أزمة المعلم الأردني… و«اللي مش معنا ضدنا»

حتى نتحدث بصراحة في الهم الوطني الأردني وخصوصا في المرحلة الحالية وعنوانها الصعوبة والتعقيد نعلم مسبقا أن إرضاء الناس غاية لا تدرك وبأن الاتهام السريع والتخوين والتكفير وإخراج صاحب الرأي من الملة الوطنية هو المنعطف الأقرب لكل من لا يحتمل الرأي الآخر.
نحن في الهم شرق.
أسوق هذه المقدمة وأنا أعاني ككاتب هذه المرة جراء ذلك الشطط في التصنيف والاتهام على هامش الجدل المتفاعل في بلادي تحت عنوان أزمة المعلمين.
كيف يمكن لأي نص مستقل أو يزعم الاستقلالية ويلوذ بأي قدر من المهنية والموضوعية أن يرضي أي طرف لا يقبل الرأي الآخر أصلا، وسلاحه الوحيد بعد التشكيك والاتهام هو تلك الأسطوانة المشروخة التي تصنف الناس أو تربطهم بأوصاف محددة فيها جرعة كافية من الذم أو تحاول التحقير.
صحيح تربينا على غياب الرأي الآخر وحرية الرأي والتعبير. لكن صحيح أيضا أننا كبرنا ونضجنا الآن وأن طبيعة مشكلاتنا متراكمة وعشوائية ومربكة ومعقدة، لا يمكن مغادرة الاستعصاء فيها بدون إطلاق الخيال ولو لفترة زمنية قصيرة، حتى نتصور وجود رأي آخر أو متباين دون أن يعني ذلك أن من يخالفنا الرأي ضدنا ودون أن يعني ذلك أن من لديه وجهة نظر أخرى متورط في مؤامرة ما.
عايشت تمرينا بالذخيرة الحية أملا في نقل مشهد متوازن له علاقة بأزمة المعلمين الأخيرة فقصفت بكل أنواع الأسلحة الاتهامية ومن كل الأطراف المتناقضة… يا لها من صدفة، الأضداد المتجاذبون والمختلفون على نفس القضية لديهم قدرة عجيبة على نفي وجود ضفة ثالثة بدلا من التأزيم. ولديهم قدرة أعجب على قذف أي رأي مستقل بكل تلك المعلبات السخيفة المنتجة فقط وحصريا كامتياز للمجتمع الأردني في مصانع الغرور والاتهامات والشائعات.
رفع بعض صناع التأزيم الرسمي أمامي شعارا يقول بأن التوازن في معركة المعلمين رغم أنها معركة يمكن الاستغناء عنها يرقى إلى مستوى خيانة الدولة.
سمعت أقوالا غريبة تنتمي إلى عائلة الموتور جورج بوش الابن… «من ليس معنا ضدنا».

الأضداد المتجاذبون والمختلفون على نفس القضية لديهم قدرة عجيبة على نفي وجود ضفة ثالثة بدلا من التأزيم. ولديهم قدرة أعجب على قذف أي رأي مستقل بكل تلك المعلبات السخيفة

عدة مرات ارتفعت أمامي الحواجب وتلاعبت العيون وصدرت تلك الإشارات التي تصلح فقط للصم والبكم والتي لا يمكنك رصدها كرسالة سياسية وأحيانا أمنية إلا في بعض الأوساط المحلية وعلى أساس عمق الأزمة وأهمية إظهار موقف.
الكاتب أحيانا ناقل للحقيقة أو محلل لمؤشرات وقائعها وعندما يعتبر أي مواجهة فيها طرفان ليست معركته الشخصية يكون ذلك بحد ذاته الموقف وليس بالضرورة أن تفسخ الأقلام وتنشطر الآراء تحت عنوان أبيض أو أسود.
ليس سرا أن الحكمة غابت في بعض مفاصل قرارات الحكومة الأردنية وهي تميل الى التأزيم ضد شريحة كريمة مثل المعلمين.
وليس سرا بالمقابل أن القصف العشوائي بكل أنواع التقييم والتصنيف والتخوين طالني أيضا من بعض شرائح المعلمين ومساندي قضيتهم، ولم تبق تهمة من أنصار الشارع إلا وعبرت على مدونتي الشخصية مع كل مقتضيات ومكياجات التشنج والاتهام والخشونة حيث أن بين التيار المساند للمعلمين في وجه الحكومة من لا يقبلون أيضا رأيا آخر ويريدون خوض معركة بدون ملاحظات عليهم وهو ما تفعله السلطة بالعادة.
للأسف شعرت لوهلة أنه ينبغي لي تقديم الامتنان والشكر لمن أعفاني هذه المرة بأس الشارع والحق والحقيقة من تهمة الارتباط بالمشروع الصهيوني وما دون ذلك سهل ومتاح، حيث ارتباط أي صاحب رأي ممكن بأي معسكر أو خندق وبقراءة متسرعة لأي نص دون التدقيق بالتفاصيل. مثلهم مثل بعض رجال الحكومة، بكل صراحة بعض الأخوة في الحراك التعليمي يرفضون النصح ولا يقبلون أي ملاحظة ويريدون التصرف على أساس تصنيف كل صاحب قلم أو رأي وهو ما كانت تفعله الكثير من الأقنية الأمنية المغلقة في الدكتاتوريات المتسلطة.
لا كرامة للدولة في حال الانتقاص من كرامة المعلم ولا كرامة للمعلم في أي حالة تشهد إيذاء كرامة الدولة وهيبة القانون… هل يجعلني هذا الرأي كافرا وضد الحق والحقيقة وعند الطرفين بنفس الوقت؟
سؤال يحتاج للتعمق عند محاولة الإجابة عليه فأزمة مثل الحالية يمكن معالجتها بكل بساطة بعنوان صغير «لا اعتصامات ولا هراوات» وسأصفق شخصيا لأي معلم يقف معتصما مطالبا بحقوقه أو حقوقي بعد الدوام الرسمي وبعد تلقي التلاميذ لحقوقهم في الحصص والدروس.
ذلك ليس صعبا فالطبيب يعتصم ويطالب ويحتج بعد مغادرة غرفة العمليات أو العيادة.
تخيلوا معي يا رعاكم الله أن مثل هذا الرأي وهو غير ملزم لأي جهة يجعل صاحبه طرفا في المؤامرة ضد الوطن، فبالنسبة للسلطة قد يكون ذلك تحريضا على العنف وبالنسبة للمعلمين انضماما لعصابة فاسدة تتحكم بمصير الأردنيين ضمن موسم الكلام الذي يطلق على عواهنه.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول لافي:

    تنمر نقابة المعلمين المنحلة و المعلمين على أصحاب الرأي الآخر و على كل من يحمل رأي دلالة أكيدة على الانغلاق الفكري الذي يعيشه المعلمون و
    على التخلف الذي يحاولون فرضه على المجتمع و مؤشر خطير يؤكد عدم كفاءتهم . .

    1. يقول حسين مومني:

      الانغلاق الفكري الذي يعيشه المعلمون!!!
      ههههه وماذا عن الانفتاح الحكومي على الاراء النخلفة لتوجهاتها

  2. يقول S.S.Abdullah:

    لماذا الراتب لأي موظف، في أي وظيفة، من النظام البيروقراطي في الأمم المتحدة، ليس له علاقة بالوقت من جهة، وليس له علاقة بالإنتاج من جهة أخرى،

    هو أول تعليق على ما ورد تحت عنوان (أزمة المعلم الأردني… و«اللي مش معنا ضدنا») والأهم هو لماذا؟!

    إقتصاد أي دولة، يعتمد على منتج، وعلى منافسة في سوق، ودخل أي دولة، يعتمد على التعاملات التجارية في ذلك السوق،

    ومن هذه الزاوية لنناقش، مهمة أي نقابة أو حزب، في الدفاع عن حقوق، الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الإنسانية، في مناقشة/مفاوضة أصحاب أي سلطة للحصول عليها،

    ومن هذه الزاوية أفهم محاولة شيطنة المعلم والإخوان المسلمين في الأردن بواسطة ممثلي الدولة العميقة (مخزن آل البيت (المغربي/الأردني) لشعب الرّب (الإله) المُختار،

    فالسؤال هنا، لماذا أصبحت الأردن وسوريا ولبنان، طاردة للإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الإنسانية، الهجرة حول العالم بعد تدمير الدولة العثمانية،

    هو أول سؤال خطر لي، بعد الانتهاء من قراءة واستيعاب معلومات، ما ورد تحت عنوان (كاتب فرنسي: باريس غير مؤهلة لإعطاء الدروس للبنان.. وقطر طالما كانت في طليعة مساعديه)،

  3. يقول S.S.Abdullah:

    بينما العراق ومصر وفلسطين في المقابل، من أهل دول ما بين دجلة والنيل، كان بعد تأسيس الكيان الصهيوني، بسبب واسطة ومحسوبية وشفاعة (رشوة) فرنسا ديغول، وروسيا ستالين،

    بإصدار شهادة ميلاد عضوية الكيان الصهيوني، ومنع إصدار شهادة ميلاد فلسطين، من ذلك الحين وحتى الآن؟!

    ثم ماذا يعني فشل النظام الإقتصادي لدولة (الكيبوتسات) ونظامها الديمقراطي للطوائف والملل والأحزاب، في عام 2020،

    بينما (قطر) من ضمن دول مجلس التعاون في الخليج العربي أعلنت حتى (الاكتفاء الذاتي)، رغم الحصار، وأنها صحراء بلا ماء ولا أهل فلسطين، كأيدي عاملة رخيصة في (الكيان الصهيوني)،

    هو أول ما خطر على بالي عند قراءة ما ورد تحت عنوان (تكهّنات بإجراء انتخابات إسرائيلية في تشرين الثاني… وتوقع اختفاء حزب «أزرق ـ أبيض») والأهم هو لماذا؟!

    الكثير يظن، فقط سلطة أوسلو، أو الأردن (عالة) على الأمم المتحدة إقتصادياً،

    ناسياً أن الكيان الصهيوني كذلك منذ تأسيس الدولة، بالواسطة والمحسوبية والشفاعة (الرشوة)، ما زال (عالة) إقتصادياً، على دول نظام الأمم المتحدة، وخصوصاً التي لديها أسلحة للبيع، مثل فرنسا (ديغول) أولاً، منذ التأسيس، أو من أتى بعده،

    حيث شروط العضوية، ما زالت غير متوفرة، على أرض الواقع، لا للكيان الصهيوني، ولا لسلطة أوسلو،

  4. يقول سامح //الأردن:

    *مصلحة الطلاب اهم من مصلحة النقابة..
    وكل (معلم) يضرب عن العمل يجب
    استبداله..
    حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين.

  5. يقول محمد:

    يبدو أن البعض مازال لا يعترف للمعلم بالمطالبة بحقوقه المهضومة وكرامته التي مرغت في الأرض، بل ويستكثرون في المعلم تأسيس نقابة بحجة أن مصلحة التلميذ مسبقة عن مصلحة المعلم؟!!وأن المعلمين مشكوك في ولائهم للوطن…ماهذا النقابة والاضراب والمطالبة بالحقوق..هي سلوطيات حضارية ومؤشر على المواطنة. ليس هناك مصلحة مقدمة ومصلحة مؤجلة المصالح تكون مرسلة وللجميع دون إجحاف ودون تفريط. النقابة هيئة تدافع عن حقوق الفئة التي تنتمي إليها ولا ننتظر مكرمة الحاكم الذي أكل الأخضر واليابس وهندما يتعلق الأمر بالمعلم ينادي بالتقشف. إلى الأمام أيها المعلمون الشرفاء خذوا حقوقكم وانتزعوها نزعا فأنتم شرف هذه الأمة، وضميرها وسلطتها المعنوية.قم للمعلم وفيه التبجيلا***كاد المعلم أن يكون رسولا.لو أعطي للمعلم مليون دولار لكان ذلك قيلا مقابل ما يبذله من جهد ويكابده من آلام وإجحاف. معلم من الجزائر متعاطف إلى النخاع مع المعلم الأردني الشريف

إشترك في قائمتنا البريدية