إضراب المعلمين الفلسطينيين يدخل شهره الثاني والوزارة تقر أن “تأجيل التوجيهي له تداعيات خطيرة” ودعوات لتدخل الرئاسة

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله- “القدس العربي”:

دخل إضراب المعلمين الفلسطينيين في الضفة الغربية، شهره الثاني من دون أن تظهر أي بوادر حلول جدية تلوح في الأفق، فيما تصاعدت الحراكات المجتمعية في مراكز المدن الفلسطينية التي يقودها أولياء أمور الطلبة، داعية إلى إنصاف المعلمين وعودة مليون طالب إلى صفوفهم الدراسية.

وفي سياق آخر، تداعت أصوات من خبراء اقتصاديين إلى ضرورة تدخل مؤسسة الرئاسة الفلسطينية في ظل عجز الحكومة عن إيجاد حل لهذه الأزمة، وسط تأكيد جهات رسمية في وزارة التربية والتعليم، أن استمرار الإضراب لأسبوع آخر سيعرّض طلبة التوجيهي (الثانوية العامة) لخطر كبير، وهو ما يترتب عليه تداعيات خطيرة.

وكان الحراك الموحّد للمعلمين، قد أعلن عن البدء بالإضراب في 5 من شباط/ فبراير الماضي، لينضم إليه آلاف المعلمين، وهو ما ترتب عليه توقف الحياة المدرسية في الغالبية العظمى من المدارس الحكومية بالضفة.

ومع اليوم الأحد، دخل الإضراب شهره الثاني، نظرا لامتناع آلاف المعلمين عن إعطاء الحصص الدراسية بسبب عدم التزام الحكومة بالاتفاق الموقّع معهم سابقا. فيما أعلنت وزارة المالية بأنها ستصرف الرواتب بنسبة 85% فقط مع اقتراب شهر رمضان.

صعب وخطير

مدير عام القياس والتقويم والامتحانات بوزارة التربية والتعليم، محمد عواد، اعتبر في حديث صحافي، أن قرار تأجيل امتحانات الثانوية العامة “التوجيهي” سيكون له تداعيات خطيرة من حيث القبول الجامعي في جامعات العالم.

وأوضح عواد أن الحذف في المنهاج قد يؤثر على مكانة الامتحان، مُعربا عن أمله بتجاوز وحلّ الأزمة القائمة مع المعلمين، وأن يعود الدوام الكامل سريعا.

ووصف الوضع في المدارس بـ”الصعب والخطير”، وشدد على ضرورة أن تجرى امتحانات الثانوية العامة في وقتها، وأن يتم إيجاد طرق وبدائل تضمن حقوق الطلبة.

وعلّق صادق خضور، الناطق الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم، على حديث عواد بأنه لا زال هناك بارقة أمل في أن تحل الأمور خلال اليومين المقبلين.

وقال: “في حال تم الوصول إلى حل للأزمة، فلن نكون أمام أزمة كبيرة فيما يتعلق بطلبة الثانوية العامة، حيث لدى الوزارة سيناريوهات تعويض من دون أي تمديد للفصل الدراسي، أما في حال تجاوز الإضراب أسبوعا آخر، فإننا سنكون مضطرين لتعديل أجندة الفصل الدراسي بما يعكس آثار على طلبة الثانوية العامة”.

وأكد خضور أن الوزارة تسابق الزمن من أجل طي صفحة الإضراب والخروج بأقل قدر من الخسائر.

ويرى أن بارقة الأمل مصدرها ارتفاع الأصوات المجتمعية الداعية لتجنيب الطلبة تداعيات ما يجري من إضراب، حيث تحضّر مجموعة من المبادرات من عدة أطراف، “فالصوت المجتمعي الذي يرتفع يمكن أن يشكل بارقة أمل، لكونه يؤثر على حالة التمترس خلف المواقف من دون الالتفاف للأصوات الجديرة بأن تسمع”.

وشدد الخضور أنه لا خلاف على مطالب المعلمين بل على موعد التنفيذ.

وعن تداعيات استمرار الإضراب ودخوله الشهر الثاني، قال الخضور إن إحدى التداعيات قد تكون إلغاء الدورة الثانية من الثانوية العامة، والتي عادة ما يتقدم لها نحو 10 آلاف طالب، وهي مفيدة للطلبة لكونها تمنحهم فرصة الالتحاق بالجامعات، أما الضرر الثاني فيرتبط بمسألة فترة القبول في الجامعات الفلسطينية والعالمية، فهناك هامش يصل إلى 20 يوما ما بين موعد إعلان النتائج وفتح باب القبول في الجامعات، واستمرار الإضراب يضغنا أمام حالة من الضغط الزمني.

ونظم أهالي وأولياء أمور لطلبة في محافظة الخليل وقفة تضامنية مع المعلمين عند دوار بن رشد في مركز المدينة، حيث تعالت الأصوات التي تطالب الحكومة الفلسطينية بمنح المعلمين ما يستحقون من مطالب.

وانتقد المتحدثون، الذين رفعوا شعارات تدعم المعلمين، السلطة الفلسطينية والحكومة، معتبرين أن ما تقوم به هو تعزيز لسياسة تجهيل الطلبة وتدمير العملية التعليمية.

ويطالب المعلمون بدمقرطة الاتحاد العام للمعلمين، ومهننة التعليم واعتماد صفرها المالي 5% على طبيعة العمل، ولكافة المعلمين مطلع العام المقبل. وتقييد الـ15% على طبيعة العمل ودفعها فوراً، وربط الراتب بجدول غلاء المعيشة بالنسبة الحقيقية، وجدولة المستحقات المالية ضمن سقف زمني محدد وقريب، عدم التعرض للراتب بالخصم أو الحسم نهائياً.

يذكر أن المعلمين نفذوا خلال الفترة الماضية سلسلة من الإضرابات والإجراءات التصعيدية الرافضة لتبريرات الحكومة، من خلال تنظيم اعتصام ضخم أمام مقر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، وهو ما مثل أكبر حالة استعراض للقوة، حيث قابلتها الأجهزة الأمنية بمحاولات منع وصولهم إلى مدينة رام الله.

وفي سياق آخر، طالب الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم بضرورة تدخل مؤسسة الرئاسة لحل الأزمة الراهنة في ظل عجز الحكومة أو لعدم رغبتها في الدخول في حوار جدي يصل لنتيجة تسمح بعودة الحياة التعليمية للمدارس الفلسطينية.

الحل في تدخل الرئاسة

وقال عبد الكريم في حديث صحافي، أن الحديث كله يدور عن إيجاد آلية لتنفيذ ما اتفق عليه، أما العودة لحوار جديد واتفاق جديد فهو أمر غير ممكن إطلاقا.

ورأى أن المطلوب هو حوار مبني على فرضية أن التعليم الفلسطيني له قيمة تنموية ووطنية عالية تعود بأثر على الجميع، وهو أمر يجعل من إمكانية تنفيذ ما اتفق عليه مسألة ممكنة.

وقال: “المعلمون أيضا أمام مسؤولية أخلاقية ويريدون العودة للمدارس، وهو أمر يمكن أن يعجل بأن يقبلوا بحل تجزئة تنفيذ بنود الاتفاق بحيث يحصلوا على زيادة مقدارها 7.5% فورا، وتأجيل النصف الآخر من دون أن يفقدوا حقهم فيه، بحيث تبقى وتثبت على قسيمة الراتب”.

وشدد في حال وصلنا إلى استنتاج آخر ومفاده، إما أن الحكومة غير راغبة أو غير قادرة على الوصول لحل لهذه الأزمة، عندها يكون هناك ضرورة لتدخل مؤسسة الرئاسة وهو أمر حدث عام 2016، فهذه المؤسسة يمكنها أن تتدخل للوصول لحل وقاسم مشترك وتوافقي يضمن عودة المعلمين لقواعدهم.

وانتقد عبد الكريم أداء الحكومة وعدم رغبتها أو قدرتها في الوصول لفئات الجماهير المختلفة قائلا: “هناك ادعاء أن الحكومة غير قادرة على تنفيذ الاتفاق، أو على عدم قدرتها منح كامل الراتب، وهذا يعني أن على الحكومة مسؤولية توضيح ذلك للمعلمين وإقناعهم به، والمؤكد أنه حتى الآن لم يتم بذل جهد كافٍ نحو الطرف الذي يخوض الإضراب، فالمعلمون غير مقتنعين بما تقول الحكومة.

وطرح عبد الكريم أسئلة يعتبرها جوهرية ومفادها: “هل حجم الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة يجعلها غير قادرة فعليا على تنفيذ الاتفاق؟ هل الأزمة كبيرة للدرجة التي أصبحت عندها غير قادرة على توفير 20 مليون شيقل شهريا للمعلمين؟ هل يمكن تدوير الزوايا والبحث عن خيارات والخرج بحلول من خارج الصندوق؟

كما انتقد الحكومة التي تعمل على توقيع اتفاقات مع أطراف رئيسية في المجتمع من دون أن تمتلك قدرة على تنفيذها، معتبرا أنه ليس ذنب المعلم أن الحكومة وقّعت على اتفاق ولم تنفذه حتى اللحظة. واعتبر أن هذه النهج يعمل على أن تقل قدرة الحكومة التفاوضية والتكتيكية، بحيث يصبح التوقيع أداة غير ملزمة.

وطالب أيضا بضرورة البحث عن حلول توافقية مع كل الفئات من خلال وضع جدولة للأولويات، وتابع: “لو سألنا الشارع الفلسطيني عن الأولوية بالنسبة له، من دون تعريض حقوق الآخرين لأي انتقاص، فإن الشارع سيجيبك أن الأولوية هي عودة المعلمين، في ظل أن الكلفة السياسية والتعليمية والأخلاقية للإضراب هي كلفة عالية جدا، وهي أعلى بكثير من كلفة تنفيذ الاتفاق، وبالتالي المطلوب هو إجراء مفاضلة وتنفيذها.

يذكر أن المعلمين كانوا قد خاضوا إضرابا في مطلع أبريل/ نيسان 2022، واستمر حتى 50 يوماً تحت مسمى “حراك المعلمين الموحد 2022″، وانتهى باتفاق رعته مؤسسات أهلية وحقوقية فلسطينية.

وتضمن الاتفاق إضافة إلى علاوة بنسبة 15% على رواتب المعلمين شريطة أن تُنفذ الحكومة ذلك حتى الأول من كانون الثاني 2023، إلى جانب الشروع في الإجراءات اللازمة لدمقرطة الاتحاد العام للمعلمين، بحيث يتم التجهيز لإجراء انتخابات فيه خلال 3 شهور من تاريخ الاتفاق، و”مهننة التعليم” أي تحويله إلى مهنة، وربط الرواتب بنسب غلاء المعيشة. غير أن الحكومة لم تُنفّذ أياً من بنود الاتفاق، وهو ما أدّى إلى عودة المعلمين للإضراب مرة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية