الأردن: كيف تسببت «الكوسا» بأزمة وطنية؟

مجرد خلاف كان يمكن معالجته بألف طريقة بين عامل في أحد محلات الخضار الكبيرة وسط العاصمة عمان وزبون غاضب، بصرف النظر عن التفاصيل انتهى الخلاف البسيط داخل محل الخضار بأزمة أمنية ووطنية في عمق منطقة تجارية حساسة جدا في العاصمة عمان.
وانتهى المشهد بعدما تم تصويره بإنتاج الحلقة المؤذية جدا لكل أردني وفي وسط حي من الأحياء الراقية بصيغة لا يمكن إعادتها للفقر والبطالة حسب الاسطوانة المشروخة.
شاهد الشعب الأردني شريط الفيديو المؤلم: الزبون الغاضب يتصل بأحد أقاربه.. خلال دقائق يحضر سبعة أشخاص على الأقل يحمل أحدهم سلاحا رشاشا وتبدأ حفلة كاملة من تحطيم محل الخضار وترويع المتواجدين فيه بعدما تحركت الغرائزية في بعدها الجهوي، قبل أي اعتبار آخر ودون تدقيق أو تحقيق لا بل دون الاستعانة بالأجهزة الأمنية الموجودة بكثافة في الشارع هذه الأيام والتي يمكنها أن تقوم بمعالجة أي خلاف أو نزاع بين مواطنين.
انشغلت الدولة بالمجموعة التي حملت الهراوات والرشاش ودخلت غالبية المؤسسات في الإشكال ابتداء من الحاكم الإداري إلى مديرية الأمن العام والمراكز الأمنية مرورا بعشرات المواطنين المجاورين وانتهاء بطبقة التجار وغرفتهم.
نحمد الله أن أحدا لم يصب وأن الرصاص الرشاش لم ينطلق وأن دورية أمنية حاولت التصرف مبكرا، لكن القضاء وأجهزته دخلا على الخط جراء تلك المشاجرة التي كانت أشبه بغزوة على محل خضار بعد خلاف بين زبون وأحد العاملين فيه له علاقة على الأرجح بعبوة من الكوسا أو الخيار.
لا يتعلق الأمر بالكوسا أو الخيار أو أي نوع من أصناف الخضار والفاكهة بل بتلك الهويات الفرعية التي يستطيع أي أردني استذكارها في أي وقت لأنه يعلم بأن سلطات القانون قد تخذله في أي نزاع أو شكوى. ولا يتعلق الأمر بما حصل في محل الخضار لأن ذلك يحصل في كل مكان حيث تتحرك الغريزة العشائرية وأحيانا الجهوية.
وأحيانا يتحرك الجموع أيضا بدون غريزة من أي نوع وبنظام الفزعة وباستعمال ما تيسر من أي سلاح لمناصرة أي قريب أو صديق أو حتى جار عند أي خلاف بسيط يمكن معالجته بإظهار القليل من الصبر والتروي.

تجيد الثقافة الاجتماعية البائسة السائدة وبسرعة عجيبة تحويل أي ادعاء دون تدقيق أو تحقيق إلى أزمة وطنية سرعان ما ينشغل بها الأعيان والنواب والوزراء والحكام الإداريون المواطنين المجاورين وانتهاء بطبقة التجار وغرفتهم

أعتقد شخصيا أن الاحتقان الذي زرعته حادثة الهراوات والسلاح الرشاش في مواجهة «بسطة الكوسا» مكلف جدا وطنيا ومكلف أيضا ماليا لأن ثلاث آليات أمنية لا تزال تعسكر أمام محل الخضرة نفسه لحمايته من الهزات الارتدادية ولليوم السادس على التوالي.
حبة خيار مثلا يمكنها أن تتسبب بمشاجرة جماعية سرعان ما تظهر على أساسها ذهنية الرغبة في الحماس والإفراط في تبني الهوية الفرعية أو تظهر بسببها ملامح التسرع والمبالغة واستعراض العضلات.
وفي الوقت الذي تكاد فيه المشكلة تنتهي تنفق آلاف الدنانير لأن الدولة مضطرة لتكريس إمكاناتها وينشغل المئات من الموظفين ورجال الأمن وتنفق آلاف الدنانير مرة أخرى وإضافية بسبب المواجهة التي سرعان ما يرفعها النظام الاجتماعي البائس والسقيم إلى مستوى مواجهة بين عائلتين أو عشيرتين أو حتى طبقتين.
يحتاج الأمر بعد استنزاف قوات الدرك ورجال الشرطة إلى جاهات وتدخل وسطاء محترفين في متوالية هندسية اجتماعية عبثية لا معنى لها تدفع من أجلها آلاف الدنانير مجددا في تنظيم اجتماعات ولقاءات مصالحة يتخللها تقديم مناسف وحلويات.
يجيد الأردني ـ كل أردني ـ بكفاءة هدر المال العام والمال الخاص ايضا.
كما تجيد الثقافة الاجتماعية البائسة السائدة وبسرعة عجيبة تحويل أي ادعاء دون تدقيق أو تحقيق إلى أزمة وطنية سرعان ما ينشغل بها الأعيان والنواب والوزراء والحكام الإداريون.
كنت بالصدفة بمعية أحد الحكام الإداريين.. غادر الرجل اللقاء للقيام بواجبه الأمني والرسمي منتصف الليل بعدما تطورت الأحداث في أحد الأحياء حيث تنابز على «فيسبوك» بين صبيين مراهقين انتهى بقتيل وعدة جرحى وحرق سبعة منازل.
مؤسف جدا أن تبقى مثل هذه الأحداث عالقة في ذهن الأردنيين في القرن الحادي والعشرين.
مؤسف جدا أن تخفق القبيلة أو العشيرة في توفير حماية اجتماعية لمن يدفع لها ولأبنائها ملايين الدنانير بدلا من تأجير مرافق ومخازن ومحلات تعود ملكيتها لأبناء نفس العشيرة في عمل صغير يستفيد من عوائده أبناء المنطقة جميعا بمن فيهم عوائل وطبقات إجتماعية.
المؤلم أكثر أن الأردني وهو غاضب مدعيا الشهامة والبطولة لا يعلم بأن أولاده وأقرباء له سيدفعون ومن أمواله وأموالهم كلفة أي خراب ينتج عن فكرته بأخذ الحق باليد وأن التاجر الذي يتم منعه من العمل سيغلق المحل أو سينتقل إلى مكان اخر بكل بساطة. نحيي قرار مديرية الأمن العام حماية ملكيات الناس واعتقال اصحاب الأسبقيات والبلطجية بصرف النظر عن هويتهم.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مازن أمريكا:

    فقط في الأردن من يأتيك عند اي خلاف ليذكرك« انت مش عارف مع مين بتحكي» فهو يتكلم باسم عشيرته وجهويته ، وطبعاً يكون
    صوته أعلى وأخشن على حسب حجم عشيرته ونفوذها ، والعائلات الصغيرة لا تجد من يناصرها عند الأزمات ولا حتى القانون إلا اذا
    كانت من العائلات الثرية ، برأيي ان الشخص الذي يتعدى على الناس وعلى مصالحهم شخص هامل على رأي الأردنيين ويمثل عشيرة
    هاملة ان لم يوقف عند حدوده
    وشكراً

  2. يقول Sameeha alzeer:

    التكافل الاجتماعي من أسمى مظاهر التعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع، إلا أنه خرج عن مساره الصحيح، فأصبح لعنة على مجتمعاتنا العربية، حين يستقوي أحد… على الناس لعلمه أن له ظهرا يستند عليه، فيفتعل الشر بقوة وبلا هوادة. حين تكون سلطة العباءة فوق سلطة القانون؛ فلا عجب.
    مؤلم جدا ما نسمعه بعد كثير من الحوادث الرعناء عبارة ” بكرة بتنحل بفنجان قهوة”.

  3. يقول ابو موسى بياع الكوسا:

    بص و شوف الكوسا بيعمل ايه .

  4. يقول تامر العربي:

    …للاسف هذه الحوادث تحصل على امتداد العالم العربي . ليت كل مشاكلنا تنتهي مثل ما انتهت (قضية) الكوسى ..لكانت اوطاننا بالف خير وكنا حتما انتصرنا على الذي سرق العنب الحيفاوي والبرتقال اليافاوي .

  5. يقول جهاد العمري:

    عتبي على الكاتب المحترم أنه غير مدرك لفوائد و اهمية الكوسا الاستراتيجية . أن الكوسا مفيد لأمراض القلب و الظهر و البطن و الرأس و القدمين ، و هو يساعد على إزالة القلق لدى الطالب و التاجر و الفنان . أما أهميته الاستراتيجية فيكفي أن نذكر فقط أن جنود الاسكندر المكدوني و خيوله كانت تأكل الكوسا ثلاث مرات في اليوم مما مكن الجنود و الخيول من قطع آلاف الأميال لخوض المعارك و الانتصار بها ، و لا اظن أنني بحاجة لتذكيرك بأهمية الكوسا لجنود القائد تيمورلنك . أما عن أهميته لرواد الفضاء فحدث و لا حرج . و لذلك فليس لأحد أن يستغرب مدى اهتمام الأردنيين و تكالبهم للحصول على الكوسا و لو اقتضى الأمر استخدام الأسلحة المتوسطة و الثقيلة .

  6. يقول سامح //الأردن:

    *سبق وكتبت تعليق وقلت:-
    (الأردني) بالمجمل طيب وصاحب نخوة..
    لكن إذا زعل وغضب يتحول فجأة لثور هائج..
    *حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين.

إشترك في قائمتنا البريدية