(مكالمة)
صبيحةَ المجزرة،
مجزرةِ صبرا وشاتيلا،
اتّصل عليّ الجندي بممدوح عدوانْ،
رفع محمود السّماعة
وردّ مستغربا:
ماذا يمكن أن يقول عربيٌّ لعربيٍّ الآنْ؟
(الخزّان)
صبيحةَ الطّوفانْ
طوفانِ الأقصى
تفاجأ معظم العالم
بأنّ رجالَ الشمس
لم يتعفّنوا في الخزّانْ
وبأنّ قبضةً واحدةً
قبضةً حارّةً
قد تردُّ على العدوانْ
…
فَقِرَّ قبرا أيّها الشهيد
قِرَّ قبرا يا غسانْ.
(السّد)
في فلسطين أطفالٌ في سنّ الطروتِنيط يقفون بكلّ بضاضتهم سدًّا حيًّا أمام شراهة الروبوت الصّهيوني، الذي لو استطاع لالتَهَم الوطن العربيَّ حتى آخر صفقة.
لقد نذروا طفولتهم وشبابهم للدفاع عمّا تبقّى من ماء الوجه العربي، مثلما نذروا أشلاءهم لدخول التاريخ كيلا يعود الوطن منقوصا إلى الجغرافيا.
هذه الـ»فلسطين» أعمق من أن تطفح بالقمصان مضرّجةً بدمٍ صِدْقٍ…
فتلك الـ»إسرائيل» محض عواء مقبل من ضواحي الأسطورة.
(اختبار)
طوفان الأقصى اختبار آخر وليس أخيرا. غير أنّه، هذه المرّة، كان اختبارا للحمض النووي، أسفر عن استشراء نسل إسرائيل بيننا. ولَكَمْ كان ذلك موجعا لنا نحن الذين استتبّت أرواحنا لفلسطين.
هكذا اتّضحَ الذئب.
هكذا اتّضحت أضرابه.
فإذا ليوسف إخوةٌ أَخْيافٌ: الأمُّ الأرضُ والآباءُ ذكورُ الوحش.
(مجزرة)
يا لهذه المَجْزرةْ:
أجسادٌ ظلماء
تسفك
أرواحًا مقمرةْ.
(يوسف)
منذ فجر الأديان وفلسطين رحم خصبة للأنبياء، حتى إنّها صارت نبيّا لهذه الأرض. غير أنّ ما يحدث لها يفوق ما حدث لغيرها من الأنبياء مع أقوامهم.
لنقل إنّها يوسف: الذئب حقيقي هذه المرة، وله شراسة الذئاب قاطبة. الدم ليس كذبا، وما من بئر، وما من أحد عشر كوكبا… بل اثنان وعشرون مستنقعا لا ينعكس الضّوء عليها إلا مُعَفَّرا بظلامٍ آسنٍ. أمّا الصّمت فهو صِنْوُ العواء.
(نكاية)
فلتعتصمْ
بدمك المسلّح بحليب الألمْ
سيُجَنُّ الجلاّد
إن بقيت عاقلا
سيجنّ إن بقيت
عالقًا
بالحُلُمْ
ولتعتصمْ
بالوجود
نِكايةً في هذا العدمْ.
(المكيال)
إخوة يوسف من الذئب يأخذون عليه حماسَ القبضة التي فجّرت الخزّان، وهم بذلك يغمزون من قناة لم يجرؤوا أبدا على الغمز منها وهم يشاهدون لِحى التلمود تهرش، بلا هوادة، أسسَ الهيكل بحثا عن رُفات الهدهد.
هكذا،
حتى ورفات الهدهد أكذبُ إِنباءً
فإخوة يوسف أَجْبَنُ عواءً.
(الهمج)
ما يحدث: الجُبن مسلّحٌ والشّجاعة عزلاء. هكذا يتقدّم الباطل بحججٍ من حديد وبراهين من نار كي يُفحم الحقّ بالتّنازل عن نفسه.
ما يحدث: امتحان آخر يُلقي فيه القاتل أسئلة الفتك على القتيل، فيرسبان معا، فيما تنجح الأرض، ولو بعد دهر، بميزة شقائق النعمان.
ما يحدث: أطفال في عمر الآيس كريم يبذلون أرواحهم كي يُسَدِّدوا ديْنا ملفَّقا للتاريخ على الجغرافيا بفوائد يحددها صيارفة الدم.
ما يحدث: أرض حَرونٌ تحت أقدام أصحابها، وسُوّاسٌ بقلوب من حجر وسِياط من لهب يسوقونها إلى إسطبل في التّلمود.
ما يحدث: قُدرةٌ مدجّجة بالأساطير تواجه عجزا يتوسّل المعجزات.
ما يحدث: أنّهم يصُبّون أنهارا من الظلام في بحر الليل عسى أن يطفح بأحلامهم.
ما يحدث: منحدَرٌ آخر رهيب وللحضيض فيه شكل القمّة.
ما يحدث: الحضارة رهينة الهمج.
(الجلاد)
ها هو الجلاد القديم يبارك لضحيته أن باتت بدورها جلادا، فيمدّ لها يد البطش لتمحو ضحيّتها من القنوات والملاعب والمعارض والهتاف والجرائد.. في أفق أن تمحوها من الذاكرة. وكأنّه بذلك ينزع من ضميره شوكةً، يقينا لن يتسلّمها منه أحد: فالجلاد الجديد لا يُشَقُّ له ضمير.
(عواء)
واحدٌ وعشرون كوكبًا
أقلعتْ عن عادة السماءْ
فانعكستَ وحيدا
وعميقا
على صفحة الماءْ
فإذا أنتَ عطشُ الذئب
وإذا البئر منك
طافحةٌ بالدماءْ
…
وكانَ أنْ خرجتَ عاريًّا
بينما قمصان إخوتك
مضرَّجةٌ بالعواءْ.
(ملحمة)
تحتاج فلسطين إلى أكثر من هوميروس ليكتب إلياذتها:
فرجالها هم ذكور الشجاعة.
ونساؤها هنَّ إناث الصّبر.
وما من نطفة في رحمها إلا ومَنذورة لمصير غير المصائر.
لكن،
من سيكتب عن إسطبلٍ من أحصنة طروادة؟
شاعر مغربي