إشكالية وجود عمرو موسى في حملة السيسي ورئاسته للوزارة!

عمرو موسى ظاهرة تحتاج التوقف عندها ودراستها ومحاولة فهمها، ومنذ أن شغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية وأنا أتابعها بالفحص والتدقيق والرصد، وأذكر أنني تناولتها من سنوات، ومن أجل التوضيح أحلت القارئ إلى كتاب المفكر السعودي الراحل عبد الله القصيمي وكان عن ‘العرب ظاهرة صوتية’؛ تسمع الصوت ولا تجد الفعل، وكان القصيبي يقصد الطبقة السياسية وأولي الأمر فيها، أو ما يطلق عليه الآن بالنخب، وتجسدت الظاهرة الصوتية في موسى واختُزلت في شخصه بامتياز. وأعود إليه بعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود؛ إثر إعلان المشير السيسي في خطابه الأخير عن عدم ممانعته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
واسم عمرو موسى تكرر كثيرا؛ مرة مسؤولا عن حملة السيسي الانتخابية، ومرة مرشحا رئيسا للوزارة بعد الإنتخابات الرئاسية، وبدا الأمر جادا وليس مجرد شائعات وتكهنات، ونشرت صحيفة ‘اليوم السابع’ السبت الماضي على لسان الكاتب الصحافي عبد الله السناوي؛ عمرو موسى سيكون له دور جوهري في المرحلة المقبلة، وسيكون أهم شخصية سياسية مع المشير السيسي، وربما يكون هو رئيس الوزراء في حكومته إذا جاء رئيسا.
وفي مداخلة هاتفية مع برنامج ‘يحدث في مصر’ ذكر السناوي أن موسى سيكون إضافة لملف السياسة الخارجية خلال فترة تولي السيسي، والأرجح أنه سيكون أول رئيس حكومة!.
وعمرو موسى قريب من نموذج محمد البرادعي، مع وضع الفروق الفردية بينهما في الاعتبار، وكان البرادعي قد سعى جاهدا لشغل منصب رسمي رفيع في مصر؛ تخلصا من وضعية الموظف التابع لجهة أجنبية؛ يستمد قيمته ووجوده منها، ويعمل لحسابها، وينفذ أجندتها، وهي دائما على حساب بلده، ومثل هذا الموظف بلا إرادة تقريبا، ومجرد ‘عبد مأمور’؛ غير مؤهل لزعامة أو قيادة غالبا، إلا استثناءات نادرة، ولم يتحقق شوق البرادعي في شغل مقعد رئيس الجمهورية رغم رضا أغلب الأطراف الإقليمية والدولية عنه، وانحياز ‘دراويشه’ له أكثر من انحيازهم لأنفسهم، بصفته مريدهم وشيخهم ‘الليبرالي’ رغم كثرتهم ساعة عودته بعد الإحالة للتقاعد، ومع ذلك فشل، وتمنى أن يعين رئيسا للوزراء، ولم تتحقق الأمنية، حتى وجد في التعيين نائبا لرئيس الجمهورية حلا؛ وإن كان بلا مذاق، فقد حدث كجزء من توابع ثورة 30 يونيو 2013، وقد هزت أركان كانت تراهن عليه، وبعدها لاذ بالفرار إلى منتجعه الأوروبي؛ يحمل لقب نائب رئيس جمهورية مصر العربية السابق، وليس الموظف الدولي السابق.
أما عمرو موسى، الذي جاء ترتيبه الخامس في الإنتخابات الرئاسية السابقة؛ وجد في رئاسته للجنة الخمسين لوضع الدستور فرصة العودة إلى قلب المشهد السياسي، وهو يعلم أن ثورة يونيو ليست ثورته، واستخدم مهارات موظف العلاقات العامة، وخبرة ‘الموظف السامي’ في منظمة إقليمية ليملأ المشهد؛ وكان قد تدرج في عمله.. ملحقا بالسلك الدبلوماسى عام 1958، ومسؤولا في إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية عام 1977، ثم مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة عام 1990، ووزيراً للخارجية حتى عام 2001، وأمينا عاما لجامعة الدول العربية إلى 2011. وداعبته المناصب والأضواء رغم الشيخوخة، بعد عودته إلى الأضواء، ووجد الفرصة مواتية ليكون رئيسا لمجلس الشورى الملغي، ولم يفلح في تمرير نص دستوري يبقى على ذلك المجلس الصوري. فضاعت الفرصة.
ولم يبق أمامه إلا استغلال ما حاز عليه من انتشار إعلامي ليجعل من نفسه ناطقا باسم المشير السيسي، ويصرح في 11/2/2014 أنه (السيسي) سيترشح للرئاسة، وادعى أنه يستشيره بالفعل، وجاء ذلك ردا على سؤال حول ما يقال أنه أحد أهم أعضاء حملته الانتخابية.
في المقابل أشاد المشير السيسي بموسى، وقال انه أستاذه وفخور بذلك. ومن الطبيعي أن يستعين به وبغيره للحصول على معلومات عن قضايا ومشكلات داخلية وعربية ودولية. أما أن يلتصق به ويتحدث بلسانه، فالخسارة فادحة للسيسي، وأكثر فداحة على الثورة، ووضعها أمام احتمال إنتاج النظام القديم بعنصريه الليبرالي والطائفي، وعودة الفلول والكهول والحرس القديم، وموسى كان وزيرا لخارجية مبارك، ورصيده في ‘التطبيع’ أكبر من أن يسمح له بتقلد أي مسؤولية وطنية بعد 30 يونيو 2013 أو قبلها بعد 25 يناير 2011!!.
وموسى من سن حازم الببلاوي رئيس الوزراء السابق، فهومن مواليد 3 تشرين الاول /اكتوبر 1936، والببلاوي من مواليد 17 تشرين الاول/اكتوبر من نفس العام. وسيتم كلاهما عامه الثامن والسبعين في اكتوبر القادم، والاستسلام لخيارات مسنة وشائخة يصيب الدولة بالعقم والحكم بتصلب الشرايين.
وكل من يترشح لمنصب يقدم سيرته الذاتية، وسيرة عمرو موسى غير مشجعة، ومليئة بالثقوب والبقع؛ ولا تتكافأ مع تاريخ السيسي؛ ورصيده الكبير بين الشعب؛ وهو رصيد ‘البطل الشعبي’، الذي حمى البلاد وأنقذ الشعب. وتجاوزت شعبيته الحد المتعارف عليه، وبها صمد أمام حملات ضارية تخطته إلى إهانة مستمرة للمصريين، وجاءت بأثر عكسي، فالإدارة المعنية بشن وتبرير الحملات عليه تُغيب الحقائق وتعمد إلى تشويهه، وهي لا تعرف مصر حق المعرفة، وتتمادى في إهانة شعبها ‘عبيد البيادة’، حسب مفردات الحملة، وما فيها من بذاءات، ولم أر أحدا فيها يرى غير ما ينقل إليه؛ مترجما أو مرسلا إليه من مصادر مجهولة أو مُجَهلة.
وهي لا تعرف مكانة القوات المسلحة السامية وقيمتها العليا في الوجدان الوطني، وهذه سمة من سمات الصحة النفسية للشعب ودليل اتزانه العقلي، الذي لا يتغير بنشوة النصر ولا بوطأة الهزيمة، وانتزاع هذه المكانة حرث في البحر، فمصر التي انتفضت مع أحمد عرابي ردت له اعتباره رغم هزيمته أمام جحافل الغزو البريطاني 1882، واستمر قائدا عسكريا وزعيما وطنيا؛ يحسب له تصديه للنفوذ الأجنبي داخل الجيش وخارجه، وتحديه للخديوي توفيق، وخلدت صرخته: ‘لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا ولن نورث أو نستعبد بعد اليوم’.
وهزم جيش عبد الناصر في 1967، وفاجأ الشعب العالم كعادته، وخروج ملايينه في 9 و10 حزيران/يونيو 1967 لرفض الهزيمة والإصرار على القتال، ومن يومها تأكدت مقولة ‘الشعب هو القائد والمعلم’، وانتصر جيش الشعب في 1973، وإن خذلته السياسة وهزمه السياسيون، الذين سلموا الانتصار لأعداء مصر!، وما زالت الطبقة المستسلمة؛ بمكوناتها الطائفية والليبرالية والانعزالية والاستشراقية تنشر ثقافة الهزيمة، وتكثف من قصفها الأيديولوجي، وغاراتها التعبوية للنيل من الشعب وإسقاط الدولة وتقويض المجتمع، والصدام مع الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والأزهر والكنيسة.
ومن المتوقع أن يكون عمرو موسى عبئا على حملة السيسي إذا صدقت التكهنات، وهذا لا يتكافأ مع معطيات ما بعد 30 يونيو 2013، وهي تقاوم جعل الجيش الوطني ‘مؤسسة لاتينية’؛ أشبه بمليشيات جمهوريات الموز.
وإذا ما استعان السيسي بموسى علينا أن نتعرف على نوع النصائح والمشورات التي يمكن أن يقدمها له، ولن تخرج عن استئناف ‘التطبيع’ وتبرير بيع الغاز المصري للدولة الصهيونية، ووثقت صحيفة ‘اليوم السابع’ ذلك الفعل المدان؛ بنشر خطاب موقع منه بصفته وزيرا للخارجية؛ وافق فيه على تصدير الغاز لتل أبيب، وذلك في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1993 وأُرسِل الخطاب إلى وزير البترول أنذاك حمدي البنبي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكانت وزارة البترول وقتها تجري دراسات أولية لتصدير الغاز إلى عدد من الدول المجاورة ومن بينها الدولة الصهيونية!.
وهذه عمليات تصدير السلع الاستراتيجية تتم بموافقة جهات سيادية ووزارات حيوية؛ منها وزارة الخارجية. وأرسل حمدي البنبي خطابا لموسى يطلب رأي وزارة الخارجية بشأن تصدير الغاز لتل أبيب، ووافق دون تحفظ؛ بخطاب رسمي في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1992 ممهورا بتوقيعه، وصل في اليوم التالي، وتم تسجيله بدفاتر الوزارة تحت رقم 2739 وارد.
ونص الخطاب هو: ‘السيد الدكتور حمدي البنبي وزير البترول: وصلني بمزيد من الشكر خطابكم حول استراتيجيات الغاز الطبيعية وأنني أتفق معكم في الرأى في أهمية البدء في الدراسات الأولية للتصدير لمنطقة غزة وإسرائيل، وقد قمت برفع الأمر للعرض على السيد الرئيس، والسيد رئيس مجلس الوزراء، موضحاً اتفاقي ورأيكم في هذا الشأن’. والوثيقة كشفت إزدواج خطاب موسى وتناقض القول مع الفعل، ففي تصريحات صحافية لاحقة لعمرو موسى؛ رفض فيها تصدير الغاز من الأساس، ووصفه بـ’الصفقة الاقتصادية الفاشلة’، وآخر نفي لذلك جاء في لقائه مع قيادات شعبية وشباب ائتلاف 25 يناير بمحافظة أسوان في 26 نيسان/أبريل 2012.
ولعملية تصدير الغاز الطبيعى للدولة الصهيونية جانبان؛ أحدهما فني، والآخر سياسي. والمسؤولية الفنية تقع على عاتق وزارة البترول، والمسؤولية السياسية، وهي الأهم، تقع على عاتق وزارة الخارجية. وتأييد موسى لتصدير الغاز للدولة الصهيونية لا يمكن فصله عن جهد ‘التطبيع’ النشط في ذلك الوقت، وازدهر في فترة وجوده على رأس وزارة الخارجية، وإبعاد رموز الخط الوطني عن مواقع التأثير، والتزامه بتنفيذ بنود ‘معاهدة السلام’ بحذافيرها؛ مهما ارتكبت الدولة الصهيونية من مجازر وانتهاكات.
هذا غيض من فيض كاشف لجزء من سيرة عمرو موسى الذاتية وهي غير عطرة، وقد يدير حملة المشير السيسي الإنتخابية، أو يجد من يتقلد منصب رئيس الوزراء، ونصيحتي للمشير وللوطنيين والثوار.. احذروا، واتركوا أمر عمرو موسى للزمن وللشعب، وهما كفيلان بمحاسبته والقصاص منه ومن أمثاله.

‘ كاتب من مصر يقيم في لندن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نور الدين البشير:

    لا فرق بين السيسي وموسى لا ترهق نفسك بالتحليل يا سيادة الكاتب، السيسي يقدم خدمة لإسرائيل الآن تفوق عشرات المرات ما قدمه موسى من غاز لإسرائيل، ومسألة شعبية السيسي القادم للسلطة بالسلاح مطعون فيها لأننا نرى شعبية بشار الأسد قوية بين أنصاره وإعلامه وكتابه المسخرين أقلامهم للزود عنه ورفعه لدرجة القديسين، والسيسي نكسة لثورة 25 يناير التي قادها الشعب ضد الديكتاتورية والاستبداد والفساد أما 30 يونيو فهي عين الكارثة التي حلت بالشعب وستكون نتائجها وخيمة في مقبل الأيام رغم تمجيدكم لها ووصفها بالثورة

  2. يقول ابو الشباب:

    خليك مع السيسي و انت تكسب البريمو

  3. يقول عزيز:

    السيسي عمرو موسى مبارك
    تعددت الأسماء و المصدر واحد

  4. يقول سالم عواد:

    اوافق تماما رأي الاستاذ نور الدين البشير حول السيسي وموسى !! ولسوف يثبت التاريخ ان الخطأ الأكبر في مسيرة الثورة المصرية كان سببه اولئك الانتهازيين المنافقين من رجال القضاء والاعلام .

إشترك في قائمتنا البريدية