توسيع صلاحيات المينورسو .. ضربة للعلاقات الاستراتيجية المغربية ـ الامريكية

حجم الخط
2

لا شك أن المبادرة الأمريكية القاضية بتوسيع صلاحيات المينورسو شكلت صاعقة بالنسبة للدبلوماسية وللمغاربة بصفة عامة، فحتى تقرير الأمين العام لم يذهب صراحة في نفس المنحى، حيث اكتفى بالحديث عن ضرورة رصد مستقل وحيادي وشامل ومستمر لحالة حقوق الإنسان في كل من الصحراء الغربية والمخيمات، من دون أن يشير إلى الآلية التي يمكن أن يتم بها تفعيل هذه التوصية .
السرعة التي قدمت بها مندوبة الولايات المتحدة سوزان رايس هذه المبادرة كانت فعلا غير حبية، بفعل الثقل الذي تحتله الولايات المتحدة في التعامل مع القضايا، وفي نفس الوقت تشكل ضربة للعلاقة الإستراتيجية القائمة بين المغرب والولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بتدبير القضايا الجيو استراتيجية في المنطقة في ظل تنامي المخاطر الناجمة عن فضاء جهوي يطفح بعوامل اللا استقرار.
لكن بصرف النظر عن النقاش المتعلق بمصدر هذه المبادرة، هل هي تعبير عن الإدارة الأمريكية برمتها، أم أنها مجرد تعبير عن جناح تقوده المندوبة الأمريكية ووزير الخارجية، فإن ذلك يبقى شأنا أمريكيا، طالما أن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن تتخذ مثل هذه المبادرة الخطيرة من دون دراسة لانعكاساتها. فضلا عن ذلك، لحد الساعة لم يصدر ما من شأنه أن يوضح أكثر ملابسات هذه المبادرة الأمريكية غير المتوقعة.. لذلك، كان من الضروري الأخذ، على محمل الجد، هذه المقاربة الأمريكية الجديدة التي تشكل في العمق انتصارا لتيار تقوده مجموعة من المنظمات الحقوقية الأمريكية وفي مقدمتها مؤسسة كيندي للديمقراطية والعدالة، وهيومان ووتش رايتس، التي كانت قد وجهت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب من خلالها العمل على توسيع اختصاصات المينورسو، بدعوى أن كل الهيئات الأممية المشابهة تضطلع بهذه المهمة.
تحاول هذه المقاربة ظاهريا الفصل بين البعد المتعلق بحقوق الإنسان، والمقاربة الشاملة للتسوية. لكنها في العمق مقاربة خطيرة لأنها تزكي استراتيجية خصومنا الهادفة إلى تقويض السيادة المغربية والبحث عن التسوية النهائية لمشكلة الصحراء، من خلال التركيز على قضايا جزئية، كما هو الأمر بالنسبة لحقوق الإنسان واستغلال ثروات المنطقة. وربما هذا هو الطريق الذي كان يوجه سلوك كريستوفر روس خلال المفاوضات غير الرسمية. ولم يتنبه المفاوض المغربي لهذه الحيلة إلا مؤخرا عندما قرر سحب ثقته قبل أن يتراجع عن ذلك بعد طمأنة الأمين العام لجلالة الملك حول ضرورة التزام مبعوثه بمتطلبات قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
من الواضح أن احترام حقوق الإنسان والسعي إلى محاربة الانتهاكات هي في صلب المشروع الديمقراطي الحداثي، الذي منحه الدستور الجديد زخما واضحا. ولا شك في أن الدولة المغربية قطعت أشواطا مهمة، خاصة من خلال إعادة النظر في تركيبة وعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يخضع لمعايير باريس، وفي مقدمتها الاستقلالية والمصداقية، والذي أشاد تقرير الأمين العام بعمله، من خلال لجنته الخاصة بالصحراء. في نفس السياق، فإن المغرب فتح مجاله لعمل المقررين الدوليين العاملين في مجال حقوق الإنسان، كما هو الأمر بالنسبة للسيد مانديز، المقرر الخاص بالتعذيب. لكن ينبغي الإقرار أن مسألة حقوق الإنسان في الصحراء تطرح في العمق إشكالية كبيرة تتمثل في معرفة كيفية التوفيق بين احترام حقوق الإنسان والدعوة إلى الانفصال التي يحاول خصوم المغرب استغلالها لمنع كل تسوية محتملة لهذا النزاع المفتعل، الذي طال أمده.
اعتبارا لخطورة هذا المنحى الذي من شأنه أن يمس بسيادة بلادنا، وأن يحدث ضررا في المسلسل التفاوضي، فقد تجندت الدبلوماسية، على أعلى مستوى لتطويق انعكاسات هذه المبادرة، والبحث عن صيغة أكثر حماية لمصالح بلادنا. وبفعل طبيعة القرار الأممي، فإن التحرك استهدف بالأساس الدول الدائمة العضوية، وهي فرنسا وانكلترا وروسيا. ومن الممكن أن تكون هناك اتصالات بالمسؤولين الأمريكيين لمعرفة نوايا الولايات المتحدة ومدى الاستمرار في التشبت بمقترحها. الهدف بالنسبة لبلادنا هو التذكير بمخاطر توسيع مهمة المينورسو، والانعكاسات الجيو سياسية.
من الواضح، أن أحسن ما يطمح إليه المغرب هو غلبة الحكمة والتبصر لدى أعضاء مجلس الأمن، خاصة الولايات المتحدة صاحبة هذه المبادرة لدفعها إلى سحب المشروع والإبقاء على الوضع الراهن. وفي حالة تحقيق ذلك، فإنه سيمثل انتصارا لبلادنا، ودعما لجهوده فيما يتعلق بتكريس ثقافة حقوق الإنسان، خاصة عمل الآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان عبر كامل التراب الوطني. لكن هذا المبتغى قد يبدو صعبا إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقف أغلب الدول إزاء هذه المسألة في ارتباط مصالحها. فحتى فرنسا الحليف الاستراتيجي للمغرب، لا تريد ان تجد نفسها في موقع يتطلب منها استخدام حق الفيتو.
صحيح أن موقف الرئيس هولاند كان إيجابيا إزاء مبادرة الحكم الذاتي المغربية، لكن قد يصعب عليه الذهاب إلى حد استعمال حق الفيتو لعدة اعتبارات، فداخليا يوجد في وضعية صعبة بسبب هبوط شعبيته. و ثانيا، فإن مسألة حقوق الإنسان تحظى بأهمية استراتيجية في المشروع الاشتراكي الذي لا يتردد في معانقة كل مطالب التحرر والانعتاق من جميع أشكال الاستبداد. وثالثا، فإن الرئيس الفرنسي لا يمكن أن يعطي الانطباع أنه يضحي كاملا بنوع من التوازن في علاقة بلاده بالمغرب والجزائر التي تمارس تحركا مضادا ولو غير علني، لاستثمار هذه الفجوة التي فتحتها المبادرة الأمريكية. أكثر من ذلك، فإنه ليس في مصلحة المغرب سياسيا أن يظهر وكأنه معزول، ومساند فقط من فرنسا.
لذلك، وكما هي العادة، قد يتم التوجه نحو نوع من الحل الوسط، لا نعرف كنهه لحد الساعة، لكنه قد لا يبقى على الوضع الراهن، فقد يحيل إلى آلية أكثر مرونة، كما هو الأمر بالنسبة لتـأطير ضيق لمهمة المينورسو فيما يتعلق بإشرافها المحتمل على مجال حقوق الإنسان، من دون أن يلغي ذلك دور الآليات الوطنية في مواصلة انشغالها بقضية حقوق الإنسان في المناطق الجنوبية اسوة بباقي التراب الوطني. ومما يرجح كفة البحث عن حل وسط هو هذا النقاش حول صاحب المبادرة الأمريكية. فقد يكون ذلك مبررا يسمح للإدارة الامريكية بتعديل مبادرتها بشكل يرجع التوازن إلى تعامل مجلس الأمن مع هذه القضية، ارتكازا على اختبار موقف الدول الأخرى من هذه المسألة.
من المؤكد، أن الدبلوماسية المغربية تواجه اليوم امتحانا عسيرا، يدعونا مستقبلا إلى عمل تقييمي أكثر موضوعية وعمقا ونضجا لعملها وللتحديات التي يفرضها تدبير هذا الملف. وقد سبق لنا في مناسبة سابقة أن اقترحنا خلق مرصد لمتابعة السياسة الخارجية المغربية يتولى التقييم والاستباق فيما يتعلق بهذا المجال الحيوي بالنسبة لبلادنا.

‘كاتب واستاذ جامعي من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول sahrawi maghribi:

    أغلبية الصحراويين في بلدهم المغرب وجبهة البولزاريو لا تمثل إلا ربع سكان الصحراء وحان الوقت لتشكيل تنظيم سياسي صحراوي داخل المغرب يمكن التفاوض معه بعيدا عن أوامر العسكر الجزائري .

  2. يقول احمد:

    هل المغرب لديه الجرأة مرة ثانية ليسأل عن حقوق الانسان في مخيمات تندوف بعد رفضه مراقبة حقوق الانسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف ؟؟؟ام هو متخوف من حقيقة مطالب الشعب الصحراوي بتقرير المصير؟؟؟ ولمادا لم يترك الفرصة للامم المتحدة من أجل كشف حقيقة الاحتجاز والقمع الممارس على الصحراويين في تندوف من طرف البوليساريو وكدلك كشف حقيقة الحرية وحقوق الانسان التي يتمتع بها الصحراويين في الصحراء الغربية كما يدعي المغرب ؟؟؟أم أن هناك حقيقة يخفيها المغرب عن انظار العالم؟؟؟ ولمادا يرفض المغرب وتقبل البوليساريوبهده المسودة الامريكية؟؟؟ الرجوع عن المسودة كان ورائها تعهد من المغرب لاحترام حقوق الانسان وتحدير من واشنطن ……

إشترك في قائمتنا البريدية