الإخوان السوريون والإرهاب

عندما وضعت المملكة العربية السعودية جماعات وأحزابا على قائمة الإرهاب، سارع بعض الكتاب ممن يتصيدون في الماء العكر، ومن دون أن يفوضهم أحد، إلى الإنعام على جماعات بعينها بدمغة الإرهاب على هذه الجماعة أو تلك، من دون أن يكون لديهم اي دليل من عقل أو نقل أو برهان. وقد أشارت أصابع هؤلاء إلى اتهام الإخوان المسلمين السوريين بأنهم مشمولون ببيان السعودية باعتبارهم جزءا من التنظيم العالمي للإخوان. فإلى أي مدى تحظى هذه المقولة بالمصداقية؟
نذكّر بأن جماعة الإخوان المسلمين في سورية وعلى مدى70 عاما منذ أسسها الشيخ مصطفى السباعي كان منهاجها تربية الفرد المسلم ونبذ العنف. وعندما انضم بعض أفرادها في سبعينات القرن العشرين للطليعة المقاتلة التي أسسها أنصار مروان حديد، سارعت الجماعة إلى فصلهم منها. وعندما حصلت حادثة المدفعية عام 1979 أعترف العقيد ‘علي سعد الدين’ رئيس فرع مخابرات أمن الدولة في حلب في اجتماع مع علماء حلب ووجهائها أن الإخوان المسلمين ليس لهم علاقة بهذه الحادثة، وأن من نفذها أفراد من الطليعة المقاتلة. ثم عاد النظام ليتهم الإخوان المسلمين أنهم وراء الحادثة، ليبرر اعتقال عشرات الآلاف منهم، وزرع الرعب في قلوب السوريين، فهاجر مئات آلاف السوريين إلى خارج سورية.
حظي الإخوان المسلمون السوريون باحتضان المملكة لهم مع تصاعد عدوان حافظ أسد على شعب سورية في عام 1979. ولم يكتف بذلك فقد أصدر قانون الذبح 49 لعام 1980، الذي يحكم بإعدام كل منتمِ للإخوان المسلمين وبأثر رجعي، ما اضطر مئات آلاف السوريين إلى الهجرة للدول المجاورة، كان نصيب المملكة العربية السعودية الحصة الأكبر من المهجرين السوريين، وكان أغلبهم من الإخوان المسلمين، فمنحتهم المملكة الإقامات، وفتحت أمامهم سبل الرزق، واستوعبت مدارسها وجامعاتها ألوف المدرسين. وقد حفظ السوريون، خصوصا الإخوان المسلمين، هذه اليد الكريمة للمملكة العربية السعودية.
ويوم أن تظاهر الشعب السوري في 15 آذار 2011، تظاهرا سلميا مطالبا بحريته وكرامته، لم يقبل منه بشار أسد التفاوض، ولو على نصف ما يطلب، بل حصدت آلته العسكرية عشرات القتلى في درعا وفي دوما وفي طرطوس وغيرها. اعتقل أطفال المدارس في درعا، وعندما جاء أولياؤهم يطلبون تسليم أطفالهم رد عليهم رئيس الأمن السياسي العميد عاطف نجيب ابن خالة بشار أسد ببذيء الكلام، ومات الطفل حمزة الخطيب تحت التعذيب.
وخلال ستة أشهر تظاهر فيها السوريون تظاهرا حضاريا، ليس لديهم إلا الحناجر يعزفون بها الأناشيد التراثية، بعد أن حوروا فيها لتناسب ‘العراضة الوطنية’. وشهدت ساحة العاصي في حماة نزعَ حنجرة المنشد ‘إبراهيم قاشوش’ ورمي بجثته في نهر العاصي بعد أن أنشد قصيدته الشهيرة ‘يللا ارحل يا بشار’. في هذه الأثناء زاد النظام في قمع المتظاهرين، وبدأ السوريون يلحظون مشاركة الإيرانيين في القتال إلى جانب النظام، خصوصا القناصة حيث ينعزلون فوق الأسطحة، ويقتلون المارة ببنادقهم القناصة.
أدركت دول شقيقة وصديقة أن إيران تتدخل بقوة في سورية، خاصة أن خطوط الإمداد للنظام كانت مفتوحة إيرانيا عن طريق العراق. كانت السعودية من أول من تنبه إلى التدخل الإيراني فعملت على دعم الشعب السوري لزيادة صموده. كان الدعم لا يفرق بين فصيل وآخر، وكان الإخوان هم الفصيل الأكثر تنظيما في المعارضة، وأي دعم تقدمه يصل إليهم باعتبارهم جزءا من المعارضة. ومرة أخرى قدر الأخوان المسلمون مساعدة المملكة للشعب السوري.
لقد ذهبت المملكة العربية السعودية إلى آخر الشوط مع الشعب السوري حين رفضت عضوية مجلس الأمن وقد انتخبت لتشغل كرسي العضوية لمدة سنتين، وكل الدول تتمنى هذه العضوية. دفعها إلى الرفض أن مجلس الأمن كله لم يقدم للشعب السوري شيئا، فلا تريد أن تكون شاهد زور، حين تشغل عضوية مجلس الأمن ولا تستطيع أن تقدم للشعب السوري شيئا من الحماية والأمن. رفضت لأنها لا تستطيع وحدها رفع إرهاب بشار أسد عن السوريين.
لم تكن علاقة الإخوان بالسعودية علاقة أخذ فقط. فقد حفظ التاريخ القريب للإخوان المسلمين مواقفهم من عصابات الحوثيين عندما هاجموا جنوب المملكة، فأصدر المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية الأستاذ ‘علي صدر الدين البيانوني’ بيانا في 10 تشرين الثاني 2009، أدانت فيه جماعة الإخوان المسلمين الهجوم الغاشم، جاء فيه:
(وحين تزحف فلول مجموعات الحوثي، في هذه الأيام، إلى أراضي المملكة العربية السعودية ..إنّما تكشف عن النيّات المبيّتة، للقائمين على هذا المشروع الأثيم، الذي هو، في حقيقته، ليس مشروع دفاع عن وجود، أو مطالبة بحقوق.. بل هو مشروع بناءٍ لكيان مزروع، ليؤدّيَ دوراً استراتيجياً، في زيادة حجم الفرقة والانقسام، في قلب بلاد العرب والمسلمين..!).
أشاد في حينه صحافيون سعوديون منصفون بهذا البيان الذي انحاز إلى المملكة. واعتبروا بيان إخوان سورية صرخة إنذار ولفْت انتباه إلى خطورة هذا الكيان المزروع الذي يشبه إسرائيل إلى حد بعيد. يبقى أن نقول أن المملكة العربية السعودية استضافت عشرات الآلاف من الإخوان المسلمين، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لم يروا فيها إلا الترحيب والإكرام، ولم يعهد منهم أنهم أساءوا إلى المملكة، ملتزمين قول الله: (وهل جزاء الإحسان إلا الإحزان).

‘ كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول شادي غسان / فلسطين:

    يرجى معالجة الخطأ الوارد في الآية الواردة بآخر المقال والذي أفترض أنه غير مقصود

  2. يقول mazen tarraf:

    المملكه ضد اخوان مصر بينما تدعم اخوان سوريا للتذكير الاخوان اول مسلمين في سوريا تقلدوا مناصب كبيره منذو 1986

إشترك في قائمتنا البريدية