أي مستقبل للمشروع الوطني الفلسطيني؟

مبادرة جيدة تلك التي أقدم عليها المركز العربي للدراسات وتحليل السياسات بالدوحة حينما جعل من القضية الفلسطينية موضوعا للمؤتمر الثاني لمراكز الأبحاث العلمية في العالم العربي..
المركز الذي يديره باقتدار المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة استضاف أكثر من 200 شخصية علمية وسياسية من فلسطين ومن العالمين الغربي والعربي، كما استضاف بعض مراكز الأبحاث الأكاديمية من الصين والهند، بالإضافة إلى ناشطين متضامنين مع القضية الفلسطينية من أوروبا وأمريكا وأستراليا..
الجلسة الأولى انطلقت في أجواء إيجابية بعد الاستماع إلى مداخلتين مختلفتين لكل من صائب عريقات مسؤول ملف المفاوضات مع اسرائيل داخل السلطة الفلسطينية، وأسامة حمدان عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس..
وبغض النظر عن الاختلافات الجوهرية بين أطروحتين متباينتين: مسار المقاومة ومسار المفاوضات، فإن النقاش أعاد إلى الواجهة نقاشا عميقا حول طبيعة الصراع نفسه..
الصراع بين مشروع عنصري استيطاني استعماري قائم على سياسة الحديد والنار ومدعوم من طرف قوى إمبريالية عالمية ،ومشروع وطني تحرري جرب جميع الوصفات الممكنة للنضال ضد الاحتلال من الكفاح المسلح إلى الجلوس على طاولات المفاوضات..
خيار المقاومة كشف على إمكانيات ذاتية نوعية، رغم تواضعها العسكري ونقل الصراع أمس واليوم إلى واجهة الأحداث العالمية، غير أنها حافظت على نفسية الاستعداد للتضحية بالنفس في سبيل الوطن وقدم الشعب الفلسطيني مئات الآلاف من الشهداء منذ بداية الاحتلال إلى الآن.
خيار المفاوضات قام بتعرية الجانب الخفي في المشروع الإسرائيلي وكشف عن عدم جديته في الالتزام بنتائج المفاوضات رغم سقفها المنحني، واستمراره في سياسته العنصرية مع تفكيك التراب الفلسطيني وتقسيمه إلى وحدات استيطانية..
الخياران تأثرا بالتقلبات الإقليمية والدولية وتلقيا طعنات من الخلف.. جزء من المشكلة أن من يفاوض لا يقاوم ومن يقاوم لا يؤمن بجدوى المفاوضات، وهكذا وصلت القضية الفلسطينية إلى الطريق المسدود، وبدأ العالم العربي والقوى المساندة للقضية الفلسطينية تتأقلم مع ازدواجية الموقف الفلسطيني الذي يعكس انقساما بين خطين متوازين لا يستطيعان الالتقاء على أرضية برنامج سياسي يرسم أفقا نضاليا موحدا للقوى الفلسطينية على أرضية القضايا الجوهرية التي تمثل عمق المشروع الوطني الفلسطيني..
رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران قال في إحدى جلسات المؤتمر اإن كلا المقاربتين وصلتا إلى الباب المسدود ومن الضروري التفكير في مقاربة عقلانية جديدة، نستطيع بها إقناع العالم وإحراجه..’
رئيس الحكومة لم يوضح طبيعة المقاربة الجديدة، لكن من المؤكد أن أي مقاربة جديدة لابد أن ترتكز على عنصر الاجتهاد والإبداع والجرأة والقدرة على حشد أكبر دعم ممكن للقضية الفلسطينية..
إن عناصر الارتكاز في المشروع الوطني الفلسطيني تمر عبر مصالحة وطنية شاملة تعيد الاعتبار للصوت الفلسطيني في الداخل والخارج، وتستطيع الصمود أمام سياسة المحاور العربية وترفض التحول إلى أداة في يد المشاريع الإقليمية كيفما كان لونها..
المقاربة الجديدة ينبغي أن تجعل من المقاومة بمختلف أشكالها سياسيا وعسكريا وثقافيا خيارا شعبيا واستراتيجية وطنية وليست قضية فصيل بعينه، بالمقابل لا يمكن للمقاومة أن تنجح بدون بوصلة سياسية منفتحة على جميع الخيارات الواقعية..
المقاومة لا ينبغي أن تتحول إلى برنامج للحفاظ على السلطة فوق رقعة معزولة عن العالم (غزة) كما أن المفاوضات لا يمكن أن تصبح خيارا للحفاظ على سلطة بدون سلطة، وغطاء للاحتلال بدون كلفة في رام الله ..
إن الاختلاف بين البرامج لا ينبغي أن يتحول إلى اختلاف حول جوهر الفكرة، وجوهر الفكرة هو تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم الذي عانى ويعاني من مشروع الاستيطان الاسرائيلي ..
الأنظمة العربية هي نقطة الارتكاز الثانية في أي مقاربة جديدة، وشعار ا لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهمب هو شعار هدام يضر بالقضية الفلسطينية ولا ينفعها في شيء، لابد من إعادة القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال العربي..وهذه العودة مشروطة بـبانتزاع الاعتراف برشد العقل الفلسطينيب وقدرته على إثبات وطنيته التي لا تناقش مهما كان الاختلاف حول التكتيك .
القضية الفلسطينية امام منعرج حاد وبدون وحدة الصف الفلسطيني وإنهاء الفرقة بين فصائله ودون مشروع وطني جديد ودون دعم عربي فاعل فان قضية فلسطين ستضيع مرتين مرة بسبب المشروع الصهيوني ومرة بسبب الانقسام العربي وإدخال فلسطين الى البازار السياسي للدول العربية وأحزابها وصراعاتها وهو ما سيضر بفلسطين وقضيتها.
إن التحريض الجاري اليوم ضد الفلسطينيين في الإعلام المصري بدعوى انحياز حماس إلى الإخوان المسلمين يؤشر على منحى خطير لالتقاء موضوعي للأجندة الإسرائيلية مع العربية حتى بحسن نية.
إرجاع فلسطين التاريخية إلى الجغرافية العربية يمر عبر الإجابة الدقيقة والعلمية على مجموعة من الأسئلة الدقيقة والخطيرة :
هل مازال حل الدولتين حلا واقعيا وممكنا في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه مشروع حل دولة لا تملك مقومات الدولة، هل يملك مشروع دولة فلسطينية على جزء صغير من الارض التاريخية وأمام جدار الفصل العنصري واستغلال اسرائيل للموارد الطبيعية وكلفة الاحتلال الممتدة لـ 60 سنة حظوظا لتكون دولة ناجحة ؟
هل نحلم بدولة ديمقراطية واحدة دولة المساواة في الحقوق والواجبات دولة يتعايش فيها ثلاثة أديان الإسلام والمسيحية واليهودية كما كان الشأن عليه في دولة المدينة على عهد الرسول(ص) ؟
مجرد أسئلة للتفكير..

‘ كاتب من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية