أحمد فؤاد نجم الذي أضاع حياته من أجل مكيال واحد من سعادة البشر

حجم الخط
0

القاهرة ـ ‘القدس العربي’: رحيل الشاعر أحمد فؤاد نجم عن عالمنا يمثل خسارة أكيدة لشعر العامية المصرية، رغم انقطاع الرجل عن الكتابة قبل سنوات طويلة من رحيله. غير أن نجم ليس ظاهرة شعرية فحسب بل هو ملمح على عصر بكامله، بما ينطوي عليه ذلك من تحولات سياسية ومجتمعية مؤثرة، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على النص الشعري في عمومه وعلى قصيدة العامية بشكل خاص .
تشكلت ظاهرة نجم في خضم التجربة الناصرية، التي شهدت مدا وطنيا وقوميا غمر الفضاء العربي من محيطه إلي خليجه، ورغم أن تلك التجربة كانت هي الأقرب إلي قلب وعقل اليسار المصري والعربي على السواء، إلا أن التناقضات التي بدت في أدبيات الماركسيين المصريين مع الممارسات الناصرية على الأرض أدت في النهاية إلى اتهام التجربة بأنها ليست أكثر من تشويه متعمد للجذر الاشتراكي الراديكالي عبر اعتماد نموذج ما سمي آنذاك بالرأسمالية الوطنية، أو رأسمالية الدولة .
كان نجم جزءا من مشهد اليسار المصري وأصابه ما أصاب اليسار من سجن وإقصاء، غير أن نجم ورفيقه الشيخ إمام عيسى كانا الأكثر خطورة، حيث استطاع نجم، بشعريته التي صنعت في أفران العامة وفي قلوب الدهماء وبسطاء الناس، أن يخترق الكثير من الحجب ويحطم الكثير مما تعارف على أنه من الممنوعات في قدح السلطة ورموزها في الداخل والخارج، وكانت حنجرة المغني والملحن الفريد الشيخ إمام عيسى نموذجا للوعي الثوري المبكر الذي يذكرنا بتجارب مشابهة في تاريخنا الحديث على رأسها تجربة المغني الشيلي الأشهر فيكتور جارا الذي أعدمه رجالات الانقلاب في شيلي بعد أن بتر أصابعه التي عزفت ألحانا صارت صوتا لمن لا صوت لهم .
فكيف يرى المثقفون والشعراء في مصر ظاهرة نجم كشاعر وما الذي يمثله في تلك المعادلة الصعبة بين السياسة والفن على السواء، وكيف يرون موقعه في الحركة التأسيسية لقصيدة العامية وكذلك موقفه السياسي الذي كان جزءا من اجتهاده الشعري العميق المؤثر.
هنا عدد من تلك الشهادات التي أدلى بها عدد من الكتاب والشعراء المصريين من مختلف الأجيال حول تلك التجربة.

المواطن العظيم أحمد فؤاد نجم

د. أحمد الخميسي

لاشك أن رحيل أحمد فؤاد نجم يمثل خسارة كبيرة للحركة الثقافية عامة وليس فقط لشعر العامية المصرية. كان نيكراسوف يقول ‘ لست ملزما أن تكون شاعرا ولكنك ملزم بأن تكون مواطنا عظيما’. ونحن خسرنا ما هو أهم من شاعر، خسرنا ذلك النموذج النادر من الشاعر المواطن الذي لا تشتريه المغريات ولا تخرسه المعتقلات. أعتقد أن قيمة نجم الحقيقية في الحركة الثقافية هي تقديم ذلك النموذج النادر من المثقف الذي ظل ملتزما بحق شعبه في الحياة والكرامة من دون أن تلتهمه التحولات أو تجذبه إلى القاع التبريرات. لدينا شعراء عظام وقلة قليلة جدا من الشعراء أصحاب الموقف الثابت. قيمة نجم في الأساس كانت ومازالت في موقفه الذي ضرب مثالا في التمسك بهموم وطنه من دون مساومة. أما معظم ما كتبه نجم في إطار العامية المصرية فإنه يندرج في ‘ الأزجال’ وهو نوع فني شعبي لا ينتقص من قدرة الشاعر الفنية أو حجمه. ومهما فعلنا فإننا لا نستطيع أن نضع نجم كشاعر في مصاف شعراء العامية الكبار أمثال بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين، إذ لا يمكن لأحد أن يعتبر أن نصا مثل ‘ شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الوترجيت’ قصيدة. لكننا نستطيع أن نضعه في مصاف كبار الزجالين المصريين بدءا من يونس القاضي مرورا ببديع خيري حتى نهاية السلسلة. أكرر هذا لا ينتقص من قدر نجم لكنه تحديد للنوع الفني الذي اعتمد عليه نجم. وما يبقى من نجم هو مغزى حياته التي انقضت في الصراع من دون هوادة ضد الظلم والطغيان دفاعا عن شعبه. لا أحد يذكر الآن أزجال عبد الله النديم، لكننا جميعا نحفظ مغزى حياته ونتغنى به ‘ الثبات على الموقف الاجتماعي والسياسي’. والحركة الثقافية المصرية لا تفتقد الشعر، أوالقدرات الإبداعية، أوالمعارف النقدية، لكنها تفتقد ذلك النموذج الذي قدمه أحمد نجم. كانت لحافظ إبراهيم قصائد عظيمة لا تتكرر منها قصيدته عن مصطفى كامل وغيرها، وكانت له قصائد في مدح المعتمد البريطاني. هذا التذبذب بين السلطة والشعب كان للأسف الشديد سمة ملازمة للمثقفين في الشعر والسياسة والأدب. قلائل فقط من استطاعوا أن يكونوا أحمد فؤاد نجم، الذي لم يتخلى عن أماني شعبه مع تبدل العهود السياسية وفي غمرة المفاهيم التي شوهت كل شيء وأربكت الكثيرين. تحية له ولحياته العريضة الجميلة. عند المثقفين الروس تقليد يقضي بأن يقفوا حول جثمان الفنان الراحل في لحظة الوداع الأخيرة ويصفقوا له صائحين ‘ برافو’. هذا ما أود أن أقوله لنجم. لقد عشت حياة شريفة نبيلة ألهمتنا الكثير.
‘ روائي وناقد ومترجم

نجم .. المتبذل والسامي!

محمد فريد أبو سعده

دخلت الجامعة في أعقاب نكسة 67، كنت لا أزال فتى ناصريا قادما من المحلة الكبرى، وما هي إلا فترة حتى واشتعل الغضب الشعبي، ووجدت نفسي أطفو على بحر الجماهير في مظاهرات يناير 68 ،كنت مسحورا بنجيب سرور الذي كان يزداد نقده لذوعا يوما فيوما، والذي سيصل مع بداية السبعينات إلى حد الفاجومية والابتذال في نقده لفساد النظام، لقد ساهم في خلخلة ذائقتي ثم تم فطامي قسرا بتأثير الحركة الطلابية الثورية، تغيرت أفكاري، واستطعت أن أرى ما حجبته عني محبتي للزعيم. كانت أشعار احمد فؤاد نجم، التي نرددها في المظاهرات والاعتصامات- داخل الجامعة وفي الشوارع والميادين درسا ليس في بلورة الوعي السياسي، والقدرة على نقد النظام فقط، أو بلورة حلم الناس في الحرية والعدل في أشعار مغناة فقط، بل درسا موازيا في التعاطي مع جماليات الشعر التحريضي ،شعر الشارع والحارة والزقاق، شعر البسطاء والمهمشين ،كانت تختلف عن أمل دنقل ونجيب سرور (أمراء شعر التمرد) في كونها تأتي من الشارع لتخاطب الشارع، كان أمل دنقل شاعر النخبة، ووقع نجيب في البرزخ بين النخبة والشارع، كنا كطلاب ندعو نجم والشيخ إمام إلى الجامعة، وما أن ينتهيا حتى تنطلق المظاهرات مرددة مقولات من أشعاره محمولة على موسيقى الشيخ، وهو ما سوف يسم كل حركات التمرد عبر أربعين عاما، إذ لم تستطع أشعار الآخرين، رغم نبلها وامتلائها بالتمرد والثورة، أن تكون معينة للمتمردين، أو حاضرة في ذاكرة وحناجر الهاتفين، وظل وحده شاخصا بأشعاره في الميادين، يرددها ثلاثة أجيال، و يغنيها شباب لم يعرفوه أو يلتقوا به ! ترددت على ‘بيت خوش قدم’ أسمع وأرى . أتعلم، وأشحن شعري بهذا السحر الذي يأتي من روح الحارة المصرية، لقد دفع نجم ثمن جماهيريته الواسعة، دفع من عمره أكثر من 18 عاما بين المعتقلات، وهو ما يؤكد خوف النظام من قدرته على إثارة القلاقل، في الوقت الذي لم يصادر ديوان لأمل دنقل، أو يبيت يوما في المعتقل، بل وكان ينعم بحماية ورعاية يوسف السباعي وزير الثقافة ! اعرف نجم منذ أكثر من 40 عاما، رجلا في جيناته كل تناقضات الشخصية المصرية، في تبذلها وسموها . في ضعفها وعنفوانها، في نبلها و ‘تحايلها على المعايش’، نابيا وقاسيا ومحبا وحالما، لكنه ضمير حي متبصر ومتمرد، ومتوهج بالرغبة في التغيير، كان امتدادا لبيرم التونسي، والنديم، ساخرا ومتهكما ولاذعا كروح مصرية، ومع هذا كله كان قادرا على بناء قصيدته دون ترهل أو معاظلة، من لغة حسية ومن صور تحت عين الناس تسكن المخيلة ولا تتمحل الخيال، يشحنها بسخونة هموم الناس لا اختلاقها، الناس الذين جاء منهم، وعاش عمره يعرفهم كخطوط يده، في ‘مهرجان لوديف’ كنا- نحن الشعراء العرب – في أماسي السمر لا نجتمع إلا على غناء أشعاره !
‘ شاعر

شاعر الوجدان الجمعي

الدكتور يسري عبدالله

ربما يحيل شعر المبدع أحمد فؤاد نجم إلى ما يعرف بـ’ جدل السياسي والجمالي’، في نصه، فالشاعر المعروف بنضاله ضد كل القيم الاستهلاكية التي حملتها رياح السبعينيات في مصر جراء قرارات الانفتاح الاقتصادي عام 1974، لم يتوان لحظة في الدفاع عن ناسه وشعبه من البسطاء والمهمشين، ومن ثم كان صوتا حقيقيا لهم، معبرا عن لحظات البهجة والانكسار، والأمل والتعاسة، والأماني والهواجس والأحلام الكبرى. ومثلما كان ‘نجم’ نموذجا لذلك المثقف العضوي المنغمس في واقعه، والمشتبك مع قضايا أمته، كان أيضا نموذجا لذلك الشاعر الشعبي ابن الشفاهية، والمنحاز إلى قيم الجماعة الشعبية، فداعبت نصوصه الوجدان الجمعي للجماهير المصرية، وأصبح صوتا للفقراء يتسم بالصدق الفني، كما أصبحت مواقفه السياسية تكريسا لموقفه الشعري المقاوم، والواقف بثبات في خندق كل ما هو إنساني، ووطني، وتقدمي، ونبيل، وكاشفا كل أقنعة الزيف السياسي التي ارتداها أذناب التبعية الأمريكية، والرجعية المتأسلمة التي تسعى لخنق الإبداع ومحاصرته دوما.
وبعد أسبوع من الرحيل للشاعر المناضل أحمد فؤاد نجم تبدو الحياة أقل بهاء، وتبدو الخسارة فادحة لثقافة المقاومة ضد الرجعية والاستبداد، فنجم لم يكن مجرد ترميز لفكرة الشاعر الشعبي المنتمي إلى ناسه فحسب، ولكنه كان أيضا صوتا لكل المقموعين والمنسحقين، كان صوتا للثورة المصرية ذاتها’ يناير 2011، ويونيو 2013’، عبر عن الفقراء وكتبهم في نصوصه، وقاوم النمط الاستهلاكي في الحياة المصرية، وعارض السياسات الرأسمالية المتوحشة التي اختطها السادات، وقاوم رجعية التيار الديني، وتحالفه المخزي مع قوى الاستعمار العالمي.
أحمد فؤاد نجم كان ابنا للبساطة الآسرة، والوعي المقاوم، والحياة التي ترفض اليأس والاستسلام.
‘ ناقد وأكاديمي

شاعر المنبوذين والمهمشين

حسن خضر

أحمد فؤاد نجم يأتي على يسار حركة الشعر العربي وليس المصري وحده، في حالة رمزية من الحضور الشعري الذي جاوز بصاحبه حدود النوع الشعري/ العامي، إلى حضور أشمل بتجربته المختلفة في سياق الشعرية المصرية العربية ككل. هذا الاختلاف الذي تميز به واختاره أحمد فؤاد نجم جعله شاعر الفقراء والمهمَّشين والمنبوذين والساخرين من آلامهم، جعله شاعر الهامش الاجتماعي والإنساني ولكنه ليس شاعراً هامشياً.. والقارئ لشعره في تواصله مع قضايا الإنسان التي تخرج في كثير من قصائده خارج إطار المجتمع المصري العربي إلى حدود إنسانية أرحب. إنه واحد من الشعراء الكبار الذين ذهبوا إلى الإنسان بجدارة.. جسّد أحلام الناس وحيرتهم.. ألهم بأشعاره أجيالاً من شباب الحركات الوطنية في العالم العربي وليس أدل من ذلك ما شهدناه من تجاور أغانيه مع أغاني شادية الوطنية وتقاسمهما فضاء الميدان في لحظة تاريخية امتنّ أحمد فؤاد نجم للوجود فيها وأكدت لنجم نفسه أنه شاعر الشعب فعلاً.. فقد كانت أغانيه سلسلة على ألسنة من يرددونها للمرة الأولى في الثورة من جماهير الشعب الثائر، كما هي سلسة على ألسنة حافظيها من شباب وبنات اليسار المصري. ولقد لمست في نجم شخصياً مدى شدة ارتباطه بأرض مصر وبأهله وناسه إلى درجة أنه كان يكره السفر ويعتبره ‘تغريبة’ حتى لو كان لأيام قليلة.. وفي الوقت الذي كانت فيه الماكينة الإعلامية تطنطن للأبنودي وغيره من شعراء التلون المراحلي العجيب، كان أحمد فؤاد نجم محبوساً بدون أقنعة بوجهه الواحد الممصوص الفقير في أحد سجون السلطة التي يغني لها الأبنودي وغيره. لذلك ليس من الغريب أن يسميه محمود درويش ‘الشاعر العاري’. لم يكن لدى نجم ما يخجل منه ليخفيه. ولقد عوّضته الجماهير المصرية والعربية بحبها والتفافها حوله أينما ذهب، وبحفظها لأشعاره، عوضته ما حرمه منه إعلام السلطة الرسمي السطحي والموَّجه. كما أننا لا يمكن أن ننحي جانباً عند الحديث عن ذلك دور صوت الشيخ إمام في انتشار نجم واتساع شعبيته.. فالشيخ كان ذلك الغرامفون الصدّاح الذي لا يني صوته يحمل الشجن والغنج والسحرية، الرقة والخشونة في صوت واحد قادم من عند الشيخ درويش الحريري وعلي محمود وكبار التوشحجية، فيه شرخ رفيع من أثر الغرام.. لقد صنعا معاً ما يشبه المؤسسة الفنية الأهلية الصغيرة التي استندت على ما يحمله الشعر من حقيقة وما يحمله الصوت من تصديق، فحصلت على جماهيرية حافظت لها على ذلك الحضور المتميز والخاص.. سيظل أحمد فؤاد نجم نجم واحداً من الشعراء الذين قدموا مغامرة شعرية تخصهم في جوهر الوجود، جديرة بأن تضع اسمه ببساطة وبكل تأكيد إلى جوار أسماء شعراء كبار أثروا في ضمير الإنسانية.
‘ شاعر وباحث

أحمد فؤاد نجم.. الفلاح الفصيح

إبراهيم المصري

لا يتعلق موت أحمد فؤاد نجم بالشعر، بقدر ما يتعلق بالذاكرة، هكذا كان موته بالنسبةِ لي، إحساساً بأن جزءاً من الذاكرة قد غاب.. أمَّا عن الشعر، وشعر العامية المصري تحديداً، فقد تجاوز في زمننا الراهن ما كان يكتبه نجم وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي، بدون أن يكون كلامي هذا حكمَ قيمة في الأفضلية الجمالية والأسلوبية، وإنما أعبر عن انحياز لقصيدة العامية المصرية الجديدة، التي تنحو إلى (السرد) لا إلى (الغناء) إن كانت رؤيتي صحيحة.
على أن أهم ما في موت أحمد فؤاد نجم بالنسبة لي، هو غياب رجل لم يُقايض على موقفه الذي اتخذه من السلطات المتعاقبة على مصر، وكان يمثل دائماً صوتَ ضميرٍ سوف يبقى بالتأكيد في قصائده وبشكل خاص تلك التي غناها الشيخ إمام، وكلاهما في رأيي كان لابد أن يكون موجوداً لكي يكون كلٌّ منهما موجوداً، فبدون إمام فلا أظن أن قصائد أحمد فؤاد نجم كانت ستجد كلَّ هذه الشهرة، وبدون قصائد نجم، لا أظن أن إمام كان سيجد مِنصةً جماهيرية لموسيقاه المناضلة.
وإن كانت ثمة خسارة في موت أحمد فؤاد نجم، فهي بالتأكيد ليست في الشعر، فقد قال الرجل في حياته كل ما أمدته موهبته به، وإنما أرى الخسارة في ذاكرة مَن عايشوا نجم، والأهم الخسارة في.. صوت ضمير.. كان عالياً بما يكفي لكي نسمع أن هناك مَن يدافع بشعره ومواقفه وآرائه عن المغلوبين على أمرهم في مصر، بالرغم من أن موته لم يتحول إلى.. حدثٍ قومي.. وكان يجب على الدولة المصرية أو النظام المصري، أن يجعل موت نجم حدثاً قومياً وأن يعلن الحداد، كما فعلها في موت نيلسون مانديلاً، فلم يكن نجم أقل من مانديلا في انحيازه لقيم الإنسان في العدالة والحرية والكرامة الاجتماعية والمساواة، لكن الأنظمة كما نعلم لا تكترث بالشعراء أحياءً أو أمواتاً.
لقد كان نجم ومعه إمام، الصوت المستمر لصرخة مقاومة، وهذه الصرخة سوف تبقى ما بقيت أسباب المقاومة، سعياً إلى بلد يسوده العدل والديموقراطية والقانون بشكل حقيقي، ولم يكن محض مصادفة بالطبع، أن تكون أغاني الثنائي نجم ـ إمام هي صوت ثورة 25 يناير 2011، وإن وصلت مصر في يوم من الأيام إلى أن تكون هذا البلد الذي يَسع أهله جميعاً، فسوف يبقى أيضاً شعر أحمد فؤاد نجم، كشاهدٍ على ضمير إنسان لم يُقايض، وسوف يبقى كذلك مثله مثل (شكاوى الفلاح الفصيح) نصاً في الخلود بالجمال والحق.
‘ شاعر وصحافي

ضد السلطة الأبوية

سامح محجوب

ليس مصادفة ألا يخلو تاريخ الشعر في كل الدنيا من جود الشاعر الصعلوك الذي يتمرد على أعراف المجتمع ويهزأ بتقاليده التي تكرس لأبوية السلطة وتسلط واستبداد الحكام ولعل نماذج الشنفري والسليك ابن السلكة وتأبط شرا وعروة ابن الورد وأبو نواس وعبد الحميد الديب وأمل دنقل مازالت حاضرة وبقوة في مخيلة الأجيال وإن اختلفت ملابسات وظروف وأشكال هذا التصعلك – لست في حاجة أن أضع أبو النجوم في مصاف هؤلاء النبلاء الذين لا يتكررون صفة ولا فنا ولا حضورا إنسانيا – كل شيء في حياة أحمد فؤاد نجم كان يدفع به دفعا نحو هذا التكوين العبقري . اليتم والخروج للحياة من ملجأ يفرض على من يدخله تركيبة معينة ثم مواجهة الحياة بلا أي سند من أسرة أو عائل أو رقيب في سن هي من أخطر سنوات العمر والتنقل بين أكثر من مهنة وبلد هذا إلى جانب مناخ اجتماعي وسياسي يتخلق في رحم أمة تنهض من سبات عميق ما بالك وكل ذلك يصب في عقل ووجدان موهبة فذة كموهبة نجم الذي لم يتلق تعليما نظاميا ولم يعش حياة طبيعية مما عمق لديه الإحسان بالتهميش الذي حوله نجم لطاقة إيجابية في قطف الثمار المحرمة ومجابهة الاستبداد والتسلط بجملة شعرية بالغة الحدة قد تبدو هتافا سياسيا للوهلة الأولى لكنها بالتأمل تصبح بالغة الدلالة مشحونة بطاقة المخيلة الشعبية بكل ثرائها اللغوي والتراثي.
هذا الى جانب أنها ابنة التجربة الحية المغموسة في تراب وعرق طبقات المجتمع الدنيا التي ينتمي لها نجم وهذا يفسر وبقوة فرادة وثراء تجربته التي لن تستطيع بأي حال من الأحوال أن تجد لها أبا في العامية المصرية وإن تقاطعت في بعض من تجلياتها مع مجايليه لاسيما الفذ فؤاد حداد الذي قابله نجم في المعتقل عام 59 الأمر الذي لا يمكن التعويل عليه أيضا نظرا للاختلاف الجذري بين التجربتين – حيث ظل حداد مخلصا لفكرة الفن بكامل قداستها وحول نجم الفن إلى رغيف خبز ساخن للمهشمين والمقهورين الذين أتى من بينهم وظل ملتصقا بهم حتى رحيله متمسكا بفكرة المثقف العضوي الذي يكتب قصيدته في الصباح ويخرج في المساء للدفاع عن قيثارته – من هنا كان حاضرا وبقوة في متن الحركة الشعرية رغم الإقصاء والتعتيم الذي مارسته المؤسسة الثقافية والسياسية ضده باعتباره رقما صعبا لا يمكن تدجينه أو الاطمئنان إليه – كل ذلك أسهم في تدويل قصيدته وذيوعها في مصر والوطن العربي على أوتار عود الشيخ الثائر إمام عيسى الذي التقاه نجم في المعتقل وعاش معه نفس ظروفه وكونا معا ثنائيا إبداعيا تخطى الأسلاك الشائكة التي فرضها السجن والسجان وأضحى نجم نجما اسما وصفة كما أصبح أيقونة ثورية لمعظم الحركات الثورية والحركات الاحتجاجية التي شهدتها مصر والوطن العربي حتى رحيله في الثالث من ديسمبر الماضي وخروج درويشه من كافة طبقات المجتمع وراء جنازة جسده الذي عركته الحياة عاملا وفلاحا وعاطلا ومسجونا ومقهورا وشاعرا شعبيا كبيرا.
‘ شاعر وإعلامي

الشاعر الذي يقلق الحكام وأنصاف الشعراء

سمير الفيل

لن أكتم القارىء سرا، أنني كنت أتحفظ كثيرا على تجربة الشاعر أحمد فؤاد نجم، باعتبار أن القصيدة التحريضية التي يكتبها، تنتهي بانقضاء الموقف السياسي أو الحدث التاريخي الذي كتبت من أجله.
وقد وقع أمران زحزحا إلى حد كبير تلك الفكرة وهذا التشدد في مواجهة تجربة أحمد فؤاد نجم. الأمر الأول: أن قصائد ه الغنائية ذات النكهة السياسية، وجدتها تلقى في ليالي السمر وتنشد في التجمعات الشبابية أينما وليت وجهي، فحين يبحث هذا الجيل البائس عن شيء يغنونه لا يجدون سوى نجم / إمام.
أما الأمر الثاني ـ وقد حدث مؤخرا نوعا ما ـ فهو أن شباب ثورة 25 يناير 2011، التي نشبت في مصر لم يجد من أغان أو شعارات وطنية يجمع عليها إلا قصائد نجم التي ملأت ساحة التحرير وما زالت، صخبا وعنفوانا.
‘ شاعر عامية وقاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية