الأمريكيون لديهم (ناسا) ونحن في حضرة (وناسه): تحفة الرقص في البرلمان الأردني

وضع البرلمان الأردني هذه الأيام شبيه فعلا بما يحصل في برنامج المنوعات الخليجي المثير (جلسات وناسه) الذي يبث على محطتي وناسه وإم بي سي الأولى.
المقاربة إقترحها صديقنا الكاتب الساخر مالك عثامنة.
في البرنامج ثمة ضيف دوما وظيفته الغناء والسلطنة يجلس مع الأوركسترا على فراش أرضي وخلال دقيقة واحدة يصدح صوت النجم الضيف فتلتهب قاعة الإستديو برقص جماعي عشوائي تكمن لذته في صورته المبعثرة فيما يلتقط المخرج ما تيسر من لقطات هنا وهناك ويقدم لنا نحن معشر المشاهدين ما يفترض أنه وجبة إعلامية وطربية مفيدة.
الأمر أشبه بما فعله زميل لنا يوما وهو في حضرة فنان تشكيلي حيث أحضر جرة فخار صغيرة وطلب من طفله وعمره ثلاث سنوات إلقاء بعض الألوان عليها عشوائيا وعرض المنتج أمام الفنان فسرح يتأمل في اللوحة لأكثر من نصف ساعة ثم إقترح علينا إطلاق إسم (البداية) عليها والمبادرة فورا لإقامة معرض فخاريات لنفس الرسام المبدع.
.. لولا لطف الله لتحطمت الفخارة على رأس صديقنا بتاع التشكيل حيث فوجئت بالزميل يقول له بالعامية: يا إبن الحرام .. بداية شو يا ملعون صباح أبو اللي علمك الرسم .. هذه خربشات إقترحها طفلي للتو.

حماسه بالوناسه

المهم ما تعرضه محطة وناسه فيه لوحة ما فمع الإيقاع الموسيقي يلتهب حماس أحد الحضور فيخلع العترة (غطاء الرأس) ويربطها على خصره ثم يبدأ آخر بتحريك رموشه وجفونه أمام الكاميرا بطريقة مضحكة قبل أن يظهر ثالث بحركات بهلوانية مضحكة ورابع يتمايل وهو في في مكانه متخيلا أنه يحمل سيقا ويمطي حصانا على طريقة خادم الحرمين الشريفيين أطال ألله في عمره .
وفقا للعثامنة يرقص احدهم بإتجاه اليمين وزميل له ترصده الكاميرا يقلد نجوى فؤاد بإتجاه اليسار لكن بين الجالسين ثمة من يصفق فقط أو لا يفعل شيئا محددا والشيء الوحيد الضابط للجميع هو فقط الإيقاع أما المخرج فيلتقط ما تيسر من المشاهد ويعرضها لنا …هذا تماما وفعلا حال البرلمان الأردني .
الأمريكيون لديهم (ناسا) ونحن لدينا (وناسه).

برلمان (يسعد صباحك)

البرلماني أمجد المجالي الذي صوت ضد الثقة بحكومة يجلس فيها شقيقه وزيرا للداخلية حاول تلميع المنتج عندما أوحى للشعب بأن مشاهد رقصة الدبكة التي قام بها أقرباء رئيس الورزاء بالقرب من القبة إحتفالا بالثقة وما رافقها من مشادات وصراخ وهرج ومرج هي ممارسة ديمقراطية إنتهت بولادة (حكومة ظل)…أي ظل هذا ونحن لم نتخرج بعد من الإبتدائية؟.
رئيس الوزراء عبدلله النسور إحتفل على طريقته وبأبويته المعتادة بحصوله على الثقة عبر برنامج (يسعد صباحك) الذي يعتبر أكثر البرامج شعبية على شاشة التلفزيون الأردني.
المذيعة كانت ذكية وهي تنقل تساؤلات الشارع والأجوبة أحيانا كانت تفلت وسط إصرار النسور على أن أي من أعضاء البرلمان بما في ذلك المعارضون لم يشكك بنزاهة ووطنية رئيس الحكومة وأي من الوزراء.
لا أعرف ما إذا كانت نزاهة الطاقم الوزاري على إحترامنا لها وإعترافتا بها كافية لمعالجة مشكلة المديونية مثلا أو كافية لإقناع المواطنين في إحدى قرى الجنوب بأن الإبتزاز المتواصل لصاحب مصنع الدجاج في قريتهم إنتهى بإغلاق المصنع وحرمانهم من البيض والدجاج (شبه المجاني) الى الأبد ؟.

كونفدرالية المجالي

نعود لرقصات الوناسه فقد تواصلت لعدة أيام وإليكهم هذا النبأ السار: عاد السياسي الثقيل عبد الهادي المجالي لدفاتره العتيقة ولبضاعة قديمة قوامها المناكفة عبر إقلاق الأردنيين من أصل فلسطيني مجددا وممارسة رقصة قديمة في هذا الإتجاه.
المجالي فجأة قال على هامش إحدى الندوات بان قرار الدولة المتخذ عام 1949 بتحويل أبناء الضفة الغربية للجنسية الأردنية كان خاطئا.. جميل نحن نشاركه الرأي فهذا القرار إنتهى بخسارة الأردن للضفة الغربية وبمنع قيام دولة فلسطينية وما نتوقعه من الباشا المجالي أن يجيبنا على السؤال التالي: كيف سيصلح معاليه هذا الخطأ؟
يبدو لي أن رأي المجالي لا يعبر عن رقصة منفردة فقط فالدكتور عبد السلام المجالي مهندس إتفاقية وادي عربه وضع اللمسات الأخيرة على ورقة تختص بالكونفدرالية بالتوافق مع مثقفين فلسطينين يقودهم رجل أعمال بارز.
وهذه الورقة تقترح إنتخابات عامة لمصلحة الشعبين أساسها أن ينتخب الأردني من أصل فلسطيني لصالح مدن الضفة الغربية حتى يتجنب المشروع إعتراض الوطنيين الأردنيين.
لذلك أقترح على كل من إحتفل بعودة الباشا المجالي للرقصة القديمة أن ينتبه فقد تكون المسألة مرتبطة بإصلاح الخطأ إياه عبر تكريس الكونفدرالية وهي نفسها التي أقسم صائب عريقات على شاشة فضائية فلسطين أنها لم تدرس قبل أن يفاجئ محمود عباس بكاميرا التلفزيون الأردني تصوره وهو يوقع إتفاقية القدس الشهيرة رغم إتفاقه مع عمان على أن يبقى الأمر سريا.

مطاردة بالكاميرا

لكن رقصة الوناسه لم تقف عند هذه الحدود فالمصور المحترف المتخصص بملاحقة برلماني من وزن وحجم عبد الكريم الدغمي أتحفنا بشريط الفيديو الثاني الذي يظهر شخصا وهو يلعب في أحد كازينوهات بيروت دون أن يتضح ما إذا كان الشريط مفبركا أ م حقيقيا.
.. الدغمي يسبح .. الدغمي يلعب .. لاحقا قد نشاهد الدغمي يفرح مثلا أو يقلم أظافره.
وكأن أولويات الشعب الأردني تتمركز حول ملاحقة الممارسات الشخصية للرجل وبطريقة غير محترمة عمليا فجميع السياسيين الأردنيين يشربون كل أنواع العصائر الكحولية وغيرها وأعرف شخصيا العشرات منهم الذين يتلهون في كازينوهات بيروت والقاهرة وقبرص مه نهاية كل أسبوع .
ما الذي يهمنا بحياة الناس الشخصية ما دامت لا تؤثر على قرارهم وإتجاههم وعلى حياتنا..أنا شخصيا لا أحب الكازينوهات ولم أدحلها ولا أحب كثيرا أراء الدغمي السياسية خصوصا إطلالته الأخيرة على محطة رؤيا.
لكني أعرف أن الرجل مثلي ومثل الأخرين حر تماما في حياته الشخصية وأعرف مع كل الأخرين بأن الدغمي في المفاصل وعند العمل كان دوما مرجعا ومشرعا لا يشق له غبار وأن ما يتعرض له يدعو للحسرة والألم وغير منصف .
وفي حالة الهوس والوناسة الجماعية في الأردن ثمة من يرقص ويتلذذ وهو يطارد الدغمي بعدما حذر الرجل علنا من تشكل طبقة من أمراء الحرب ..إنها رقصة الوناسة الأردنية التي بدأت للتو والمفتوحة على كل الإحتمالات .
مدير مكتب ‘القدس العربي’ في عمّان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالحي حباشنة:

    يسلم لسانك والله يا اخ بسام مع انني ليس دائما اتفق معك لكنهم اقلقونا … هم نفسهم اهل الاحكام العرفية وهم قادة الاصلاح الديموقراطي وهم نفسهم دعاة الوحدة وهم ذاتهم اعداؤها… لن اطيل عليك لكنها الوجوه ذاتها تتلون كما يراد لها ذلك واتمنى ان يحلوا ( بالعامية) عن بطن المواطن الذي انهكوه بما وضعوا في كروشهم الحرام

    1. يقول فلسطيني ومن المنشية:

      وللتاكيد على ذلك فقد كتب الكثير من السياسيين والكتاب الفلسطينين ما يؤكد ذلك الخطأ وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد كتب الدكتور انيس القاسم مقال بعنوان (الوضع القانوني للمواطن الاردني من اصل فلسطيني) واعتبر فيه ان التعديل الذي اصدره مجلس الوزراء الاردني عام 1949 ان كل ابناء فلسطين اردنيين وخاصة تلك المناطق التي تدار من قبل الحاكم العسكري جاء بتعديل الفقرة الثانية من قانون الجنسية .

  2. يقول محمد المتولي:

    من قال ان الحياة الشخصية لرجل في موقع عام هي ملكه الخاص ، فمن كان فاسدا”
    في حياته الخاصة لن يكون إلا فاسدا في حياته العامة .

  3. يقول Reader:

    أتفق مع الأخ محمد المتولي … أغلب المقالة رائعة …

  4. يقول مواطن مهتم:

    والله سألت نفس السؤال اللي في بالي يا أخ باسم من وقت ما قرأت تصريحات بين قوسين الباشا!!!! ألا وهو أنا شو دخلني بهالغلطة مثلا لأتحمل وزرها؟؟؟ معاليه بين قوسين هل عنده حلول لهالغلطة!!!!!! إذا هيك ديناصورات البلد بفكروا، فلا يلام الجيل الحديث. وين الوحدة العربية والإسلامية، والا عند المصالح طبعا بتروح.

  5. يقول فلسطيني ومن المنشية:

    ما لم يدركه البعض للاسف ان ما ورد على لسان الباشا هو الحقيقية التي ساهمت في الوضع السياسي الذي يعاني منه الشعبين الاردني والفلسطيني بالاضافة الى ان ذلك القرار اعتبر في وقته مخالف لكل الاعراف الدولية والقانونية وهو ما كان يرفضه الشعب الفلسطيني الذي لم يستشر او يستفتى بعملية منحه الجنسية الاردنية كما الشعب الاردني

    1. يقول مواطن مهتم -2-:

      بخالفك الرأي أخ -فلسطيني من المنشية-، اللي حصل كان هيحصل بأي طريقة، حتى لو الأردن ما عمل هيك…….

إشترك في قائمتنا البريدية