بانتظار موافقة البرلمان.. أردوغان يعطي الضوء الأخضر لانضمام فنلندا للناتو ويستثني السويد 

إسماعيل جمال 
حجم الخط
0

 إسطنبول – “القدس العربي” : أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستوافق على طلب انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) طالباً من البرلمان التركي الموافقة على الطلب لاستكمال المسار الدستوري وذلك بشكل منفصل عن السويد التي جددت اتهاماته لها بإيواء “إرهابيين” على أراضيها ورفض تسليمهم إلى تركيا. 

ومنذ قرابة العام تسعى فنلندا والسويد للحصول على موافقة تركيا من أجل إتمام مسار انضمامهما لحلف شمال الأطلسي، حيث ينص النظام الداخلي للحلف على موافقة برلمانات جميع الدول الأعضاء على طلب انضمام أي بلد جديد، وفي حين وافقت 28 دولة بشكل نهائي على الطلب، لم توافق عليه بعد المجر وتركيا التي وقعت على اتفاق ثلاثي مع البلدين ينص على التعاون مع تركيا في مكافحة الإرهاب ومنع أنشطة تنظيم بي كا كا المصنف إرهابياً في الاتحاد الأوروبي ورفع حظر الأسلحة المفروض على تركيا وغيرها من الشروط.  

وموعد التصويت في البرلمان التركي بالموافقة على طلب فنلندا غير معروف، ويبقى السؤال ما إذا كان سيتم قبل أو بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية المقرر إجراؤها في 14 أيار/مايو. وسيتوجب على البرلمان التركي تعليق أعماله لمدة شهر تقريبًا قبل الانتخابات.  

وعقب لقاء مع الرئيس الفنلندي سولي نينيستو في العاصمة التركية أنقرة أعلن أردوغان أن البرلمان التركي سوف يبدأ إجراءات المصادقة على طلب فنلندا بشكل منفصل عن السويد التي كانت تسعى للانضمام في نفس الوقت مع فنلندا في إطار ملف واحد وهو أمر لم يحصل في ظل استمرار الرفض التركي لطلب السويد نتيجة خلافات حول آلية تطبيق الاتفاق الموقع بين الدول الثلاث. 

وجدد أردوغان هجومه على السويد التي قال إنها “فتحت أحضانها للمنظمات الإرهابية، وإلا لا نفرق بين فنلندا والسويد”، وأضاف: “حتى الآن، لم تسلمنا السويد الإرهابيين الذي قدمنا أسماءهم بقوائم إليها، ويبدو واضحا أنها لا تستطيع تسليمهم إلينا، ودون أن تسلمنا السويد هؤلاء الإرهابيين فلن نقبل بعضويتها”، وتابع: “في فنلندا لا يوجد شيء من هذا القبيل، لا توجد قائمة إرهابيين يقيمون على أراضيها”. 

من جهته، قال الرئيس الفنلندي سولي نينيستو: “نعيش في فترة ومكان خطرين جدا جيوسياسيا، المواضيع التي ناقشناها (مع الجانب التركي) مهمة وحساسة جدا”، وأضاف نينيستو: “نرحب بإعلان الرئيس أردوغان بقبول تركيا بانضمام فنلندا لحلف الناتو، وهو مهم جدا ونرحب به كثيرا، وهذا الأمر سيتم حسمه قبل عطلة البرلمان التركي في الصيف”، وأردف: “هناك جارتنا السويد، وهي جارة عزيزة ومهمة لنا، ولا تكتمل عضوية فنلندا لحلف الناتو دون انضمام السويد، ونتمنى أن يكون هناك قبول تركي لانضمامها، ليصبح الناتو 32 عضوا”. 

والخميس، علق سولي نينيستو على ما إذا كانت فنلندا والسويد ستنضمان بشكل منفصل إلى الناتو، قائلا: “نحن لا نتقدم بمفردنا، ولكن يبدو أنه يمكننا أن نصبح عضوا في الحلف، لأن فنلندا فعلت كل ما هو مطلوب منها، وتقدمت بطلب للحصول على عضوية الناتو وأجرينا مفاوضات مع الحكومة التركية في مدريد، وأعتقد أننا فعلنا كل ما هو ضروري، الآن نحن في انتظار الموافقة”. 

من جهته، رحّب الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بقرار تركيا إعطاء الضوء الأخضر لانضمام فنلندا إلى الناتو، وقال إنه يجب أيضا السماح للسويد بالانضمام إلى التحالف “في أقرب وقت ممكن”. وقال ستولتنبرغ “الأمر الأكثر أهمية هو أن تصبح كل من فنلندا والسويد عضوين في الناتو بسرعة، وليس أن تنضمّا في الوقت نفسه بالضبط”.  

وقبل أيام، أقرّ رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون بأنّ احتمالات انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي قبل السويد ارتفعت، خصوصا بسبب اعتراض تركيا على عضوية ستوكهولم. وقال نينيستو “سأواصل عملي لدعم عضوية السويد في الناتو”. 

ووقّعت فنلندا والسويد وتركيا اتفاقا ثلاثيا في قمة للناتو عقدت في مدريد في حزيران/يونيو، وقد عبرت تركيا عن استيائها مرات عدة بسبب ما تعتبره فشل السويد في الوفاء بالتزاماتها بينما أشارت إلى أنها مرتاحة للتقدم الذي أحرزته فنلندا. 

وتهدف تركيا من خلال الموافقة على طلب فنلندا واستثناء السويد إلى توجيه رسائل متعددة في اتجاهات مختلفة ورفع الحرج والانتقادات للحكومة على الصعيدين الداخلي والدولي وخاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع روسيا ومكانتها في حلف شمال الأطلسي.  

وبدرجة أساسية تهدف تركيا من خلال هذه الخطوة للتأكيد على أنها ليست ضد انضمام دول جديدة إلى حلف شمال الأطلسي الذي تؤكد أنها “جزء أصيل منه” وأن قراراها بإعاقة ملف انضمام السويد يتعلق بعدم التزام الأخيرة بتعهداتها وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وتريد التدليل على ذلك وإثبات روايتها من خلال تسهيل مسار انضمام فنلندا في أقرب وقت ممكن وهو ما سيقلل الاتهامات لتركيا بأنها ترفض انضمام البلدين بضغوط روسية وأنها لا تعمل لصالح الناتو.  

وبينما تسعى تركيا لتبديد التهم لهما بخدمة روسيا وتعطيل توسع الناتو لا تريد في ذات الوقت الدخول في صدام مع روسيا التي تتبع معها سياسة وسطية تتعلق بالحرب في أوكرانيا، حيث ترغب تركيا في الاستمرار بالحفاظ على موقفها الوسطي للعب دور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا على غرار اتفاق الحبوب وصولاً لاتفاق يوقف إطلاق النار ويمهد للحديث عن حل سياسي للأزمة.  

أما الرسالة الثالثة والأساسية في هذا السياق فهي موجهة إلى السويد ذاتها بأن تعنتها في محاربة الإرهاب وتسليم المطلوبين إلى أنقرة هو السبب الرئيسي في تعليق ملف انضمامها وأن “تساهلها مع التنظيمات الإرهابية” سوف يكبدها خسائر استراتيجية تتعلق بالانضمام للناتو، وسط آمال تركية بأن تثمر هذه الضغوط عن تغيير أوسع للقوانين في السويد يتيح لها تسليم المطلوبين والتضييق على أنشطة التنظيمات المرتبطة بالعمال الكردستاني هناك.  

أما السبب الرابع والذي لا يقل أهمية على الإطلاق عن الأسباب السابقة، فهو الانتخابات التركية وحاجة أردوغان الشديد لتأخير انضمام البلدين أو أحدهما حتى موعد الانتخابات، حيث سيستخدم أردوغان هذا الملف في حملته الانتخابية كدليل على نفوذ وقوة تركيا على الصعيد الدولي وقدرتها على تعطيل ملف هام يتعلق بالناتو انطلاقاً من “المصالح القومية التركية” وهي رواية تخدم الرئيس التركي في جذب مزيد من أصوات المحافظين الأتراك الذين يعتزون بخطاب القوة المعادي للغرب.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية