إحياء المكارثية لإغاثة حرب الإبادة الإسرائيلية

حجم الخط
0

في فرنسا يمثل أمام القضاء نقابي عضو في أعرق النقابات ليس لأي سبب يخص نزاعاً حول العمل أو الحقوق الوظيفية، بل لأنه قام بتوزيع منشورات متعاطفة مع القضية الفلسطينية ومناهضة لحرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة. فلا تتردد هيئة المحكمة في الامتثال لرأي النائب العام، وتحكم على النقابي بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ.
من جانبها كانت الشرطة القضائية الفرنسية قد استدعت ريما حسن الناشطة والمحامية الفرنسية ـ الفلسطينية، والمرشحة على لائحة حزب «فرنسا الأبية» للانتخابات الأوروبية التي ستجري مطلع الشهر المقبل، بتهمة «تمجيد الإرهاب». وجاء الاستدعاء في أعقاب قرار رئاسة جامعة ليل، شمال فرنسا، بمنع مؤتمر حول فلسطين بذريعة أن «الشروط لم تعد متوفّرة لضمان هدوء النقاشات». وكانت مجلة «فوربس» قد استبقت حملة التنكيل المنهجية ضد حسن حين ألغت حفلاً كان مقرراً لتكريم 40 امرأة من البارزات في العام 2023، استجابة لضغوط مجموعات صهيونية ومتعاطفة مع الاحتلال، بسبب وجود حسن ضمن لائحة النساء المكرمات.
وفي بريطانيا تستعد الأجهزة الحكومية والأمنية للتضييق على الأنشطة المناصرة للحقوق الفلسطينية أو المتضامنة مع مأساة قطاع غزة، وذلك بالاستناد على تعريف جديد للتطرف تنوي الحكومة تطبيقه بالرغم من الانتقادات الكثيرة التي تناولته من جانب الحقوقيين المدافعين عن الحريات العامة. ولم يعد هنالك شك في أن استبدال التعريف القديم بآخر يطال المنظمات والمؤسسات وليس الأفراد وحدهم، يُراد منه الحد من أنشطة هذه الهيئات عموماً وتلك التي تناصر قضايا الشعب الفلسطيني خصوصاً، إضافة إلى مؤسسات إسلامية تعنى بالإغاثة الإنسانية. وهذا إجراء يستكمل ما كان البرلمان البريطاني قد بدأه صيف العام الماضي، حين أقرّ قانوناً يعاقب مقاطعة دولة الاحتلال وتشمل بنوده معارضي السياسات الإسرائيلية عموماً.
وفي الولايات المتحدة لم يتورع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن الانخراط شخصياً في حملة تجريم طلبة جامعة كولومبيا المعتصمين للتضامن مع الشعب الفلسطيني، واستخدام التهمة القديمة المستهلكة حول العداء للسامية، وذلك رغم وجود العديد من اليهود في صفوف حركة الاحتجاج الواسعة. وقبل موقف البيت الأبيض كانت لجنة في الكونغرس قد استدعت رئيسة الجامعة لاستجوابها بصدد الوقائع ذاتها، في تكرار بات مملاً لمحاكم التفتيش التي سبق أن عُقدت للمسؤولين في جامعات أمريكية عريقة أخرى. ولم يشفع لرئيسة كولومبيا أنها استدعت شرطة نيويورك لتفريق مخيم الاعتصام واعتقال 108 من الطلاب، في حدث لم يسبق أن شهدته الجامعة منذ سنة 1968 ضمن الاحتجاجات على حرب فيتنام.
وهكذا يتم إحياء مكارثية الأربعينيات والخمسينيات من أمريكا القرن المنصرم، وتُصدّر إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا وديمقراطيات أخرى في الغرب، وذلك ضمن محاولات يائسة لإغاثة حرب الإبادة الإسرائيلية وقطع الطريق على أنساق التضامن الشعبي المتعاظمة في أعمق مستويات المجتمعات الغربية. فلا تنقلب هذه المكارثية على رؤوس صانعيها فقط، بل تسهم أكثر فأكثر في فضح جرائم الحرب وتصعيد التعاطف العالمي مع الحق الفلسطيني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية