اقتراب موعد الرئاسيات في الجزائر يحرك النقاش حول وضع الحريات والتهديدات الإقليمية

محمد سيدمو
حجم الخط
0

مسألة الحريات وارتباطها بالرئاسيات، باتت تشغل أحزابا كانت محسوبة في السابق على دائرة الموالاة.
وفي هذا الشأن، دعا حزب التحالف الوطني الجمهوري إلى تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح الانتخابات الرئاسية.

الجزائر ـ «القدس العربي»: مع دُنوّ موعد الرئاسيات المقررة هذا العام بالجزائر، أعادت عدة أحزاب طرح موضوع إطلاق الحريات العامة وفتح المجال السياسي في البلاد، كأحد أهم شروط التحضير لهذه المناسبة الانتخابية التي تتكرّر مرة كل خمس سنوات، في وقت لا تبدي السلطات ردّ فعل حول مسألة الرئاسيات بشكل خاص، ويتجه تركيزها حول المواضيع الاقتصادية والدبلوماسية بشكل عام.

وبدأت الانتخابات الرئاسية التي لم يعلن بعد عن موعدها ويرجح إذا احترمت المدة الدستورية كاملة أن تكون في نهاية هذا العام، تصنع الحدث السياسي في الجزائر، ليس من زاوية طرح مرشحين أو برامج انتخابية، ولكن من حيث البحث عن تحسين شروط ممارسة السياسة، عبر صناعة جوّ عام يسمح بتجاوز ما يعتبره البعض حالة الغلق والتضييق على الحريات، وهو ما لا يتيح – حسبهم- مناقشة الأفكار والتوجهات الكبرى التي ترتبط بالانتخابات الرئاسية التي تعدّ في الجزائر أهم حدث انتخابي على الإطلاق، بحكم طبيعة النظام الرئاسي والصلاحيات الواسعة التي يحوزها منصب رئيس الجمهورية.
وضمن هذا المنحى، دعت حركة مجتمع السلم وهي حركة تتبع نهجا إصلاحيا وتؤمن بالمشاركة في الانتخابات، إلى ضرورة حماية كافة أشكال الحريات الفردية والجماعية التي كفلها الدستور. ومما ذكره رئيسها عبد العالي حساني شريف في تصريحاته المتكررة، أن «الدعوة مستمرة إلى فتح المجال السياسي، خاصة ونحن مقبولون على سنة انتخابية تقتضي تكريسا واسعا للحريات وحرية الممارسة السياسية والإعلامية». وأبرز أن حزبه يدعو للالتقاء على رؤية توافقية تجنب البلاد المخاطر الاقتصادية والإكراهات الاجتماعية والتحديات الخارجية وتسمح بالنقاش المسؤول حول الآفاق والرهانات وتستهدف حماية البلاد.
من جانبه، اشتكى حزب جيل جديد وهو تشكيل سياسي يتبنى طرحا نقديا بعيدا في موقفه من السلطة، من وجود تهميش مستمر وغير مثمر للحياة السياسية، مبرزا أن «الأحزاب السياسية لم تعد تحرك النقاشات الوطنية، التي لم تعد موجودة في الواقع».
وحذّر الحزب الذي يقوده جيلالي سفيان، من أن استبدال الأحزاب السياسية بمجتمع مدني غير معني قانونيا بالسياسة يستدعي تساؤلات عن نوايا السلطة، خاصة وأن مشروع القانون التمهيدي للأحزاب السياسية لا ينبئ تماما بالانفتاح الديمقراطي. ولفت إلى أن خطر انهيار الوساطة بين الطبقة السياسية، بما في ذلك السلطة، مع الشعب، يمكن أن يؤدي إلى أزمة ثقة عميقة على المدى الطويل بين الدولة والمواطنين.
واعتبر جيل جديد أن وسائل الإعلام العامة والخاصة فقدت كل جاذبية عند المواطنين، وتركتهم تحت تأثير وسائل الإعلام الموجهة ضد المصالح الوطنية والتي تبث من الخارج، معتبرا أنه «لا يمكن استرداد معلومة بيداغوجية وذات مصداقية إلا من خلال فتح قنوات الاتصال الكبيرة التي تمثلها وسائل الإعلام الوطنية». وأبرز أن «هذه الخطوة ضرورية أكثر من أي وقت مضى، إذ يتعين على الجزائر مواجهة العديد من التحديات».
وأكد الحزب أن «سياسة حشد الطاقات الوطنية لتعزيز الجبهة الداخلية ﻻ يمكن أن تنجح إﻻ عندما تقبل السلطات السياسية النقاش الحر وتحمل المسؤولية من جانب مختلف اﻷطراف بضمير كامل» مشيرا إلى أن «العودة إلى الممارسات القديمة المتمثلة في التعبئة على أساس تحالفات وهمية أو مصالح انتخابية لا يمكن أن تشكل خطوة نوعية في الممارسة الديمقراطية».
وفي موقف أكثر راديكالية، قطع عثمان معزوز رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بأن الانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في الجزائر «لن تكون نزيهة أو شفافة».
وذكر معزوز في كلمة له بمناسبة عقد جلسة للمجلس الوطني للحزب، أن «كل ما يجري في الخفاء سيجعل هذه الانتخابات غير منتظمة، ولا مفتوحة، ولا شفافة». وقال إن حزبه يرى أن المنافسات الانتخابية «لا يجب أن تكون كوميديا هزلية تتكرر كل خمس سنوات ثم نعيش بعدها أضرارًا لسنوات طويلة». واعتبر أن «إجراء انتخابات نزيهة يتطلب تكريس منظمة مستقلة لتنظيم الاقتراع بإجراءات قانونية مقبولة من الجميع». أما في الأجواء الحالية، فلن يكون غرض الانتخابات سوى تجديد النظام، على حد قوله.
وترى الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، وهي من بين المرشحين المحتملين، الأمور من منظار آخر، فهي تعتقد أن توفير الشروط لإجراء الانتخابات ضرورة لحماية البلاد من الابتزاز الخارجي. وقالت السياسية اليسارية التي عادت للواجهة في الفترة الأخيرة، إنه يتعين تمهيدا للموعد الرئاسي، فتح نقاش ديمقراطي ومناظرات سياسية والتوجه للشعب ومخاطبته ببرامج، من أجل إجراء انتخابات في ظروف عادية من دون تقديم فرصة أو ذريعة لأي ابتزاز خارجي، على حد قولها. وقالت حنون في اجتماع لحزبها بالجزائر العاصمة، إنه يجب الحذر بمناسبة الانتخابات الرئاسية، من مخططات الإمبريالية التي تحاول في مثل هذه المواعيد إحداث الفوضى وفرض شروطها، واصفة عام 2024 بالسنة المفصلية في البلاد، كونها ستشهد انتخابات رئاسية يجب أن تمر في ظروف عادية. وبدا أن مسألة الحريات وارتباطها بالرئاسيات، باتت تشغل أحزابا كانت محسوبة في السابق على دائرة الموالاة. وفي هذا الشأن، دعا حزب التحالف الوطني الجمهوري إلى تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة خاصة فيما يتعلق بمجال الحريات.
وأوضح الحزب الذي يقوده الوزير السابق بلقاسم ساحلي، أنه يدعو السلطات العمومية إلى تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح الموعد الانتخابي المقبل، لا سيما ما تعلّق برفع التضييق على العمل الحزبي وفتح الفضاء الإعلامي، وكذا تمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم وحرّياتهم الأساسية. وأشار إلى أن هذا المسعى يتطلب إجراءات تهدئة وطمأنة لتعزيز مناخ الثقة، داعيا لمعالجة حكيمة وإنسانية لملف الموقوفين والمسجونين من نشطاء وصحافيين بسبب التطورات السياسية لعام 2019 وما تبعها، بما يسمح بإبراز الرأي والرأي الآخر بعيدا عن القذف والتجريح والتشكيك المسبق وغير المبرّر في نوايا هذا الطرف أو ذاك.
ومن جانب السلطة وأحزابها، يبدو التركيز بشكل أكبر على التحديات الأمنية في المنطقة وفكرة أن الجزائر مستهدفة من قوى تفتعل أزمات على جوارها الجنوبي والشرقي، لمحاولة ضرب استقرار الجزائر. وهذا الخطاب للأمانة تتبناه أحزاب موالاة ومعارضة على حد سواء، مع الفارق في أن الفريق الثاني يطرح ضرورة توفير الحريات وفتح المجال السياسي كعامل لبناء جبهة داخلية قوية تتصدى للتهديدات الخارجية، وهو ما يتحدث عنه مثلا باستمرار حزب جبهة القوى الاشتراكية المعروف بأنه أقدم حزب معارض في البلاد.
كما يتركز الحديث لدى أحزاب الموالاة، على الإنجازات الاقتصادية التي تحققت حسبهم في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، وهي زاوية أخرى للنظر في الدفاع عن حصيلته، تمهيدا لترشيحه لولاية رئاسية ثانية، عندما يحين موعد ذلك. وقال حزب التجمع الوطني الديمقراطي المشارك في الحكومة، في بيان أخير له إنه ينوّه بالإنجازات والمكتسبات التي حققتها الجزائر على مدار السنوات الأربع الماضية بفضل تجسيد التزامات الرئيس تبون المتضمنة في برنامجه الرئاسي ونجاح بلادنا في الحفاظ على استقلاليتها المالية والاقتصادية، بالرغم من الأزمات والتوترات التي يشهدها العالم. وكان الرئيس في خطابه الأخير أمام البرلمان، قد تلقى دعوات من نواب في البرلمان للترشح لعهدة رئاسية ثانية، عندما كان يلقي خطابا للأمة حول حصيلة 4 سنوات في الحكم. ورغم أنه أبدى تأثرا بتلك الهتافات، إلا أنه لم يقدم جوابا صريحا مكتفيا بالقول إن الكلمة تعود للشعب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية