من غير المرجح أن يؤدي مقتل القحطاني إلى انقسام في الهيئة أو خروج بعض كتائبها خصوصا وأن فرضية مقتله من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» هي المرجحة.
قُتل القيادي في تنظيم «تحرير الشام» العراقي أبو ماريا القحطاني خلال عملية انتحارية استهدفته مباشرة في المضافة التي يستقبل بها زواره اليوميين منذ خروجه من سجن هيئة «تحرير الشام» قبل أقل من شهر.
وبعد نحو ساعة من التفجير الذي استهدف مضافة العساني غرب سرمدا قرب معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا،
أعلنت وكالة أمجاد الإعلامية التابعة لـ «تحرير الشام» مقتل القحطاني «جراء هجوم غادر باستخدام حزام ناسف، نُفِّذ على يدي عنصر ينتمي لتنظيم الدولة» وتبنى الرواية عبد الرحيم عطون رئيس المجلس الشرعي في هيئة تحرير الشام، كما أعرب عن خسارته الشخصية وخسارة الهيئة بمقتل القحطاني «أعزّي نفسي وسائر إخواني في هيئة تحرير الشام -قيادةً وجندًا- باستشهاد الأخ الشيخ ميسر بن علي الجبوري «أبو ماريا القحطاني» وأعزي سائرَ آلِ الشيخ رحمه الله، وسائر أهلنا الكرام في قبيلة الجبور.. ولعن قاتليك».
ونشرت المعرفات الرسمية للهيئة صورة لأبي محمد الجولاني يودع رفيق مسيرته الجهادية منذ تأسيس «جبهة النصرة لأهل الشام» حيث تولى أبا ماريا القحطاني منصب الشرعي العام فيها، كما قاد معارك المنطقة الشرقية في سوريا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بصفته مسؤولا عن القاطع الشرقي في جبهة النصرة. وكان القحطاني أبرز الشرعيين الجهاديين الذين حاججوا نظراءهم في تنظيم «الدولة» وأنصاره حتى أطلق عليه لقب «قاهر الخوارج». ومع انتصار التنظيم وسيطرته على مناطق واسعة شمال وشرق سوريا واستسلام أغلب الفصائل المحلية فر القحطاني ومقاتلوه من أبناء دير الزور إلى جنوب البلاد عبر البادية السورية.
وعن دور القحطاني في شرق سوريا، اعتبر الباحث السوري محمد حسان الذي عرف القحطاني في محافظة دير الزور أنه أهم شخصية جهادية في سوريا والعراق قرأت الخريطة العشائرية والقبلية. وأضاف في اتصال مع «القدس العربي» أن خبرته في التعامل مع تلك المجتمعات المحلية هي التي حسمت موقف العشائر في شرق سوريا للوقوف إلى جانب «جبهة النصرة» في حربها ضد تنظيم» الدولة الإسلامية».
وعرف القحطاني ببراغماتية عالية للغاية، فبعد لجوئه إلى جنوب سوريا خفف من خطابه الأيديولوجي لصالح خطاب أكثر اعتدالا بسبب قوة فصائل الجيش الحر المنضوية للجبهة الجنوبية والتي تتلقى دعما من غرفة العمليات العسكرية «موك» التي أشرفت عليها المخابرات الأمريكية وضمت دولا أصدقاء الشعب السوري الغربية والعربية الفاعلة بالملف السوري إضافة لتركيا، ما اعتبره كثير من الجهاديين أنه تغريد خارج السرب، ودافع وقتها عن حركة أحرار «الشام الإسلامية» وانتظر قادتها وصوله إلى الشمال السوري قادما من درعا للتخفيف من الاحتقان الحاصل مع «النصرة» وشرعييها الذين لم يتوانوا عن التهجم على الحركة وتشويه سمعتها والصاق تهم العمالة والانتماء إلى الإخوان المسلمين تارة والتبعية لتركيا وقطر تارة أخرى.
وانتقل القحطاني وعشرات المقاتلين معه من درعا جنوب سوريا إلى شمال سوريا بصفقة تبادل أطلق خلالها عشرات الضباط والجنود الأسرى وأسرى يتبعون لإيران مقابل عدم التعرض لهم، لكن سرعان ما كشف الرجل عن وجهه الحقيقي في إدلب وقاد الحرب ضد «أحرار الشام» في الميدان وسُرب له تسجيل صوتي يصف أحرار الشام بالأطفال وأن «النصرة» ستنهي مسألتهم قريبا.
وفي التحقيقات المتعلقة بمقتل القحطاني، اتهم وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ، الجمعة تنظيم «الدولة» بالوقوف خلف التفجير وقال في تصريح رسمي إن الأشخاص الثلاثة المتورطين بالاغتيال بمن فيهم الانتحاري، تبين انهم يتبعون لتنظيم «الدولة» وما زالت وحدات الأمن العام منتشرة بحثا عن الشخصين الذين هربا قبل تفجير الانتحاري لنفسه.
وقبل عدة أيام، حذر صالح الحموي الملقب «اس الصراع « وهو الشرعي العام الأسبق للنصرة والمنشق عنها، من إطلاق قائد جهاز الأمن العام في الهيئة الملقب أبو أحمد حدود سراح مجموعتين من عناصر التنظيم بعد اعتقالهما مدة عامين، بينهم خطاب المغربي، وأن اتفاقا جرى بين حدود وزعيمهم أبو سياق من أجل استهداف بعض الأشخاص وإحداث ارباك أمني في الشمال، بما يوحي بان المستهدفين سيكونون من المفرج عنهم على خلفية ما عرف بـ «قضية العملاء».
وفي سياق منفصل، شدد عروة عجوب طالب الدكتوراه في جامعة مالمو والمختص بشؤون الجماعات الجهادية على «النفوذ الواسع للقحطاني ضمن عناصر المنطقة الشرقية» المنتسبين للهيئة وهم الذين انتقلوا سوية إلى درعا بعد الحروب مع تنظيم «الدولة» في شرق سوريا ومن ثم إلى إدلب، ووصف القحطاني بانه «كان صمام الأمان في كتلة الشرقية» ونوه إلى دور القياديين مظهر الويس ويوسف الهجر في الضغط على الجولاني من أجل إخراجه من السجن.
كما لفت في مكالمة مع «القدس العربي» إلى الدور الكبير الذي لعبه القحطاني داخل «الهيئة» ضد خلايا تنظيم «الدولة» في إدلب وحراس الدين باعتباره مسؤولا عن «ملف الخوارج» في تحرير الشام.
والجدير بالذكر، أن القحطاني كُلف مع جهاد عيسى الشيخ المشهور «أبي أحمد زكور» المسؤول الاقتصادي في «الهيئة» عن اختراق مناطق الجيش الوطني في عفرين والباب حيث تمكنا من بناء شبكة واسعة من العلاقات وفرضا تواجدا أمنيا وشبه عسكري لـ «تحرير الشام» هناك.
أما عن المستفيد من مقتل القحطاني، يرى عجوب أن أعداءه كثر، فهو «عدو القاعدة (حراس الدين) وداعش وفصائل الجيش الوطني وعلى خلاف كبير مع جماعة بنش داخل الهيئة والجهاز الأمني أيضا».
وكانت قيادة «الهيئة» قد وجهت للقحطاني اتهامات بتواصلات خارجية وضلوع في العديد من قضايا الفساد والابتزاز المالي لعدد من التجار في إدلب، وأنها قد أرجعت الكثير من الحقوق في كل ما وصلت إليه من قضايا بعد أن تبين استحقاق أصحابها.
وربطت تهم الفساد تلك مع أبو أحمد زكور الذي هرب إلى ريف حلب الشمالي. وحاول الجهاز الأمني احضاره بالقوة قبل ان تتدخل قوة مشتركة بين الجيش التركي والجيش الوطني وتطلق سراحه.
ويذكر أن القحطاني من مواليد محافظة الموصل عام 1976 وكان داعية في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وعمل كمسؤول علاقات بين العشائر والتنظيم في العراق، اعتقلته هيئة تحرير الشام في شهر آب (أغسطس) 2023 بتهمة التواصل مع جهات خارجية، وأطلق سراحه في 8 آذار (مارس) الماضي بعد إسقاط التهم الموجهة إليه.
من غير المرجح أن يؤدي مقتل القحطاني إلى انقسام في الهيئة أو خروج بعض كتائبها خصوصا وأن فرضية مقتله من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» هي المرجحة حتى اللحظة ويبدو انها مقنعة لعدد كبير من قادة الصف الأول بمن فيهم أولئك المنحدرين من المنطقة الشرقية. إضافة إلى انهم أساسا من المقربين من الجولاني ولم يكونوا على خلاف معه يوما على العكس فجميعهم ناصروا الجولاني في أشد الظروف صعوبة ضده، أيام الشقاق والضغط الكبير من قبل زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبي بكر البغدادي.
ويعلم كل القادة الموجودين في بداية تشكيل التنظيم أن الشرعي العام لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق سابقا، أبو علي الانباري كان قد أصدر أمرا بقتل أبي ماريا القحطاني وقائد حركة أحرار الشام الإسلامية باعتبارهم من أبرز الشخصيات ذات المقدرة على المحاججة الشرعية وإقناع الأنصار وأن الرجلين كانا يقفان حاجزا بوجه انتساب الراغبين للتنظيم. ويضاف إلى ذلك مطاردة القحطاني لكل الخلايا والتنظيمات الجهادية التي لم تلتزم بالولاء لجماعته، الأمر الذي يعني أن قاتليه جماعة، لكن الفرحين بمقتله جماعات كثيرة بعضها عابر للحدود وبعضها داخل تنظيمه.
نهاية، لقد قُتل القحطاني بنفس الطريقة التي خبرها ونفذها عشرات المرات ضد خصومه في العراق وسوريا، وذاق من نفس الكأس التي أجرع سمها بيديه لخصومه.