30 عاما على “اتفاق أوسلو”.. الاحتلال يقضي على حلم الدولة الفلسطينية والمعارضة تدعو إلى تصعيد المقاومة وإعلان فشل الاتفاقية

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة – “القدس العربي”:

حلت الأربعاء 13 أيلول/سبتمبر، الذكرى الـ 30 لاتفاق السلام الشهير بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المعروف بـ “اتفاق أوسلو”، فيما لا يزال الفلسطينيون يعانون من ويلات الاحتلال، ولم يتمكنوا من إقامة الدولة المستقلة، رغم انقضاء الفترة الانتقالية، التي يفترض أن تستمر بعد الاتفاق لمدة خمس سنوات فقط.

اتفاقية على الورق

وفي العام 1993، أي قبل30 عاما، وبعد أيام قليلة من الخطاب الشهير الذي وجهه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت إسحق رابين، اعترف خلاله بحق إسرائيل في الوجود، وقف الرجلان لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في حديقة البيت الأبيض، للتوقيع على “اتفاق أوسلو” للسلام، والذي كان من المفترض أن يؤسس لمرحلة جديدة تنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

غير أن ثلاثين عاما مضت على ذلك الاتفاق من دون أن يحدث أي تغيير حقيقي على وضع الفلسطينيين على أرض الواقع، حتى أن أوضاع الفلسطينيين سواء القاطنين في المناطق الفلسطينية في الضفة وغزة، أو في المناطق المحتلة عام 1948، أو في مخيمات اللجوء في الدول المضيفة زادت سوءا، بعد أن قضت حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ ذلك الاتفاق، على حلم الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة كاملة السيادة، تنهي الفترة الانتقالية التي حددت لها مدة خمس سنوات، وكذلك فترة الحكم الذاتي المحدود.

وكان الطرفان بموجب الاتفاق، وقعا على حل بعض القضايا الحياتية البسيطة، وأجلا حل ملفات الوضع النهائي المتمثلة في الحدود والقدس واللاجئين والمياه والأسرى، إلى ما بعد انقضاء مدة الخمس سنوات، وكان الفريق المؤيد للاتفاق داخل منظمة التحرير، يتطلع إلى أن يكون الاتفاق المرحلي مع إسرائيل، بداية الطريق لإقامة الدولة الفلسطينية.

وقد وقع الاتفاق عن الجانب الفلسطيني محمود عباس، حين كان يشغل منصب أمين سر اللجنة التنفيذية، وعن إسرائيل وزير الخارجية شمعون بيريس، ووقع عليه كشاهدين وزيرا خارجية روسيا أندريه كوزيريف، ووارين كريستوفر عن الولايات المتحدة الأمريكية، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، والراحل عرفات ورابين.

وبموجب الاتفاق التزمت منظمة التحرير، بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن يكون إعلان المبادئ هذا يبدأ حقبة خالية من العنف، وطبقا لذلك فإن منظمة التحرير تدين استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى، وأعلنت أنها ستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني ليكون متوافقا مع هذا التغيير، وهو ما تم بعد ذلك فعلا، فيما قررت حكومة إسرائيل في ضوء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية، الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات معها.

وكانت “اتفاقية أوسلو” أساسا لتشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994، والتي نجم عنها قدوم قوات منظمة التحرير من عدة بلدان عربية، لاستلام المهام الأمنية في قطاع غزة ومدينة أريحا بالضفة الغربية، أولا، ومن ثم توسعت لتستلم المهام الأمنية في مدن الضفة الغربية تباعا، غير أن إسرائيل وبعد اندلاع “انتفاضة الأقصى” وفشل أشهر جولة مفاوضات بحثت قضايا الحل النهائي عقدت في منتجع “كامب ديفيد” الأمريكي، أعادت احتلال الكثير من المناطق التي سلمتها للجانب الفلسطيني.

ولم تقف الاتفاقيات السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين عند حد أوسلو، فتوسعت قبل فشل “كامب ديفيد 2″، وشهدت التوقيع على “اتفاق طابا”، وقبله اتفاق في العاصمة المصرية القاهرة، أسس لقيام السلطة الفلسطينية، وكذلك اتفاق “واي ريفر” في أمريكا، علاوة عن الاتفاق الاقتصادي الشهير “اتفاق باريس” الذي وقع في فرنسا في العام 1994.

الاحتلال يتمدد

هذا وتحل الذكرى الـ 30 لـ “اتفاق أوسلو”، ولا يزال قطاع غزة الذين انسحبت منه إسرائيل، يتعرض لحصار محكم، يحرم بموجبه السكان من الحركة بحرية، ويحرمون أيضا من الانتفاع بأرضهم، بإقامة مطار أو ميناء، فيما الأوضاع في الضفة تتجه إلى الأسوأ، في ظل السطو الخطير على الأراضي في المناطق “ب” و”ج” لصالح مشاريع الاستيطان الخطيرة، فيما تتعرض المناطق المصنفة “أ” لاقتحامات متكررة، تهدف سلطات الاحتلال من ورائها إلى إضعاف السلطة الفلسطينية.

وبموجب “اتفاق أوسلو” قسمت مناطق الضفة إلى “أ” تديرها مدنيا وأمنيا السلطة الفلسطينية، و”ب” تتبع مدنيا للسلطة وأمنيا لسلطات الاحتلال، و”ج” تتبع مدنيا أمنيا لإدارة الاحتلال، حيث تحتل المناطق “ب” و”ج” المساحة الأكبر من الضفة.

وفي هذه الأوقات تتفنن حكومة اليمين الحالية، التي أدارت ظهرها لكل الاتفاقيات، في سرقة أراضي الضفة، لصالح توسعة المستوطنات، وإقامة بؤر جديدة وشبكات طرق التفافية، ضمن مخططها الرامي لضم المستوطنات، وقضمها من أراضي الدولة الفلسطينية.

وقد ظهر ذلك واضحا في تصريحات قادة دولة الاحتلال، وآخرها تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي عبر عن رفضه مبدأ إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ودفاعه عن توسيع الاستيطان.

ومع مرور الثلاثين عاما على الاتفاق، من دون أن يحرز أي تقدم إيجابي لصالح الفلسطينيين، بما يخص إقامة دولة مستقلة، خلق هذا الأمر حالة إحباط شديدة في أوساط الفلسطينيين، حتى في وسط القيادة الفلسطينية التي تنخرط في اتفاقيات السلام وتفصيلاتها، ودفعها إلى تحويل المخططات الهادفة إلى إقامة دولة مستقلة، من التفاوض الذي أثبت عقمه مع دولة الاحتلال على مدار السنوات الماضية، إلى التوجه إلى المجتمع الدولي، للاعتراف بدولة فلسطينية على حدود العام 1967، واقعة تحت الاحتلال، وهو مخطط تحاربه إسرائيل والإدارة الأمريكية، وتعمل على إجهاضه في الأمم المتحدة، حيث من المقرر أن يطلب الرئيس الفلسطيني بهذا الأمر خلال خطابه هذا الشهر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وكانت القيادة الفلسطينية قررت في اجتماعها الذي عقدته قبل شهرين، وقف كل أشكال الاتصال مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية، بعد اجتياحها لمخيم جنين الدامي، وفي ظل توجهاتها العنصرية والاستيطانية، التي تقوم على تدمير حلم إقامة الدولة المستقلة.

وبالعودة إلى ذلك التاريخ قبل 30 عاما، فلم يكن فارقا على المستوى السياسي العالمي والإقليمي، بجمعه الخصوم بعد فترة طويلة من الصراع، بل كان فارقا على مستوى العمل السياسي الفلسطيني الداخلي، حيث خلق فريقين، الأول بقيادة حركة فتح مؤيد لأوسلو، والثاني معارض بقيادة حركة حماس، وقد ظل الخلاف قائما ويكبر مع مرور الأيام والسنين، حتى وقع الانقسام الداخلي في العام 2007.

تصعيد المقاومة

وبهذه المناسبة قالت حركة حماس، إن فشل حكومات الاحتلال المتعاقبة في كسر إرادة وصمود الشعب الفلسطيني والنيل من عزيمة المقاومة في قطاع غزّة وعموم الضفة الغربية المحتلة، بفضل وحدة الشعب ومقاومته، “يؤكّد مجدّداً أنَّ خيار المقاومة الشاملة والوحدة الوطنية هو السبيل لانتزاع الحقوق كاملة غير منقوصة”.

ودعت حركة حماس في بيان صحافي لما وصفتها “اتفاقية أوسلو المشؤومة” إلى تعزيز الوحدة والشراكة الوطنية والتوافق على برنامج نضالي في مواجهة الاحتلال ولتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة، وقالت “إنّ التفاف شعبنا في فلسطين وفي مخيمات اللجوء والشتات واحتضانه الكبير لمشروع المقاومة يبعث برسالة إجماع على المقاومة والثورة سبيلاً نحو التحرير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، “ما يرسّخ حقيقة أنَّ الرّهان على مشاريع التسوية والتفاوض ما هو إلاّ محض سراب ووَهم”.

وجددت رفضها لكل الاتفاقيات “التي تتنازل عن ثوابتنا وحقوقنا الوطنية”، داعيةً قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى إعلان “فشل اتفاقيات أوسلو، وانتهاء الالتزام بها، وسحب اعترافها بالكيان الصهيوني المحتل، والعمل مع الكل الوطني لترتيب البيت الفلسطيني، وإنجاز الشراكة الوطنية الحقيقية، عبر التوافق على إستراتيجية وطنية جامعة وبرنامج نضالي في مواجهة الاحتلال الصهيوني الفاشي، حتى تحقيق تطلعات شعبنا في التحرير والعودة”.

وأشارت الحركة إلى أن “اتفاقية أوسلو” حيكت خيوطها خدمة للاحتلال ومشروعه الاستيطاني والتهويدي على الأرض الفلسطينية.

وفي السياق، قالت حركة الجهاد الإسلامي إن “اتفاق أوسلو” يمثل “طعنة لقضية فلسطين وشعبها، وهو يوم مشؤوم في تاريخ القضية الفلسطينية”، لافتة إلى أن ذلك الاتفاق “قسّم الأرض، ومزق الشعب، وحرف القضية من المطالبة بكامل أرض فلسطين وعودة أهلها إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم، “إلى استجداء المطالبة بدويلة على حساب آلام شعب وبقايا أشلاء وطن”.

وأشارت إلى أن الاتفاق “أزال من وجه المطبعين العرب كل حرج، وسهل لهم كل سبيل، ومهد لهم كل طريق، وفتح لهم كل باب، للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، بل ومنحهم الذريعة بأن أصحاب القضية أنفسهم قد طبعوا، وهي ذريعة يرددها أصحاب الأجندات المشبوهة، وما كان لهم أن يتفوهوا بها لولا خطيئة أوسلو”.

ورأت أن التوقيع على هذه الاتفاقية، وما سبقها من اعتراف بالاحتلال وما لحقها من اتفاقات، ومنها إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني تحت شعار تعديله، “لا يمثل شعبنا الفلسطيني، ولا يلزمه بشيء”، ودعت الفلسطينيين إلى تصعيد المقاومة، ومداومة الاشتباك مع الاحتلال على امتداد الأرض الفلسطينية من نهرها إلى بحرها.

وقالت الجبهة الديمقراطية إن القيادة الرسمية تتحمل المسؤولية، ليس عن توقيع الاتفاق فحسب، بل وكذلك اتباعها سياسة مائعة في تطبيق الاتفاق، بما في ذلك تأجيل مفاوضات الحل الدائم، ودعت إلى رسم إستراتيجية نضالية سياسية، ميدانية، ثقافية، إعلامية، دبلوماسية، بما في ذلك إعادة النظر في تموضع بعض المؤسسات الوطنية، أخذاً بالاعتبار تداعيات تصعيد المقاومة الشاملة، في ظل القيادة الوطنية الموحدة، الواجب وضع الآليات لتفعيلها، ودعت إلى وضع خطة تحرك رسمي وشعبي، لمطاردة دولة الاحتلال في المحافل الدولية باعتبارها دولة مارقة ومتمردة، واستكمال تنسيب دولة فلسطين إلى المؤسسات والمنظمات الدولية ذات الاختصاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية