دول الخليج تتجه الى أوروبا وأمريكا بدلا من افريقيا لتحقيق الأمن الغذائي

حجم الخط
2

أبوظبي – رويترز: تتجه دول الخليج العربية إلى تغيير مسار جهودها الرامية لتحقيق الأمن الغذائي والتي تستثمر فيها مليارات الدولارات.
ففي حين قد تخلق المشروعات الزراعية الخليجية في بعض الدول الافريقية الأشد فقرا عداوات مع السكان المحليين، يتجه المستثمرون العرب إلى الدول المتقدمة التي يفوق إنتاجها الغذائي استهلاكها بكثير.
فقد اختارت شركة الظاهرة الزراعية الإماراتية هذا التوجه في آذار/مارس الماضي إذ اشترت ثماني شركات زراعية مقابل 400 مليون دولار في صربيا، أحد كبار مصدري الأغذية والتي قد يكون فيها الرأي العام أقل حساسية تجاه المشروعات الزراعية المملوكة لأجانب.
وغالبا ما تكون المشروعات في أوروبا وأمريكا الشمالية وبعض المناطق الأخرى أعلى تكلفة، وتقل فيها فرص إقامة المشروعات على أراض واسعة مثل افريقيا. غير أنها تتميز بقلة مشاكلها السياسية ومخاطرها بالنسبة للإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر والكويت التي تحتاج جميعها إلى توفير الاحتياجات الغذائية لسكانها.
وعلى مدى سنوات ظلت دول الخليج، التي تعتمد على الواردات لتلبية ما بين 80 و90 بالمئة من احتياجاتها الغذائية، تضخ أموالا في شراء عشرات الآلاف من الهكتارات من المزراع الرخيصة وغيرها من الأصول الزراعية في الدول النامية وخصوصا في افريقيا.
وكانت هذه الدول تأمل في أن تتيح لها تلك الاستثمارات استغلال سلال غذائية كبرى، مما يجنبها التقلبات العالمية في أسعار الغذاء. لكن الواقع كان مريرا. فبعض المشروعات الإفريقية أثارت اتهامات بأن المستثمرين العرب ينتزعون الأراضي التي يجب استغلالها في توفير الغذاء للسكان المحليين.
كما أثر تدهور الأوضاع الأمنية وضعف البنى التحتية سلبا على بعض المشروعات. وقال ايكارت وارتز الباحث في مركز برشلونة للشؤون الدولية إنه رغم إعلان شركات خليجية عن خطط لإنفاق مليارات الدولارات، فإن هذه المشكلات حالت دون المضي قدما في الكثير من المشروعات أو على الأقل عدم وصولها إلى حد الإنتاج الغذائي الواسع.
وقال وارتز ‘بدلا من الاستثمار في الأراضي الزراعية بافريقيا يزيد التركيز على ضخ أموال في دول معروفة بالفعل في مجال الانتاج الزراعي’. وكتب وارتز كتابا عن هذا الموضوع بعنوان ‘النفط مقابل الغذاء’.
وقد بدأت دول الخليج في ضخ استثمارات كبيرة في أراض زراعية بالخارج بدءا من عام 2008، بعد ارتفاع أسواق العقود الآجلة للحبوب بسبب سوء الأحوال الجوية في الدول الكبرى المنتجة للأغذية، وتزايد استخدام الوقود الحيوي، والقيود التي تفرضها بعض الحكومات على الصادرات الزراعية.
ولم تواجه الحكومات الخليجية الغنية قط احتمال حدوث نقص في الغذاء، ولكنها شعرت بالقلق خاصة بعد أن فقد النفط – مصدر دخلها الرئيسي – نحو ثلاثة أرباع قيمته لفترة قصيرة في عام 2008.
وفي الوقت نفسه ثمة صعوبات تواجهها البرامج العالية التكلفة الرامية لزيادة الإنتاج الغذائي في الخليج في ظل المناخ القاسي ونقص المياه في المنطقة. وبدأت السعودية في تقليص برنامج زراعة القمح المحلي عام 2008 وقررت الاعتماد على الواردات اعتمادا كاملا بحلول عام 2016.
ومن ثم شجعت دول الخليج شركاتها على شراء أراض صالحة للزراعة في الدول النامية. ومثال ذلك شركة الظاهرة الزراعية، وهي شركة خاصة مملوكة لمستثمرين في أبوظبي. ولكن بيان مهمتها يتعهد بالشراكة مع الحكومة الإماراتية في تنفيذ برنامج الأمن الغذائي الاستراتيجي.
ورغم ذلك أظهرت السنوات القليلة الماضية حدود استراتيجية الخليج الرامية لاستثمار الأموال في حل مشكلة الأمن الغذائي. وباتت مشروعات كثيرة في الخارج عرضة للتأثر بالتغيرات السياسية المحلية.
وجمعت شركة جنان للاستثمار في أبوظبي نحو 160 ألف فدان (67200 هكتار) من الأراضي الصالحة للزراعة في مصر، أحد كبار مستوردي القمح في العالم. وكانت الشركة تخطط في الأصل لزراعة علف للماشية في الإمارات.
غير أن جنان تضررت جراء ضريبة على الصادرات بلغت 300 جنيه مصري (43 دولارا) للطن، وواجهت مشكلات من بينها إضرابات عمالية ونقص السولار اللازم لتشغيل الآلات. وقال محمد العتيبة رئيس الشركة إن ذلك أجبر جنان على زراعة القمح بدلا من العلف وللاستهلاك المحلي في مصر.
وقال العتيبة أن الشركة تكبدت خسائر متكررة، ومن ثم فإنها تعمل الآن في مصر على زراعة الحبوب فقط، وستعمل في مجال الألبان ولكن جميع المنتجات للاستهلاك المحلي.
وواجه الملياردير السعودي محمد العمودي مشكلات في اثيوبيا بعد أن استحوذت شركته على نحو عشرة آلاف هكتار في منطقة غامبيلا لزراعة الأرز. وفي نيسان/ابريل 2012 نصبت جماعة مسلحة كمينا لموظفي الشركة مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص.
وقالت منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’ المعنية بحقوق الإنسان أنها تعتقد أن الهجوم مرتبط بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لإعادة توطين سكان القرى بهدف إفساح المجال أمام المشروعات الزراعية التجارية. وقالت الشركة آنذاك إنها تعتقد أن عناصر خارجية أشاعت العنف واستمرت في مشروعها.
ويقول مستثمرون خليجيون أنهم يراعون احتياجات الدول المضيفة، وإن المشروعات تعود بالنفع على السكان المحليين من خلال تنشيط الاقتصاد. لكن قد يصعب تجنب إثارة الجدل في دول لها تاريخ في الفقر والمجاعات.
وقال روب بيلي رئيس الأبحاث في المعهد الملكي للشؤون الدولية ‘تشاتام هاوس’ في لندن ‘ثبت أنه من الصعب للغاية تنفيذ مشروعات كبرى مثل المشاريع الحالية بمنأى عن المشكلات في ظل نقص البنى التحتية وسوء وسائل الري والتقنيات غير المتطورة، كما تحتاج أيضا إلى التعامل مع السكان المحليين ومشكلاتهم.’
لذلك يزداد اهتمام دول الخليج بالمشروعات التي تقام في أوروبا والولايات المتحدة اللتين تبدو فيهما المخاطر السياسية أقل ولكن لا يمكن إغفالها.
ولم تعلن تفاصيل بعض المشروعات، ولذا لا تتوافر معلومات شاملة عن حجم الاستثمارات الخليجية. غير أن بيلي قال أن دول الخليج ‘تعيد توزيع محافظها الاستثمارية’ لتتجه بها نحو الغرب في المجال الزراعي.
وتردد أن استثمار شركة الظاهرة في صربيا هو أكبر استثمار في قطاع الزراعة بالبلاد على مدى عقود، ويهدف إلى تطوير الشركات لزراعة الأغذية ومعالجتها من أجل تصديرها. وعلاوة على ذلك أعلن صندوق أبوظبي للتنمية وهو مؤسسة رسمية معنية بالمساعدات عن قرض بقيمة 400 مليون دولار لقطاع الزراعة الصربي.
وتستثمر الظاهرة أيضا في أماكن أخرى بأوروبا والأمريكتين بينما ضخت جنان استثمارات في الولايات المتحدة واسبانيا. وأسست شركة حصاد الغذائية – الذراع الزراعية لصندوق الثروة السيادي القطري – فرعا في أستراليا عام 2009 يركز على القمح والشعير والماشية.
وفي حزيران/يونيو الماضي استحوذت شركة المزارعون المتحدون القابضة ذات الملكية السعودية على مجموعة ‘كونتننتال فارمرز’ التي تملك مشروعات زراعية في بولندا وأوكرانيا وتنتج محاصيل مثل القمح والذرة. ومجموعة ‘كونتننتال فارمرز’ مملوكة لكل من الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك) وشركة المراعي السعودية لمنتجات الألبان وشركة الحبوب والأعلاف السعودية القابضة (سجاف).
وأخذت معظم المشروعات الخليجية في افريقيا شكل شراء الأراضي، مما يجعلها في حاجة لمزيد من التقنيات الزراعية اللازمة لبدء تنفيذها. وعلى عكس ذلك جرى ضخ كثير من الاستثمارات في أوروبا في مشروعات زراعية لا تحتاج إلا لبعض الدعم المالي لتنفيذها.
وقال بريان باريسكيل، مدير سلسلة التوريد لدى شركة الظاهرة ‘في أغلب الأحيان تكون هناك شركات وصلت إلى مستوى معين وتحتاج إلى استثمارات للانتقال إلى المستوى التالي وهو ما يوفر لنا شراكات جيدة.’
ويصر مسؤولون حكوميون وتنفيذيون في الخليج على أنهم لن يتخلوا عن معظم مشروعاتهم في الدول النامية. وقال العتيبة رئيس شركة جنان إنه ما زال متفائلا تجاه دول مثل السودان.
وقال خليل الشمري، المدير العام للمشروعات والعمليات في جنان، إن الشركة تريد زيادة حيازاتها من الأراضي هناك من 200 ألف هكتار حاليا إلى مليون هكتار بحلول عام 2020.
غير أن من المرجح أن تكون الاستثمارات الخليجية القادمة في مجال الأمن الغذائي أكثر حذرا وتنوعا. ويشجع مركز الأمن الغذائي في أبوظبي الذي تأسس عام 2010 لتنسيق الأنشطة في الإمارات على ضخ استثمارات في مجموعة واسعة من الدول.
وقال خليفة العلي عضو مجلس إدارة المركز إن عدم استقرار الأوضاع في بعض البلدان هو أمر واقع ومن ثم فكل ما ينبغي فعله هو توزيع المخاطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول معتدل:

    سبحان الله العظيم ،
    وكأن صربيا لم تقم بأي انتهاكات للمسلمين في كرواتيا والبوسنة والهرسك .
    و هذا الدعم مشروط بتخفيف العقوبات على مجرمي الحرب و بامتلاك العقارات والأسهم في البورصات الخليجية و عدم استثناء أحد في السفر .

    أما كان الاستثمار في كوسوفوا أو البوسنة والهرسك أفضل ؟؟؟
    أليسوا أحق بها كونهم مسلمين ؟؟

    أم أن دماء المسلمين والقتلى والثكالي و اليتامي باءت مجرد صفر وحبرا على الأوراق ؟؟

    أنسيت مجزرة سربينتسا ؟؟
    أنسي مقتل أكثر من 400 ألف مسلم ؟؟

    التغيير قادم سواء رضوا الحكام العرب بهذا أم لم يرضوا .. فالأفضل لهم أن يبحثوا لهم عن دول أو يشتروا جزر لهم تؤيهم من بطش الغاضبين عليهم .

  2. يقول معتدل:

    هل الاستثمار الزراعي في فلسطين أو أفغانستان أو العراق أو اليمن أو الصومال ممنوع ؟؟
    هل الاستثمار الزراعي في طاجكستان أو تركمانستان أو ايران ممنوع ؟

    ما شاء الله بلدان المسلمين صالحة للزراعة وأفضل من غيرها .

إشترك في قائمتنا البريدية