صراع مغاربي علي الاسلام الصوفي واسلام الجالية في فرنسا

حجم الخط
0

صراع مغاربي علي الاسلام الصوفي واسلام الجالية في فرنسا

منتصر حمادةصراع مغاربي علي الاسلام الصوفي واسلام الجالية في فرنسا اذا كانت هناك علاقة ولو غير مباشرة بين تنظيم الجزائر ملتقي دولي حول الطريقة التيجانية (تم ذلك من 23 الي 25 تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم) وبين اشراف المغرب علي تأسيس أول معهد للدراسات الانسانية في ليل بشمال فرنسا ومعترف به من طرف السلطات الفرنسية (في نفس الذي اختتم فيه مؤتمر التيجانية)، فلن تخرج عن قاعدة المجابهات السياسية القائمة بين الجارتين، والتي ان كانت تتخذ سمات سياسية أو استخباراتية أو أمنية في الغالب، فانها كانت مُغَلَّفة بطابع ديني صرف هذه المرة.ولنبدأ بالملتقي الجزائري الذي كان مصيره التجاهل المغربي شبه التام في البدء، وتَجَسَّدَ ذلك عمليا عبر غياب التمثيلية المغربية في المؤتمر، بالرغم من اسقاط الجزائريين حضور الوفد الصحراوي من قائمة المدعوين من أجل تفادي ازعاج المدعوين المغاربة، وعندما سُئِلَ وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري أبو عبد الله غلام الله عن خلفيات غياب الوفد المغربي، صَرَّحَ بالحرف: نحن نحكم علي ظواهر الأمور.. والوفد المغربي أبلغني اعتذاراته بسبب تزامن الملتقي مع عمل مهم لهم خارج البلاد .بالفعل، كانت مهام لوفود وزارية خارج المغرب في تلك الفترة، دون أن يكون هناك وفد واحد من وفود الوزارة في حفل تأسيس معهد ابن سينا في فرنسا الذي اعتبر انتصارا مغربيا أمام الجزائر في حرب طويلة امتدت لسنوات، دارت حول الفوز بتأسيس أول معهد اسلامي للدراسات الانسانية. والمفارقة أن غياب الوفد المغربي عن لقاء فرنسا، مرده خلاف مغربي/مغربي وليس بين المغرب والجزائر سوف نتطرق اليه لاحقا. تسييس التصوف ضدا علي الجهاديينانه احد شعارات المرحلة في ما أصبح يصطلح عليه بـ الحرب علي الارهاب .فالمغرب، منخرط بشكل أو بآخر في هذه الجبهة بالذات، وبوتيرة تفوق انخراط باقي الدول العربية والاسلامية في الشق الخاص بتوظيف التصوف في هذه الحرب الكونية المفتوحة بين الادارة الأمريكية والحركات الاسلامية الجهادية، حتي أن الاسم الذي عَوَّضَ محمد العبادي علي رأس مديرية الأوقاف والشؤون الاسلامية ـ نتحدث هنا عن المنصب الثاني في الوزارة من حيث الأهمية ـ هو أحمد قسطاس والمنتمي هو الآخر الي الزاوية القادرية البودشيشية. (تبقي السينغال باعتبارها دولة تيجانية بامتياز، دولة اسلامية منافسة للمغرب في مجال توظيف التصوف، وقد تجلي ذلك في حربها ضد جماعة سلفية تُدعَي عباد الرحمن ، حيث استعانت داكار بزعماء التيجانية لجمع التأييد الشعبي ضد التوجهات المتشددة للجماعة) بالنسبة للجزائر، هناك اجماع من لدن المراقبين علي ان الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة استعان منذ صعوده الي سدة الحكم بتيار السلفية العلمية من جهة (علي غرار ما هو قائم اليوم في المغرب أيضا) وبالتيار الصوفي في حربه ضد الجهاديين، سواء تعلق الأمر بـ الجماعة الاسلامية المسلحة أو الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تتخذ من الصحراء الكبري منطقة استراتيجية لنشاطاتها.تنظيم الملتقي يندرج اذن ضمن سياقات عدة، منها سياق الحرب علي الجهاديين، ومنها أيضا منافسة المغرب علي احتكار النطق باسم الزاوية التيجانية، وهناك سياق ثالث لم يحظ بكثير من الاهتمام، ومرده اشاعات روجت أثناء المؤتمر ومفادها أن بوتفليقة يتحدر من أصول تيجانية (يري أحد الكتاب أن اهتمام الجزائر بورقة الزاوية التيجانية يعود الي هرم السلطة الممثل في رئيس الجمهورية الذي لا يمكنه أن يزور ولاية الأغواط ـ أكثر من 4 زيارات في عهدة ونصف ـ من دون أن يتجه صوب المزار الشريف لأصحاب الطريقة ويلتقي بشيخ الطريقة، ولا أدل علي أن للسلطة مصلحة في تقربها من الطرق الصوفية. حفظ للبقاء والمراعاة الدائمة لكل ما يمكن أن يحرك نشاط الطريقة، مع التزام ضمني بحماية الكرسي بصورة الارادة الالهية والفتوي الدينية وتزكية من الشيخ تسهم في كسب أكبر وقت في الحكم وتغييب أكثر للمشروع الاسلامي الحضاري الهادف لنهضة الأمة . انظر: عبد القادر سعيد. الطريقة التيجانية: الورد، النفوذ والحكم. مقال مؤرخ في 7/7/1427 الموافق لـ26/11/2006).احتكار النطق باسم الزاوية التيجانيةاعلان الجزائر عن تنظيم الملتقي كان شرارة اندلاع حرب تصريحات بين الجزائر والمغرب، تصب في التلويح بأحقية احتضان الطريقة وأتباعها. وهكذا أشار غلام الله (وزير الأوقاف والشؤون الدينية الجزائري) الي أن الجزائر ترغب في اعادة تأهيل الزوايا والطرق الدينية بغرض الدفاع عن الهوية الجزائرية ، في احالة الي الشق الديني الخاص بالحرب علي تنظيم القاعدة وأتباعه في المنطقة، أما رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم فقد صرح بأن جزائرية الطريقة التيجانية التي يبلغ عدد أتباعها أزيد من 350 مليون نسمة في العالم لا تحتاج الي الاعتراف ، دون اغفال معطي ميداني بعيد عن المقصود بتصريحات الجارين، يشير الي أن الجزائر تضم هي الأخري مجموعة من الطرق الصوفية، كالقادرية والرحمانية والهبرية، وفي الشق الخاص بالزاوية/الطريقة التيجانية، نجد أنها تضم أضرحة أبناء وأحفاد مؤسس الطريقة، وتحديدا بمدينة عين ماضي بالأغواط، والأهم من ذلك أن الزاوية التيجانية توجد في عين ماضي حيث يزورها منتسبو الطريقة من كل أصقاع العالم.صدر الرد المغربي علي لسان أحمد يسف، رجل القصر في وزارتي المدغري والتوفيق، ورئيس المجلس العلمي الأعلي، عندما أكد في أول رد علي مؤسسة الاسلام الرسمي بأن تنظيم الجزائر للملتقي اياه يندرج في اطار موقفها من قضية وحدتنا الترابية . وهناك معطيات ميدانية تخدم الموقف المغربي من قبيل أن المغرب تعود علي تنظيم مؤتمر سنوي للطريقة، وكون مدينة فاس تضم ضريح أحمد التيجاني، مؤسس الطريقة دون سواه.الحضور الكبير للوفد السينغالي استفز المسؤولين المغاربة، فقد حضرت 31 شخصية مما يفوق 100 مدعو للملتقي، وذلك بالنظر الي ثقل النفوذ الكبير الذي تحظي به الطريقة في العالم، ومعلوم أن السنغال لديها كلمة مسموعة ونافذة لدي التيجانيين في كل العالم وليس في افريقيا فحسب، ومن هذه الخلفية نقرأ توظيف المسؤولين في البلدين لما صدر عن ممثلي الوفد السنغالي في الملتقي.فوسائل الاعلام الجزائرية تعمدت الترويج لتصريحات رئيس المركز الاسلامي السنغالي والرئيس الموجه للطريقة التيجانية في السنغال المرشد أحمد غيان شيام، وجاء فيها أن مشاركته كعضو في الوفد تهدف الي توطيد العلاقات بين المسلمين في كل مكان بصفة عامة وبين السنغال والجزائر بصفة خاصة ، مؤكدا أن عدد أتباع الطريقة التيجانية في بلده السنغال لا يقل عن ستة ملايين تيجاني من مجموع 10 ملايين مواطن سنغالي، في حين روجت وسائل الاعلام المغربية الي ما صدر عن نفس المسؤول للمفارقة، والذي أشار الي أن المشاركة السنغالية تندرج في اطار الجانب الروحي فقط ، و أنه لا ينبغي فهمها علي أنها ضمانة سياسية . (زار الملك محمد السادس السينغال في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، وحسب ما جاء في جريدة الشروق الجزائرية عشية افتتاح الملتقي، فقد كان من بين أهداف الزيارة الملكية ثني الوفد السنغالي عن المشاركة في ملتقي الأغواط بالجزائر ) غابت مالي عن الملتقي الجزائري، بل واتخذت منابرها الاعلامية مواقف نقدية من المبادرة الجزائرية، وليس صدفة أن تروج وكالة المغرب العربي للأنباء (وكالة الأنباء الرسمية بالمغرب) بعضا من هذه المواقف، ولكن في المقابل حضرت 100 شخصية ممثلة لثلاثين دولة منتسبة للطريقة وقدموا من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومصر وسورية وليبيا وتونس والسودان والسنغال وغامبيا وكولومبيا، ولا توجد معطيات دقيقة عن حضور الوفد الليبي في الملتقي، ما بين تأكيد الأجهزة الجزائرية ونفي نظيرتها المغربية. صراع مغربي داخلي حول اسلام فرنسا بحضور ممثلين عن الحكومة الفرنسية وحكومة اقليم الشمال وبلدية ليل، اضافة الي أعضاء المكتب التنفيذي للمؤتمر الاسلامي الأوروبي، وممثلي الجمعيات والمراكز الاسلامية في فرنسا، افتتح يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، (يوم اختتام أشغال الملتقي الجزائري حول الطريقة التيجانية) معهد ابن سينا للدراســــات الانسانية في فرنسا.معهد ابن سينا هذا هو الأول من نوعه في أوروبا كونه مُعترفا به رسميا من الحكومة كمؤسسة تعليمية ويستند للبرنامج التعليمي الأوروبي، ويخضع لنظام التدريس الأوروبي الذي يقوم علي ثلاث مراحل، (اجازة، ماجستير، دكتوراه)، ويُعنَي بشكل خاص بتأهيل الأئمة والمرشدين، بما يتناسب مع أوضاع الأقليات المسلمة في أوروبا، ومن المفترض أن يغطي احتياجات المسلمين والمهتمين بالاسلام علي نطاق المنطقــــة الناطقة بالفرنســـية، وأن ـ بيت القصيد وراء التأسيس ـ يُمَهِّد لافتتاح معاهد مشابهة في الدول الأوروبية الأخري بالتعاون مع حكومات الدول والاتحاد الأوروبي.الوصول الي بيت القصيد هذا يفسر الصراع السياسي الكبير القائم منذ سنوات بين الرباط والجزائر، والذي انتهي بظفر المغرب بصفقة الاشراف علي افتتاح معاهد مشابهة في الدول الأوروبية الأخري بالتعاون مع حكومات الدول والاتحاد الأوروبي ، ما دامت انتماءات أعضاء هيئة التدريس أو اللجنة الاستشارية بالمعهد تضم مشارب مذهبية وفكرية متعددة (نجد في لائحة الأساتذة الزائرين كلا من طه عبد الرحمن وعبد الكبير العلوي المدغري من المغرب ـ عبد الكبير العلوي هذا هو وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية المغربي السابق ـ وعمار الطالبي ومحمد أركون من الجزائر وبرهان غليون من لبنان ومحمد المستيري (عضو سابق في حركة النهضة التونسية) وفوزية العشماوي من مصر والأستاذة بجنيف، وبالنسبة للأسماء الغربية، وجلها من فرنسا، نجد علي الخصوص بول بالطا وأوليفيه روا وفرانسوا بورغا وبيير جوكس وبرونو ايتيان..).علي أن جانبا آخر من الصراع، كشفت عنه اللقاءات التي سبقت الاعلان عن تأسيس المعهد، والصراع مغربي داخل هذه المرة.فاذا كان غياب الجامعات الجزائرية ضمن لائحة الجامعات التي أبرمت اتفاقية تعاون مع المعهد لا يثير الكثير من التساؤل، فان الأمر مختلف بالكلية مع غياب أية مؤسسة جامعية مغربية، لاعتبارين اثنين علي الأقل:ـ يرتبط الأول بالحضور الوازن لجامعات اسلامية وغربية (هناك مؤسسة الأزهر بمصر وجامعة الزيتونة من تونس والجامعة الاسلامية بداكار والجامعة الاسلامية للدعوة ليبيا اضافة الي منظمة الاسيسكو وأكاديمية الفقه الاسلامي ومعاهد من الأردن واليمــــن.. هذا عن الشق العربي، وبالنسبة للجامعات الغربية، فهناك جامعات من لندن (أوكسفورد) والنمسا واسبانيا وهولندا…ـ ويتعلق الاعتبار الثاني بعلاقات مؤسس المعهد محمد بشاري (الأمين العام للمؤتمر الاسلامي الأوروبي ورئيس الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا )، فهو مقرب من دوائر الحكم بالمغرب، ما دام يمثل المغرب في المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية (في مواجهة دليل أبو بكر الذي يمثل الجزائر في المجلس وفؤاد العلوي أمين عام اتحاد المنظمات الاسلامية الفرنسية الذي يمثل من يُصطَلحُ عليهم بـ اسلاميي فرنسا ، من منطلق انتمائهم للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين).لم يشفع انتماء مؤسس المعهد للمغرب من أجل أن يحظي حدث الافتتاح بحضور ممثلين عن وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، لأن الوزارة الوصية علي الشأن الديني في المغرب كانت طرفا في الصراع حول الانضمام الي المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية ، وقد امتدت تداعيات الصراع الي المحاكم الفرنسية، والتي انتصرت في نهاية المطاف لرجالات عبد الكبير العلوي المدغري (الوزير السابق) علي حساب رجالات أحمد التوفيق (وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية المغربي الحالي)، والطريف أن الصراع المغربي/المغربي ساهمت فيه أطراف جزائرية.وما بين الصراع المغربي ـ الجزائري حول احتكار النطق باسم الزاوية التيجانية، والصراع المغربي ـ الجزائري حول احتكار النطق باسم الاسلام الفرنسي، يتبين للمتتبعين أن هناك جولات قادمة في الطريق، ويتعلق بعضها بالمشهد الاسلامي في فرنسا، والبعض الآخر بواقع الاسلام الرسمي في عقر المغرب والجزائر علي حد سواء.ہ كاتب من المغرب8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية