اقتصاد مصر وصندوق النقد الدولي والكونغرس وقطر ..

حجم الخط
0

تزداد عتامة النفق الذي دخلته مصر منذ عدة أشهر على المستويين السياسي والاجتماعي، بسبب أزمتها الاقتصادية الطاحنة التي جعلت البعض يكاد يفقد الأمل في المستقبل القريب بسبب السياسات المتضاربة التي أقدم عليها النظام الذي تسلم المسؤولية فيها منذ شهر حزيران/يونيو من العام الماضي، تلك السياسات التي كشفت عن أن القائمين على أمر البلاد والعباد لا يهتمون إلا بما يحمي مصالح عشيرتهم وإلا بما يوسع من دائرة تمكينهم من مفاصل الدولة وتعميق سيطرتهم على مصادرها الحيوية وحماية نفوذهم فيها، الأمر الذي أغشى عيونهم عن المنحدر الاقتصادي الخطير الذي تنزلق إليه الدولة والمجتمع بسرعة غير معهودة.
شهد الاقتصاد المصري حالة مفزعة من الاضطراب المتمدد بعد الجولة الأولى من مفاوضات خبراء صندوق النقد الدولي بالقاهرة منذ أربعة اشهر، شملت سوق بيع العملات نتيجة قرار تعويم الجنيه المصري، وفجع المجتمع تحت سياط إعادة تسعير مواد الطاقة وتوالي ارتفاع أسعار المواد الحياتية بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الدكتور هشام قنديل في العلن وخلف الجدران.
المتفق عليه بين المحللين أن كافة هذه الإجراءات جاءت ضد مصلحة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، بما في ذلك قرار رفع قيمة الدمغة، فقد أدت جميعاً إلى ارتفاع جنوني في تكلفة المواد الحياتية التي لا غنى عنها للغالبية العظمي من الأسر المصرية الكادحة، كما أدت إلى ارتفاع غير محتمل لأسعار المواد والسلع المستوردة، سواء كانت لضرورات تصنيعية وإنتاجية أو لمتطلبات كمالية.
ربما تكون أولى حكومات الرئيس محمد مرسي مضطرة لهذه الإجراءات، لكن المؤكد أنها أقدمت عليها بلا شفافية ولا مصداقية، رغم أن المناخ السياسي المضطرب ـ منذ تشكيلها – كان يحتم عليها الأخذ بهما، اي الشفافية والمصداقية، لكي تجد ظهيراً يتبنى قرارتها تلك، بما يتيح لها الفرصة لكي تقلل إلى حد ما من حجم الاضطرابات الامنية التي يعيشها أبناء المجتمع، لأسباب أخرى منها ما هو فئوي ومنها ما هو طائفي. لم يتوقف أثر هذه القرارات العشوائية عند هذا الحد، بل فتح الباب على مصراعيه لتهريب مواد الطاقة بلا خوف أو خشية من قانون لا يطبق، وزاد في نفس الوقت من معاناة المحتاجين وانعكس أثرها السلبي على غالبية احتياجات القطاعين الصناعي والزراعي ولم يسلم منها القطاع الخدمي.
وزاد من تفاقمها تواصل مؤشر هبوط عائدات السياحة الوافدة إلى مصر، التي بان أثرها في سوق العملات، وتنامي سوق الاحتكارات التي توسعت في منح التراخيص لشركات استثمارية جديدة تعمل في مجال الاستيراد من تركيا والصين، من دون مراعاة لضرورات حماية المنتج المحلي ولا للقدرات شديدة التواضع للمستهلك من أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
هذه الإجراءات التي جرت بلا شفافية ولا مصداقية استجابة لمقترحات صندوق النقد الدولي غير القابلة للنقاش أو التعديل، فتحت الباب من ناحية لثراء الرأسمالية الوطنية المهمينة على سوق الاتجار في العملات، حيث بلغ سعر شراء الدولار في السوق غير الرسمية تسعة جنيهات لأنها ـ أي الرأسمالية هذه – لجأت إلى أسلوب تكديس العملات بهدف تعطيش السوق بعد أن بلغت نسبة خفض قيمة العمله المحلية حوالي 33′ . وساهمت من ناحية أخرى في استنزاف احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي، حيث هبط خلال الفترة من اذار/مارس 2011 إلى يونيو 2013 من 36 مليار دولار إلى 13 مليارا، أو ما يغطي احتياجات جهاز الدولة المصرفي لمدة لا تزيد عن شهرين ونصف الشهر.
الصندوق يعمل لصالح لائحته الداخلية ومجلس أمنائه
وكذلك يفعل الكونغرس الأمريكي الذي يحرص كل الحرص على تعظيم مصالح وإستراتيجية الإدارة الأمريكية من ناحية وحماية اهدافها وحلفائها في المنطقة من ناحية أخرى، من دون النظر إلى مصالح واحتياجات الدولة المصرية وشعبها.
لجنة الكونغرس المسؤولة عن المعونات الخارجية تفاضل هذه الأيام بين توجهين حيال المعونة الاقتصادية والعسكرية لمصر التي يحل موعدها قريباً :
الأول: يقترح وقف المساعدات بشقيها أو على الأقل تجميدها لفترة زمنية ‘لأن مستقبل العلاقات الأمريكية المصرية لا يُبشر بخير’ في ظل نظام حكم تيار الإسلام السياسي الذي يمثله تحالف جماعة الإخوان المسلمين مع السلفيين الرافض لتطوير الديمقراطية بما أصدره من قوانين مكبلة للحريات وللحراك المجتمعي، الذي يتبنى سياسات أمنية قامعة للإصلاح السياسي والاقتصادي ‘من شأنها أن تعرقل مصلحة أمريكا القومية وإستراتيجياتها الآنية، والذي يبدو أن مخطط الأمن والاستقرار في المنطقة لا يهمه في كثير أو قليل، خاصة أن تعامله مع حليف واشنطن الأساسي ـ إسرائيل ـ لم يتعد الالتزام بما جاء في اتفاقية السلام معها والتعهد بكبح جماح منظمة حماس، وكان المتوقع منه أن يزيد من عمليات التبادل التجاري معها وأن يفتح المجال لمساهمات استثمارية أوسع من جانب رجال أعمالها، وربما لقروض من بنوكها التجارية تخفف من وطأة أزمته الاقتصادية.
أما الثاني: فرغم اعترافه بكل ما قاله الفريق الأول، إلا أنه يرى أن وقف أو تجميد المعونات ‘سيضر أبلغ الضرر بمصالح أمريكا وإسرائيل وغيرهما من حلفاء واشنطن في المنطقة’ لأنه سيدفع بنظام الحكم الحالي الذي تحركه جماعة الإخوان المسلمين لاتخاذ مواقف أكثر تشدداً على المستويين الداخلي والخارجي، لذلك يرى تقديم المعونات بشقيها في موعدها المقرر، بعد فرض مجموعة من الاشتراطات الملزمة، مثل :
1 ـ تنشيط التعاون الأمني والاستخباراتي مع واشنطن، بعد توسيع عدد من دوائره وإضافة بعض البنود الحيوية إليه.
2 ـ التأكيد على ضرورة الاهتمام بمقومات الأمن في شبه جزيرة سيناء عن طريق قبول العروض التي تقترحها الأجهزة الأمنية الأمريكية في هذا الخصوص.
3 ـ ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة وواقعية تتسم بالشفافية المصداقية، فيما يتعلق بالإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية.
4 ـ إلغاء كافة القرارات والقوانين التي تَحد من حرية عمل منظمات المجتمع المدني، ورفع كافة العقبات والتهديدات التي تقف في طريق قيامها بدورها في تحديث المجتمع سيساهم كثيرا في تخفيف معاناة النظام، وسيؤمن المصالح الأمريكية وخططها الإستراتيجية في نفس الوقت.
في تقديري أن فريق مفاوضات صندوق النقد الدولي سيحضر إلى القاهرة لعقد جولتهم التالية، وفي جعبته العديد من المقترحات التي تؤيد وجهة نظر فريق الكونغرس غير المتشدد.. لأن كلا الطرفين ـ الصندوق والكونغرس – ينطلقان في مبررات مساعدتهما للاقتصاد المصري من أرضية واحدة تحرص على ألا تنزلق الدولة أكثر مما يجب في طريق ‘الدولة الفاشلة’ لما يعكسه ذلك من أضرار بالغة على المجتمع المصري أولاً وعلى المصالح الأمريكية ثانياً..
عند هذه النقطة يثور السؤال التالي:
هل للعرض الذي أعلن عنه رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس وزراء مصر هشام قنديل يوم الأربعاء 10 الجاري، علاقة بترتيبات صندوق النقد الدولي والكونغرس الأمريكي، في ما يتعلق بخطة إنقاذ الاقتصاد المصري، خاصة أن قرار شراء قطر لسندات مصرية بما قيمته ثلاثة مليارات دولار، ارتبط بقرار آخر يصب في خانة مساهمتها في كل المشاريع الاستثمارية والانتاجية التي سيتم بحثها مع الجانب المصري إلى جانب ما أبداه الشيخ حمد من استعداد لدارسة كيفية تغطية العجز المصري في تصدير الغاز؟

‘ إستشاري إعلامي مقيم في بريطانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية