الرئيس الجزائري يستقبل عمدة مارسيليا في سياق تفاعلات ملف الذاكرة

حجم الخط
0

الجزائر ـ “القدس العربي”:

خصّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عمدة مارسيليا الموجود بالجزائر باستقبال في قصر المرادية، وهو ما أعطى طابعا سياسيا لهذه الزيارة يرتبط بالعلاقات الجزائرية الفرنسية التي تعرف من حين لآخر توترات تتعلق أساسا بموضوع الذاكرة. وتحظى مارسيليا بمكانة خاصة، بسبب الحضور الطاغي للجزائريين في هذه المدينة الواقعة شمال المتوسط.

ولعلّ ما جعل هذا الاستقبال ممكنا، مواقف عمدة مارسيليا الذي ينتمي إلى اليسار الفرنسي، ذات الطابع التصالحي مع الجزائر والتي تتصدى لتجاوزات اليمين المتطرف في موضوع الذاكرة. وفي تصريحاته، قال بينوا بايان، إن اللقاء كان “حميميا”، واصفا الرئيس تبون بـ”الرجل الفخور والملم بالتاريخ وتفاصيله ويحمل رؤية رائعة لمستقبل بلده”. وأضاف أن اللقاء سمح بالتطرق إلى “الأوضاع والمستجدات والتطورات الحاصلة في العالم” وإلى زيارته إلى الجزائر التي تعد “جد مهمة”، مثلما قال.

ورغم ما يبدو من تجاوز للأزمات الدبلوماسية بين البلدين خاصة في سنة 2023، لا تزال العلاقات بين الجزائر وفرنسا ملغمة بملف الذاكرة، حيث تحدثت مؤخرا وسائل إعلام فرنسية عن وجود إشكالات قانونية تتعلق تسليم مقتنيات الأمير عبد القادر إلى الجزائر، وهو ما كانت الجزائر قد طالبت به لإتمام زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا. ويأتي لقاء الرئيس تبون بعمدة مارسيليا، بعد فترة طويلة لم يستقبل فيها مسؤولين فرنسيين، بعد القطيعة التي عرفها البلدان السنة الماضية، والتي طبعتها بشكل خاص قضية الناشطة أميرة بوراوي التي اتهمت السلطات الجزائرية المخابرات الفرنسية بتهريبها عبر تونس إلى فرنسا.

ويتحدث عمدة مارسيليا في كل مرة بإعجاب عن الجزائريين المقيمين في المدينة التي يشرف عليها، وذلك عكس الصورة النمطية التي يتم تصويرهم بها في الإعلام اليميني. وقبل مدة، تحدث بايان في تصريحات جريئة، عن شكره للجزائريين على مساهمتهم في بناء وازدهار مدينة مارسيليا التي وصفها بأنها أكبر مدينة جزائرية في فرنسا. وأبرز أن الجزائريين ساهموا بشكل كبير في جعلها ما هي عليه اليوم، وفقًا لما نقلته صحيفة لابروفانس. ولفت إلى أن الجزائريين هم جزء من تاريخ مارسيليا التي  أعيد بناؤها جزئيًا من قبلهم بعد الحرب، وهي مدينة أيضًا مكونة من نساء ورجال يحملون تاريخًا وهوية فريدة”، وفق ما قال.

وكلّفت هذه التصريحات عمدة مارسيليا، هجوما ضاريا من قبل اليمين الفرنسي المتطرف، حيث كتب إيريك زمور رئيس حزب “استرداد” على حسابه على موقع “إكس” ردا على جملة “مارسيليا أكبر مدينة جزائرية”: “أقول لسكان مارسيليا: مع ستيفاني رافيير (مرشح الحزب) سنستعيد مرسيليا ونعيد المدينة الفينيقية إلى المارسيليين حتى تظل فرنسية”.

ولا يبدو بايان مكترثا لليمين المتطرف الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في مارسيليا، حتى أنه قام قبل سنتين بتغيير اسم مدرسة كانت تحمل اسمح السفاح في فترة احتلال الجزائر الماريشال بيجو، إلى المقاوم الجزائري ضد النازية أحمد ليتيم. وذكر الرجل في تغريدة له، أن” المدرسة لن تحمل اسم السافاح بيجو بعد اليوم، وسنطلق عليها اسمًا جديدًا، هو اسم بطل جزائري، اسم بطل ضحى بحياته لتحرير مدينتنا”. ولفت العمدة إلى أن تاريخ فرنسا هو أيضًا تاريخ بيجو وتاريخ الاستعمار والخيانة عبر التعاون مع ألمانيا، مبرزا أن المدينة اختارت أن تعطي حسبه أطفال مرسيليا مثال البطل وليس الجلاد”، على حد قوله.

ولتأكيد الارتباط بين مدينته والعاصمة الجزائرية، قال عمدة مارسيليا في زيارته الحالية، إنه اختار الجزائر كـ”أول وجهة” له خلال عهدته، التقى خلالها مع الشباب الجزائري الذي وصفه بأنه “شباب ناجح ومبدع ويرفع التحدي” كما التقى مع “أشخاص مميزين يحبون وطنهم ويؤمنون بالتطور الاقتصادي للجزائر”. وأوضح في هذا الصدد، أن زيارته إلى الجزائر تعد “فرصة لحث أرباب الأعمال من البلدين على التقرب أكثر”.

وتضمنت أجندة زيارة بايان، توقيع اتفاقية تعاون تغطي عدة مجالات بين ولاية الجزائر ومدينة مرسيليا، تخص “الهندسة الحضرية وتثمين التراث وحماية البيئة والرياضة، مع إمكانية توسيعها لتشمل مجالات أخرى وفقا لتطلعات سكان المدينتين”. وأعرب والي العاصمة أحمد رابحي بهذه المناسبة، عن التزامه “بعدم ادخار أي جهد” لتعزيز التنمية المستدامة في الجزائر ومرسيليا، اللتان هما “مدينتين رائعتين” في البحر الأبيض المتوسط. وتهدف السلطات الجزائرية في خطتها العمرانية، لتحويل الجزائر العاصمة إلى واحدة من أهم العواصم المتوسطية، حيث تم إطلاق أربعة خطط للتهيئة والترميم والتحديث، والتي ستسمح بتجديد النسيج الحضري للمدينة، وتحديث شبكات النقل وإعادة تهيئة الواجهة البحرية.

وفي تصريح له خلال حفل توقيع الاتفاقية، أشاد عمدة مرسيليا ب “الإرادة السياسية” للطرفين بغية تعزيز التعاون من خلال المشاريع التي تعود بالفائدة على مواطني هاتين المدينتين المتوسطيتين الكبيرتين. وخلال زيارته إلى الجزائر، قام الوفد الفرنسي، بقيادة عمدة مرسيليا، بزيارات لعدة معالم في العاصمة، على غرار كنيسة “السيدة الإفريقية” والقصبة وحديقة التجارب ومتحف الفنون الجميلة ومقام الشهيد، كما كانت له زيارة إلى جامع الجزائر المدشّن حديثا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية