلة في المجمل تعتمد على التمثيل والأداء لخلق نوع من التراكم والإحساس، وهي لقطات ليست عابرة عشوائية». فما معنى هذه العبارات العابرة العشوائية؟
وعلى هذا النهج تسير عملية تحليل الأفلام ومناقشتها، وفق الافتراض النظري الذي وضعته الباحثة لموضوع رسالتها أو كتابها، ناهيك عن حالة التشتت في القضايا التي تطرقت إليها، بقصد الإحاطة بالموضوع، كطبيعة الإنتاج السينمائي وتحولاته من إنتاج الدولة إلى الإنتاج الخاص، لكن هل للبحث في هذه النقطة دلالة على الموضوع، أم أن الرقابة ظلت كما هي، تمنح وتمنع حسب هواها وهوى النظام الذي تعمل في ظله، ورغم النتائج النظرية المعروفة سلفاً، لم نر رأياً صريحاً للباحثة ـ فقط استعراض ملخص البحث ـ دون الإشارة إلى أساس الموضوع الذي تصدّت له، وهو أن السينما المصرية ـ في مُجملها ـ ما هي إلا خادمة وتابعة بشكل أو بآخر للنظام السياسي العسكري، بداية من «رد قلبي» وكل ما جاء على شاكلته، وصولاً إلى سلسلة «الاختيار».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية