هبوط عربي جديد في الملف الفلسطيني

حجم الخط
0

تعيش المملكة المغربية على وقع ارتدادات نوعية، جراء مشروع القرار الأمريكي، الذي نص على توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية، مما أفضى إلى وضع سياسي حافل بمواقف غير مألوفة في التعاطي مع موضوع مثل هذا بالغ الحيوية والخطورة. ولعل ثقل الصدمة التي استشعرها المغاربة قاطبة إزاء هذا الموضوع يعود إلى عدة عوامل، ليس أقلها أن المشروع ـ الزلزال صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية الحليف التقليدي للمملكة، وبإيعاز من أطراف تشتغل في مجال حقوق الإنسان والمطالب الانفصالية، خاصة مؤسسة روبرت كينيدي لحقوق الإنسان، التي أبانت وفي أكثر من مناسبة أنها تشتغل وفق أجندات خاصة تروم تجريم المغرب من دون قيد أو شرط. وعلى إثر تحركات ديبلوماسية مغربية فائقة السرعة، وفي الوقت بدل الضائع سحبت أمريكا مشروعها ليستمر الوضع على ما هو عليه.
بيد أن ما أثار انتباه المراقبين المحايدين الوطنيين والدوليين، هو الحالة الهستيرية التي استبدت ببعض المسؤولين السياسيين الجزائريين، الذين عبروا وبلغة بعيدة عن اللياقة وانتهاج الحياد، عن حزنهم الشديد لعدم استكمال فرحتهم بإيذاء جارهم الشقيق، لا بل هدد أحدهم بأن هذا اليوم سيكون له ما بعده، مما حدا ببعض المتتبعين للموضوع إلى القول، إن الجزائر كانت على أتم اليقين بمصادقة مجلس الأمن على هذا القرار، الذي يمس بسيادة المغرب على وحدته الترابية، وفي الآن عينه كانت جهات انفصالية قد عقدت العزم وبمساعدة لوجستية ومادية أجنبية، على المضي قدما نحو التصعيد عبر إشعال الحرائق، وتدمير ممتلكات المواطنين والعبث بالمؤسسات واستفزاز رجال الأمن واستدراجهم لارتكاب أخطاء تحسب على أنها انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي المقابل انقسم الإعلاميون والمهتمون المغاربة إلى أطياف، وهم يستقرئون هذا المستجد في الساحة السياسية الوطنية، منهم من تسلح باسطوانة الخطاب الرسمي التقليدي واقتصر على انتهاج أسلوب النعامة، من دون بذل أي جهد لفهم الرسائل المشفرة للمجتمع الدولي، والمهام التي يجب القيام بها لحلحلة الموضوع، خاصة أن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لقضية الصحراء لم يحظ بقبول الآخر (بوليساريو)، كما أنه لم يعرف أي تنزيل جزئي أو نوعي على أرض الواقع. ومنهم من اعتبر أن اللحظات الحرجة التي تمر منها قضية الصحراء، هي نتيجة لسلوك سياسي غير سليم، وغياب الحكم الرشيد في ربوع المملكة وأخطاء جسيمة، وفرص ضائعة كان من الممكن أن تكون أدوات مساعدة لوضع حد نهائي لهذا المشكل الذي عمر طويلا.
وفي رأينا المتواضع فإن المغرب، وعلى الرغم من عناصر القوة التي يتوفر عليها في ملف الصحراء: الوجود على الأرض والتنمية الشاملة التي لم تعرف التوقف منذ المسيرة الخضراء، ووحدة الشعب المغربي وتقدير المجتمع الدولي للإصلاحات السياسية والدستورية التي شهدتها المملكة، في فضاء إقليمي عقيم ومضطرب.. فإنه مطالب بأن ينجح في حل معادلة رياضية بالغة التعقيد، عبر إعادة النظر في السياسة المتبعة في الصحراء وغيرها من جهات المملكة، وانتهاج مقاربة ديمقراطية بحصر المعنى، تتمثل في احترام المواثيق الدولية وسيادة القانون، والقطع مع سياسة الريع العام في كل جهات الوطن من دون تمييز أو إقصاء. فضلا عن صمود سلطة الأمن أمام اندفاع بعض الانفصاليين المدعومين بقوة جهنمية من قبل جهات أجنبية معلومة. صحيح لم ينجز المغرب بعد انتقالا ديمقراطيا جذريا، يستلهم فيه الأعراف والقيم والمواثيق المتعارف عليها كونيا، لكنه اتخذ خطوات إصلاحية غير مسبوقة في عالمنا العربي الجريح. إن الصحراء المغربية موضوع بالغ الحيوية على المستوى الاستراتيجي، والأمن الدولي والاستقرار الإقليمي، ولن يكون الحل سوى، أقل من الانفصال أكثر من الحكم الذاتي.

‘ كاتب من المغرب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية