أستاذ علم الاجتماع السياسي اليمني عبد الكريم غانم: تُشكل المقاومة الفلسطينية حاجز الصد الأبرز أمام مطامح الدولة العبرية

حاوره: أحمد الأغبري
حجم الخط
0

لِمَ تلجأ إسرائيل لتنفيذ عقاب جماعي بحق قطاع غزة عقب كل عملية مقاومة؟ وهل يمكن إيقاف فعل المقاومة خوفًا من رد الفعل؟ وماذا حققت عملية طوفان الأقصى على مستوى الأرض والقضية؟ وكيف استطاع المجتمع الفلسطيني إنتاج هذا المستوى من فعل المقاومة؟ وكيف سيكون عليه هذا الفعل مستقبلا مع استمرار همجية وغطرسة الاحتلال الإسرائيلي؟ وماذا عن الموقف العربي والدولي مما تشهده الأراضي المحتلة. وأسئلة أخرى انطلقت من فلسطين، وعادت إلى اليمن للوقوف على التطورات السياسية هناك، ناقشناها مع أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبد الكريم غانم. وفي ما يأتي نص الحوار.
○ بدءًا من نزيف غزة، حرب إبادة وعقاب جماعي يمارسه الاحتلال، لم تلجأ إسرائيل لهذه الوحشية ضد المدنيين والأعيان المدنية عقب كل عملية للمقاومة؟
• إسرائيل ترى في كل فلسطيني مشروع مناضل ضد الاحتلال، وبالتالي هي تجد في كل هجمة تشنها المقاومة الفلسطينية باتجاه المستوطنات فرصة لممارسة مجازر إبادة جماعية بحق السكان الفلسطينيين، بغض النظر عن تأييدهم لما تقوم به المقاومة من عدمه، فإسرائيل لا تستهدف الجماعات الجهادية المسلحة فقط بل تستهدف كل طفل وامرأة ومدني في غزة، تستهدف الشجر والمباني والبنى التحتية ودور العبادة، فلا خطوط حمراء أمام إسرائيل، وما إعلانها الحرب للقضاء على حركة حماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرهما سوى شماعة، الغرض منها ممارسة المزيد من حروب الإبادة الجماعية والتهجير القسري لمن تبقى من سكان فلسطين، بل إن تصريحات قادة إسرائيل كانت واضحة هذه المرة بشأن توجههم، لإفراغ غزة وتهجير سكانها إلى منطقة سيناء المصرية.

توازن الردع

○ كيف تقرأ ما أنجزته كتائب عزالدين القسام حتى الآن في عملية «طوفان الأقصى» والنتائج التي حققتها على مستوى الأرض والقضية؟
• نجحت كتائب عزالدين القسام في تغيير معادلة الصراع مع إسرائيل، فتحول دور المقاومة الفلسطينية من الدفاع إلى الهجوم والاجتياح، فللمرة الأولى تطأ أقدام المقاومة الفلسطينية تراب المستوطنات الإسرائيلية، وتحلق في سمائها، وتعبر مياهها، وتقتاد العشرات من ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي أسرى إلى داخل قطاع غزة، وللمرة الأولى في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تتلقى الدولة العبرية هذا الكم الهائل من الخسائر البشرية في صفوف قواتها ومواطنيها، فلم يشهد الصراع العربي الإسرائيلي خلال الحروب السابقة، منذ العام 1948 مرورا بحرب 1967 وصولًا إلى 1973 ما شهدته صبيحة السبت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حيث تلقت إسرائيل عددًا غير مسبوق من الخسائر البشرية، إلى جانب الخسارة المعنوية، المتمثلة في تحطم أسطورة إسرائيل التي لا تُقهر، بحداثة تسليحها، ومنظومة قبتها الحديدية، وجهازها الاستخباراتي المحيط بكل شاردة وواردة، فقد أظهرت هذه العملية هشاشة الدولة العبرية وفشل منظومتها الأمنية والاستخباراتية في مقابل الاستراتيجية القتالية غير التقليدية التي فرضتها كتائب عز الدين القسام، لتقليص الهوة في التسلح بين ترسانة جيش إسرائيل وقواتها، وهو ما أفضى إلى تحقيق قدر من توازن الردع، من شأنه إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وإعادة رسم خارطة فلسطين، فما بعد السابع من أكتوبر 2023 ليس كما قبله.
فبفعل هذه الاجتياح تمكنت كتائب عز الدين القسام من تحويل مستوطنات غلاف غزة إلى مكان غير آمن، ومنطقة طاردة للاستيطان، وللمرة الأولى في تاريخ هذا الصراع تبرز ظاهرة النزوح القسري من المستوطنات الإسرائيلية في سدروت وعسقلان وغيرهما من مناطق التماس مع غزة إلى جنوب ووسط إسرائيل، وقد لا يتوقف الأمر على النزوح الداخلي، فبعد هذه العملية النوعية، التي تعد محطة مفصلية في تاريخ الصراع مع إسرائيل قد تظهر موجة هجرة مضادة، من إسرائيل إلى الغرب، خلافًا لما كان سائدًا من استقطاب الحركة الصهيونية للمهاجرين اليهود إلى المستوطنات الإسرائيلية.

استعادة الثقة

○ هناك من يربط ببعض الشبه بين فعل السابع من اكتوبر 2023 والسادس من أكتوبر 1973كيف تنظر أنت لهذا على المستويين الاستراتيجي والجيوسياسي؟
• كلا الحدثان يُعد نقطة مفصلية في تغيير وجه الصراع العربي الإسرائيلي، لإجبار الدولة العبرية على الرضوخ لمتطلبات الحل العادل، فقد أعقب حرب أكتوبر تحرير سيناء، التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ومن المتوقع أن تؤدي تداعيات السابع من أكتوبر إلى إخضاع الدولة العبرية للقبول بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة في حدود ما قبل 4 حزيران/يونيو 1967.
كما يتشابه الحدثان في تأثيرهما المعنوي من جهة استعادة الشعوب العربية لثقتها بنفسها وبقدرة مقاتليها على اختراق التحصينات الدفاعية الإسرائيلية، بدءًا بعبور خط برليف في 6 أكتوبر 1973 من قبل الجيش المصري، وصولًا إلى اختراق القبة الحديدية واجتياز تحصينات أسوار مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023 من قبل كتائب عز الدين القسام.
ومن أوجه الشبه بين الحدثين واحدية العقلية القتالية العربية، من حيث توظيف المناسبة وتحويلها من يوم للاحتفال في إسرائيل إلى يوم نكبة وعزاء، ومن حيث النتائج والمآلات أعقب عبور خط برليف في 6 أكتوبر عام 1973 حرب كبرى في منطقة الشرق الأوسط ومن المتوقع أن يعيد التاريخ نفسه، بعد عملية السابع من أكتوبر 2023 إن لم يكن بتدخل جيوش نظامية، فعبر الحركات والفصائل المسلحة في فلسطين ولبنان وسوريا وغيرها.
وإذا كانت حرب 6 أكتوبر قد شارك فيها جيشان نظاميان، هما الجيش السوري والجيش المصري، فقد بدأت كتائب عز الدين القسام عمليتها العسكرية في 7 أكتوبر منفردة، دون إشراك فصائل مسلحة أخرى من داخل فلسطين أو خارجها، إلا أن بوادر التقدم الذي أحرزته هذه العملية كانت مدعاة لإبداء حركات المقاومة الأخرى جاهزيتها للدخول في المعركة، التي انتهجت فيها حماس وسائل وتكتيكات الحروب غير التقليدية.
وإذا كانت نتائج حرب 6 أكتوبر قد أفضت إلى إجبار إسرائيل على التخلي عن منطقة سيناء، فإن الرسالة التي حملتها العملية العسكرية لكتائب القسام في 7 أكتوبر كانت من القوة بحيث تجبر الحكومة الإسرائيلية على إعادة النظر في مقاربتها لإدارة الصراع، عبر القضم المستمر للأراضي الفلسطينية، لتوسيع المستوطنات، فقد نظرت إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية، الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه العملية العسكرية بأنها حرب وجودية تهدد الكيان الإسرائيلي برمته، وهو ما استدعى الإدارة الأمريكية للإعلان عن دعم إسرائيل، وتحريك حاملة الطائرات جيرالد فورد إلى شرق البحر المتوسط، يرافقها الآلاف من قوات البحرية الأمريكية والعشرات من الطائرات الحربية والمدمرات، وهو ما يوحي باستعداد الولايات المتحدة لدعم إسرائيل لخوض حرب طويلة.

العنف المضاد

○ هذه العملية تدفع لاستقراء ما ستكون عليه هذه المقاومة في المستقبل، كيف تنظر للقادم في فلسطين؟
• بهذه العملية العسكرية النوعية وضعت حركة المقاومة الفلسطينية، حماس، نفسها في مصاف الجيوش التي يحسب لها حساب، فأيً كان التهديد والوعيد الإسرائيل باجتثاثها من الوجود، المؤكد والثابت أن قوة المقاومة قد شبت عن الطوق، ولا مجال لاحتوائها، فهذه الاستراتيجية العسكرية النوعية التي فرضتها حماس في معادلة الصراع مع إسرائيل، في ظل مشهد دولي شديد التعقيد، يُفترض أن تدفع الدولة العبرية لمراجعة مقاربتها في إدارة الصراع، عوضًا عن الدوران في حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد، لا سيما أن أذرع المقاومة الفلسطينية صارت تطال مدنا وبلدات إسرائيلية، فتفرغها من ساكنيها وتجعلها خاوية على عروشها، ليظل خيار السلام العادل وإعادة الحقوق هو الخيار الأمثل، فكما قال أبو القاسم الشابي: لا عدل إلا إن تعادلت القوى وتصادم الإرهاب بالإرهاب.
ومن المتوقع أن تعود القضية الفلسطينية لواجهة الأحداث على المستويين الإقليمي والدولي، وأن تزداد شعبية حركة حماس، لاسيما أن لديها الآن المئات من الأسرى، بما يسمح لها بالضغط على إسرائيل لحملها على إطلاق سراح جُل المحتجزين الفلسطينيين في سجونها.
○ على المستوى الاجتماعي هل أسهمت المراحل التي مر بها المجتمع الفلسطيني في الوصول بمستوى الفعل المقاوم إلى ما فاجأ به العالم وهو يخترق قدرات العدو الاستخباراتية والدفاعية في عملية نوعية على كافة المستويات، أم أن الأمر يقرأ باعتباره طفرة تقف خلفه حركة سياسية كحماس؟
• على الرغم من وقوع المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة تحت الحصار الإسرائيلي منذ العام 2007 إلا إن المراحل التي مر بها المجتمع الفلسطيني والظروف الصعبة التي تعرض لها ظلت مدعاة لدفعه نحو امتلاك أدوات القوة، وفي مقدمتها التعليم الجيد الذي أتاح للسكان الفلسطينيين وضع الحلول لكثير من المشكلات التي نجمت عن الحروب والغارات الإسرائيلية المتكررة والحصار، ولا شك أن أبرز المشكلات التي واجهتهم، الحاجة لتطوير السلاح، فليست حماس وحدها التي اكتوت بنار الحروب التي تشنها إسرائيل على غزة، وإن كانت في مقدمة الفصائل الفلسطينية التي تحملت عبء المقاومة.
○ هل ثمة احتمالية لإفراغ الإنجاز العسكري لكتائب القسام وفصائل المقاومة من قيمته من خلال التآمر السياسي كما حصل في عام 1973؟
• لا مجال لإفراغ هذا الإنجاز العسكري لكتائب القسام وفصائل المقاومة من قيمته، فالسقف المرتفع لمطالب المقاومة وأهدافها، رافقه ارتفاع نوعي في أداء مقاتليها على الأرض وتطور كمي ونوعي لترسانة أسلحتها، ومنحها شعبية وتأثير واسع النطاق على المجتمع الفلسطيني، ومن الصعب على أي فصيل فلسطيني ادعاء تمثيل فلسطين أو حمل القضية الفلسطينية دون أن تتبوأ حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من فصائل المقاومة موقع الصدارة.

عرين الأسود

○ بما تفسر محاولات الموقف الأمريكي ربط ما حققته المقاومة بإيران، هل اقحام إيران في هذه العملية هو لاستمالة الموقف العربي والأوروبي المناوئ لإيران؟
• الاستعلاء الأمريكي يجعل من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة، وهي الداعم الأكبر لإسرائيل، تقبل الفشل العسكري والأمني والاستخباراتي الذي منيت به حليفتها، عبر هذا التطور غير المسبوق في أداء وتسليح المقاومة الفلسطينية وتكتيكاتها الحربية، فخضوع قطاع غزة إلى 16 عامًا من الحصار لم يمنع المقاومة الفلسطينية من ابتكار أسلحة وأساليب قتال تمكنه من اختراق تحصينات الجيش الإسرائيلي، ومن بين ركام القصف الإسرائيلي وجور الحصار خرجت حماس بمعجزتها العسكرية التي أذهلت العالم، وأوقعت بإسرائيل من الخسائر ما لم توقعه الجيوش العربية على مدى عقود من الزمن.
كما أن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تعزل هذه الحركة عن محيطها العربي من خلال تضخيم الدعم الإيراني لها، وربط فعل المقاومة بإيران، والواقع أن عمر المقاومة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي يتجاوز عمر النظام الإيراني، وإن الإدارة الأمريكية تدير ظهرها لممارسات الدولة العبرية ضد الشعب الفلسطيني، وتتناسى أن سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة كانت وراء اجتراح المقاومة الفلسطينية لمختلف الوسائل والتكتيكات القتالية، فقبل هجوم حماس وجدنا عمليات حركة الجهاد الإسلامي وبعدها حركة عرين الأسود، وكلها حركات تحرر أفرزتها معاناة الشعب الفلسطيني سواء منه الخاضع لنظام الأبرتهايد داخل إسرائيل أو الخاضع للحصار في قطاع غزة والضفة الغربية.
○ وكيف رأيت ردود الفعل الغربية وخاصة الأمريكية المتطرفة إزاء العملية مقابل استمرار تجاهلهم وصمتهم لسنوات طويلة والاكتفاء بإبداء القلق إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون مواطنون وأسرى ومقدسات من انتهاكات لا حدود لها؟
• استنكرت الحكومات الغربية عملية طوفان الأقصى، واعتبرته عملًا إرهابيًا، مبدية تعاطفها مع الضحايا من المدنيين الإسرائيليين، وهو موقف لا ينسجم مع صمتهم لعقود طويلة أمام المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق سكان غزة وغيرها من المدن والمخيمات الفلسطينية، فالازدواجية في المعايير التي ينتهجها الغرب إزاء ما يحدث في فلسطين واضحة للعيان، إذ عندما يتعلق الأمر بضحايا إسرائيليين يستحضر القادة الغربيون ووسائل الإعلام الغربية مفردات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويتم توصيف ما تقوم به المقاومة بجرائم الحرب، وعندما ترتكب آلة القتل الإسرائيلية أبشع المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، ويتم ارتكاب مجازر جماعية في أحياء فلسطينية، لا يصدر عن دوائر القرار في الغرب أي تنديد بحق المذابح الجماعية التي يتم ارتكابها، بل كثيرا ما يتم توصيف ما تقوم به إسرائيل من مجازر جماعية ضد المدنيين في غزة بحق الدفاع عن النفس.
○ بما تفسر أيضاً صمت الغرب إزاء المجازر التي يرتكبها الإسرائيليون في غزة مقارنة بموقفهم من عملية طوفان الأقصى؟
• تخضع الآلة الإعلامية للغرب لتأثير اللوبي اليهودي الذي يتحكم في تشكيل الرأي العام الغربي، فلا يريهم إلا ما يريد أن يروه، يتجلى ذلك بوضوح في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدرجة أقل في دول الاتحاد الأوروبي، حيث الاتهام بمعاداة السامية جاهز لكل صحافي أو وسيلة إعلام تحاول التغريد خارج سرب الآلة الإعلامية التي يسيطر عليها اليهود، فالصحافة البريطانية والفرنسية والأمريكية تقع جميعها تحت النفوذ الإعلامي اليهودي، كما يتأثر الرأي العام الغربي بالمواقف المنحازة للقادة الغربيين، فعلى سبيل المثال: الحزب الديمقراطي، الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا، له قاعدة كبيرة من أصوات الناخبين اليهود، الأمر الذي يدفع قادة هذا الحزب وفي مقدمتهم الرئيس بايدن لتبني وجهة النظر الإسرائيلية، وإن كان في ذلك تناقض مع قيم حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي يزعم الحرب الديمقراطي تبنيها، وفي حين ينظر الغرب إلى الدولة العبرية بأنها دولة ديمقراطية، ويغض الطرف عن ممارساتها العنصرية، وعقابها الجماعي لسكان مدينة غزة، يتم تصنيف المقاومة الإسلامية حماس، لا سيما ذراعها العسكري، كتائب عزالدين القسام، يتم تصنيفها من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، كجماعة إرهابية، مع ترك هذا المصطلح فضفاضا، غير محدد، لتدخل فيه الإدارة الأمريكية والدول الغربية من تشاء وتخرج من قوائمه من تشاء.

التطبيع

○ في أي عملية مع إسرائيل يتحول الغرب وواشنطن تحديدًا إلى خصم للفلسطيني بينما تبقى بعض الدولة العربية في موقف الوسيط. ما هي الثقافة التي تسند هذه الوساطة بينما دم أخيك ينزف ومقدساته التي هي مقدساتك تُهان؟
• ثقافة الاستبداد هي التي تدفع الأنظمة العربية للخضوع للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فهذه الأنظمة المستبدة، التي تمارس الاستعلاء والاستكبار والقهر والقمع ضد مواطنيها، لا تستمد مشروعيتها من شعوبها، ولا تعبر عن مصالح هذه الشعوب ولا تتبنى قيمها ولا تثق فيها، لذا تميل للاستقواء بعلاقاتها مع القوى العظمى، عبر تبني مواقف هذه القوى، المتعارضة مع توجهات الشعوب العربية، فمعظم الشعوب العربية ترفض اغتصاب الأرض واذلال المواطن العربي وانتزاع كرامته وإهانة مقدساته، خلافًا لمواقف أنظمتها المستبدة، فالمستبد يعتقد أن من مصلحته الخضوع للأقوى.
○ لو توقفنا قليلا أمام مواقف العرب وأقصد مواقف بعض الأنظمة العربية مما تشهده فلسطين وتحديدا فعل المقاومة، وقارناه بموقف الغرب من الهجوم الروسي على أوكرانيا سنسأل ماذا بعد هذه المواقف؟
• خذلان العرب للمقاومة الفلسطينية ينذر بالمزيد من الانهيار للأمن القومي العربي، وتسليم العرب رقابهم لإسرائيل، فالأنظمة العربية تتجاهل مخاطر التهديد المتمثل في مساعي إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة، التي تشكل حاجز الصد الأبرز أمام مطامح الدولة العبرية في قضم المزيد من أراضي العربية، ونزعتها التوسعية في بسط النفوذ العسكري في المياه الإقليمية العربية.
○ جاءت هذه العملية في مرحلة قطع فيها التطبيع خطوات متقدمة للأمام، وهو ما عبرت عنه مواقف عربية تجاوزت موقع الوسيط والمحايد إلى إدانة الضحية في بياناتها. أكان متوقعًا أن تنحاز بلدان عربية لإسرائيل رسميًا في سياق الصراع العربي الإسرائيلي؟
• ذهاب هذه الأنظمة العربية للتطبيع المجاني مع إسرائيل يشير إلى أنها منذ البداية كانت تقف مواقف العداء من حركة المقاومة العربية، ومن المتوقع والحالة هذه أن تنحاز لإسرائيل، وإن حاولت إخفاء انحيازها من خلال تقديم بضعة ملايين من الدولارات لسكان فلسطين أو قطاع غزة، لتهدئة شعوبها.
○ نعرف جيدًا خلفية توقيع اتفاقية كامب ديفيد وغيرها، لكن هل الآخرون مضطرون لتطبيع مخز من أجل الاستقواء بإسرائيل، وإلى أين يمضي قطار التطبيع وقد تخلت إسرائيل من جانبها عن اتفاقيات السلام مع الفلسطينيين؟
• من شأن الأحداث الجارية في غزة أن تكبح قطار التطبيع، فتأجله إلى حين، إلا إنه سيعاود التحرك من جديد، فجدار الممانعة العربية ضد التطبيع قد تعرض للتصدع، فموجة التطبيع السائدة تُعد نتاجًا لعوامل سياسية وأمنية مرتبطة بتغير موازين القوى في المنطقة، إلى جانب كونها نتاجًا لجهود دبلوماسية أمريكية استفادت من تغير موازين القوى وتغير الأولويات في الشرق الأوسط، فمخاوف الأنظمة الاستبدادية من ثورات الشعوب العربية بالتزامن مع توسع النفوذ الإيراني في المنطقة دفع بعضها إلى البدء بتطوير علاقات سرية مع إسرائيل، التي وجدت في ذلك فرصة لإنهاء العزلة التي تعاني منها.

المبادرة العربية

○ كيف يستقيم موقف السعودية من التطبيع والمبادرة العربية التي قدمتها ما زالت قائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام؟
• من المؤكد أن ابداء المملكة العربية السعودية استعدادها للتطبيع مع إسرائيل لا ينسجم مع المبادرة العربية التي تقدمت بها المملكة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والقائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام، لكن في الواقع قامت السعودية بتطوير علاقات سرية مع إسرائيل، ما لبثت أن ظهرت للعلن، فالرياض كما يبدو قلقة من أن مواطنيها المتعاطفين مع طوفان الأقصى ليسوا مستعدين حاليًا لتقبل التطبيع، وهو ما يستدعي تهيئتهم، من خلال خطاب متصالح معهم، من قبل خطباء الجوامع ووسائل الإعلام السعودية، وهو ما يؤسس للاعتراف بإسرائيل في نهاية المطاف.
لكن من المبكر الحكم على موقف السعودية من التطبيع الفعلي قبل إعلانه رسميًا، فالتصعيد العسكري المتبادل بين حركة المقاومة الفلسطينية وإسرائيل قد يدفع الرياض لتأجيل التطبيع، تماشيًا مع ارتفاع موجة التأييد الشعبي لحق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم على تراب أرضهم، وبما يخدم الموقف الفلسطيني في أي مفاوضات قادمة محتملة.
○ على صعيد الموقف اليمني الرسمي من مستجدات القضية الفلسطينية، كيف وجدته؟
• لم يتمكن الموقف اليمني الرسمي من الارتقاء إلى مستوى التأييد الشعبي في اليمن لحق المقاومة الفلسطينية في الدفاع عن أرضها ومقدساتها، حيث خلت بيانات وتصريحات القادة السياسيين في المجلس الرئاسي والحكومة والبرلمان اليمني من الإشارة إلى طوفان الأقصى، حرصًا على عدم إغضاب دول التحالف العربي، الخليجية التي تحرص بدورها على عدم إدانة إسرائيل.

الأزمة اليمنية

○ إلى أين تمضي الأزمة اليمنية في ظل الجمود الراهن، هل تتوقع قريبًا استئناف المفاوضات بين السعودية والحوثيين؟
• على الرغم من عدم ملامسة المفاوضات السعودية الحوثية لجوهر الأزمة اليمنية، المتمثلة في استعادة الدولة، وإنهاء الانقلاب، إلا إن حالة الجمود الراهن في المفاوضات يسهم في تعقيد الأزمة، فقد أحدث الهجوم الحوثي على القوات البحرينية المرابطة في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية شرخًا في جدار الثقة التي تم بناؤها بين الطرفين السعودي والحوثي على مدى عام ونصف من التوقيع على الهدنة الأممية في 2 نيسان/إبريل 2022 ومن المتوقع أن يحتاج الأمر للمزيد من الوقت لترميم التصدع في جدار الثقة التي تم بناؤها عبر التزام الطرفين بوقف التصعيد العسكري العابر للحدود، فاستمرار الهدنة مقدمة للسلام الدائم، والتهيئة للحل السياسي الشامل، فالأزمة اليمنية لا تقتصر على انقطاع المرتبات أو الحصار البحري والجوي الذي يفرضه التحالف العربي على موانئ ومطارات المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بل تتمثل قبل أي شيء في سقوط الدولة ومؤسساتها بيد القوى الانقلابية بمختلف مسمياتها وأجنداتها، ومن دون الوقوف أمام هذه الإشكاليات تظل العودة إلى المفاوضات كعدمها.
○ الحوثيون يتحدثون عن استهداف شبه بومي لسكان المناطق الحدودية من قبل القوات السعودية وفي ذات الوقت نفى وزير الإعلام في حكومتهم أي علاقة للجماعة باستهداف موقع للقوات البحرينية في جنوب المملكة، بما تفسر ما حصل وإلى أي مدى قد يؤثر على ما كان مخطط له بين الجانبين على صعيد المفاوضات؟
• يعتقد الحوثيون أن مساعي الرياض للتوصل إلى اتفاقية سلام معهم مرتبطة بانتصارهم العسكري على قوات التحالف العربي والقوى المحلية المؤيدة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وهو ما يدفعهم للتصرف من موقع المنتصر، ليس فقط عبر التهديد بالأقوال والتصريحات، بل أيضًا من خلال الهجمات الجوية التي يرون أنها وسيلة ناجعة للتسريع بجلب الخصوم إلى طاولة المفاوضات ودفعهم للاستجابة للمطالب والاشتراطات الحوثية. وفي هذا السياق يمكن فهم استهدافهم للقوات البحرينية في جنوب المملكة العربية السعودية، واستمرار تحشيداتهم العسكرية، للتعجيل بتنفيذ نتائج تلك التفاهمات التي تهديهم مكاسب إضافية دون قبولهم بفك الحصار عن المدن والدخول في مفاوضات الحل السياسي الشامل.
وعلى الرغم من احتياج السعودية لإبرام اتفاق سلام إلا إن استهداف سلاح الجو الحوثي لأراضيها سيدفعها لتفكير مليًا قبل الإقدام على أي خطوة قادمة في التفاوض مع هذه الجماعة، لاسيما أن علاقة الرياض بطهران كافية للحد من مخاطر الهجمات الحوثية العابر للحدود.
○ هل تتفق مع القول إن ثمة من يريد إطالة أمد الصراع اليمني بهدف تهيئة البلد لمشروع التقسيم باعتباره ما زال يحتاج وقتا؟
• ثمة من يريد إطالة أمد الصراع اليمني ليس بالضرورة بهدف تهيئة البلد لمشروع التقسيم، فالإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال ترى أن من مصلحتها إطالة أمد الأزمة لتبرير بقاءها في الجزر والموانئ اليمنية، في حين ترى الرياض أن مقدار الفوائد المتوقعة من أي مفاوضات قادمة مع الحوثيين تبدو أقل من التكاليف التي يشترطها الحوثيون لإبرام أي صفقة قادمة بشأن الملفات العالقة، ومنها: ملف مرتبات موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتهم.
إلا أن تأثير عدم استئناف المفاوضات سيفاقم من حدة الأزمة الاقتصادية في اليمن، ففي الشمال كان الحوثيون يتوقعون انفراجًا وشيكًا في ملف مفاوضات دفع مرتبات الموظفين للإسهام في التخفيف من حدة الاستياء الشعبي تجاههم، وفي الجنوب ما يزال تصدير النفط إلى الخارج متوقف، ودفع مرتبات الموظفين متعثرًا، جراء إصرار الحوثيين على استهدف منشآت تصدير النفط في شبوة وحضرموت، وهو ما يجعل الوضع مرشح لحدوث احتجاجات شعبية قد تجعل من الصعب السيطرة على الأوضاع الأمنية واحتواء التداعيات الاقتصادية.
○ هل تعتقد أن السعودية جادة في مساعيها نحو السلام في اليمن، في تصورك ما هو شكل السلام الذي تسعى إليه الرياض؟
• تسعى السعودية لتأمين حدودها الجنوبية، وضمان عدم استهداف الحوثيين لمنشآتها الاقتصادية وبناها التحتية، وفي الوقت نفسه تبدو غير معنية بتحقيق السلام الدائم الذي ينشده اليمنيون، يتضح ذلك من خلال تهميش دور الحكومة الشرعية في المفاوضات، وتقليص دعمها ماديًا وعسكريًا، استجابة لاشتراطات ومطالب الحوثيين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية