جنيف ‘لعبة الكبار!

حجم الخط
0

الجميع يشد رحاله، ويحزم حقائبه الى ميدان جنيف، المنتصرون والمنهزمون، الفرقاء والحلفاء، تاركين خلفهم بقايا هشيم واطفال يتساقطون كاوراق الخريف بحكم صواريخ سكود والمدفعية.
كل الاطراف ستفرد حقائبها على طاولة واحدة، فهناك ورقة روسية، امريكية، ايرانية، خليجية وغربية. فمن الذي يملك يملك الورقة الرابحة؟ ومن الذي سينتصر؟
لا احد يستطيع ان يتنبأ من الذي سيخرج منتصرا في هذه الحرب المدمرة، التي ما تزال نارها تحرق الاطفال، النساء والشيوخ، وتأكل الاخضر واليابس. ولكن من الواضح في نهاية الامر، من في حوزته مفاتيح الازمة واسرارها، يستطيع فك طلاسمها.
الذهاب الى جنيف، ليس كمن يتسوق في سوق الحميدية المشهور في دمشق، الذي يستقبل السياح من جميع ارجاء العالم، أو يذهب الى شاطئ اللاذقية الجميل ويستمتع بجماله.
مؤتمر جنيف ليس الا ورقة بيد الكبار، فعمليا بوتين لن يذهب اليه ليلعب الجودو، وباراك اوباما لا يجد افضل من امريكا لممارسة لعبة الركبي، اذا السؤال المطروح هو، ماذا يملكه الاسد ليذهب الى جنيف، خاصة انه لا يجيد لعبة الجودو ولا الركبي؟
سياسيا، يرى الاسد في روسيا حليفا استراتيجيا وحاميا لعرشه، لا يقهر امام الضغط الامريكي، ومدافعا شرسا في المحافل الدولية، فموسكو استخدمت الفيتو ثلاث مرات مع بكين في وجه الامريكان والغرب والعرب معا لصالح نظام الاسد. ولا تجد حرجا في الدفاع المستميت عنه بمناسبة وغير مناسبة، بحكم وجود علاقة تاريخية، اقتصادية وعسكرية بينهما. وانطلاقا من هذه الشراكة يجد الاسد نفسه محاطا بالجدار الروسي الصلب.
واما عسكريا، فيؤمن الاسد ان قوته نابعة من منظومته العسكرية والامنية، مع قناعته ان جيشه يحقق انتصارات كبيرة على المجموعات المسلحة والارهابيين، وذلك بفضل مساعدة ودعم حزب الله وايران، التي ترى أن أي انتصار للنظام السوري هو انتصار لها ايضا، ذلك انه، في نظرها، جزء من المقاومة الوطنية ضد المشروع الصهيوني والامريكي في المنطقة. منذ انطلاقة الثورة في 2011 في درعا وحتى تجاوز عدد القتلى اكثر من مئة ألف شخص، يصر بشار الاسد على ديباجته القديمة بمحاربة الارهاب، واستخفاف بالحالة المزرية التي وصل اليها الشعب، فحسب تقديرات الأمم المتحدة أن سبعة ملايين سوري نزحوا بسبب الأزمة و’اكثر من نصف السكان فقراء، بينهم 7.9 مليون يعيشون على خط الفقر و4.4 مليون في فقر مدقع’.
ففي مقابلة له مع قناة الميادين اللبنانية، صرح الاسد بانه لا يوجد مانع في الترشح للرئاسة، وحدد شروط مشاركته في المؤتمر المزمع انعقاده في نهاية الشهر القادم ‘بعدم التفاوض مع الارهابيين وبالقاء السلاح وعدم التدخل الاجنبي’، في خطوة استفزازية نسفت كل الجهود الرامية الى وقف القتال والجلوس الى طاولة المفاوضات، إذ ما تزال الحكومة تمارس لعبة القفز على الواقع وتتجاهل الصورة الحقيقة للوضع، وتكرر مقولتها ‘لن نهزم’، ولن ‘نسلم السلطة للطرف الآخر’، فوليد المعلم يصرح بان النظام ذاهب الى جنيف 2 لوقف العنف وليس لتسليم السلطة، والاسد يقول انه لا تفاوض مع الارهابيين، في رسالة واضحة ان جنيف ميت قبل ان يرى النور.
مشكلة النظام السوري في انه لا يتقبل فكرة الهزيمة والاستسلام، ولا يعترف بالاخر كشريك في العملية السياسة، وهذه نابعة من معتقداته النظرية والفكرية التي تربى عليها، فمبدأ القوة والغطرسة مغروسة في عقليته الشوفينية، وما من لغة يتعامل بها شعبه سوى لغة السلاح والقتل.
فمنذ استلام حزب البعث السلطة عام 1963 وحتى الان يعد نفسه قائدا للدولة والمجتمع، إذ سخر البلاد والعباد في سبيل مصلحته، واستخدم كل وسائل القمع والقتل لتصفية معارضيه. ففي مفهومه ان معركته مستمرة الى ما لانهاية، ويعيش في حالة حرب دائمة مع الاعداء من الامبريالية الدولية والصهاينة، وفي نظره جنيف أو اي اجتماع اخر ليس سوى حلقة صغيرة من حلقات صراعه مع الاطراف المعادية.
وعندما يقول الاسد ان شروط نجاح المؤتمر غير متوفرة، ويضع مئة سؤال واستفهام حول مشروعيته أو عدم مشروعيته، فانه يدرك تماما ان مصير جنيف 2 سيكون مثل جنيف 1، ويحاول ان يضع الكرة في ملعب الاخرين عبر تلميحه بانه لا حوار ولا جنيف قبل القضاء على الارهاب والجماعات المسلحة.
نفهم من هذا الكلام ان النظام غير مستعد ان يتخلى عن سلاحه ويوقف الحرب، ويبدأ حوارا سياسيا شاملا مع كافة اطراف المعارضة، عبر تقديم مبادرات وحسن النية لانجاح المؤتمر، كوقف القتال والافراج عن المعتقلين والسماح بدخول المساعدات الانسانية الى المناطق المحاصرة.
الرئيس الشاب يشعر بانه يعيش اجواء النصر، وان ابواب قلعة دمشق فتحت مرة اخرى للزوار، واما جنيف فهو يجابه طريقا طويلا وصعبا، ولا بأس اذا كان سكان المعضمية في اطراف دمشق يأكلون القطط والكلاب، تلك هي معادلة الاسد.

‘ كاتب واعلامي من سورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية