التأسيسي التونسي: كان صرحا من رواتب فهوى!

رأى الشعب التونسي، في ما يرى النائم التلفزيوني، أن فارسا أمازيغيا يبارز كتيبة رومانية بمفرده وهو يرتجز أبياتا من أشعار حماسة ما بعد السياسة: رأى عضو المجلس الوطني التأسيسي، منجي الرحوي، ينعت نواب النهضة بأنهم ‘طماعون’ ويعيّرهم على استماتتهم في الدفاع عن مشروع لزيادة رواتب النواب بنسبة الثلث (تزامنا مع رفض حكومة النهضة منح المعلمين زيادة بمجرد 30 دينارا)! كما رأى الشعب التونسي، في ما يرى النائم البرلماني، أن سيدة من كتلة النهضة قد هالها هذا العدوان الغاشم فحملت على الرحوي قائلة برقّة لا تخفى: ‘إننا قادرون على بيعك وشرائك يا.. ‘!
وقد ثبت الآن أن هذه أضغاث أفلام برلمانية ‘ممنتجة’، وأن حرب رواتب طروادة لم تقع. ذلك أن المجلس التأسيسي قد انفض وأتم مهمته منذ قرون، أفلا تذكرون؟ إذ بعد أيام فقط من الانتخابات أنهى المجلس صياغة الدستور الجديد. ويعود الفضل في سرعة الإنجاز إلى أن جميع أعضاء المجلس أدركوا على الفور أن دستور عام 1959 دستور عصري ديمقراطي (بدليل أن الحكومات السابقة كانت حريصة على عدم احترامه وعدم تطبيق أحكامه). ولهذا أبقى المجلس على الدستور كما هو، واكتفى بإضافة بند ضامن للحريات (من دون أي استدراك من قبيل ‘في حدود القانون’)، وبند ثان يحد رئاسة الدولة بولايتين فقط.
كما يعود الفضل في سرعة الإنجاز إلى أن النواب لم يكونوا يتقاضون أجرا. والحق أن جميعهم قد امتنعوا، من تلقاء أنفسهم، عن الحصول على أي مليم مقابل أداء هذا الواجب. ولأن الحكومة ‘الشرعية’ المنبثقة من هذا المجلس واعية بجسامة المسؤولية المنوطة بعهدتها وحريصة على سرعة إنقاذ البلاد، فقد أوكلت لكل قطاع من القطاعات الحيوية مهمة تقديم مشروع القانون الأساسي المنظم له بما يلبي المعايير الدولية ويكفل إنجاح مسار الانتقال إلى الديمقراطية. وما إن تم ذلك، حتى سارعت الحكومة إلى إنفاذ جميع القوانين الجديدة، بما فيها تلك الضامنة لاستقلال القضاء والإعلام. ونظرا إلى أن اللجنة التي أشرفت على أول انتخابات حرة في تاريخ تونس قد حظيت باحترام دولي بفضل نجاحها في مهمتها، فإن الحكومة، التي لا همّ لها سوى إنقاذ البلاد، قد طلبت من اللجنة ذاتها الإشراف على تنظيم الانتخابات المقبلة. وذلك في أقرب وقت. اليوم قبل الغد.
كما حرصت الحكومة على الفصل التام بين السلطة وحزب النهضة، باعتبار أن علة العلل في تونس منذ الاستقلال هي التماهي، البالغ في شناعة الإثم حد السفاح، بين الإدارة والحزب الحاكم. وكان من دواعي تزايد ثقة المواطنين، خاصة من صوتوا للنهضة توسما للخير في من يبدو أنهم ‘يخافون الله’، أنه لم تسجل منذ بدء حكم النهضة ولو حالة واحدة من حالات تغليب الولاء على الكفاءة، أو محاباة الأقارب والأتباع.
أدلة لا تحصى على أن الحكومة عند حسن ظن شعبها. أما الدليل على أنها عند حسن ظن المتعاطفين معها من النخبة المثقفة المؤمنة بالمشروع الحضاري الإسلامي، فهو شهادة المفكر أبي يعرب المرزوقي بأن حكم النهضة قد تحول إلى ‘توزيع مغانم’، وأنه ليس من أولويات قادتها ‘إلا تأبيد بقائهم وأهليهم في الحكم’.
وأخيرا، فإن المواطنين يشكرون الحكومة لأنهم صاروا اليوم مخيرين بين الاكتئاب من استفحال الطمع والابتهاج بأنهم اكتشفوا أن للطمع ‘اسم دلع’.. هو ‘منطق الغنيمة’.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Mona:

    شكرا على هذا المقال الرائع …فعلا ابدعت …ووضعت اصبعك على الجرح النازف…حالة الاكتئاب لاغلبية الشعب التونسي هي اقل وصف ممكن لما يحدث الان !!! بل قل حالة ذهول وامتعاض من مستوى نواب التاسيسي !!!هل هذا مستوى لنواب شعب ؟؟؟؟..فعلا اغلبنا لا يعرف الشعب التونسي الحقيقي .

  2. يقول ماهر تونس:

    رأى الشعب التونسى؟ هل فوضك الشعب لتنطق بإسمه لعلة ما فى هذا الشعب أو لأنه خرس و لم يعد قادرا على التعبير؟. إذا كان هذا رأيك الشخصى فمرحبا به و نحترمه أما إذا كان توظيفا بإسم التونسيين فأنت واهم. التجارة بإسم الفقراء أصبحت شعارا عند اليساريين و خاصتهم الرحوى صاحب سيارة “يسارية فقيرة” و مالك منزل فى ضفاف البحيرة و موظف ببنك “يسارى”، الدجل صنعة إحترفتها أقلام الإعلام “الثورى”. ننتظر مقالا يتحدث عن غباء الشعب التونسى و تجارة الدين حينما يعاد إنتخاب النهضة من جديد.

إشترك في قائمتنا البريدية