استغلال كورونا سياسيا

حجم الخط
3

حتى المرض دخل عالم السياسة، فإعلان الصين أن أمريكيين نقلوا المرض إلى إحدى المدن الصينية هو اتهام بحد ذاته للولايات المتحدة بتصدير المرض. بدوره فإن الرئيس الأمريكي سمى الفيروس بـ”الفيروس الصيني” وحذا حذوه مارك بومبيو وزير الخارجية .الاتهامان الأول والثاني مشكوك فيهما، فالمرض أصيب به مئات الآلاف من الأمريكيين، ومن الخطأ تسمية الفيروس باسم بلد معين، فالأمراض تصيب الأبيض والأسود وكل الأجناس.
اللافت للنظر أنه لم يتم تشكيل لجنة بحث عالمية من كافة الدول المتطورة تجعل من هدفها الوحيد، إيجاد علاج للمرض ولقاحٍ له. كورونا هو الأخطر من بين كافة الفيروسات، ويقتضي جهدا علميا جماعيا لمقاومته، وقد حاول الرئيس ترامب شراء أبحاث شركة طبية ألمانية تبحث في علاج المرض، الذي أصبح وباءً عالميا سريع الانتشار، يشمل غالبية دول العالم في مختلف القارات، ووصلت الخشية منه حدّ الرعب، وكأن حربا عالمية ثالثة تدور! هناك خسارات بالتريليونات إذا ما جمعنا خسارات دول العالم مجتمعة، عدا عن الخسارة البشرية الكبيرة.
وفي سياق متصل، نشرت صحيفة “الفايننشال تايمز” مقالاً كتبه غيديون راكمان، تناول فيه كيفية تعامل الصين مع انتشار الفيروس، وكيف أنها تسعى لاستغلال النجاح الذي حققته في محاصرته لتسجل انتصاراً سياسياً وإعلامياً على الولايات المتحدة وأوروبا. وإن فيروس كورونا كان في بداية انتشاره دعاية سلبية للحكومة الصينية، ولكن اليوم، وقد بدأ عدد الحالات يتناقص بحدة في الصين، ويتزايد في الولايات المتحدة وأوروبا، فقد قلبت بكين الصورة. ويضيف راكمان أن الصين عرضت مساعدتها على العالم من أجل مواجهة الفيروس، فقد أرسلت الأسبوع الماضي، أطباء صينيين إلى إيطاليا ومعهم 31 طناً من المعدات الطبية، عندما كان الإيطاليون يشتكون من غياب الدعم من دول الاتحاد الأوروبي. هذا ما يتوجب أن يكون، وليس الاستغلال السياسي الدعائي للمرض، بغض النظر عن البلد التي ستتمكن من إنتاج العلاج واللقاح.

كورونا هو الأخطر من بين كافة الفيروسات، ويقتضي جهدا علميا جماعيا لمقاومته

كمعنى للاستغلال السياسي، فإن بلداً عربيا معروفا اتهم دولا عربية وإقليمية أخرى بأنها مصدر الفيروس! ووسط تزايد ضحايا الفيروس الجديد، وانتشار الذعر في معظم دول العالم، تزامن مع ذلك جانب آخر للكارثة، بدأت تتسلط عليه الأضواء ويظهر في هذا الجانب مزيج من نظريات المؤامرة، التي تتحدث عن سبب ظهوره، وكونه “سلاحا بيولوجيا”، واتهامات بأنه “استغلال” للصراع السياسي المندلع منذ فترة بخلفية اقتصادية، بين أمريكا والصين. فمنذ الساعات الأولى لانتشاره، بدأت نظرية المؤامرة في ترويج فرضيات بأن الفيروس ليس إلا فيروسا “مخلقا” في المختبرات كسلاح بيولوجي، إما ضد الصين من قبل دولة معادية لها مثل أمريكا أو مخلقا من قبل الصين وانتشر بصورة خاطئة. ونشر موقع “زيرو هيدج” الأمريكي تصريحات عالم صيني مقيم في مدينة ووهان، قال فيها إنه هو من أنشأ فيروس “كورونا” الجديد كـ”سلاح”.​ كما نشر الموقع أيضا التفاصيل والبيانات الشخصية الخاصة بالباحث الصيني، التي تشمل اسمه وصورته وبريده الإلكتروني ورقم هاتفه، ما جعل الكثير من المواقع تتشكك في مصداقية تلك المعلومات. وبالفعل بعدها اتخذت إدارة منصة “تويتر” إجراء صارما بحظر حساب الموقع الأمريكي، متهمة إياه بالترويج لأخبار وقصص ملفقة بشأن فيروس كورونا، ولكن صحيفة “واشنطن تايمز” نشرت كذلك تقريرا يعزز نظرية المؤامرت تلك، بذكرها أن فيروس “كورونا” “مخلق في مختبر عسكري في ووهان”، تديره الحكومة الصينية وتابع لمعهد ووهان لعلم الفيروسات، وكان يبحث في استخدامه كـ”سلاح بيولوجي عسكري”. ولكن تلك الفرضية سقطت أيضا، لأن أساسها الوحيد تصريحات منسوبة لضابط استخبارات إسرائيلي سابق يدعى داني شوهام، الذي قالت إنه يمتلك خبرة في الحروب البيولوجية. وقال ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق في تصريحاته للصحيفة: “من المحتمل أن بعض المعاهد التابعة لهذا المختبر كانت تعمل على دراسة وتطوير أسلحة بيولوجية صينية، وربما تكون منافذ أخرى التقطت الفكرة نفسها وسارت على نهجها، وأدت بالخطأ لانتشار الفيروس”. ​
من جانبها، نشرت بعض الفضائيات والصحف العربية ما وصفته بـ”الوقائع المريبة”، التي تظهر ربما تورط الولايات المتحدة في انتشار فيروس “كورونا” الجديد في الصين. وأوضحت أن من اللافت والمقلق في آن ما “تنبّأ” به نائب وزير الأمن الداخلي الأمريكي آنذاك دانيال غيرستين، مخاطباً مؤتمرا دوليا صحيا عقد في نيويورك عام 2012، بأن بلاده “تتوقع تفشي وباء مع نهاية عام 2013”. وشاطره “التشخيص” الطبيب جوزيف كيم في شركة إينوفيو للأدوية المنتجة للقاحات. كما قالت إن “التنبؤ الأمريكي الرسمي بوباء قبل وقوعه أثار جملة أسئلة وتكهنات حول المدى الخطر الذي بلغه برنامج الأسلحة البيولوجية، وتهديده لحياة أعداد كبيرة من البشر ورفاهيتهم”. كما أشارت إلى أن هذا واكبه أيضا إنتاج فيلم هوليودي باسم “كونتاجن” (المُعدي) عام 2011 يدور حول انتشار وباء مصدره الخفافيش، وفق السيناريو المُعدّ، وهو ما يجري حالياً مع وباء كورونا في الصين، الذي يُرجّح أن الخفافيش هي مصدره في مقاطعة ووهان. كما أن انتشار الفيروس تزامن مع وصول وفد عسكري أمريكي كبير، قوامه 300 فرد يصل مدينة ووهان في مقاطعة هوبي الصينية يوم 19 أكتوبر 2019، للمشاركة في مهرجان ألعاب عسكرية تستضيفها الصين وتُقام هناك. وفي الثاني من نوفمبر 2019، تم تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في تلك المقاطعة، وانتشرت لاحقاً بسرعة في شهر ديسمبر. علمياً، إن فترة حضانة عدوى الكورونا هي 14 يوماً، ولكن الأستاذ في علوم البيولوجيا الكيميائية بجامعة رتغرز ريتشارد إيبرات، أعرب عن شكوكه في تلك التقارير، نظراً لأن “جينوم الفيروس وخصائصه لا تشير إلى أنه من النوع المنتج مخبرياً”. ولكن “فورين بوليسي” الأمريكية نشرت بدورها تقريرا مطولا، دحضت فيه كل نظريات المؤامرة، وقالت فيه إن فيروس “كورونا” ليس “مخلقا” في مختبر، وليس “سلاحا بيولوجيا”. وقالت إن نظرية المؤامرة بدأت في الظهور بمواقع صغيرة، تحدثت عن أن باحثين كنديين باعا هذه السلالة من فيروس “كورونا” إلى الصين لتطويرها كسلاح بيولوجي، ولكنه خرج عن السيطرة. ونقلت “فورين بوليسي” عن ديفيد فيسمان، أستاذ علم الأوبئة في كلية “دالا لانا” للصحة العامة في جامعة تورنتو: أن “فيروس كورونا الجديد، بالتأكيد هو غامض ويتحرك بسرعة ويمكن أن يسبب الذعر، لذلك يلجأ الناس إلى نظريات المؤامرة، خاصة أنه ينتقل بسرعة بين البشر، لكنهم لا يدركون أننا نعيش حاليا عصرا جديدا مما يمكن أن يطلق عليه عصر الأمراض المعدية الناشئة”. وتابع فيسمان قائلا “هناك محاولة لتهويل الأرقام الخاصة بالضحايا، لتعزيز نظريات المؤامرة، لكن حقيقة هؤلاء يدفنون أدمغتهم في الرمال، نحن أمام كارثة من نوع جديد، وليست سلاحا بيولوجيا.
الواقع، نحن أمام تحول كبير في النشاط الفيروسي على كوكب الأرض وليس بفعل البشر، ولكن بفعل الطبيعة نفسها”. كما قالت ميا ماجومدر من برنامج المعلوماتية الصحية في “مستشفى بوسطن للأطفال”: “الأمر لا علاقة له بسلاح بيولوجي، ويجب أن يتم التعامل معه على أنه أمر من ثوابت الطبيعة، كما أن انتشاره يختلف بصورة كبيرة من مكان لآخر، حسب الممارسات الاجتماعية والاختلافات البيئية، وما إلى ذلك من أمور”. ونقلت المجلة كذلك عن مركز السيطرة على الأمراض الأمريكي، إنه بعد دراسة كل الحالات الواردة ونوع الفيروس، لا يوجد أي دليل يدعم تلك الفكرة التي تتحدث عن أنه فيروس “مخلق” في المختبرات أو سلاح بيولوجي، بل هو مجرد “فيروس” معد ينتقل إلى البشر ويتحور بسرعة كبيرة. من جانبها لفتت المجلة الأمريكية “فورين بوليسي” إلى أنه برؤية أخرى، سينظر إلى أن من بدأ تلك الضجة، مجلة “واشنطن تايمز” وعدد من المواقع الأمريكية، وهي في معظمها من المؤيدين لترامب، والمساندين له في صراعه السياسي الأخير ضد الصين، أي أن الأمر كله حرب سياسية. كما تحدث مستشار الأمن القومي، روبرت أوبراين، في مقابلة مع برنامج “واجهة الأمة” عبر قناة “سي بي إس” الأمريكية عن أن الصين لم تقبل العروض الأمريكية للمساعدة، وهو ما وصفته تقارير إخبارية بمحاولة استغلال سياسي للكارثة.
كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجيية - كندا:

    بالحقيقة أن ما جاء في مقال غيديون راكمان في صحيفة “الفايننشال تايمز” بخصوص كيفية تعامل الصين مع انتشار الفيروس كورونا وكيف أنها تسعى لاستغلال النجاح الذي حققته في محاصرته لتسجل انتصاراً سياسياً وإعلامياً على الولايات المتحدة وأوروبا. وكيف قلبت بكين الصورة بعد أن بدأ الحالات يتناقص بحدة في الصين، ويتزايد في الولايات المتحدة وأوروبا هو الواقع. وان قيام ألصين بأيفاد أطباء ومعدات طبية الى ايطاليا لغياب ألدعم ألمتوجب من من دول الاتحاد الأوروبي. أن دل هذا على شيْ فيدل على قدرة ألصين وتقدمها لتصبح أمباطورية ألقرن ألحادي والعشرين. خصوصاً أذا قمنا بمقارنة ما أنجزته ألصين في هذا ألمجال وما قامت به نحو ألغير مع رغبة ألرئيس ألأمريكي بالتعاقد مع شركة ألمانية تقوم بتطوير مصل لمعالجة الفيروس كورونا مقابل عرض مالي ضخم لكن بشرط أن يقتصر أستخدام هذا ألمصل على ألشعب ألأمريكي فقط. لقد فعلت ألشركة ألألمانية خيراً برفضها ألعرض ألأمريكي ألمغري. وبأعتقادي أن سبب ألرفض هو لرغبة ألشركة بتوفير هذا ألعقار للجميع.

  2. يقول .Dinars. #TUN.:

    فيروس ومصل كورونا وقعت صناعتهما في معهد باستور بباريس سنة ٢٠٠٣ هذا ما يقع تداوله الآن في بعض المواقع الإجتماعية كخبر تأكد من خلال غلق فرنسا حدودها بعد أن أعلن ماكرون أن فرنسا في حالة حرب ضد هذا الفيروس أو بالأحرى ضد من قرصن معطيات فيروس كورونا وكانت فرنسا إحدى الدول المستهدفة بهذا الفيروس الغير مستجد أصلا.

  3. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    شكراً أخي فايز رشيد. أعجبني التحليل في المقال وخاصة الخلاصة وأتفق مع ذلك. أي أنه وباء انتجته الطبيعة وإن كان هناك أحاديث كثيرة في كل الإتجاهات سابقاً. يمكن للمرء أن يرى بوضوح أن كل مايحصل على المستوى السياسي العالمي هو بالدرجة الأولى استغلال سياسي كلٌ لمصلحته, لأزمة تتحدى البشر جميعاً, وهو يدل على ضعف وهشاشة السياسة على المستوى الدولي, كما حدث سابقاً في سوريا حيث اعتقد أن ماحدث في سوريا من مآسي كان يمكن تجاوزه بحل سياسي لو أن السياسية الدولية على مستوى عالي من المسؤولية.
    مايحدث اليوم في زمن الكورونا أو كوفيد١٩ هو أمرمخجل واستغلال سياسي لامبرر له. إمتحان آخر فشلت فيه البشرية, ولاعجب فعصر ترامب بوتين, دكتاتوريات وتوحش, وحكومات استبداد وقمع, ومصالح اقتصادية بلا حدود وبلا رداع, ماذا يمكن أن ننتظر منها؟
    كوفيد١٩ أظهر الحقائق إلى السطح فهل نتعلم من هذا الدرس, الأمل للأسف ضعيف, لكن من الظلمة ينبثق النور.
    أنا شخصياً أرى أن العالم العربي يمكن أن يقوم بدور أفضل بكثير مما هو عليه الآن, ربما باستمرار الربيع العربي حتى النهوض الحضاري الذي نصبو إليه.

إشترك في قائمتنا البريدية