“ألغام المستقبل”.. تقرير حقوقي يرصد كيف قوضت المعارك بين الجيش المصري وتنظيم ولاية سيناء حق جيل كامل في التعليم

تامر هنداوي
حجم الخط
0

القاهرة- “القدس العربي”:

تسببت المعارك بين الجيش المصري وتنظيم ولاية سيناء على مدار عشر سنوات في تدهور كبير في حصول أطفال وطلاب محافظة شمال سيناء على حقهم في التعليم، وفي حفظ حقوق المعلمين والمعلمات والإداريين والإداريات، بحسب تقرير حديث لمنظمة سيناء لحقوق الإنسان – منظمة حقوقية مستقلة.

احتدمت في عام 2013، العمليات العسكرية بين القوات الحكومية المصرية، ومسلحين إسلاميين أعلنوا عام 2014 الموالاة لتنظيم الدولة الإسلامية، وأطلقوا على أنفسهم تنظيم “ولاية سيناء”، واستمرت المعارك لما يقرب من 10 سنوات، قبل أن يعلن المسؤولون المصريون القضاء على الإرهاب وعودة الحياة إلى طبيعتها في محافظة شمال سيناء –شمال شرق مصر.

توضح الأدلة التي جمعتها المؤسسة أن تلك الانتهاكات مثلت منهجية ولم تكن مجرد حالات فردية

وبحسب التقرير الذي حمل عنوان “ألغام المستقبل”، توضح الأدلة التي جمعتها المؤسسة أن تلك الانتهاكات مثلت منهجية ولم تكن مجرد حالات فردية. حيث ارتبكت عناصر “ولاية سيناء” والقوات الحكومية المصرية تلك الانتهاكات المنهجية للحق في التعليم بدرجات متفاوتة في خمس مدن في شمال سيناء، تغطي مساحة جغرافية واسعة، هي رفح، والشيخ زويد، والعريش وبئر العبد والحسنة، وعلى فترات زمنية متصلة لعدة سنوات.

ولفت التقرير، إلى أن من بين تلك الانتهاكات المنهجية وأكثرها شيوعا التي يوثقها التقرير، تورط قوات “إنفاذ القانون” المصرية، المشتركة من الجيش والشرطة، خاصة الجيش، في تدمير عددٍ كبير من المدارس، دون توفير بديل حقيقي لتلاميذ تلك المدارس، كما تورطت قوات الجيش والشرطة، في استهداف بعض المدارس في عمليات القصف المدفعي والجوي.

ووثقت المؤسسة تدمير 73 مدرسة في مدن شمال سيناء خلال الفترة التي يغطيها التقرير.

وزاد التقرير: في بعض الأحيان قامت قوات الجيش بتهجير الأهالي قسريا في بعض القرى لكن أبقت على المدارس فيها مغلقة دون هدمها، ولكن أيضا دون توفير بديل مناسب لطلاب تلك المدارس المغلقة.

ووثق التقرير إغلاق 7 مدارس في مدن شمال سيناء لمدد زمنية مختلفة خلال الفترة التي يغطيها التقرير.

تحويل المدارس إلى ثكنات

وبحسب التقرير: تورطت قوات الجيش والشرطة أيضا في استخدام المدارس لأغراض عسكرية؛ مثل التمركز فيها كنقاط تفتيش ومراقبة، وتحويلها إلى مخيمات ومعسكرات للإمداد والتموين، أو كمرتكزات عسكرية في العمليات: في بعض الحالات تم إخلاء تلك المدارس من الطلاب وتوقفت فيها العملية التعليمية، لكن في أحيان أخرى كان الانتهاك أكثر خطورة حينما استخدمت قوات الجيش بعض المدارس برغم بقاء الطلاب والمعلمين فيها، مما عرضهم للخطر الجسيم.

ووثق التقرير استخدام 49 مدرسة لأغراض عسكرية في مدن شمال سيناء لمدد زمنية طويلة مختلفة، بعضها ما يزال مستخدما كـثكنات عسكرية حتى الآن.

مراقبة وتفخيخ

وواصل التقرير: تورط تنظيم “ولاية سيناء” أيضًا بشكل منهجي متكرر في استخدام بعض المدارس في أنشطة عسكرية، تبدأ من المراقبة حتى التفخيخ والتدمير، كما نفذ عناصر التنظيم اعتداءات مختلفة على الطلاب والطالبات والمعلمات، كما تورطت عناصر التنظيم في سرقة ممتلكات المدارس من مبالغ نقدية وأجهزة كمبيوتر وغير ذلك من المقتنيات.

ووثق التقرير، تدمير التنظيم 4 مدارس، إضافة الى استخدام مدرستين لأغراض عسكرية، حيث احتلتها عناصر تنظيم داعش لفترات زمنية أكثر من دقائق أو ساعات قليلة، تحسبا لاستهدافهم الجوي بواسطة الجيش.

وبين التقرير، أنه بالإضافة للانتهاكات المباشرة للحق في التعليم، فإن ثمة انتهاكات حقوقية أخرى في شمال سيناء لم تستهدف العملية التعليمية وعناصرها من طلاب ومعلمين بشكل مباشر، لكنها أثرت في الحق في التعليم تأثيرا مشهودا وخطيرا.

قيود على الحركة

من أهم تلك الانتهاكات، القيود الشديدة والتعسفية على حرية حركة الأفراد والمركبات التي فرضتها القوات الحكومية المصرية طوال سنوات الحرب بشكل متزايد، خاصة منذ نهاية 2017 مع بدء ما أطلقت عليها السلطات “العملية الشاملة”.

القيود الشديدة والتعسفية على حرية حركة الأفراد والمركبات التي فرضتها القوات الحكومية المصرية طوال سنوات الحرب أثرت على العملية التعليمية

وأكد التقرير، أن تلك القيود، المصحوبة بحظر مسائي للتجوال امتد لسنوات، أثرت على قدرة الأهالي على إيصال أطفالهم للمدارس، وكذلك قدرة المعلمين والمعلمات على الحركة بأمان، كما اشتملت على قطع حركة النقل بين شمال سيناء وباقي المحافظات في بر مصر ما أدى لتخلف طلاب الجامعات المدرجين في صفوف الدراسة الجامعية خارج سيناء عن دراستهم لأشهر.

وواصل التقرير: مع بدء العملية العسكرية “سيناء 2018″، قررت وزارة التربية والتعليم تأجيل الدراسة في جميع مدارس شمال سيناء لأجل غير مسمى، وعلى إثر هذه العملية، تم إلغاء الفصل الدراسي الثاني بالكامل لجميع مراحل النقل والشهادة الإعدادية في مدارس شمال سيناء، وقررت مديرية التربية والتعليم بالمحافظة إلغاء الامتحانات لتلك المراحل، على أن تحتسب درجات الفصل الدراسي الأول كدرجات اعتبارية للفصل الدراسي الثاني.

تجنيد الأطفال

وتناول التقرير، انتهاكا جسيما آخر أثر على الحق في التعليم، هو السماح لمجموعات القبائل المساندة للجيش بتجنيد الأطفال دون الــ 18 عامًا في النزاع المسلح، سواءً في مهام قتالية أم لوجستية.

ولفت التقرير، إلى تصاعد تلك الظاهرة منذ عام 2020 وحتى عام 2023، وأدرجت الحكومة الأمريكية في 15 سبتمبر/ أيلول 2023، الحكومة المصرية لأول مرة في قائمة الحكومات التي تستخدم الجنود الأطفال في العمليات العسكرية في التقرير السنوي للاتجار بالبشر الصادر عن الحكومة الأمريكية.

وقالت الحكومة الأمريكية في الفصل الخاص بمصر في التقرير إنه “خلال الفترة التي يغطيها التقرير، أصدرت منظمة غير حكومية تقريرا أن الحكومة (المصرية) نسقت وقامت بعمليات مشتركة مع مليشيا في شبه جزيرة سيناء والتي قامت بتجنيد واستخدام الأطفال، بما يشمل انخراط بعضهم في شن الهجمات مباشرة”.

ورغم التهميش التاريخي الذي تعرضت له شمال سيناء حكوميا، فإن الحكومة لم تقدم برامج وخططا واضحة فيما يتعلق بتوفير الخدمات التعليمية، خاصة في سنوات ما بعد الحرب. بل على العكس، عكست التصريحات الحكومية في إجمالها خططا قاصرة، ومحاولات حثيثة لإخفاء الواقع المتردي.

وعلى سبيل المثال، نقلت وسائل الإعلام المحلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، في مطلع العام الدراسي الجديد، عن حمزة رضوان، وكيل وزارة التربية والتعليم في شمال سيناء، قوله إن “جميع المدارس بالمحافظة تعمل بشكل كامل اليوم” في أول أيام الدراسة، كما زعم التقرير الصحافي مستندا إلى بيانات حكومية أن الدراسة قد انتظمت في شمال سيناء و”لم تشهد أي مشكلات أو معوقات”، حيث أكد وكيل وزارة التربية والتعليم أن إجمالي 11165 طالبا في المراحل الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، قد انتظموا في الدراسة في 449 مدرسة.

وواصل التقرير: رغم خصوصية وفداحة الانتهاكات والهجمات ضد الحق في التعليم في سيناء، لا يمكن أن ينظر إليها في معزل عن تدهور أحوال التعليم في مصر عمومًا، فعلى مستوى الإنفاق على التعليم، استمرت الحكومة في تجاهل النص الدستوري الملزم بتخصيص 6 في المئة من إجمالي الناتج القومي للإنفاق على التعليم، على أن تتصاعد هذه النسبة تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، مع بداية العام المالي – 2017- بحسب النص الدستوري.

وتبلغ مخصصات قطاع التعليم نحو 230 مليار جنيه فقط، تمثل نحو 2 في المئة فقط من الناتج المحلي المتوقع للعام المالي الحالي، بما يعني أن مخصصات التعليم تمثل فقط ثلث النسبة المنصوص عليها في الدستور.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي صرح في يونيو/ حزيران الماضي، أن الميزانيات المطلوبة للإنفاق على الصحة والتعليم وفق الاستحقاق الدستوري غير متاحة، ما دعا المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى المطالبة في تعليقها على هذا التصريح بتحويل اعتراف رئيس الجمهورية إلى بداية للحل ومحاسبة من تجاهل المواجهة، والتعهد بالالتزام التدريجي بالنسب الدستورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية