ادولة فشل’: عباس والسلطة الوطنية.. مطالب الحكم الرشيد وغياب حق تقرير المصير

حجم الخط
2

‘حالة فشل، أو دولة فشل: ياسر عرفات، محمود عباس وتفكيك الدولة الفلسطينية’ هو عنوان كتاب لجوناثان سكانزر، والكاتب في البداية عمل في مؤسسات اليمين المحافظ ومع دانيال بايبس، ومحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وعمل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الذي أسسه مارتن أنديك في عام 1985 وهي مؤسسات محافظة، ودرس في جامعة إيموري، وحصل على ماجستير من الجامعة العبرية في القدس والدكتوراة من الكلية الجامعية في لندن.
وهذه المعلومات من المهم معرفتها قبل قراءة كتابه لان طبيعة التوصيات التي يطرحها تظل تعبر عن وجهة النظر الإسرائيلية وتصب في خانة اليمين المحافظ. والكتاب مع ذلك يقدم رؤية واضحة عن حال السلطة الوطنية الفلسطينية، وفيه متابعة جادة للموقف الفلسطيني وتطورات وأحداث السنوات الثماني الماضية التي يمكن تسميتها ‘عصر أبو مازن’ بامتياز في التاريخ الفلسطيني الحديث. ففي الكتابة صورة عن صعود محمود عباس، حيث يراه اليوم حاكم فلسطين الأوحد الذي يمسك بيده كل السلطات، رئيس السلطة الوطنية، ومنظمة التحرير وفتح. واستطاع في الطريق التخلص من منافسيه وأعدائه محمد دحلان ومحمد رشيد وياسر عبد ربه وأهمهم كان سلام فياض، رئيس وزرائه الذي أطلق المعلق الأمريكي توماس فريدمان على طريقة إدارته وبنائه لمؤسسات الدولة الفلسطينية وصف ‘الفياضية’.

ماذا بعد الدولة؟

ويتساءل الكاتب إن كان الفلسطينيون مهيئين لما بعد الانتصار الذي حققوه العام الماضي من رفع مستوى التمثيل الفلسطيني إلى دولة غير عضو للتصرف كحكومة لكل الفلسطينيين ،فاعلة وشفافة ومعتمدة ماليا على نفسها ومستعدة لحكم الفلسطينيين’ كلهم. وهذه هي التيمة الرئيسية في الكتاب حيث يناقش الكاتب مسألة الحكم داخل السلطة الوطنية التي أنشئت بعد اتفاق اوسلو عام 1994 . ويرى في البداية إن الوضع غير مبشر، فالفلسطينيون من الناحية السياسية منقسمون الان بين ‘كانتون’ غزة و’كانتون’ الضفة، الأول تسيطر عليه حماس والاخر تسيطر عليه السلطة بقيادة محمود عباس. ولا يركز سكانزر في هذا الكتاب على سياسات حماس في غزة التي تعيش حصارا منذ عام 2006 أي منذ فوز حركة حماس في الإنتخابات الفلسطينية إلا بالقدر الذي تمس فيه سياساتها السلطة الوطنية. وفي الوقت الذي جلب الحصار المعاناة على أهل غزة، إلا ان الحركة تسيطر على منافذ الحياة فيها وبقوانين متشددة كما يقول. وعلى خلاف غزة التي لم تعبر عن طموحات للاستقلال، وحتى إن أعلن هذا الاستقلال فلن يكون عبر الطرق الدبلوماسية والأمم المتحدة، لكن الضفة الغربية تسعى السلطة نحو الإستقلال وتطمح لبناء دولة يقودها محمود عباس، وهذه الدولة يناقش سكانزر إن ولدت فستكون محملة بالمشاكل والأزمات، إن لم تكن دولة فاشلة منذ البداية.

مشكلة حكم وليست إسرائيل

وفي كتابه هذا يعتقد أن مشكلة الدولة مرتبطة بمشكلة الحكم لدى الفلسطينيين منذ عرفات وحتى محمود عباس الذي خرج من الظل وشق طريقه ليسيطر في النهاية على كل منافذ الحكم في السلطة، ولم يسلم سلام فياض الذي جلبه من منصب وزير المالية ليتولى حكومة تسيير الأعمال عام 2007 بعد سيطرة حماس على قطاع غزة. في سياق تحليله يرى الكاتب أن دولة فلسطين ستكون في النهاية دولة منظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح). فقد اتخذ الرئيس الفلسطيني الراحل القرارات الصعبة والإستراتيجية وقرر التحول من الكفاح للسلام وغلب في مرحلة تونس غصن الزيتون على البندقية، لكن سكانزر يحمل عرفات مسؤولية فشل الحكم في السلطة لان عرفات ظل يعرقل نشوء نظام حكم شفاف، وحتى الملامح التي نجحت فيها السلطة فهذا يعود إلى المساهمين في مشروع السلطة ومن كانت لهم مصلحة في استمرارها، اي الداعمين الدوليين لها. فقد أدت طريقة عرفات في إدارة السلطة وغياب الشفافية والمحاسبة إلى تراجع في الثقة بالحكومة وإلى دعوات لإصلاح مؤسساتها التي توقفت بعد انهيار محادثات السلام وعودة ياسر عرفات من كامب ديفيد، ودخول أرييل شارون للحرم القدسي عام 2000 مما ادى لاشعال انتفاضة واسعة وانتهى عرفات في سنواته الأخيرة محاصرا في مقر المقاطعة ولم يخرج منها إلا لباريس حيث توفي هناك عام 2004. ويعتقد الكاتب ان وفاة عرفات الذي كان قد حيد على الأقل أمريكيا، أدت لصعود سلام فياض الذي عمل على تفكيك نظام الحكم وأسلوبه الذي تبنته المنظمة منذ عام 1968، وقد واجه فياض معوقات كبيرة في سبيل التخلص من إرث الحكم هذا وتعزيز فكرة بناء المؤسسات، وجاءت هذه من المنظمة وفتح اللتين نظرتا إلى سلام كحاكم فعلي للضفة وليس عباس، ولم يستعد الأخير السيطرة عليها إلا بعد استقالة فياض من الحكومة.

جورج بوش

وإذا كانت ‘الفياضية’ حققت بعض المؤسسات مثل ‘مؤسسة النقد الفلسطينية’ المؤسسة السيادية التي كان الهدف منها تعزيز قوة الشعب الفلسطيني، وكان صعوده مرتبطا بالضرورة بموقف الداعمين لمشروع السلطة إلا ان صعود عباس مرتبط في النهاية بجهود الرئيس جورج بوش الذي آمن بعباس والتزامه بالسلام مع إسرائيل، وباعتباره أي عباس المعادل المضاد لعرفات، داعية للسلم وحصنا ضد الفساد.
هل كان بوش محقا في اختياره واستثماره في عباس، الجواب لا حسب سكانزر، فمنذ وصول أبو مازن للحكم عام 2005 تحرك هذا سريعا لتقوية سلطته الاقتصادية والسياسية، وأعاد نظام المحسوبية والرعاية الذي كان علامة على حكم عرفات بحيث ‘اصبح الواقع لا الاستثناء’، ويقول سكانزر إن عباس قام ‘بإضعاف بعض قوانين السلطة الوطنية، ووقف أمام فياض ومنافسيه السياسيين بشكل منتظم وحرمهم من بعض سلطاتهم، وفي الوقت نفسه قام بالسيطرة أو إضعاف المؤسسات التي تعمل على مكافحة الفساد وتدعو للشفافية’.

الخوف من حماس

وساعد الغرب عباس في جهوده خوفا من حماس والإسلاميين، خاصة بعد حزيران (يونيو) 2007 وسيطرة حماس على قطاع غزة، فلأن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة مع إسرائيل خافت من سيطرة حماس على كامل السلطة فقد قاموا بدعم السلطة بالسلاح والمال والمعلومات الأمنية وكانت الرسالة واضحة منهم لعباس ‘تمسك بالسلطة بأي ثمن ولا تدع حماس تأخذها’. ويقول سكانزر ‘ومع زيادة مخاوف المجتمع الدولي حول استمرا ر وبقاء الحكومة في الضفة الغربية، فقد تخلت الحكومات الغربية عن توقعاتها من عباس كقائد، ولم يعد النقاش يتمحور حول بناء دولة قابلة للحياة بل أصبح الهدف ببساطة هو منع وقوع الضفة بيد حماس’.
وفي ضوء هذا التطور تراجع النظام السياسي الفلسطيني، فيما أخذ عباس بالإمساك بكل السلطات بيده وحرمان فياض من السلطات باستثناء تلك المتعلقة بتلقي أموال الدعم وصرفها على البيروقراطية الفلسطينية وهو ما قاد فياض للاستقالة في نيسان (إبريل) 2013 ونقلت عنه صحيفة ‘نيويورك تايمز’ تصريحات نفاها فيما بعد حول ‘مأساة فلسطين’ والتي قال فيها ‘قصتنا هي عن القيادة الفاشلة’. وأضاف لروجر كوهين ‘أمر لا يصدقه العقل أن يتم التصرف بمصير الشعب الفلسطيني بناء على قرارات لحظية تخلو من الجدية’. يرسم سكانزر صورة لعباس ترى فيه قائد شموليا لا يختلف عن عرفات إلا بالاسلوب والكاريزماتية،فخسارة فتح الإنتخابات لم تكن لتحدث لو كان عرفات لا يزال حيا.
صحيح، السلطة الوطنية فاشلة لكن الفشل ليس نابعا من محاولات إسرائيل تقييد عملها في الشؤون البلدية في الوقت الذي تواصل فيه سرقة الأرض الفلسطينية، لكن كما يرى سكانزر فهو نابع من فشل الطريقة التي يتعامل فيها الحكم في رام الله اليوم. فاستمرار الوجود العسكري في الضفة والسياسات التقييدية أسهمت في المشكلة، لكن الفلسطينيين هم المسؤولون عن المشكلة، فهم لم يقدموا نموذجا جيدا للحكم. ولحد الآن لم يطالبهم المجتمع الدولي بهذا ‘الكثير من صناع القرار صامتون على الموضوع’. ويرى الكاتب ان فشل هؤلاء بالتصدي للمشاكل التي تعاني منها السلطة الوطنية هو نتاج للطريقة التي يتعامل فيها مؤيدو الفلسطينيين مع القضية ‘ فببساطة لا يوجد هناك أي استبطان للمشاكل ولا يزال التركيز على إسرائيل وسياساتها تجاه الضفة الغربية وغزة’. ويمضي أكثر قائلا ‘احيانا فالتركيز ينحو منحى للتعامل مع إسرائيل كدولة استعمارية غير شرعية يجب تدميرها وإقامة دولة فلسطينية على أشلائها’. ويعود ويشير إلى سياسات إسرائيل ودورها في إعاقة دولة فلسطينية ‘وهذا أمر مؤسف ونتاج للنزاع’. وينقل عن حسين إبيش من ‘وحدة المهام الخاصة الامريكية من أجل فلسطين’ قوله ‘ الاحتلال ليس عقبة أمام الدولة الفلسطينية المستقلة فقط بل وأمام بناء مؤسسات ناجحة’. وفي الوقت نفسه يعود ويقول لقد’ ثبت خطأ من يناقشون بصعوبة بناء المؤسسات والتحضير لدولة مستقلة ناجحة في ظل الاحتلال’. ويعلق سكانزر أن كلام إبيش يشير لمسؤولية الفلسطينيين للبحث في داخل أنفسهم وترتيب بيتهم.

قلة المعلومات

وفي الوقت الحالي هناك غياب للمساهمين في هذا البيت ومعظم الباحثين عن أسباب الازمة هم من الصحافيين والباحثين. ولكن هناك مشكلة كما يقول الكاتب، ونابعة من غياب المعلومات حول الدينامية الداخلية الفلسطينية، صحيح أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو الأكثر بحثا وتغطية في الدوائر الأكاديمية والإعلام لكن ما يتوفر ليس عميقا بالدرجة المقبولة ومستوى الحماس لكل طرف يؤدي لتغييب الحقيقة. ولعل الجانب الفلسطيني هو الأكثر غموضا كما يزعم، فإسرائيل مفتوحة ويمكن وضع كل شيء تحت عدسة المجهر. في الجانب الفلسطيني هناك نزعة للنظر إلى القضية الفلسطينية من خلال منظور محادثات السلام ‘ومن يريدون الحديث عما يحدث في الداخل الفلسطيني عادة ما يترددون في التطرق للموضوع، ربما لأنهم يخشون من المعاقبة السياسية أو الأكاديمية، وربما حدوث الأسوأ لهم’، مما يعني قلة في المعلومات ‘وهذا أمر غريب إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يتحدث عنه الكثيرون من كون القضية الفلسطينية مركزية للعالم العربي’. وعن هذا العالم العربي الذي يعيش ثورات وانتفاضات، فلم يتأثر الفلسطينيون فيه إلا بقدر قليل، ويعيشون الربيع بطريقة بطيئة. ولعل ما يحمي عباس والدائرة المحيطة به هي حماس. وبسبب الأخيرة يبدو أن المجتمع الدولي متردد في الحكم على عباس ضمن نفس المعايير التي يحكمون فيها على الأنظمة التي خرجت من رماد الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي.

هل أمريكا معادية؟

فمع أن عباس تجاوز مدته القانونية بأربع سنوات، لا يزال يحكم ويسيطر على كل مفاصل السلطة بدون أن يكون هناك خليفة واضح له. صحيح أن عباس هدد اكثر من مرة بإغلاق السلطة لكن نهاية هذه لا يعني نهاية حكم فتح أو منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة. ويرى الكاتب ان التغيير لن يحدث إلا في حالة اعترفت فيها الحكومة الفلسطينية ومن يديرها بأن ‘السلطة الوطنية’ قد انهارت فعلا.
يقول سكانزر إن انتقاد القيادة الفلسطينية وطريقتها المتحجرة في الحكم ليس ‘عداء للفلسطينيين’ بل تأييد لهم. يبدأ الكاتب دراسته بتحليل للموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية ويتساءل هل الولايات المتحدة معادية للفلسطينيين وما هو دور اللوبي الإسرائيلي في هذه المسألة؟. لكن الكاتب يقول إن معظم الرؤساء الأمريكيين دعموا أو حبذوا إقامة الدولة الفلسطينية واقتربوا بشكل متساوق واحدا بعد الآخر من فكرة تقبل فلسطين كدولة. ويرى هذه الفكرة متجسدة في نقاط الرئيس ودرو ويلسون الأربع عشرة صاحب فكرة تقرير المصير والسياسات فيما بين الحربين، كل هذا في وقت لم تكن فيه أمريكا قوة عظمى ولم تظهر مصالحها في المنطقة ‘،صحيح أن ويلسون دعم وعد بلفور عام 1917 لكن دعمه هذا كان لقرار دولة حليفة أكثر منه إيمانا بالموضوع بطريقة أو بأخرى’. ويرى أن التدخل الأمريكي في فلسطين لم يبدأ إلا بعد الحرب العالمية الثانية والوصية التي اتفق عليها روزفلت مع الملك عبدالعزيز بن سعود والتي قرر هاري ترومان التنكر لها فيما بعد والتي يرى رشيد الخالدي في كتابه الجديد ‘عرابو الخداع’ أن موقف ترومان أسس للسياسة التي اتبعها الرؤساء الذين جاءوا من بعده. وفي هذا السياق يقول إن جيمي كارتر كان من اكثر الرؤساء دعما للفلسطينيين ودعم فكرة ‘وطن للفلسطينيين’ بشكل مفتوح، فيما كان ريغان واضحا في عدم ثقته بمنظمة التحرير الفلسطينية. ويحلل الكاتب الجهود التي قام بها كل رئيس أمريكي إنتهاء بباراك أوباما. ويقول إن جورج بوش الإبن جاء للحكم وهو عازم على تهميش ياسر عرفات الذي عمل على دعم فكرة الدولة. ويرى أن خطة الطريق التي تقدم بها ودعمه المتواصل لعباس، ومؤتمر أنابوليس الذي عقد في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 وحضره ممثلوا 50 بلدا، كل هذه تطورات مهمة فأنابوليس حسب كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية يعتبر ‘أكبر مؤتمر عن الشرق الأوسط منذ 16 عاما والأول من نوعه الذي يعقد على التراب الأمريكي..’. ويحرص الكاتب هنا على التأكيد على الدعم الذي قدمه الرؤساء الأمريكيون بمن فيهم الأخير، أوباما للقضية الفلسطينية، وعن السبب الذي منع أوباما للتصويت لصالح دولة فلسطينية في الأمم المتحدة. فالكاتب يرى أن الأمر متعلق بقدرة الفلسطينيين على الحكم لا معارضة لحق الدولة. وينقل عن آرون ديفيد ميللر، وهو مفاوض سابق تساؤله ‘ هل لدينا مصلحة في تهيئة الظروف لدولة فاشلة؟’ ويجيب سكانزر ‘لسوء الحظ، يبدو أننا نريد’.

مرحلة عباس

تكمن أهمية الكتاب في أنه يقدم رؤية مرحلة عباس، وصوله للحكم وعلاقته مع فياض، وتاريخه النضالي منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي. كما ويقدم الكاتب هنا تحليلا لوضع السلطة في عهده، من ناحية غياب حقوق الإنسان وملاحقة نقاده، وغياب حرية الإعلام والتعبير والتعتيم على مواقع الإنترنت التي تجرأ اصحابها على نقد الرئيس وكذا المدونين ممن حاولوا مساءلة الوضع في الضفة أو مناطق السلطة. واعتقال صحافيين ومشاكل السلطة الدائمة مع قناة الجزيرة، ولم يسلم من اعتقالات السلطة صحافيون كانوا يعملون في مؤسساتها مثل ‘وفا’ كما حدث مع رامي سمارة في شباط (فبراير) 2012. ولم تتسامح السلطة مع تقرير كتبه يوسف الشايب بصحيفة ‘الغد’ الاردنية تحت عنوان ‘اتهام البعثة الفلسطينية في باريس بالتجسس’، وحتى دعوات مدون لإنهاء الفساد لم يتم التسامح معها. واستهدفت السلطة وكالة أنباء ‘دنيا الوطن’ لتقاريرها عن الفساد في الضفة. ويشير الكاتب لحرب المعلومات التي جرت بين عباس ومنافسيه وأعدائه محمد رشيد ومحمد دحلان اللذين خرجا للمنفى. وشملت الحرب التي دارت بين عباس من جهة ومنافسيه الرئيسيين من ارتبطوا بهم وظلوا في الداخل. وفي سياق استعراضه للعلاقة بين حماس وفتح والإنتخابات الفلسطينية في 26 كانون (يناير) 2006 والتي أدت لنصر كاسح لحماس، يقول إن قرار دعم الولايات المتحدة للانتخابات كان محسوبا ومبنيا على استطلاعات وأرقام جمعها المركزالفلسطيني السياسية والمسحية والذي يديره خليل الشقاقي في كانون الأول (ديسمبر) 2005 وأكدت فوزا حاسما لفتح في الانتخابات. ويشير الكاتب هنا إلى أن فتح خسرت معركة الإنتخابات وبعدها بعام خسرت غزة فالرسالة كما يقول لم تفت على الفلسطينيين وهي أن ‘القيادة الفلسطينية المتحجرة ومن الحرس القديم قد تحظى بدعم القوة العظمى في العالم لكن جماعة إسلامية صغيرة تغلبت عليها، انتخابيا أولا في الضفة وغزة، وعسكريا ثانيا في غزة’.

سوء الإدارة المالية

لا ينسى الكاتب الحديث عن سوء الإدارة المالية في أثناء حكم عرفات، وعدم اهتمام الداعمين لمشروع السلطة بهذا الوضع، فكل ما كانت إسرائيل تريده من عرفات بحسب المفاوض والمبعوث الخاص للمنطقة دينيس روس، الذي يعتمد الكاتب عليه في أكثر من مكان، هو إلقاء القبض على المطلوبين ‘في كل مرة كنا- الأمريكيون- ندفع باتجاه قضايا النظام والقانون، كنا ندفع جانبا من قبل الإسرائيليين الذين كانوا يقولون لا تتوقع هذه المعايير من عرفات، نريده أن يقبض على المطلوبين’. وهذه هي المشكلة فإسرائيل كانت تريده حارسا لها ولا تريد سلطة وطنية وشعبا يحكم نفسه. ومن هنا تظل المقترحات التي يطرحها الكاتب في النهاية حول الدعم المشروط للسلطة ويجب عدم ربطه بمشروع السلام بل بأبجديات الحكم، ويجب التفريق بين السياسي والاقتصادي، وأنه يجب على الغرب رفع سقف توقعاته من الفلسطينيين. ولتحقيق الحكم الرشيد يقترح الكاتب ضرورة دمج القوى الأمنية، ويدعو لمصادر أخرى للميزانية الوطنية غير الدعم الأجنبي، ويدعو لانهاء دور منظمة التحرير والاعتماد على التكنوقراط. وتبدو هذه المقترحات مشروعة في ظل وضع يعترف فيه بحق الفلسطيني البقاء على أرضه ويعرف حقوقه وواجباته وليس مهددا يوميا بالاعتقال أو هجمات المستوطنين، ويستطيع التحرك يوميا وبحرية من مكان لآخر دون مواجهة خطر الإغلاق، ويملك السيطرة على مياهه ومصادره الوطنية وووو. وقبل الحديث عن ‘الحكم الرشيد’ يجب توفير الشروط له والاعتراف بالحقوق الوطنية التي ينتظرها الفلسطينيون منذ أكثر من نصف قرن وأهمها حق تقرير مصيره.

State of Failure:
Yasser Arafat, Mahmud Abbas, and the Unmaking of the Palestinian State
By: Jonathan Schanzer
Palgrave/ Macmillan/ 2013
ناقد من اسرة القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الامارات:

    * مع إحترامي لوجهة نظر الكاتب …لكن أخالفه ف بعض النقاط التالية :
    1 ـ الراحل الزعيم الفلسطيني ( ابوعمار ) رحمة الله عليه …كان يسعى
    لإقامة ( الدولة الفلسطينية ) المستقلة الحرة …وإقامة نظام عادل وشفاف :
    ولكن ( أمريكا واسرائيل ) …وقفت له بالمرصاد …واستخدم المجرم ( شارون )
    قواته الخاصة لمحاربته وحصاره أخيرا ف المقاطعة ومن بعد ف تسميمه
    وسقط القائد شهيدا وهو ما زال يحلم بالدولة الفلسطينية .
    2 ـ الرئيس ( عباس ) …لم يتخلص من رئيس الوزراء السابق ( فياض )
    بل ع العكس كان من أكبر داعميه والمؤمنين بقدرات الرجل وحنكته …
    والذي أجبر ( فياض ) ع الرحيل …هو تكاتف ( حماس وفتح ) وتقاطع
    مصالحهما الخاصة والإتفاق ع إزاحة فياض بأي شكل …لأنه كان يشكل
    حجر عثرة وعقدة أمام …قادة فتح وحماس …!!!؟؟؟
    3 ـ كذلك …ينطبق ع ( ياسر عبد ربه ) .
    * ممكن الشخص الوحيد الذي عاداه (عباس ) …هو ( دحلان ) فقط .
    شكرا .

  2. يقول موسى صوان// باريس // فرنسا:

    **********

    فهمت من الترجمة التي قدمها إبراهيم درويش بان السلطة الفلسطينية فاسدة

    تماما ؛ اعتبر ما جاء في الترجمة قريب جدا من الحقيقة والدليل على ذلك ما

    يجري في رام الله من مظاهرات ضد غلاء المعيشة ، وفشل السلطة في معالجة

    مصيبة مخيم اليرموك والتي قد تقترب من مذابح صبرا وشتيله ٠

    هناك مآخذ اخرى يعرفها الذين يعيشون في الضفة والقطاع ٠

    *********
    موسى صوان هلسه // باريس // فرنسا

إشترك في قائمتنا البريدية