أبرهة الأشرم يحاصر أمن الدولة!

حجم الخط
11

فلما جن الليل، وقفت برامج ‘التوك شو’ في كثير من الفضائيات الخاصة على خط النار، دفاعاً عن جهاز الأمن الوطني (مباحث أمن الدولة سابقاً) الذي يتعرض للعدوان والحصار على يد الإسلاميين أكلة لحوم البشر!
كنت قد توقعت هذا مبكراً، فالساسة في مصر يتربص بعضهم ببعض، لدرجة أنه إذا ردد خصم ما كلامك، فسوف تستنكر عليه كلامه، وكأنه يقول كلاماً غريباً لم يقل به أحد من قبل. ولنا أن نعلم انه عندما قام الرئيس محمد مرسي بإقالة النائب العام السابق عبد المجيد محمود، أننا شاهدنا من ينتمون للثورة، وقد خرجوا ينددون بالقرار، وتم تدشين شخص المعزول زعيماً من زعماء الثورة، بالزفة التي تم نصبها له، على الرغم من أن إقالته كانت مطلباً من مطالب ثورتنا، وقد تم رفع المطلب في كل موجاتها المتتالية.
هناك محنة تمر بها الثورة المصرية، كان من نتاجها أن أصوات نفر من الثوار اختلطت بأصوات وجهاء الثورة المضادة، فصار خطابهما واحداً، وقد تجلى هذا عندما قرر فريق من السلفيين التظاهر أمام مبنى الجهاز سالف الذكر، وهو جهاز سيئ الصيت، تم انتهاك أعراض الرجال في مقاره، وأفسد الحياة السياسية، وقد منحه المخلوع تفويضاً على بياض ليفعل ما يشاء، ولهذا كان طبيعياً أن يكون المطلب الشعبي بعد الثورة هو حله، ولم يستطع أهل الحكم إعادته إلى الحياة من جديد إلا بتغيير اسمه من جهاز مباحث أمن الدولة، إلى جهاز الأمن الوطني، وقيل إن دوره سيتغير!
وعلي ما يبدو أن قياداته قرروا العودة إلى عهد ما قبل الثورة، ولم يجدوا سوى الإسلاميين ليقوموا بجس نبضهم، وهم الذين نكل بهم هذا الجهاز، وتسبب في خراب بيوتهم، وجعل أسرهم تعيش في خوف مقيم لسنوات، فهناك من غيب بقرار منه أكثر من خمسة عشر عاماً بدون تهمة، وبدون حكم قضائي!
قيادي سلفي قال إن ضابطاً بالأمن الوطني طلب حضوره للجهاز ليشرب عندهم الشاي، فنشر هذا على صفحته على ‘الفيس بوك’ ووجه دعوة ساخرة، لخمسة آلاف شخص على ‘عزومة الشاي’ هذه. وهناك سابقة في هذا المضمار في أيام الثورة، عندما استغلت الجماعة الإسلامية هذه اللحظة التاريخية في عقد مؤتمرها العام، لتطيح بالقيادات التي جعلت من ‘تمام الجماعة’ لدى جهاز امن الدولة، وعلى الرغم من أن جهاز الأمن انهار تماماً، فان قيادات بالجهاز اتصلت بقيادات في الجماعة لتحذرها من مغبة شق عصا الطاعة، لكن لم يستمتع لتحذيراتها أحد!
في جولة عبر الفضائيات المختلفة، فوجئت بحملة هجوم على المتظاهرين، وأحد مقدمي برامج ‘التوك شو’ استمعت إليه وهو يقول إن هذا الحصار يأتي في إطار مخطط تفتيت جهاز الأمن. وبطبيعة الحال هو يغمز ويلمز في الإخوان، وإعادة هيكلة جهاز الأمن ليس مطلباً إخوانياً ولكنه مطلب ثوري بامتياز، ذلك بأن جهاز الشرطة تقاعس عن القيام بدوره الوظيفي، وكان لفترة طويلة جزءاً من أداء الثورة المضادة، وظل لفترة طويلة يدار من قبل القيادات وثيقة الصلة بوزير الداخلية المسجون حبيب العادلي، وحالات تمرد عناصر في البوليس على الحكم الإخواني الآن، التي يحتفي بها ثوار ضد الإخوان، سببها أن قوات الأمن تريد أن يعاد تسليحها لتتعامل مع المتظاهرين، وهو ما لم يتحقق لهم إلى الآن.
هذا المذيع ينتمي إلى الثورة المضادة، التي اختلط صوت المنتمين إليها بصوت الثوار في زمن الفتنة الذي نحياه!

ملاعبة الحفيد

لم أطق عليه صبراً وغادرت، وإذا بنا أمام مفيد فوزي، في برنامج ‘القاهرة اليوم’، الذي تمكن في زمن الفتنة من أن ‘يبلغ ريقه’، ويعود إلى طريقته القديمة في الحديث، وكان في مرحلة ما بعد الثورة، عندما يتحدث فانه يتحسس كل كلمة تخرج من فمه، فهو من كانت مهمته إعادة اكتشاف حسني مبارك الإنسان، لكن المخلوع لم يمكنه من ذلك، فقد كان مبارك متواضع الذكاء، ولعلكم تذكرون المقابلة التاريخية التي أجراها فوزي معه في برنامجه التلفزيوني ‘حديث المدينة’، والذي لم يشأ أن ينهي هذا اللقاء الطيب المبارك إلا بتفجير طاقات الجنس البشري المكبوتة لدي مبارك.
استجمع مفيد كل مشاعر ‘الحب العذري’، ليسأل مبارك:
– أنا عندي سؤال محرج يارس.
ولأن مبارك كان يتمتع بغباء منقطع النظير فلم يتفاعل معه، وقال له بجهالة، وعلي طريقة جزار خرج تواً من المذبح:
– اسأل.
– سؤال محرج يا أفندم
– ما قلنا اسأل يا مفيد!
وعاد مفيد ليسأله وقد زادت عنده درجات ‘الشحتفة’ عن المنسوب الطبيعي المقرر للبشر:
– أريد الأمان يا أفندم.
عندها ظننت لهول الطلب انه سيسأله هذا السؤال القنبلة:
– لو سمحت يا أفندم هو اسم أمك إيه؟
ولأني أكتب لثقافات مختلفة، فأود القول إن هذا السؤال من الأسئلة المحرجة والمحرمة في بعض الثقافات، وقديماً عندما كنا تلاميذ في الصف السادس بمدرسة نجع الضبع الابتدائية، وإذا بمعلم أراد أن يمزح معنا فكان مزاحه ثقيلاً، إذ جاء بشهادات ميلادنا، وأخذ يتلو بصوت جهير أسماء أمهاتنا، عندها قلنا: يا ارض انشقي وابلعينا!
ما علينا، فمبارك تعامل مع طلب مفيد فوزي بالأمان، كما لو كان يطلب منه سندوتش فول
– خد الأمان يا سيدي.
وفي هذه اللحظة التاريخية من عمر الزمن فان مفيد استجمع ما تبقى من جرعات ‘شحتفة’ في المنطقة، ولمعت عيناه، وظهر الدلال على وجهه، مصحوباً بحالة وجد غير مسبوقة في تاريخ زعيمة ‘أهل الشحتفة’ الفنانة أمينة رزق وقال:
– حضرتك بتلاعب حفيدك؟!
ولم يفهم مبارك الهدف من السؤال فكان رده فاتراً، منزوع الدسم، ‘كشوربة الفول النابت’:
– أيوه زي أي واحد!
بعد هذا السؤال مات حفيد المخلوع!

اكتشاف صاحب العبارة
ولم تكن مهمة إعادة اكتشاف مبارك هي فقط التي كلف بها مفيد فوزي نفسه، فقد قام بمحاولة إعادة اكتشاف صاحب العبارة الغارقة، وثيق الصلة بمبارك وذراعه الأيمن زكريا عزمي، والهارب إلى الآن في مدينة الضباب، وهي مقابلة بثها تلفزيون الريادة الإعلامية، وكانت حفلة دعائية بامتياز، أوشكت بعد مشاهدتها أن اتهم الضحايا الذين يزيد عددهم على الألف مصري، بأنهم هم المسؤولون عن غرقهم، فقد نزلوا الماء يصارعون التماسيح، في مسابقة من سيربح المليون، فصرعتهم!
إذا أردت أن تقف على خط صعود الثورة المصرية، وخط هبوطها، فتابع مفيد فوزي تلفزيونياً، والرجل والثورة تنتصر كانت الهزيمة بادية على وجهه، وكان يبدو كمن تم إلقاء ‘جردل’ من الماء البارد عليه في عز الشتاء، فالحرج يكاد يأكل وجهه، ولكن والثورة تعاني الانشقاقات فانه يعود إلى الحديث بنفس طريقته القديمة، عندما كان مبارك هو من يحكم البلاد!
في قناة ‘القاهرة اليوم’ انبرى مفيد فوزي مدافعاً ومندداً، فقد دافع عن جهاز مباحث امن الدولة وندد بالتظاهر أمام مقره، وتماشياً مع موضة سنة 2013، فقد علق التهمة في رقبة جماعة الإخوان، وتعلمون أن موضة سنة 1984 مثلاً كانت هي ‘الشعر المنكوش’.
لدينا قطاع من المتصدرين للمشهد في مصر الآن، يمكن للواحد منهم ان يتهم زوجته بالتآمر عليه مع الإخوان، ومع خيرت الشاطر تحديداً، إن عاد إلى منزله فلن يجدها في انتظاره كما يتمنى!
مفيد فوزي قال إن ما يحدث من محاصرة جهاز الأمن الوطني ومحاولات اقتحامه من تدبير جماعة الإخوان المسلمين، لأنها تريد أن تسيطر على مؤسسات الدولة.
وهو أمر يوحي كما لو أن الإخوان يريدون السيطرة على هذه المؤسسة العريقة والعملاقة وهي تتمنع، مع أن الثقافة التي تربى عليها القوم من العاملين في هذا الجهاز تجعلهم يخضعون لمن يحكم، وفي سنة 1987، لخص ضابط بأمن الدولة الأمر في حديث مع الشيخ يوسف البدري الذي كان وكيلاً لحزب الأحرار، وقد منع من حضور مؤتمر سياسي: ‘احكم وأنا أخدمك’.
لا يستبعد البعض أن تكون محاولات الجهاز للعودة إلى سالف العصر، تتم بعلم الحكم الاخواني، لاسيما وان جس النبض بدأ بالسلفيين خصوم الإخوان، لكن مفيد فوزي يردد مقررات دراسية ألغيت.
لا بأس، فالبأس الشديد هو في تساؤل صاحبنا في برنامج ‘قناة اليوم’: ‘كيف تتم محاصرة الجهاز الذي يحمي الأمن القومي المصري؟’. فعندما وصل إلى عبارة ‘الأمن القومي المصري’ هتفت: تكبير.. ذلك بان هذا الجهاز بممارساته وجرائمه ليس خطراً فقط على الأمن القومي المصري فخطره على القيم الإنسانية عامة.
عموماً دعنا من برامج ‘التوك شو’ ومن يقوم على كثير منها لم يكن لهم أن يتصدروا المشهد الإعلامي في البلاد، لولا جهاز أمن الدولة، الذي صنع منهم مذيعين، ومنحهم المساحات للعمل، قبل الثورة، وهو جهاز كان يتدخل في أسماء من يتكرر ظهورهم على الشاشة، ليس بالنسبة للقنوات المصرية فقط، ولكن بالنسبة لضيوف الفضائيات عامة، وقد روى لي زميل يعمل في احدي الفضائيات كيف كانوا يطلبون منه أن يعرض عليهم أسماء الضيوف مسبقاً، وقال لي أنه كان يتحايل أحياناً على هذه التعليمات!
ولهذا فان بلداً بحجم مصر، تبدو عقيماً لمن كان يشاهد فضائياتها، ويرى أن عشرين شخصاً فقط هم من يحتلون ‘المجال الجوي’.
البأس الشديد هو أنني استمعت إلى أصوات ثورية تندد بما جرى، وكأن من تظاهروا جاءوا بقيادة أبرهة الأشرم لهدم الكعبة المشرفة، مع أنه سبق لهم أن تنادوا من قبل لاقتحام الجهاز، يوم أن نادى المنادي من قريب: أن هبوا ليحصل كل إنسان على ملفه، ليقف بنفسه على حجم التلفيق الذي كان سياسة معتمدة ومنهج حياة.
هناك من أخذتهم الجلالة واتهموا الرئيس محمد مرسي بالتواطؤ لأنه لم يدفع بقوات لفض المظاهرات بالقوة، فلا يليق أن تحاصر مؤسسة من مؤسسات الدولة بهذا الشكل.
حسناً، ما رأيكم في المعاملة بالمثل، فيصبح حصار وزارة الداخلية وقصر الرئاسة حراماً أيضاً، لأنهما بحسب علمي من مؤسسات الدولة؟!
المشكلة حقيقة في الطرف الذي يحاصر، ولو خلصت النوايا لكنا جميعا مع السلفيين في مظاهراتهم.. لكن قاتل الله الفتنة التي جعلت أصوات الثوار تختلط بأصوات من يقومون على الثورة المضادة.
صحافي من مصر
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هشام محمود:

    هذا الحصار الارهابى للأمن الوطنى الهدف منه هو الرد على تسريب مكالمات قياديين من الاخوان مع عناصر حركه حماس اثناء الثوره .من الاخر ابو اسماعيل هو صبى من صبيان خيرت الشاطر

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية