خلال الحرب العالمية الثانية تعرض اليهود لحرب إبادة قام بها النازيون، ووقف العالم كله يدين تلك الحرب، وأطلق عليها اسما أصبح قانونا يدان به كل من ينكره، وكان ذلك سببا في بحث العالم الغربي عن وطن لتسكين اليهود، وانتهى به المطاف في أرض فلسطين التي هجر أهلها لتصبح وطنا لهذا القادم الجديد، وكان المنتظر أن يكون القادم قد استوعب الدرس مما تعرض له، ولكن بعد مرور أكثر من ستين عاما هاهم الإسرائيليون يعيدون المأساة نفسها التي تعرضوا لها، ويلحقون بالفلسطينيين في قطاع غزة مآسي لا تقل عما تعرضوا له خلال الحرب العالمية الثانية إن لم تفقها، وكان منظر الأطفال وهم يقتلون تحت ركام منازلهم مثيرا للعواطف في كل أنحاء الدنيا، ومن أجل ذلك خرجت مظاهرات الاستنكار في معظم دول العالم، في فرنسا وبريطانيا، والولايات المتحدة، وتركيا.
ولم تكن هذه المظاهرات تستهدف الإدانة فقط، بل كانت تستهدف وقف العنف غير المبرر على الشعب الفلسطيني، ذلك أن ما جرى في قطاع غزة كان مأساة لا يقبلها الضمير الإنساني.
وعلى الرغم من ذلك فقد رأينا كثيرا من المواقف خاصة في العالم الغربي لا تتناسب مع طبيعة الأحداث التي يشاهدها سائر الناس.
وكان غريبا أن يصرف وزير الداخلية الفرنسي الموضوع عن مجراه الحقيقي ويصور المظاهرات التي خرجت في فرنسا على أنها موقف ضد السامية، متجاهلا حقيقة أن العرب أنفسهم ومن بينهم الشعب الفلسطيني هم من الشعوب السامية، ولكن الوزير تعمد أن يذكر ذلك حتى يصور أن معارضة بلاده لمظاهرات فرنسا تنطلق من مبدأ أخلاقي، هو معارضة النشاطات الموجهة ضد السامية، وهي لم تكن موجودة لأن مظاهرات فرنسا لم تكن ضد السامية، بل كانت مجرد اعتراض على ما تمارسه إسرائيل ضد اليهود، وقد رأينا على شاشات التلفزيون بعض الإسرائيليين يعترضون على ممارسات حكومتهم ضد الفلسطينيين، وكان من الغريب أن تصور بعض وسائل الإعلام الفرنسية ما يجري على أنه هجوم موجه ضد اليهود وممتلكاتهم دون أن تلقي هذه الوسائل اهتماما بما تحدثه إسرائيل في قطاع غزة.
والسؤال المهم، هو لماذا تنحاز وسائبل الإعلام الغربية دائما لصالح الإسرائيليين على حساب المصلحة العربية مع أن مصالح الفرنسيين مع العرب أكبر بكثير من مصالحهم مع الإسرائيليين، وكان من الغريب أن يصدر الرئيس «أولاند «تصريحا يقول فيه إن من حق إسرائيل أن تحمي مواطنيها دون أن يلقي بالا لما ظلت تفعله إسرائيل ضد سكان قطاع غزة، فهل كانت حرب إسرائيل ضد المعتدين عليها أم كانت ضد السكان الأبرياء من نساء وأطفال وكبار في السن لا يقدرون على الحركة من الأماكن التي يقع فيها العدوان ؟
ولا يختلف موقف الولايات المتحدة كثيرا عن موقف فرنسا ، ذلك أن إدارة الرئيس أوباما استمرت في تشديد لهجتها الناقدة لحركة «حماس» دون أن تصدر تشديدا مماثلا ضد ما تقوم به إسرائيل، وقال الرئيس أوباما وأيده في ذلك «جون كيري» إن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها أمام هجمات حماس، وليس القصد من ذلك هو مجرد الدفاع عن النفس بل أيضا تبرير ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات، وقد أصدر البيت الأبيض بيانا قال فيه إن الرئيس «أوباما» اتصل هاتفيا برئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» وعبر له عن إدانته لصواريخ «حماس» وأخبره أن وزير الخارحية «جون كيري» قادم إلى منطقة الشرق الأوسط لمعالجة الوضع من وجهة النظر الأمريكية، وليس في كل ذلك مفاجأة لأحد لأنه يعكس فقط الانحياز لدولة إسرائيل على حساب الأمة العربية، وهو انحياز يخلو من المنطق لأن حجم الأمة العربية ومصالح الولايات المتحدة معها لا يقارن بحجم إسرائيل ومصالحها مع الولايات المتحدة.
ويحدث كل ذلك في في وقت نزح فيه أكثر من مئة ألف فلسطيني من منازلهم وظلوا يبحثون لأنفسهم عن ملاجىء في المدارس التي تدعمها الأمم المتحدة كمراكز للجوء.
وعلى الرغم من حدوث هذه المأساة فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يبرر ما قام به بقوله إنه حاول أن يتفادى ما حدث عن طريق الرسائل الهاتفية للمواطنين والمنشورات التي تحذرهم بضرورة مغادرة أماكنهم لأنها ستتعرض للقصف ـ فهل يكفي ذلك لو حدث لتبرير القصف على مواقع مواطني القطاع الآمنة؟
وظل الجميع يتطلعون إلى المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن، وهو مؤسسة فاقدة للحيوية لأنه محكوم بصوت الفيتو، ولكن الجميع لا ينظرون إلى تحقيق النجاح من داخله لأن الجميع ينظرون إلى أن تحقيق الأغلبية في مجلس الأمن هو في حد ذاته كسب على الرغم من عدم تحقيق قرار، ولكن مجلس الأمن لا يفعل في العادة شيئا، بل يكتفي يالتعبير عن قلقه أمام الأحداث، وذلك ما فعله في قضية فلسطين في الوقت الحاضر.
وإذا نظرنا في الواقع لما يجري في قطاع غزة وجدنا أنه لا ينفصل عما يجري في العالم العربي، ذلك أن العالم العربي يغلي، فهناك في سوريا مازالت أعمال العنف قائمة، ومازال الرئيس «بشار الاسد» يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة، ولا يختلف الوضع كثيرا في العراق إذ اشتعلت الحرب الطائفية وأصبح جزءا كبيرا من البلاد الآن يخضع لسلطة «داعش»، وتعيش مصر تحت نظام مختلف حوله، ولكنه بكل تأكيد ليس صديقا لحركة «حماس» التي يعتبرها جزءا لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين التي انتزع السلطة منها، وتعيش ليبيا أيضا ظروفا قتالية، وذلك هو حال اليمن، ويفسر هذا الوضع لماذا لم تتحرك الدول العربية سواء من ناحية الشعوب أو من ناحية الحكومات للتعبير عن مواقفها تجاه هذه المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ولو حدث شيء كهذا في زمن الرئيس جمال عبد الناصر لقامت الدنيا ولم تقعد.
ومؤدى قولنا هو أن المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطينيي في الوقت الحاضر هي بسبب واقع دولي وعربي لا يخلو من الهنات، إذ يبدو أن جميع الأطراف المشاركة في مثل هذه النزاعات بحاجة إلى أن تصحح مواقفها بحسب المعطيات الجديدة، لأنه ليست هناك مشكلة بلا حل، ولكن يجب أن يكون تعريف المشكلة وتحديدها متفقا عليه بين جميع الأطراف المشاركة، وإذا تم مثل هذا التحديد فيمكن بعد ذلك البحث عن الحل الذي لا يأتي من طرف واحد بل يأتي من سائر الأطراف، ولا توجد مشكلة في العالم أصبح حلها ضروريا مثل القضية الفلسطينية.
٭ كاتب من السودان
د. يوسف نور عوض
تحية طيبة سيدي الكريم و بعد اود الاشارة الى موقف الجزائر في نقطة اولى سواء كانت شعبية او رسمية فلم تتوانى جمع الجزائريين للخروج تعبيرا لرفضهم للقصف العشوائي لاخواننا في غزة في كل ربوع الجزائلر من العاصمة الجزائر وعبر جميع المحافظات بالاظافة الى ذلك نسجل الموقف الرسمي الذي ابن عن نضج كبير لدى الخارجية الجزائرية انطلاق من تركيزها على محور محموعة عدم الانحياز و المجموعة العربية لقصد الضغط لعقد جمعية عامة للامم المتدة للتنديد بالوضع الراهن الذي تعرفه الاراضي الفلسنية .كما اضيف الى ذلك الهبة الشعبية للجزائررين للتظامن مع اخوانهم الفلسطنيين عبر العديد من التظاهرات اليومية .حقيقة كان يمكن ان نعمل المزيد لكن المهم اننا لم نقف مكتوفي الايدي و شكرا