فشل الانتقال الديمقراطي

حجم الخط
0

يواجه الانتقال الديمقراطي أو بالأحرى الانتقال نحو الكرامة والحرية، الهدف الأساسي والأزلي للشعوب، صعوبات عدة، أجمع مؤتمرون من دول الشمال الافريقي موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، في ندوة من تنظيم مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان بالرباط ،على أن مردها بالأساس إلى قصر نظر من وصلوا إلى السلطة عن إدراك أن الديمقراطية لا تقتصر فقط على الوصول عبر صناديق الاقتراع، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى حسن إدارة السلطة مع الطرف المقابل، بتقبل وجوده أولا، وبإشراكه في القرار الوطني ثانيا. وهو الذي يرمز له بنسبة 49 بالمئة، في إشارة إلى حجمه الشعبي الذي يجب مراعاته في عملية بناء دولة المستقبل التي كان شعارها في البدء جامعا للكل.
سنقتصر هنا على مصر وتونس والمغرب لمحاولة تحليل هاته الصعوبات، لتشابه الوضع بها مقابل اختلاف البقية. ففي البلدان الثلاثة وصلت الحركات الإسلامية إلى السلطة، مرتكزة على قواعدها الشعبية والمتعاطفين معها من طول اضطهاد عانته قبل ‘الربيع’، ومن صوتوا لصالحها في الانتخابات باعتبارها فاعلا سياسيا قد يأتي بالجديد إلى المشهد السياسي في كل من هاته البلدان، مادامت الفرصة لم تمنح له فيما سبق، وليصير المواطن بهاته البلدان ‘مواطنا’ حقا وصدقا.
نسلم بأن النسبة المتبقية لنا (51 بالمئة) هي لكل من الإخوان والنهضة والعدالة والتنمية. لكن هذه النسبة أصيبت بنزيف حاد حال وصول هذه الحركات إلى السلطة. وما حصل أن هاته الحركات/الأحزاب انصرفت مباشرة بعد انتخابها إلى فرض وجودها، رغم أن وصولها إلى السلطة قد ضمن لها ذلك، وهذه أول الأخطاء.
ثانيها التغير الواضح في لغة خطاب ‘الواصلين الجدد’ مع الشعب، الذي طالما ناصرهم وتعاطف معهم، وإن لم ينتم إلى أحزابهم عضويا، فقد حملها بعد الربيع إلى السلطة وفاء منه لمبادئ الكرامة والحرية، التي نادت بها هاته الأحزاب ردحا من الزمن. وحين حان موعد وفائها تخلت، وصمت آذانها عن صوت الشعب، رافعة صوتها و’عصا قديمة’ غليظة في وجهه، متبجحة بأن الصناديق هي من أوصلتها. كما ثمة نزيف داخلي في صفوف هاته الحركات نفسها وإن بشكل نسبي.
حصيلة أداء التيار الإسلامي في كل من مصر وتونس والمغرب، قد يكون من المبكر إصدار أحكام موضوعية عنها، لكن التعاطي السياسي والإعلامي لهاته الأحزاب مع الشأن العام هو إلى الرداءة أقرب منه إلى مستوى المسؤولية ومتطلبات هاته المرحلة المصيرية من تاريخ أمتنا. ونخشى إن استمر الوضع هكذا أن تؤول الأوضاع إلى ما هو أسوأ، فالتيار الإسلامي كان آخر الاختيارات الشعبية بالمنطقة، والأوراق التي في يده في احتراق يوما عن يوم. وبالمقابل فالشعب غاضب ومستاء من الأداء السياسي للتيار الإسلامي، ومن تردي الوضعية الاقتصادية في هاته البلدان. فالشعب الذي كان في ‘الربيع الأول’ منتشيا من نسمات الحرية التي استنشقها لأول مرة، هو اليوم عنيف جدا، طبعا.. فقد خسر رهانه الأخير وباسمه تعاد عملية إنتاج أنظمة شغلها الشاغل محاصرة صوته ومصادرة كلمته وممارسة كل أشكال الوصاية عليه، ولظى الأزمة الاقتصادية يلفح جسده كل يوم، وكل ما يفعله أولائك الذين اختارهم لصون مصلحته وضمان عيش كريم له اليوم الادعاء بأن الاقتصاد بألف خير وعلى ما يرام! وأن ‘الموجة قد مرت’.. وعلى الشعب والدنيا السلام. الفراغ هذا الذي أحدثه تنكر التيار الإسلامي لأدبياته أو ربما هو سقوط قناع عنه، لسنا صراحة ندري..! ترك بابا مشرعا لخصوم الشعب القدامى، فبدأت فئة منهم، أول ما بدأت، بتحقير دور الشباب المحوري في التغيير أو الإصلاح – بحسب الخصوصية- ملخصين الأمر بكل وقاحة بأنه تراكم لنضالات الأولين، وهم لا إلى هؤلاء ولا إلى أولائك. وبوقاحة أكبر يصورون أنفسهم على أنهم البديل بعد فشل المشروع الإسلامي، كون مشروعهم كان سابقا له. فعلى أي المصائب يصبر الشعب؟ هل على أمله الذي تبخر واحترق، أم على تصاعد القمع والعنف تجاهه.. أم على من يدعون الحكم باسمه وهو منهم براء؟
نحن طبعا امتداد لنضالات أساتذتنا الذين لم نر الكثيرين منهم، لكنــــهم حرصـــوا قبل رحيلهم وبدمـــائهم أن يكتبوا: طهروا الوطن من كل الخونة فهو لكم. وأنــه بالعلم والذكاء والمعرفة يقضى على التشرد، والبطالة والفقر.
شعوبنا بهبتها إلى الكرامة والحرية أعلنت الحرب على الظلم والتسلط، وبالتالي فما سلف لا يعدو أن يكون مجرد جولة أولى. وما على الشعب، والحال كما أسلفنا الذكر، إلا أن يعيد حساباته ولملمة أوراقه. وأن يعمل جاهدا ليخيب توقعات من يصدرون له يوميا العشرات من شهادات الوفاة، تماما كما فعل في ثورته الأولى من أجل الكرامة والحرية، التي ستظل وستكون الأخيرة، وبالتالي فما سلف لا يعدو أن يكون مجرد جولة.
نحن نحب وطننا، ما استطعنا إلى حبه سبيلا، ولأننا كذلك لا نبالي بشيء في سبيل ذلك. وحسابات الساسة الضيقة أبدا لا تعنينا في شيء.
مصعب السوسي – تمارة.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية